مصر 2022: استكمال تخريب قيم الأسرة المصرية وتدمير المجتمع

الثلاثاء - 10 يناير 2023

  • "علمنة" الزواج  بفرض شروط بعيدة تماما عن الشريعة الإسلامية
  • فرض رسوم لعقود الزواج وإلغاء الطلاق الشفوي رغم رفض الأزهر!
  • السيسي ينصح الشباب المقبل على الزواج بعدم  الإنجاب  لمدة 3 أعوام!
  • 2022 شهد ارتفاعا غير مسبوق لحالات الطلاق بسبب الانهيار الاقتصادي
  • 21 ألف حكم طلاق وخلع في 2022 ومعدلات الفقر اقتربت من 70 %
  • الدعم يتراجع من 250 مليار جنيه في عام الرئيس مرسي إلى 48 مليارا
  • التضخم حمّل المصريين أعباء حياتية في 2022 أضرت بالاستقرار الأسري
  • ارتفاع نسب الجريمة بأكثر من 140% خلال 2022 وانتشار القتل الأسري  
  • حالات انتحار المصريين في 2022 فاقت ضحايا الحروب المسلحة بدول أخرى
  • 3800 شخص حاولوا الانتحار ومئات ماتوا في رحلات الهجرة غير الشرعية
  • 2022 شهد هجرة جماعية غير مسبوقة لشباب مصر عبر  قوارب غير مجهزة

 

إنسان للإعلام- خاص:

نواصل من خلال السطور التالية عرض الحصاد الكارثي لعام 2022 في مصر، وفي هذه الحلقة الرابعة والأخيرة،  نتناول بالتفاصيل أهم الأثار الاجتماعية لسياسات نظام السيسي الفاشلة  على مدار 2022، و التى أدت إلى تدمير القيم الأسرية من خلال فرض شروط غير شرعية لإتمام الزواج ، وزيادة مساحة الفقر بين المصريين، مما أدي لارتفاع نسب الجريمة والطلاق، واقبال الكثير من الشباب على الانتحار،  والهجرة غير الشرعية.

"علمنة" الزواج وفرض رسوم باهظة

خرج السيسي ليعلن بكل بجاحة للمصريين الذين لا يجدون قوت يومهم، أنه سيفرض رسوما على المتزوجين الجدد، من خلال صندوق جديد للأسرة!.  

العسكري الفاشل العاجز  في كل الملفات الداخلية والخارجية لم يكتف بإنشاء صندوق غريب جديد لينهب به المزيد من أموال المصريين بدعوى حماية الأسرة، مشترطا أن يدفع كل متزوج مبلغا لم يتحدد بعد من المال مقابل حصوله على وثيقة الزواج ، بل فرض مبلغا آخر للجنة يقودها أحد قضاة السلطة ليعطيه شهادة الزواج. هذه الشروط على الزواج جاءت ضمن محاولات السيسي فرض قانون جديد للأحوال الشخصية يخالف الشريعة الإسلامية.

وطالب السيسي، الإثنين 26 ديسمبر 2022، من يرغب من الشباب في الزواج أن يدفع رسوما لصندوق غريب أنشأه بدعوى حماية الأسرة ، لا يُعرف أين ستذهب أمواله، وذكر أنه سيتم تأسيس صندوق لدعم الأسرة المصرية يتم تمويل جزء منه من المقبلين على الزواج، وذلك وفق تقارير نشرتها وسائل إعلام مصرية محلية.

ويتضمن مشروع القانون إنشاء صندوق لرعاية الأسرة ووثيقة تأمين سيدفع ثمنها المتزوجون للسلطة بدعوى دعم الأسرة ماديا في مواجهة النفقات والتحديات وحفاظا على الترابط الأسري ومستقبل الأبناء، بينما هذه الأموال ستدخل صناديق يشرف عليها السيسي ، ولا يعلم عنها أحد أو يراقبها أي جهاز رقابي.

وفي نفس السياق، وبالرغم  رفض شيخ الأزهر أحمد الطيب في وقت سابق طلب السيسي توثيق الطلاق الشفوي، واعتباره كأن لم يكن ما لم يوثق، فرض السيسي قانون الأحوال الشخصية متضمنا أغلب ما يعارضه الأزهر لاغيا الطلاق الشفوي رسميا.

