2022 عام بيع مصر.. دول الخليج تحكم قبضتها على أصول الدولة!
الثلاثاء - 3 يناير 2023
- السيسي أفقد مصر أصولها السيادية وشركاتها الاستراتيجية في 2022 لسداد ديون بنحو 40 مليار دولار
- رغم تراجع صفقات الدمج والاستحواذ عالميا.. موجة خليجية غير مسبوقة لتملك أصول مصر وشركاتها
- صناديق الثروة السيادية الخليجية زادت من استحوذاتها بأكثر من الضعف في 2022 عن عام 2021
- الشركات السعودية والإماراتية عقدت 40 صفقة في مصر في 2022 وبقية دول الخليج شاركت بـ 26
- الاستحواذات شملت الخدمات المصرفية والقطاع الصناعي والطاقة المتجددة والاتصالات والنقل والأدوية
- السيسي عقد مباحثات مع فرنسا وألمانيا لمبادلة ديون القاهرة لديهما بأصول مصرية في قطاع الغاز
- "نيوميد إنرجي" الصهيونية أعلنت نيتها الاندماج مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية العاملة بقطاع النفط في مصر
- رئيس هيئة قناة السويس أعلن طرح أولى شركات القناة بالبورصة على أن يلي ذلك طرح شركتين أخريين لاحقا
- 1000 شركة وهيئة اقتصادية تحت مقصلة البيع في 4 سنوات دون طرح الأمر للمشاركة المجتمعية
إنسان للإعلام- خاص:
مع نهاية عام 2022 تأكد للجميع استمرار السيسي في سياسات التفريط في ممتلكات مصر ومؤسساتها الاقتصادية والاستراتيجية، والتي تمس الأمن القومي، لقاء سداد ديون ورط مصر فيها منذ انقلابه على الرئيس الشرعي الدكتور محمد مرسي رحمه الله.
وفي الحلقة الثانية من حصاد "2022"، نرصد الأصول الحكومية التى تم التفريط فيها وحجمها، وكيف تم تسليم مقدرات مصر لدول خليجية، ومن ورائهم الصهاينة، وخطورة هذه السياسات على الأمن القومي المصري.
بيع مصر للخليج في 2022
شهد عام 2022، أكبر مراحل التفريط من قبل السيسي ونظام في ممتلكات مصر، وقد كشف تقرير إحصائي لصفقات الدمج والاستحواذ، عن تراجع عالمي بصورة كبيرة، في العام 2022، والذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.8 تريليون دولار، في حين سجلت القيمة الإجمالية للصفقات في عام 2022 ما قيمته 3.66 تريليون دولار، بانخفاض 37% عن عام 2021، لكن في المقابل ظهرت موجة استحواذات خليجية، غير مسبوقة، على السوق في مصر للأصول والشركات.
لكن نشرة إنتربرايز الاقتصادية، أشارت إلى أمر ملفت بالنسبة لمصر، وقالت إن صناديق الثروة السيادية الخليجية، قادت موجة شرائية في السوق، ما أدى إلى تعزيز الدور المحوري للخليج في اقتصاد مصر.
وقالت إن عدد صفقات الدمج والاستحواذ، زادت بأكثر من الضعف في عام 2022، وارتفع عدد الصفقات المكتملة في مصر إلى 66 في عام 2022، ارتفاعا من 31 في العام السابق2021.
وأوضحت أن الغالبية العظمى من صفقات الدمج والاستحواذ وافدة إلى البلاد، مع إبرام عدد محدود فقط من الشركات المصرية صفقات في الخارج، في حين سيطر الخليج على الصفقات الوافدة، وشاركت الشركات والمؤسسات من السعودية والإمارات في 40 صفقة بينهما في عام 2022، بينما شاركت الكويت وقطر في عدد قليل.
وعلى صعيد القطاع الأكثر رواجا، كانت الخدمات المصرفية والمالية، تليها الصناعة والطاقة، واكتملت 16 صفقة دمج واستحواذ في القطاع المصرفي، و 9 صفقات، في القطاع الصناعي، و 4 منها في الطاقة و اثنتان في مصادر الطاقة المتجددة.
وتعد صفقة استحواذ فوادكوم، على 55 بالمئة، هي حصة فودافون في "فودافون مصر"، هي الأكبر لهذا العام، وبلغت 2.5 مليار دولار.
