755 مصريا ضحايا القتل والإعدامات الأمنية خارج القانون بين 2015 و 2020
الثلاثاء - 7 سبتمبر 2021
اتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في مصر بقتل العشرات ممن تزعم إنهم من "الإرهابيين" المزعومين خلال السنوات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد في إعدامات غير قانونية خارج نطاق القضاء.
جاء التقرير الجديد بخصوص مصر في 80 صفحة بعنوان "تعاملت معهم القوات: عمليات قتل مشبوهة وإعدامات خارج القضاء على يد قوات الأمن المصرية"، وأشارت المنظمة إلى أنه أول تقرير دولي يوثق لجرائم السلطات المصرية.
قالت المنظمة الحقوقية، اليوم الثلاثاء 7 سبتمبر/أيلول 2021، إن المسلحين المزعومين الذين قُتلوا فيما يسمى "اشتباك مسلح" لم يُشكّلوا، في حالات كثيرة، خطراً وشيكاً على قوات الأمن أو غيرها عندما قُتلوا، وبعضهم كانوا أصلاً محتجزين.
قالت هيومن رايتس ووتش أن وزارة الداخلية أعلنت، بين يناير/كانون الثاني 2015 وديسمبر/كانون الأول 2020، عن مقتل 755 شخصاً على الأقل في 143 حادثة إطلاق نار مزعومة، واعتقال مشتبه به واحد فقط وحددت بيانات الوزارة هوية 141 قتيلاً فقط، واستخدمت عبارات مكررة وجاهزة مسبقاً تقدّم تفاصيل شحيحة.
وحسبما ذكره تقرير المنظمة، فقد ادّعت جميع البيانات تقريباً أن المسلحين المزعومين بدأوا إطلاق النار أولاً، مما دفع قوات الأمن إلى الرد بإطلاق النار وزعمت السلطات أيضاً أن جميع القتلى مطلوبون بتهمة "الإرهاب"، وأن معظمهم ينتمون إلى "الإخوان المسلمين".
قالت المنظمة أن وزارة الداخلية، التي تعمل في ظل إفلات شبه كامل من العقاب وغياب الرقابة من أي نوع، لا تهتم كثيرا بما إذا كانت بياناتها الإعلامية مقنعة، فغالبا ما كانت شكلية بشكل مثير للريبة وأحيانا غير مترابطة.
في إحدى الحوادث الموثقة في التقرير، أفادت صحيفة موالية للحكومة باعتقال رجل واستجوابه بعد ذلك لمدة أسبوع، قبل أن تدعي وزارة الداخلية فيما بعد أن قواتها قتلته في تبادل لإطلاق النار. وفي حادثة أخرى، أعلنت وزارة الداخلية عن اعتقال تسعة مشتبه بهم ضمن ما أسمتهم "وحدة العمليات النوعية" التابعة للإخوان المسلمين في الصباح، وفي المساء قالت إن تسعة "إرهابيين" من نفس الوحدة قتلوا في مواجهة مسلحة.
شهادات عائلات الضحايا
دققت هيومن رايتس ووتش عن كثب في حالات 14 شخصاً كانوا من بين 75 رجلاً قُتلوا في تسعة من تلك الحوادث في دلتا وصعيد مصر لم يُعتقل أي مشتبه به في تلك الحوادث التسع، ولم تقع إصابات بين عناصر قوات الأمن.
قابلت هيومن رايتس ووتش 13 من أقارب ومعارف الرجال، وأيضاً عدداً من المحامين والنشطاء الحقوقيين المصريين وصحفياً وثّقوا عمليات القتل خارج نطاق القضاء.
قالت عائلات ومعارف الرجال الـ 14 إن الضحايا كان قد قُبض عليهم على يد الأمن الوطني على الأرجح، ومحتجزين قبل الإبلاغ عن مقتلهم.
بينما قالت ثماني عائلات إنها شهدت هي أو أصدقاؤها أو معارفها اعتقالهم وقال 13 منهم إن أقاربهم تم إخفاؤهم قسرياً وإنهم استفسروا رسمياً عن مكانهم قبل مقتلهم، حسب ما ذكرته المنظمة.
فيما قال أفراد من ثماني عائلات إنهم رأوا على جثث أقاربهم القتلى ما اعتقدوا أنها علامات إساءة معاملة أو تعذيب، مثل الحروق، والجروح، والعظام المكسورة، والأسنان المخلوعة.
السلطات "ترهب" العائلات
راجعت هيومن رايتس ووتش نسخاً من وثائق رسمية مثل شهادات الوفاة والبرقيات التي أرسلتها العائلات إلى السلطات.
عرفت العائلات عادة بوفاة أقاربها من وسائل الإعلام. قال الجميع، باستثناء واحد، إنهم اضطروا إلى أن يسعوا حثيثاً لإيجاد معلومات حول الوفاة وموقع الجثة.
بينما استغرق الأمر شهرين لتتسلم عائلة أحد الرجال جثته، لم تتمكن عائلتَا اثنَيْن آخرَيْن قُتلا في ديسمبر/كانون الأول 2018 من استلام جثتَيْهما حتى نشر التقرير.