لم يكتف عبد الفتاح السيسي، بتقييد الطلاق الشفوي واشتراط توثيقة كي يتم رغم مخالفة ذلك للشريعة، بل وضع قيودا شديدة على الزواج دفعت شبان للكتابة على مواقع التواصل أنهم يزهدون في الزواج وينصحون من يفكر في تطليق زوجته أن يسرع خشية القيود القادمة.

وفيما بدا كأنه فرض لفكرة السيسي توثيق الطلاق ومنع الطلاق الشفوي قال المتحدث باسم الرئاسة إن “قانون الأحوال الشخصية الجديد سينص على توثيق الطلاق كما هو الحال في الزواج، ولن يترتب أي التزامات على الزوجة إلا من تاريخ علمها به، مع استحداث إجراءات للحد من الطلاق

وبجانب فرض “توثيق الطلاق” قال السيسي 26 ديسمبر 2022 عن إجراءات توثيق الزواج في قانون الأحوال الشخصية الجديد إنه “سيشترط فحوصات طبية للـزوج والزوجة، تعرض على لجنة برئاسة قاض بورق كي على الزواج” ، وأكد إنه “من المقرر تشكيل لجان برئاسة قضاة، للموافقة على إتمام الزواج، عقب التأكد من سلامة التحاليل الطبية” ، ويسعى السيسي الذي دخل في خلافات علنية عديدة مع شيخ الأزهر إلى تعديل حكم الطلاق الشفهي، بالإضافة إلى أمور أخرى يرى متخصصون أنها تصعب إجراءات الزواج والطلاق، وتحول المنظومة بأكملها إلى مدنية أقرب للعلمانية منها إلى الشريعة الإسلامية.

وبعد مناقشات منذ سنوات عن منظومة الزواج في مصر وإقرار قانون جديد للأحوال الشخصية وفق رغبات عبد الفتاح السيسي، تصدت لها مؤسسة الأزهر ممثلة في الإمام أحمد الطيب شكلت الحكومة في 9 يونيو 2022 لجنة لإعداد مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، مستثنية وجود ممثلين عن الأزهر الشريف.

وخلال اجتماع مع رئيس لجنة إعداد مشروع قانون موحد للأحوال الشخصية، المستشار عبد الرحمن محمد، ومصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وعمر مروان، وزير العدل، 24 ديسمبر 2022 أكدت لجنة إعداد القانون الجديد أنها صاغت 188 مادة، من 194 حتى نهاية 2022.

وبذلك فرض السيسي رأيه بعد جدال استمر أكثر من عامين، بين مجلس النواب بتشكيله السابق والأزهر، بعد أن تقدم عدد من نواب البرلمان السابق، بداية من أبريل 2017، بستة مشروعات قوانين لإعداد قانون مدني جديد موحد للأحوال الشخصية، تلا ذلك إعلان الأزهر، في أكتوبر 2017، تشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون مُتكامل لقضايا الأحوال الشخصية، تم تجاهله.

وفي فبراير 2021، أعدت الحكومة مشروع قانون وأحالته إلى مجلس النواب، وتسبب تسريب مسودته في انتقادات واسعة، أبرزها ما دونته آلاف النساء على هاشتاج #الولاية_حقي عن معاناتهن في ظل عدم وصايتهن على أنفسهن وأبنائهن في مصر فتم تأجيله.

وقرر وزير العدل  الانقلابي عمر مروان، في 9 يونيو 2022، تشكيل لجنة خاصة برئاسة المستشار عبد الرحمن محمد حنفي، رئيس محكمة استئناف طنطا و10 قضاة آخرين لإعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد خلال أربعة شهور، والاكتفاء بتلقي المقترحات على البريد الإلكتروني.

القرار اقتصر فقط على القضاة، مع عدم مشاركة ممثلين عن الأزهر الشريف، أو خبراء قانونيين متخصصين، كما استبعد منظمات المجتمع المدني، وهو ما أثار انتقادات واسعة.

ويختص قانون الأحوال الشخصية، بقضايا الزواج والطلاق والأسرة والطفل والحقوق والواجبات للمرأة والرجل سواء قبل أو أثناء أو بعد الزواج ، ويتكون القانون من 194 مادة تشمل أيضا الخلع والنسب والنفقة والحضانة وصندوق رعاية الأسرة المصرية ، وأهم نقاط التعديلات التي يسعى لها قانون السيسي تتعلق بحكم الطلاق الشفهي، وتعقيد إجراءات الزواج الثاني، وتحقق القاضي من شرط موافقة الزوجة الأولى ومنح القاضي سلطة التصريح بالزواج الثاني بعد تحقق الشروط ، إضافة إلى مواد تتعلق بحضانة الطفل في حالة الطلاق، ويتضمن القانون أيضا إقرار شهادة المرأة على قدم المساواة مع الرجل والتأكيد على ذلك مثلما يحدث في واقع الإجراءات الجنائية والمدنية.

وينص على إجازة الكشف على حسابات الزوج البنكية مع مراعاة سرية البيانات وأن تتضمن كل أنواع وفئات ومصادر الدخل على تنوعها في المواد الخاصة بالنفقة لبيان الدخل الحقيقي للزوج أو المطلق. وهي أمور يؤكد فقهاء على رأسهم شيخ الأزهر أحمد الطيب أن بعضها يتعارض مع صريح الشريعة الإسلامية ويخالفها."1"

وانتقد نشطاء ومعنيون طرح مثل تلك الفكرة التي تقوم على الجباية وتجاوز دور الدولة في توفير مناخ قضائي عادل وناجز لحل المشاكل الخلافية بين الأزواج، وتخليها عن دورها في مساعدة الشباب المقبلين على الزواج وليس تحميلهم أعباء مالية إضافية، خاصة أن معظم الزيجات في مصر تتم بالاقتراض ومساعدة الأهل بسبب ارتفاع تكاليف الزواج."2"

تصاعد الطلاق بسبب الانهيار الاقتصادي

ومن الظواهر الاجتماعية الخطيرة في عام 2022، تصاعد نسب الطلاق، حيث شهدت مصر ارتفاعًا في حالات الطلاق وسجلت 264 ألفًا و754 حالة، مقابل  254 ألفًا و777 في عام 2021، وكانت  222 ألفًا و39 حالة في 2020، بزيادة قدرها 14.7% مقابل تراجع عقود الزواج باطراد، بحسب إحصاءات "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء".

وأعترف السيسي في أكثر من مرة بظاهرة ارتفاع نسب الطلاق ووصف بأنها مؤشر على قضية خطيرة،  لكنه يتجاهل أن الظاهرة أسبابها تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين وزيادة الأعباء وبالتالي نشوب الخلافات داخل الأسر بسبب تعثر الكثيرين في الوفاء باحتياجات ومتطلبات الأسرة.

وهو ما ذهبت إليه دراسة نشرتها "المكتبة الوطنية الأمريكية للطب والمعاهد الوطنية للصحة"  ، أرجعت فيها الارتفاع في معدلات الطلاق بمصر إلى المشكلات المالية، وتعذر التوافق الاجتماعي بين الزوجين، والتخلي عن الشعور بالمسؤولية، وإدمان المخدرات، ونتج عن معظمها معاناة الأطفال والعن

وقد أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر،  في  23 أغسطس/آب 2022، بأن عدد حالات الطلاق في مصر سجل زيادة كبيرة على أساس سنوي  وذلك مقابل زيادة طفيفة في عدد حالات الزواج خلال الفترة نفسها.

وخلال شهر يونيو/حزيران الماضي، ووفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)، ارتفع عدد شهادات الطلاق في مصر خلال عام 2020 إلى 222 ألفاً، مقارنة بـ199 ألفاً عام 2015، أي بنسبة زيادة بلغت 12%، وبمعدل 26 طلاقاً كل ساعة.

فقد زادت معدلات الطلاق في مصر بنسبة 49% خلال 10 سنوات في الفترة الممتدة من عام 2010 حتى عام 2020. وانخفض عدد عقود الزواج عام 2020 إلى 876 ألفاً، مقارنة بـ969 ألف عقد عام 2015، أي بنسبة انخفاض بلغت 10%، وبمعدل 101 عقد زواج كل ساعة.

دفعت هذه الأرقام مشيخة الأزهر، قبل سنوات معدودات، إلى تدشين وحدة "لَمِّ الشَّمْل" للصلح بين الأزواج المختلفين حتى لا يصلوا إلى مرحلة الطلاق، وذلك للحد من الظاهرة وتبعاتها الاجتماعية الخطيرة

حيث قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيان: "الوحدة تهدف لحماية الأسرة من التفكك، ويدور عملها على دراسة الظاهرة نظرياً، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى لنشر الوعي ولم شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين"."4"

الفقر يلتهم المصريين في 2022

وعلى مدى عام 2022 عاش المصريون الفقر بكل معانيه، خاصة مع التعويم الثاني في مارس الماضي ، حيث يقدر الخبراء أرتفاع نسب الفقراء بمصر لأكثر من 70% خلال العام الماضي ، أرتفاعا عن تقيم البنك الدولى الذي قدر فقراء مصر ب60% .

وعلى مدار العام الماضي تراجع دعم الفقراء بشكل غير مسبوق حيث لم يتجاوز بنده في الميزانية بأكثر من 48 مليار جنية ، في حين كان قرب 250 مليار في عهد الرئيس مرسي ،

 ومع نهاية عام 2022 ، وبداية 2023 بادرت الحكومة باتخاذ قرار جديد بزيادة أسعار السلع التموينية المدعمة، في ظل خطة تستهدف تقليص الدعم، الأمر الذي يزيد أعباءهم الحياتية.

وعلى سبيل المثال رفعت الوزارة سعر السكر من 10.5 جنيهات إلى 14 جنيهاً، وزيت الخليط 600 غرام للعبوة، من 24 إلى 30 جنيهاً، والأرز المعبأ من 11 إلى 14 جنيهاً (الدولار = نحو 24.7 جنيهاً) ، وتشمل قائمة الأسعار المتزايدة 40 سلعة، تدفع بها وزارة التموين، ليحدد حامل بطاقة الدعم أولوية احتياجاته من المشتريات، أي في حدود 50 جنيهاً لكلّ فرد بالأسرة ، وسمحت شعبة القصابين لمحلات الجزارة برفع أسعار اللحوم البلدية، بمبلغ يتراوح ما بين 10 و20 جنيهاً للكيلوغرام بالمناطق الشعبية، بعد الارتفاع الشديد في تكلفة الأعلاف ، وبدأ بيع كيلوغرام اللحوم الحمراء اعتباراً من أمس الثلاثاء بسعر 190 جنيهاً بدلاً من 170 جنيهاً، وزادت أسعار اللحم الضاني (الضأن) من 180 إلى 200 جنيه للكيلوغرام.

وكشفت ملامح موازنة العام المالي 2022-2023،  عن توجه لخفض مخصصات الدعم للسلع التموينية، فسره محللون بأنه جاء متوافقاً مع اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على تخفيض ميزانية الدعم العيني للسلع، والتوجه نحو الدعم النقدي الذي سيصرف للعائلات والأفراد الأكثر فقراً.

وقفز معدل التضخم السنوي في مصر إلى 19.2% خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من 16.3% في أكتوبر/ تشرين الأول السابق له، ليسجل أعلى مستوياته في خمس سنوات. وقد نتج عن زيادة الفقر أرتفاع نسب الجريمة بأكثر من140% خلال 2022 ، عن الاعوام السابقة وانتشرت في مصر جرائم القتل الأسري . "5"

تزايد معدلات الانتحار والقتل الأسري

أصبحت مصر مُتقدِّمة على دول عربية تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية وانهيارات اقتصادية في عام 2022 ، في الأقبال على الأنتحار ،حيث  اعتلت مصر ترتيب البلدان العربية في معدلات الانتحار ، إذ أقدم 3800 شخص تقريبا على محاولة الانتحار في ذلك العام فقط  ."6"

وعلى مدى عام 2022 تزايدت أخبار الانتحار يوما بعد يوم، من اشهرها  انتحار شاب اسمه "أحمد ع" ويبلغ من العمر 21 عاما، قفزا من أعلى برج التطبيقيين بالعباسية، بجانب انتحار فرد أمن يدعى "محمد أ"، ألقى بنفسه من الطابق الخامس بأحد مستشفيات التجمع الخامس لمروره بخلافات أسرية مالية،  بخلاف من القى بنفسه من أعلى قلعة صلاح الدين ، كما انتحر مسنّ اسمه "عبد الباسط م"، في العقد السادس من عمره وكان يعمل كنجار مسلح، شنقا بالباب الخارجي لمنزله، وذلك لمروره بأزمة نفسية حادة بسبب انفصاله عن زوجته، فيما انتحر شاب اسمه "مصطفى ت" بعدما قاد سيارته إلى النيل مباشرةً فوق كوبري المنصورة، فمات غرقا، في حين انتحر مهندس بالشرقية يبلغ من العمر 26 عاما عن طريق تناول مبيد حشري، بسبب رفضه للزواج من عائلة البنت التي أحبها بسبب الظروف المادية .

    الارقام الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تهون من الظاهرة وتؤكد أكد أن أعداد المنتحرين  لم يزد عن 101 حالة انتحار في 2021، منهم 74 رجلا قرر إنهاء حياته، مقابل انتحار 27 سيدة ،ثم ارتفع تالى 202 في عام 2022  ، لكنه اعتر بأن على مدار السنوات الثلاث، كانت أكثر الفئات العمرية انتحارا هم الشباب، خاصة من هم في العقد الثاني والثالث من حياتهم."7"

وتأتي فئة الشباب الباحث عن طريق تحقيق الذات بشعور متصاعد بالقلق على وضعه الاجتماعي والاقتصادي، كأحد القطاعات الرئيسية في اللجوء لحالات الانتحار (18 ـ 40عاما). وهناك ميل متزايد إلى الانتحار لدى الفئات التي لم تتجاوز مرحلة الطفولة (18 عاما فأقل)، وخصوصا بين طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية.

 وتؤكّد الإحصاءات تزايد هذه الظاهرة بين قطاعات العزّاب، ثم المتزوجين، وتزيد معدّلاتها بشكل أكبر بين الذكور بنسبة الثلثين في أغلب الأوقات. ووفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية الصادر عام 2019، فإن أكثر من نصف المنتحرين دون سن 45 عاما، وفي فئة الشباب الذين أعمارهم بين 15 و29 عاماً. ومصر في المرتبة الأولى عربيا، تليها السودان ثم اليمن فالجزائر، وبلغت الحالات 3799 و3022 عامي 2016 و2019، على التوالي في مصر وفقا للمنظمة.

كما  تبنّى مجلس الوزراء المصري مبدأ التهوين والإنكار، لهذه الظاهرة الخطيرة ، واعتبر الجهاز أن "كل ما يتردّد في هذا الشأن (بخصوص زيادة معدلات الانتحار) شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي"،  وتتناقض تلك الإحصائيات مع التقارير الدولية والمحلية وواقع ما تنشره الصحف والمواقع المصرية نفسها لحالات الانتحار، والتي تعتمد على محاضر الشرطة. كما تتناقض مع الأعداد الحقيقية التي يمكن الوصول إليها عبر تقارير وزارة الصحة وأقسام الشرطة التي تسجل هذه الحالات يوميا وبشكل دوري.

 وقد سجلت التقارير الحقوقية المختلفة وصول معدّل الحالات المنشورة في الصحف إلى ما بين 25 ـ 50 حالة شهريا، وهي ليست كل الحالات الحقيقية التي تحدث بالفعل. كما توضح تقديرات شبه رسمية داخلية من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية المصري بلوغ عدد حالات الانتحار 2584 عام 2021.

ورصد تقرير حديث للمؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان بلوغ حالات الانتحار 186 حالة من إبريل/ نيسان إلى سبتمبر/ أيلول 2022، وجاءت أعلى النسب في شهر يونيو/ حزيران بـ43 حالة بنسبة 23.11%، ثم شهر يوليو/ تموز بـ39 حالة بنسبة 20.96%، ثم شهر أغسطس/ آب بـ36 حالة بنسبة 19.35%، بينما جاءت أكبر النسب انخفاضا في أشهر سبتمبر/ أيلول ومايو/ أيار وإبريل/ نيسان بـ25، 22، 21 حالة، بنسب 13.44%، 11.82%، 11.29%، على التوالي.

ويبدو أن عدد الحالات يسجّل معدلا أكبر في فصل الصيف عن باقي الفصول الأخرى، حيث بلغ في يونيو/ حزيران ـ يوليو/ تموز ـ أغسطس/ آب 118 حالة بنسبة 63.4%، وهو ما يشير إلى أن طبيعة الحرارة المضافة إلى الدافع الرئيسي قد تكون أحد العوامل المحفزة لارتكاب الانتحار.

وجاءت محافظة القاهرة في الترتيب الأول بـ48 حالة بنسبة 25.8%، تليها محافظة الجيزة في المركز الثاني بـ34 حالة بنسبة 18.27%، في الترتيب الثالث، جاءت محافظة القليوبية بـ14 حالة بنسبة 7.52%، وفي المركز الرابع، جاءت محافظة الشرقية بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها محافظتا المنوفية وسوهاج بـ11 حالة لكل منهما بنسبة 5.91%، تليها في المركز الخامس محافظة كفر الشيخ بـعشر حالات بنسبة 5.37%، وجاءت محافظة الدقهلية بتسع حالات بنسبة 4.83%، ثم محافظة الغربية بسبع حالات بنسبة 3.76%، ثم محافظة الفيوم بـست حالات بنسبة 3.22%، تليها محافظات المنيا، أسوان، مرسى مطروح، بأربع حالات بنسبة 2.15%، تليها محافظة الإسماعيلية بثلاث حالات بنسبة 1.61%.

تقتصر أسباب تزايد ظاهرة الانتحار على ضعف الجانب الديني لدى من يُقدمون على الانتحار كما يردّد كثيرون، بل ثمة أيضا غياب الثقة بالمستقبل وعدم وجود حلول فردية أو جماعيةللأزمة الاقتصادية الطاحنة للأسر المصرية .

تنوعت أسباب الانتحار، فمنها الأزمة النفسية بشكل عام في الترتيب الأول بـ62 حالة بنسبة 33.3%، وهي عنوان عام يُشار إليه إعلاميا، بينما خلفه أسبابٌ كثيرة غير المنشورة، يليه الانتحار لخلافات عائلية أو أسرية بـ28 حالة بنسبة 15.05%. وفي المركز الثالث، تأتي الخلافات الزوجية بين الطرفين وخلافات ما بعد الانفصال الزوجي بـإجمالي 26 حالة بنسبة 13.97%، يليها في الترتيب الرابع الاكتئاب والأمراض النفسية بـ16 حالة بنسبة 8.6%، ثم تأتي أسباب لها علاقة بفشل الزواج والارتباط العاطفي بـ13 حالة بنسبة 6.98%، تليها في الترتيب أسباب خاصة بتزايد الديون بـ12 حالة بنسبة 6.45%، تليها أسباب ذات علاقة بالرسوب في سنوات التعليم بـ10 حالات بنسبة 5.37%، يليها سبب الحزن على وفاة صديق/ قريب بخمس حالات بنسبة 2.68%، تليه أسباب أخرى، منها اليأس من الشفاء والمرض بمرض معين، الفشل في الحصول على عمل، الخيانة الزوجية، التنمّر، بحالتي انتحار لكل منها بنسبة 1.07%، وتأتي في الترتيب الأخير أسباب أخرى، منها الإدمان على الخمر أو المخدرات، الوحدة والعزلة، لعبة الحوت الأزرق، اتهام المنتحر بالسرقة كذبا، التعرّض لابتزاز على "فيسبوك" بنشر صور، بمعدل حالة واحدة لكل منها بنسبة 0.53%.

تكتفي أجهزة الدولة فقط بمحاولات التهوين من شأن ظاهرة الانتحار، أو بتجاهلها أو بالإشارة إلى أعداد غير حقيقية، تتناقض مع كل ما أشارت إليه التقارير المختلفة. ومنها حملات موسمية تقوم بها وزارتا الصحة والأوقاف، فضلا عن وضع المجلس الوطني للإعلام "كوداً" ملزماً لنشر حالات الانتحار. كما اكتفت صحف بالإشارة إلى خطورة الظاهرة في تغطياتها الصحافية تلك الحالات. أو تكرار الإشارة إلى بيانات النيابة العامة في شأن الفراغ النفسي ومسؤولية الأسرة في رعاية أبنائها المنتحرين.

وفى ظل تصاعد ظاهرة الانتحار، أطلق الأزهر الشريف مؤخرا مبادرة بعنوان "أنت غال علينا" لتقديم الدعم النفسي للشباب ومساعدتهم على حل المشكلات وتجاوز التحديات، وذلك لمنعهم من التفكير في التخلص من حياتهم، وذلك لمواجهة تزايد حالات الانتحار والحد منها.

كما أطلقت مستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة لوزارة الصحة والسكان المصرية حملة أخرى بعنوان "حياتك تستاهل تتعاش" للدعوة إلى التوجه لأول عيادة حكومية يتم فتحها لمواجهة مشكلة الانتحار عند الحاجة، بالإضافة إلى تدشين خط ساخن للراغبين في التواصل مع متخصصين بهدف الحصول على مساعدة او استشارة."8"

الهجرة غير الشرعية خطر يهدد المجتمع

ومن المخاطر التى واجهت المجتمع المصري في عام 2022 ، الهجرة غير الشرعية التى تحصد أرواح الاف الشباب  ، وعاد الحديث في الإعلام الغربي خصوصاً، عن ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تخرج من مصر إلى أوروبا، في ظلّ نتائج اقتصادية كارثية للحرب الروسية في أوكرانيا، وتضرر مصر بشدة منها.

وانتشرت خلال الأيام الماضية مقاطع فيديو في مواقع التواصل الاجتماعي، لمشاهد تكدّس مهاجرين مصريين أمام مركز شرطة "كستورا" في مدينة ميلانو الإيطالية، يسعون إلى تقديم أوراق طلبات لجوء.

وتزامناً مع تقرير نشرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في 18 ديسمبر الماضي ، تحدثت فيه عن "مخاطر هجرة جديدة غير نظامية نحو أوروبا"، لافتة إلى أن أعداد الشباب المصريين الباحثين عن الهجرة في تزايد، نشرت وكالة الأنباء الرسمية المصرية (أ. ش. أ) في 25 ديسمبر الحالي، تقريراً حول ما قالت إنها "جهود وزارة الخارجية في تأمين المصالح والأهداف الوطنية في الخارج مع الحفاظ على المصالح الوطنية لمصر، ومحددات السياسة الخارجية التي رسمها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ خطاب التنصيب في يونيو/حزيران 2014".

ويقول سياسي مصري بارز وقيادي حزبي سابق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "السياسة الخارجية المصرية منذ وصول السيسي إلى السلطة في عام 2014، اعتمدت بشكل كبير على استخدام ورقة المهاجرين غير النظاميين، ودور مصر في حماية أوروبا من تدفق اللاجئين، في تحقيق المكاسب من الدول الغربية التي تعترف بذلك الدور المصري".

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقّع الاتحاد الأوروبي أحدث سلسلة من الصفقات مع مصر تهدف إلى الحد من الهجرة، وكان ذلك بمنحة قدرها 80 مليون يورو لتعزيز قوات خفر السواحل والقوات البحرية المصرية ووقف تدفق المهاجرين."9"

ونشرت صحيفة الجارديان تقريرا سلطت خلاله الضوء على تردى الأوضاع المعيشية في مصر والتي دفعت آلاف المصريين لخوض رحلات الهجرة المميتة إلى أوروبا بحثا عن فرصة حياة.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك أقبال متزايد من الشباب المصريين، على الهجرة غير الشرعية   للفرار من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والقمع الاستبدادي في مصر.

ولفتت الصحيفة إلى أن الشباب  يفرون من اقتصاد سريع الانهيار بعد أن فقد الجنيه المصري أكثر من ثلث قيمته مقابل الدولار هذا العام وحده، إلى جانب ارتفاع التضخم الذي يتسبب في ارتفاع حاد في تكاليف المعيشة مع غرق الدولة في الديون.

وأكدت الصحيفة انه على مدار 2022 أستخدمت قوارب الصيد الكبيرة في عمليات عبور المصريين  من طبرق في ليبيا منذ نهاية أكتوبر، عندما غادرت عدة قوارب على متنها الكثير من الناس من طبرق ووصلت إلى الساحل الجنوبي لصقلية،" كما أفاد موريس ستيرل من منظمة "هاتف الإنذار"، وهي منظمة تساعد المهاجرين الذين يجدون أنفسهم في محنة أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط. وقال: "نحن نتحدث عن قوارب على متنها 400 إلى 700 شخص – سفن صيد قديمة كبيرة بشكل لا يصدق أعيد استخدامها للعبور". إنه تطور حديث "، وقال إنه حتى في حجمها الأكبر، فإن القوارب مكتظة وتخاطر برحلة محفوفة بالمخاطر. "

ووصف الحاج محمد، وهو مهرب ليبي قال إنه وشقيقه يعملان في التهريب "لفترة طويلة"، لصحيفة الجارديان ، كيف يرتب سفر المهاجرين المحتملين. مقابل رسوم قدرها 12 ألف جنيه مصري ، ويرتب رحلتهم من مصر إلى ليبيا ومكانا على متن قارب يمكنه استيعاب 250 شخصا من مدينة زوارة الغربية إلى لامبيدوزا في إيطاليا ، وقال : "زبائني من مصر يعانون في ظل ظروف معيشية قاسية للغاية. لهذا السبب يهاجرون»."10"

المصادر:

  1. "المنقلب يسعى لـ “علمنة” الزواج وجعله برسوم باهظة ليملأ صناديقه السرية بالأموال" ، بوابة الحية والعدالة ، 27 ديسمبر، 2022، https://cutt.us/RE1VI
  2. محمد أحمد ، "الزواج بشروط السيسي.. "صندوق الأسرة" يثير جدلا في مصر" ، عربي21،  28 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/dWqkU
  3. "أرقام رسمية تكشف عن زيادة كبيرة في حالات الطلاق بمصر.. خبير يكشف الأسباب ويتوقع الأسوأ" ، عربي بوست، 2022/08/24، https://cutt.us/17GFN
  4. كريم محمود، "270ألف حالة العام الماضي والحركات النسوية في مرمى الاتهام.. لماذا ترتفع معدلات الطلاق بمصر؟" ،22 ىاغسطس 2022 ،  https://cutt.us/yDY6j
  5. عادل صبري، " حكومة مصر ترفع أسعار السلع المدعمة خلال أيام" ، 28 ديسمبر 2022، https://cutt.us/JBSm9
  6. إبراهيم هلال" ما هي أكثر الدول العربية في حالات الانتحار؟" ،الجزيرة نت ، 16/8/2022 ، https://cutt.us/RPCyc
  7. ياسمين سعد، " تقارير تكشف زيادة أعداد المنتحرين في مصر.. ومحاولات للحد من الظاهرة"، الشروق المصرية ، 28 يونيو 2022 ، https://cutt.us/Lg2XB
  8. شريف هلال ، "خريطة الانتحار في برّ مصر" ، العربي الجديد، 9 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/oVkk1
  9. "زيادة المهاجرين المصريين غير النظاميين: أين "الدور المحوري" للقاهرة؟" ، العربي الجديد، 27 ديسمبر 2022، https://cutt.us/vBr0g
  10. "جارديان”: الفقر يدفع آلاف المصريين للهجرة الخطيرة إلى أوروبا" ، بوابة الحرية والعدالة ، 19 ديسمبر  2022 ، https://cutt.us/wpV8L