في حين كاد بنك أبو ظبي الأول ينجح بتحقيق أهم صفقة استحواذ في القطاع المالي بمصر، حين عرض الاستحواذ على حصة أغلبية في المجموعة المالية هيرميس، وكانت الصفقة تقدر بـ1.2 مليار دولار، قبل سحبه العرض منتصف العام الجاري، على وقع تقلبات الأسواق العالمية، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى صعيد صناديق الثروة السيادية الخليجية، كان 2022 عامها، وسمحت الأزمة لصناديق السعودية والإمارات تحديدات، بتوسيع النفوذ بشكل كبير في الاقتصاد المصري، مع المساعدة في دعم المعروض المتضائل من النقد الأجنبي في البلاد.
بالإضافة إلى إيداع 10 مليارات دولار في البنك المركزي المصري، ضخ صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي (الشركة القابضة إيه دي كيو) وصندوق الاستثمارات العامة السعودي نحو 3.1 مليار دولار للاستحواذ على حصص أقلية كبيرة في بعض أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية من الحكومة.
ويمتلك الصندوقان معا ما يقرب من نصف أكبر شركتين للأسمدة في مصر، وتمتلك القابضة أيه دي كيو وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الآن 41.5% من شركة أبو قير للأسمدة و45% من شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو".
وأصبحت القابضة أيه دي كيو أكبر مساهم مستقل في البنك التجاري الدولي، أكبر بنوك القطاع الخاص في البلاد، وشركة فوري الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية. اشترى الصندوق حصة 17.2% في البنك التجاري الدولي مقابل 911.5 مليون دولار و11.8% من فوري مقابل 55 مليون دولار تقريبا
وفي الوقت نفسه، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة 25% في إي فاينانس الحكومية، وتفيد تقارير أنه يجري حاليا محادثات مع البنك المركزي للاستحواذ الكامل على المصرف المتحد.
وفي القطاع الدوائي، زاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي، من وجوده في قطاع الأدوية في مصر من خلال الاستحواذ على 4.7 بالمئة من شركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية (إيبيكو) وزيادة حصته من شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية (راميدا) ليصبح ثاني أكبر مساهم في الشركة.
واستحوذ على 34% من شركة "بي تك"، المتخصصة في تجارة التجزئة وتوزيع الأجهزة المنزلية والإلكترونية مقابل مبلغ لم يكشف عنه، بينما أكملت القابضة إيه دي كيو الاستحواذ على حصة حاكمة في مجموعة عوف للأغذية الصحية المالكة لعلامة أبو عوف التجارية الغذائية الشهيرة. ودخل صندوق الاستثمارات العامة، إلى جانب صناديق أخرى لم يكشف عنها، إلى قطاع التعليم من خلال الاستحواذ على حصة 15% في سيرا للتعليم.
أما في القطاع العقاري، فبقيت المحاولات مستمرة لمزيد من الاستحواذ استحوذت القابضة أيه دي كيو، جنبا إلى جنب مع شركة العقارات الإماراتية العملاقة "الدار العقارية" على شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) في أواخر عام 2021 في ظل مساهميها الجدد.
وتحركت سوديك وهي بالفعل واحدة من المطورين الرائدين في مصر، لتوسيع بصمتها هذا العام. بعد فشلها في محاولة للاستحواذ على شركة مدينة نصر للإسكان والتعمير في الصيف، وقدم المطور مؤخرا عرضا مبدئيا للاستحواذ على 100% من أوراسكوم العقارية ويجري حاليا الفحص النافي للجهالة على الشركة.
وعلى صعيد الموانئ المصرية، باتت الاسكندرية لتداول الحاويات والبضائع مملوكة حاليا لأغلبية من صناديق الثروة الخليجية، بعد موافقة مؤسسات الدولة على بيع حصصها لتوفير سيولة من العملة الصعبة للبلاد.
واستحوذت القابضة أيه دي كيو على ثلث الشركة المدرجة في البورصة المصرية مقابل 186.1 مليون دولار في أبريل، وحذا صندوق الاستثمارات العامة السعودي حذوها بعد أربعة أشهر باقتناص حصة 20% مقابل نحو 156.3 مليون دولار.
كما باتت إحدى شركات الشحن الرائدة في القطاع الخاص في البلاد، مملوكة الآن لشركة موانئ أبو ظبي التابعة للقابضة أيه دي كيو، ودفعت موانئ أبو ظبي، التي تمتلك القابضة إيه دي كيو حصة الأغلبية فيها، 140 مليون دولار لشراء حصة 70% من شركة الشحن والخدمات اللوجستية المصرية إنترناشونال أسوسييتيد كارجو كارير "أي أيه سي سي)" وهي شركة استثمار مصرية تمتلك شركتين محليتين للخدمات اللوجستية البحرية: شركة ترانسمار، وهي خط شحن مقره مصر، ومشغل المحطات ترانسكارجو الدولية "تي سي آي".
ولا يقتصر التعطش للسيطرة على الأصول المصرية، حكرا على صناديق الثروات الخليجية، وباتت كل من الشركة المصرية البلجيكية للاستثمارات الصناعية المصنعة لمنتجات المخبوزات والكرواسون التي تحمل العلامة التجارية "أوليه"، وجيزة سيستمز في أيدي السعودية.
ومن القطاع الخاص الإماراتي، تحاول شركة الأصباغ الوطنية القابضة الإماراتية الاستحواذ على شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين) المدرجة في البورصة المصرية، والتي تمتلك مؤسسات وبنوك حكومية أكثر من نصفها، بينما اشترت شركة ريمكو للاستثمارات 3% من شركة إيديتا الرائدة في صناعة الوجبات الخفيفة. كما عرضت ذراع التوزيع لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) الاستحواذ على نصف شركة توتال إنرجيز مصر، وهي واحدة من أكبر مشغلي محطات بيع الوقود في البلاد.
ونشطت إحدى المجموعات الاستثمارية الإماراتية غير الحكومية، بشكل خاص في مصر هذا العام، واستحوذت شيميرا للاستثمارات على 56 بالمئة من بلتون المالية القابضة مقابل 20.3 مليون دولار في تموز/ يوليو، وتبعها شراء حصة 22 بالمئة في "إم إن تي إنفستمنتس الهولندية" المملوكة بحصة أغلبية من قبل شركة جي بي كابيتال للاستثمارات المالية.
ووافقت شركة جي بي أوتو التابعة هذا الشهر على بيع حصة 45% في جي بي للتأجير التمويلي لشركة الاستثمار الإماراتية، وهي صفقة قد تكتمل قبل نهاية العام إذا وافق عليها مجلس إدارة جي بي أوتو.
ولم يقتصر النشاط الخليجي على السعودية والإمارات، ونشطت قطر كذلك في محاولات استحواذ، وكانت إحدى العوامل الرئيسية التي حفزت مصر على التقارب مع خصمها الإقليمي السابق هو البحث عن استثمارات أجنبية مباشرة جديدة، وكانت الدوحة سعيدة للغاية للدخول في محادثات للحصول على حصص في الشركات المصرية.
قاد المناقشات على الجانب القطري جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادية في البلاد، الذي ورد أنه يدرس إنفاق ما يصل إلى 2.5 مليار دولار لشراء حصص مملوكة للحكومة في عدد من الشركات بما في ذلك فودافون مصر
واستمرت المحادثات مع صندوق الثروة السيادية القطري طوال العام مع القليل من الإفصاح من الأطراف المعنية، على الرغم من إيداع جهاز قطر للاستثمار مليار دولار لدى البنك المركزي المصري كوديعة مؤقتة حتى يتم الانتهاء من الاتفاقات. رفع هذا المبلغ قيمة الودائع القطرية لدى المركزي المصري في عام 2022 إلى 4 مليارات دولار بعد تحويل أولي بقيمة 3 مليارات دولار في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب في أوكرانيا.
وتعهدت الدوحة في مارس باستثمار 5 مليارات دولار في مصر استجابة للأزمة، ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على صندوق الثروة السيادية فحسب، فقد صارت شركة "بلدنا" القطرية لصناعة الألبان ثالث أكبر مساهم في جهينة بسلسلة من صفقات شراء الأسهم خلال العام الذي شهد استحواذها على أكثر من 10% من الشركة
إضافة إلى ذلك بدأت منصة فاليو للشراء الآن والدفع لاحقا، التابعة لمجموعة هيرميس المالية، التوسع في السعودية، بالإعلان عن شراكة مع عائلة الحكير
وقالت المجموعة إن فاليو وافقت على شراء 35% من شركة الخدمات المالية غير المصرفية السعودية الجديدة فاس للتمويل من فاس لابس المملوكة جزئيا لعائلة الحكير السعودية، بينما سيشتري أبناء عبد العزيز الحكير الثلاثة حصة 5% في فاليو.
ثم مضت فاليو قدما بالاستحواذ بالكامل على منصة الرواتب الرقمية "باي ناس" في أغسطس واقتناص حصة أقلية في تطبيق التكنولوجيا المالية كيوي لحلول الدفع الاجتماعي في أكتوبر، بالإضافة إلى الاستثمار في منصة التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هودز.
ويبدو أن عام 2023 لن يختلف كثيرا بالنسبة للشركة بعد أن أعلنت أنها ستنفق 25 مليون دولار في صفقات استحواذ جديدة وطرح منتجات جديدة."1"
مصر خسرت أصولها السيادية
وفي سياق التفريط، غلبت على الحكومة المصرية خلال العام 2022، سياسة طرح الأصول السيادية والشركات الاستراتيجية للبيع لصالح الصناديق المالية والسيادية والشركات العربية الإماراتية منها والسعودية والقطرية، وحتى الإسرائيلية.
وواصل النظام بيع شركات حكومية رابحة في 2022، في إطار حاجته لنحو 40 مليار دولار لسداد خدمة ديونه، والمستحقة في 2022 و2023، وتنفيذا لوثيقة ملكية الدولة التي طرحتها في حزيران/ يونيو الماضي.
الوثيقة، تهدف إلى تخارج الحكومة من قطاعات استثمار عديدة، وتشمل خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص في خمس سنوات.
وفي 26 حزيران/ يونيو 2022، أعلنت مصر عن رغبتها في جذب استثمارات بـ 10 مليارات دولار سنويا خلال أربع سنوات، ببيع حصص في أصول مملوكة للدولة لمستثمرين محليين ودوليين
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعادت الحكومة إطلاق برنامج الطروحات بالبورصة المحلية، فيما أقرت الهيئة العامة للرقابة المالية تعديلات تسمح بتحريك ملف الطروحات الحكومية.
في هذا الإطار أسس الصندوق السيادي المصري في الشهر ذاته، صندوقا فرعيا يختص بإعادة هيكلة الأصول المملوكة للدولة وطرحها على القطاع الخاص.
أتي تلك التوجهات، وفق مطالب صندوق النقد الدولي، الذي طالب أيضا بتخارج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد، الأمر الذي دفع للإعلان عن بيع بعض شركات الجيش بصفقات لم تتم حتى الآن، لكن تترقبها بشدة الصناديق العربية.
المثير أن حصيلة ما جرى بيعه من شركات مصرية في 2022 يجري تخصيصه لدفع خدمة الدين، وهي الأزمة المستمرة في 2023، حيث تبلغ أعباء الديون نحو 17.6 مليار دولار، لذا فإن الحكومة المصرية ستواصل بيع الأصول والاقتراض الخارجي معا.
ورصد موقع "عربي 21" أهم ما جرى طرحه للبيع خلال 2022 من أصول مصر السيادية وشركاتها الاستراتيجية، وأطراف تلك الصفقات، والقيم التي جرى وفقها البيع، كما أنها طرحت على مراقبين، التساؤل عن حجم خسارة الاقتصاد المصري من هذا التوجه.
وأجريت مفاوضات مصرية- صينية، بالعاصمة السويسرية جنيف لمبادلة ديون مقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بين موانئ ومطارات.
وعقدت مباحثات فرنسية ألمانية مع مصر لمبادلة ديون القاهرة لديهما بأصول مصرية في قطاع الغاز.
وأعلنت "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية (ديليك دريلينج سابقا)، عن نيتها الاندماج مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية العاملة بقطاع النفط والغاز المصري بالصحراء الغربية المصرية وشمال الدلتا.
وأعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية عن خططها لإطلاق شراكة مع "إنلايت" للطاقة المتجددة المدرجة في بورصة تل أبيب، للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بمصر.
من جهة ثانية، أعلن رئيس هيئة قناة السويس، أسامة ربيع، أن الهيئة ستطرح أواخر 2022 أولى شركات القناة بالبورصة المصرية، على أن يلي ذلك طرح شركتين أخريين لاحقا.
وقال الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية الدكتور مصطفى يوسف: "في 2022، تم التخلص من شركات حكومية عديدة، ودائما يتم التلويح ببيع شركات للجيش، وهو ما لم يتم، وأعتقد أنهم سيبيعون شركة أو اثنتين من 80 تستحوذ عليها القوات المسلحة".
وأضاف يوسف لـ"عربي21": "الصناديق السيادية العربية تنتقي أفضل الأصول السيادية، وفي القطاع البنكي أفضل البنوك".
ولفت إلى أن "ذلك البيع المتواصل يأتي بسبب سياسات النظام الاقتصادية والمالية الخاطئة التي أوصلت البلاد لتعويم العملة المحلية 3 مرات منذ حفر تفريعة قناة السويس في 2015، بعدما جرى تدمير سوق العملة فاضطر للتعويم الأول في 2016".