قالت جميع العائلات إن عناصر الأمن الوطني أرهبتهم وضايقتهم عندما حاولت تحديد مكان الجثة، وقال سبعة إن قوات الأمن أجبرتهم على دفن أقاربهم دون أي جنازة أو عزاء.
وقال فرد من عائلة واحدة فقط إن قريبه المقتول ربما كان ضالعاً في نشاط مسلح وقال الآخرون إن أقاربهم لم يشاركوا في أعمال عنف، وبعضهم لم يشارك حتى في أي نشاط سياسي.
تحليل الصور والفيديوهات
قالت هيومن رايتس ووتش إنها راجعت واشتركت في تحليل جنائي مستقل لصور ومقاطع فيديو غير رسمية تُظهر جثث خمسة من القتلى، وكذلك عشرات الصور التي نشرتها وزارة الداخلية لحادثتَيْ إطلاق نار مزعومتَين.
في ثلاث وقائع "اشتباكات" مزعومة، لم يتسق التحليل مع رواية إطلاق النار حيث تُظهر صور ثلاث رجال متوفين أن أياديهم كانت إما مُقيّدة أو مكبّلة بالأصفاد خلف ظهورهم مباشرة قبل الوفاة.
في إحدى الحوادث، كانت صحيفة موالية للحكومة قد أفادت باعتقال طالب عمره 19 عاماً، واستجوابه بعد ذلك على مدى أسبوع قبل ادعاء وزارة الداخلية أن قواتها قتلته في "اشتباك مسلح".
وذكرت معظم بيانات وزارة الداخلية المتصلة بإطلاق النار أن "نيابة أمن الدولة العليا تتولى التحقيق في الحادث"، دون توضيحات إضافية، في إشارة إلى فرع النيابة العامة المُسيء الذي يدعم إلى حد كبير مزاعم السلطات الأمنية التي غالباً ما تكون غير مستندة إلى أدلة.
ولم تجد المنظمة ما يشير إلى أن السلطات فتحت أي تحقيقات جادة أو ذات مغزى في أي من الحوادث، ولم يُستدع أي من أفراد العائلات لتقديم إفادته.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على النائب العام حمادة الصاوي استبعاد نيابة أمن الدولة العليا من الإشراف على التحقيقات المتعلقة بسلوك قوات الأمن وانتهاكاتها، إذ لا يمكن التوصّل إلى استنتاجات محددة بشأن مئات القتلى في عشرات عمليات إطلاق النار المزعومة الأخرى، إذ أن وزارة الداخلية نادراً ما تُفصح عن أي معلومات حتى البسيطة منها، مثل أسماء القتلى، حسب المنظمة.
إطلاق اليد للقتل
بحسب المنظمة، وبذريعة مكافحة الإرهاب، سمح عبد الفتاح السيسي فعليا لشرطة وزارة الداخلية وقطاع الأمن الوطني بإطلاق عنانها لقمع جميع أشكال المعارضة، بما في ذلك المعارضة السلمية، مع ضمان إفلات شبه مطلق من العقاب على الانتهاكات الجسيمة. وكانت النتيجة واحدة من أسوأ وأطول أزمات حقوق الإنسان في تاريخ البلاد الحديث.
دعت "هيومن رايتس ووتش" شركاء مصر الدوليين لوقف نقل الأسلحة إليها وفرض عقوبات على الأجهزة الأمنية والمسؤولين الأكثر ضلوعاً في الانتهاكات المستمرة.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "منذ سنوات وقوات الأمن المصرية تُنفّذ إعدامات خارج القضاء، مدعية أن الرجال قُتلوا في تبادل لإطلاق النار ,حان الوقت للدول التي تُقدم الأسلحة والمساعدة الأمنية لمصر أن توقف هذه المساعدة وتنأى بنفسها عن هذه الانتهاكات المروعة"
فرض عقوبات دولية
المنظمة الحقوقية الدولية قالت إنه نظراً إلى مستوى ونطاق الانتهاكات المرتكبة من قبل وزارة الداخلية وقوات الجيش المصري، الموثقة في هذا التقرير وتقارير سابقة، بما يشمل شمال سيناء، فعلى الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وشركاء مصر الدوليين الآخرين فرض عقوبات محددة الهدف.
أضافت أن العقوبات يجب أن تشمل تجميد الأصول ضد المسؤولين والأجهزة المصرية ذات المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، وكذلك ضد المسؤولين عن استمرار الإفلات من العقاب على هذه الانتهاكات.
كما قالت إنه على هذه الدول أيضاً وقف جميع المساعدات الأمنية والعسكرية ونقل وبيع الأسلحة إلى الحكومة المصرية، واشتراط استئنافها بوقف الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، ومحاسبة من تثبت مسؤوليتهم.
"عليها أيضاً، حيثما أمكن، التحقيق مع المسؤولين المصريين الضالعين في الانتهاكات الجسيمة بموجب مبادئ الولاية القضائية العالمية" حسبما تقول المنظمة.
ودعت "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة" إلى إنشاء آلية دولية مستقلة لرصد حالة حقوق الإنسان في مصر، والإبلاغ عنها، والتحقيق في الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، بما فيها الإخفاء القسري، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء.