من الحضور الإقليمي إلي التبعية .. مصر في مرآة الإعلام بعد انقلاب ٢٠١٣
الاثنين - 14 يوليو 2025
حنان عطية
اثنا عشر عاماً مرت على انقلاب الثالث من يوليو 2013، وهو الحدث الذي لم تستطع مصر أن تخرج من تداعياته حتى اليوم، بل وحتى أكثر المتفائلين يرون أن مصر لن تخرج منه متجاوزة آثاره على المدى البعيد!
فهل خسرت مصر كثيراً بعد هذا الانقلاب الدموي الذي أطاح بأول تجربة ديمقراطية عاشتها مصر في تاريخها الحديث، بعدما يقرب من ستين عاماً عجافاً من حكم الجيش قبل ثورة يناير 2011؟ وهل أعادنا انقلاب الثالث من يوليو إلى مرحلة هي الأسوأ من بين فترات حكم العسكر، حيث عانت مصر خلالها وخسرت ما لم تخسره من قبل؟ .
رغم الأفراح والليالي الملاح التي أقامها المنقلب ومن كانوا معه، ورغم الوعود التي قطعها لهم بأن مصر بعد مرسي سوف تكون أفضل، وبعد مقولته الشهيرة: "بكرة تشوفوا مصر" وأيضاً: "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا" فهل أصبحت مصر كذلك؟ وما هي صورة مصر في الإعلام وكيف يراها الإعلاميون؟.
لقد ظهرت آراء قوية من كتاب وصحفيين ومحللين مصريين وعرب يرون أن مصر تراجعت سياسياً واقتصادياً وأصبحت دولة مهمشة إقليمياً، بعد أن كانت قائدة للمحور العربي، فمثلاً: يرى الصحفي بلال فضل أن مصر التي كانت تقود الجامعة العربية باتت تُدار من الخليج، حتى في القرارات السيادية مثل اتفاقية سد النهضة.
أما الكاتب جمال سلطان فيشير إلى أن "مصر عاشت 12 عاماً من العزلة، حتى في ملف غزة الذي كانت تحتكر مصر الوساطة فيه، بينما تصدرت تركيا وقطر المشهد الآن".
ويضيف الكاتب عبد الله السناوي أن مصر التي كانت "أم الدنيا" أصبحت "أم الديون"، حيث تدفع فاتورة انقلاب لم ينتج سوى الديكتاتورية.
أما على المستوى العربي، فيرى الإعلامي الفلسطيني عبد الباري عطوان أن "مصر السيسي لم تعد مصر ناصر، حتى دورها في فلسطين أصبح هامشياً، بينما يُدار الملف الفلسطيني من الرياض والدوحة".
وقبل سنوات، أشار الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل إلى أن "السياسة المصرية الجديدة تخلت عن دورها التاريخي لتصبح حارساً لحدود " إسرائيل" ويؤكد المفكر عزمي بشارة أن "مصر فقدت دورها كقوة إقليمية، وأصبح الخليج هو من يقرر بينما مصر تتبع".
التقارير الدولية أيضاً لم تتجاهل هذا التراجع، حيث أشار تقرير "فورين بوليسي"، عام 2023، إلى تحول مصر من قائدة العالم العربي إلى دولة على الهامش، مع تراجع دورها الدبلوماسي لصالح السعودية والإمارات.
أما الناشطون والمعارضون، مثل المقاول محمد علي، فيؤكدون أن "الجنيه يسقط والشعب يجوع والنخبة تهرب، وهي نتيجة 12 سنة من حكم العسكر". ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي وائل قنديل: "إن مصر أصبحت سوقاً للسلاح الروسي والأمريكي، وساحة لتصفية الحسابات الخليجية."
هذه الأصوات ترى أن مصر بعد 12 عاماً من الانقلاب أصبحت دولة مديونة بأكثر من 165 مليار دولار ديون خارجية، وأصبح اقتصادها يعتمد على المساعدات، أما سياسياً فقد فقدت استقلاليتها وأصبحت تتبع المحور الخليجي-الأمريكي.
إقليمياً، تراجعت مصر أمام تركيا وقطر حتى في الملفات التي كانت تحتكرها مثل فلسطين وليبيا.
أما اجتماعياً، فقد تدهور مستوى المعيشة بشكل غير مسبوق، حيث يعيش 40% من المصريين تحت خط الفقر حسب بعض التقديرات.
أيضا ظهرت في بعض الصحف الموالية لنظام الانقلاب، مثل "الوطن" و"المصري اليوم"، انتقادات غير مباشرة، فمثلاً: كتب عماد الدين حسين عن أن "المشروعات الضخمة لا تطعم الشعب، بينما تختفي الطبقة الوسطى وينتشر الفساد رغم خطاب المكافحة".
أما الكاتب الاقتصادي محمد عبد الهادي علام، فأكد أن "الاقتصاد المصري يعيش على التنفس الاصطناعي من خلال القروض والمنح وبيع الأصول، دون إنتاج حقيقي".
بل إن بعض الشخصيات المقربة من النظام، مثل المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، عبرت عن قلقها في جلسات مغلقة، حيث حذر من أن "مصر قد تصبح دولة فاشلة بحلول 2030 إذا استمر الوضع على هذا النحو".
هذه الآراء تعكس إدراكاً حتى داخل الأوساط الموالية لانقلاب بأن مصر تواجه تراجعاً خطيراً في الاقتصاد والسياسة الخارجية والحريات والخدمات الأساسية.
وتلقى هذه الرؤية النقدية القاسية صدى لدى شريحة كبيرة من المصريين الذين يعيشون تدهوراً ملموساً في حياتهم اليومية، مما يطرح سؤالاً مصيرياً: هل كانت وعود "بكرة تشوفوا مصر" مجرد أوهام؟ أم أن الثمن الذي دفعته البلاد كان أكبر بكثير من أي مكاسب مزعومة؟