فى الذكرى الثانية والأربعين لصفقة السلام المصرية الإسرائيلية
الثلاثاء - 30 مارس 2021
لابد من تذكير الأجيال الحالية والقادمة بالاهتمام بهذه الذكرى لأنها عندنا سبب دمار العالم العربى والاضرار بمصر لأن هذه الصفقة عكست تخلى مصر عن دورها العربى والإقليمى بل والتطوع لخدمة المشروع الصهيونى فى مصر وفى المنطقة وبذلك حدث أول تناقض عملى بين مصالح نظام الحكم وأهوائه وبين المصالح الاستراتيجية للوطن وهى مسألة تؤرقنى كثيرا منذ عام 1952 واتمنى أن تتطابق مصالح النظام مع مصالح الوطن.
أما فيما يتعلق بمصر فإن المشروع الصهيونى يهدف أساسا ليس فقط إلى اخراج مصر من عداد القوي الاقليمية وانما إلى القضاء عليها وأهمية هذه الصفقة ودلالاتها هى أنها مكنت المشروع من استئناس مصر وأصبحت فاقدة للحساسية اتجاه مخاطر المشروع وما تعانيه مصر الآن هو تأكيد لسريان المشروع الصهيونى وتقدمه وأن كانت أعين العالم مسلطة على فلسطين ولكن الدمار وصل إلى حد سعى إسرائيل إلى حرمان المصريين من حق البقاء وتساندها فى ذلك إثيوبيا وبعض الدول العربية التى غلب فيها بشكل ظاهر مصلحة النظام على المصالح القومية والوطنية وأصبحت رهن اشارة إسرائيل وواشنطن وهى لاتدرك أنها تلحق ضررا بالغا بمصر مركز العروبة والإسلام وبالمنطقة كلها وبالأمة العربية والإسلامية بأسرها .ولذلك فأن مزاعم المطبعين بأن قرار التطبيع ينبع من سيادة الدولة أقول لهم أنها ليست دولا ولا تتمتع بالسيادة وأنما تستدعى السيادة للدفاع عن نزواتها السياسية المدمرة لفكرة السيادة ذاتها.
ولكن صفقة السلام بين مصر وإسرائيل التى وقعت فى مثل هذا اليوم منذ أثنين وأربعين عاما فى واشنطن كانت خاتمة لمسيرة طويلة وجهد لا يمل لإخراج مصر من أسرتها العربية ولذلك لم استغرب جهل بعض كبار المثقفين فى مصر مثل توفيق الحكيم الذى تحتفل به الأوساط العالمية باعتباره نبراسا للثقافة والوعى فقد انبرى الرجل فور اعلان السادات أن مصر ليست دولة عربية أو إسلامية لكى يؤصل الطابع الفرعونى لمصر وهو نفسه الذى كان ملهما لجمال عبدالناصر فى قراءته البسيطة وهى كتابه عن عودة الوعى وكأنه كان يتباكى على افقاد عبدالناصر للشعب ووعيه وأنه بعد 1967 عاد الوعى مرة أخرى ولو كان ذلك صحيحا لاختفي كل من له علاقة بمأساة ذلك التاريخ واعتذروا للشعب المصري على تصديهم لمهمه ليسوا مؤهلين لها ولكن المسلسل ظل مستمرا.
والحق أننى كنت أستشعر الخطر من صفقة السلام هذه ولكنى لا ارتاح لفكرة أن السادات كان عميلا وأن كل تصرفاته لابد من تفسيرها فى هذا السياق وأصحاب هذه النظرية يرون أن السادات اتخذ قرار الحرب عام 1973 مقامرة منه لتحقيق هدف سياسى وهو استخدام الجيش لتحقيق هذا الهدف ولما نبه الفريق الشاذلى إلى خطورة تدخله الأحمق فى قراراته العسكرية الحاسمة تخلص منه بل وعوقب الرجل على كفاءته واخلاصه ووطنيته فعاش طريدا ثم استقر فى السجون الحربية والغريب أنه كان يحتضر ساعة قيام الثورة على مبارك ونسله وأله ونحمد الله أنه لم يشهد ما بعد ذلك من أحزان.
ولست مبالغاً إذا قلت أن صفقة السلام التى نذكر بخطورتها اليوم هى أهم محطات المشروع الصهيونى منذ القرن الثالث عشر الميلادى وأن اختفاء مصر من الخريطة بعد جفاف النيل كما تقدر إسرائيل هو نهاية المطاف بالنسبة للمشروع الصهيونى الذى عميت القيادات العسكرية التى حكمت مصر منذ عام 1952 عن مخاطره وشغلها حب السلطة عن التفكير الجدي في هذه القضية .ولذلك فإننى أعيد النظر الآن فى كل تطورات المنطقة منذ عام 1948 وهو عام قيام إسرائيل واعتقد أن هذا العام بدأ به القرن الحادى والعشرون وأن ما تبقى من القرن العشرين كان خطوات فى اعداد المسرح لانطلاق إسرائيل بعد أن أمنت قوة مصر وسعت إلى القضاء عليها.
وحتى لا نظلم الراحلين من الحكام العرب فقد خصصنا سلسلة من المقالات لمحكمتهم أمام محكمة التاريخ وبدأنا بمقال وضعنا فيه الضوابط العادلة حتى يلقى الحاكم العربى عدلا ضن به على شعبه عندما كان إلها فى السلطة ولذلك استبعدنا من قضاة محكمة التاريخ كل من له ثأر أو غنيمة لدى الحاكم فنحن نعتمد فى تقييمنا على الوثائق.
وأعلم يقينا أن معظم الشعب المصرى يؤيد معاهدة السلام ويصدق أكاذيب السادات أمام مجلس الشعب عن خيرات المعاهدة وهو لا يدرى أن ما يعانيه بعد ذلك هو من شرور المعاهدة الداخلية والخارجية لأن هذا الفريق الذى فقد وعيه عبر عقود يردد أن معاهدة السلام كانت خاتمة مشرفه لحرب انتصرنا فيها لأول مرة وأن هذا النصر استغلته أطراف معينة للانتظام فى المشروع الصهيونى ولذلك فإن الجيش المصرى الذى تجرأ على هزيمة نظرية إسرائيل وجيشها الذى لايقهر رتبت له إسرائيل ما يستحق عندها .
ورغم أن الشعب المصرى لايزال منقسما بنسب مختلفة حول السادات إلا أنه لم تتم حتى الآن إقامة مناظرة حرة بين من يؤيدون صفقة السلام من المصريين وبين من يعارضونها وكنت أول المعارضين لها ثم تتأكد معارضتى بقدر رؤيتى لأثار الضرر الذى أحدثته فى وطنى لأن موقفى من أى نظلم يرتهن بمدى خدمته للوطن خدمة حقيقية وليس بالشعارات التى يرفعها للتسويق لموقفه.
وأغرب ما سمعته مؤخرا صديق كنت أظنه واعياً كنا نتناقش فى ذكرى هذه الصفقة فقال أنه يوقن بضرارها ولكن طلب منى أن أدله على النصوص فى الصفقة التى أن تخلصنا منها تخلصنا من أثارها الضارة ونظرا لأننى قضيت عدة عقود فى الممارسة والتدريس ثم كان من مهامى عندما كنت مساعدا لوزير الخارجية للشؤون القانونية الدولية والمعاهدات أن اتعامل مع هذه المعاهدة مع إسرائيل وغيرها فكأننى أحطت بالنص وبظروف صياغته وبفهم الأطراف المختلفة له وبتطبيقها لاحكامه وهو مالم يتيسر لصديقى فقلت له باختصار أن هذه المعاهدة بنصها في أهم مادة فيها وهى أنها لا تستطيع أن تدعم المقاومة ضد إسرائيل كما لايمكنها أن تستخدم المقاومة أراضيها ضد إسرائيل وهذا النص سبب خروج مصر من عداد القوي الاقليمية ومن الاطار العربى والغريب أن هذا النص ملزم للطرفين ولكن مصر لا تستفيد منه لأن إسرائيل ليس لديه مقاومة ضد مصر كما أنها لاتستخدم أراضيها ضد مصر وأنما جرت العادة أن يقوم الجيش الإسرائيلى من الأراضى التى اغتصابها فى فلسطين لكى ينقض على مصر وجيشها وهذه المعاهدة استفادت منها مصر أمرا واحدا وهو بقاء نظام الحكم كما هو لأن إسرائيل تجيد التعامل مع مثل هذه النظم فالارادة السياسية لمعرفة مصالح مصر العليا كوطن والموقف من إسرائيل لخدمة هذه المصالح ليست متوفرة ولذلك فإن القارئ لنصوص المعاهدة لا يفهم شيئا تماما مثل أزمة المياه فى مصر هل هى مشكلة السد الأثيوبى أم مشكلة تراجع أوراق مصر ودورها فى المحيط الاقليمى وباختصار هلى هى أزمة مياه النيل أم أزمة الدولة المصرية وهذا ما سجلته فى أول مقال نشر فى جريدة الأهرام عن سد النهضة عام 2010.
والخلاصة أن التطورات المختلفة منذ أربعين عاما تقطع بصعود إسرائيل وتراجع مصر ولكن دور المعاهدة فى هذه المعادلة المختلة تحتاج إلى تأمل وربما عندما تحين الفرصة لمناظرة متكافئة بين المصريين بعد أن يتبينوا مدى الضرر الذى تلحقه إسرائيل ببلادهم ولكن أخشى أن أقول مع أخو هوازن مقولة رددها على أبن أبى طالب
أمرتهمو أمرى بمنقرع اللوا
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
وأخيراً سأظل أحيى هذه الذكرى البائسة ماحييت لعل أجيالا قادمة تجد فيما أكتب ما يفيد كما أنه وفاء منى لمصر الحبيبة التى ضيعتها هذه الصفقة ومزقت الأمة وللاسف كانت مصر تتقدم كتيبة التمزيق وهي التى تكسب بإلتئام الأمة وتخسر لتفرقها.
نقلاً عن رأي اليوم