وأكد أن "الدولار سجل 6.35 جنيها قبيل انقلاب 2013، وأكثر من 7 جنيهات ببداية عهد السيسي، ثم 8 جنيها بعد حفر التفريعة، لكنه مع التعويم الأول وصل 19 جنيها، ثم تراجع إلى 16 جنيها تقريبا حتى 2022"
وتابع: "منذ أقيمت الجمهورية الجديدة انخفضت قيمة الجنيه 5 مرات، ولأن حجم الخراب كبير مع سياسات الاقتراض والديون فإنه واصل بيع الأصول في 2022، وفقا لطلب صندوق النقد الدولي، حتى لا يتبقى من أصول مصر شيئا وتصبح بيد السعوديين والإماراتيين".
وأشار إلى بيع "شركات في قطاعات الموانئ والأسمدة والقطاع المالي دون القيم العادلة، وخسر الاقتصاد المصري عشرات المليارات من الدولارات خلال عامين، خاصة في ظل فساد وعدم شفافية وغياب حرية تداول المعلومات".
وقال إن "الحل للخروج من هذا المأزق أن تخرج هذه الإدارة الفاشلة، وبعدها يجب دمج جميع الشركات المملوكة للمؤسسة العسكرية للموازنة العامة للدولة، ثم بيع بعض الشركات القليلة للمصريين مع عدم تملك الأجانب لها".
وفي تعليقه انتقد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، سياسة بيع أصول وشركات مصر، مؤكدا لـ"عربي21" أن "خسارة الاقتصاد المصري كبيرة جدا ولا يمكن حصرها".
وقال: "من المفترض أنه كانت لدينا شركات ذات تاريخ وثقل في السوق المصرية ولها سمعة محلية وعربية، ولها مساحات واسعة من الأراضي، وظلت تعمل وتنتج قائمة بلا أزمات؛ ولا شك أن بيعها يمثل خسارة كبيرة مالية واقتصادية لمصر، وخسارة بأمور أخرى كثيرة"."2"
موجة الخصخصة الجديدة
أكدت ورقة بحثية أن نحو 1000 شركة وهيئة اقتصادية مملوكة الدولة أو تشترك في ملكيتها كانت هدفا للخصخصة خلال عام 2022 ، والسنوات الأربع المقبلة، وأن مُلاك تلك الثروة، الشعب، لن يُسمح لهم بإبداء الرأي في مصيرها عبر أي حراك، ولن يمكنهم وقف تنفيذ قرار التصرف في ممتلكاتهم".
واستندت الورقة التي نشرها موقع (The Tahrir Institute for Middle East Policy) إلى تقرير صندوق النقد الدولي الذي سبق الإشارة له ، تمتلك الدولة أكثر من 300 شركة، من ضمنها شركات تندرج تحت قطاع الأعمال العام والقطاع العام وشركات مملوكة للقوات المسلحة، بالإضافة إلى ما يقرب من 645 شركة أو مشروع مشترك مع القطاع الخاص و53 هيئة اقتصادية، يمثل كلا منها هدفا محتملا للخصخصة خلال السنوات الأربعة القادمة على الأقل.
وأضاف محرر الورقة أنه "بغض النظر عن مدى وجاهة الأسباب وراء قرار الخصخصة أو عدالة السعر أو تأثير القرار على السوق، فمن المؤكد أن ملاك تلك الثروة، الشعب، لن يسمح لهم بإبداء الرأي في مصيرها عبر أي حراك، ولن يمكنهم وقف تنفيذ قرار التصرف في ممتلكاتهم".
وعن الفارق بين الواقع وما يبدو، قالت الورقة إنه "سيبدو بعدها أن الاقتصاد قد صار أكثر حرية، تبعا لمعايير صندوق النقد الدولي، ولكن بعدما تم تقليم أظافر المجتمع، وسلب حقه في الرقابة على ممتلكاته".
وأبانت أن "هذه المرحلة الجديدة من الخصخصة تأتي في سياق مجال عام مُغلق ومقيد، يحاول المجتمع المدني بطبيعة الحال مواجهة قانون الطعن على عقود الدولة، الذي يبدو فريدا في سلطويته بما يشمله من نزع حق المجتمع في الرقابة على مصير ممتلكاته، وتقييد حق التقاضي، فطالب أمام المحكمة الإدارية ، وهي المحكمة المختصة بالنظر في الطعون على القرارات الحكومية بإحالة القانون للمحكمة الدستورية".
وأشارت إلى أنه "بالفعل قضت إحدى دوائر هذه المحكمة بإحالة القانون للمحكمة الدستورية العليا، للنظر في مدى توافقه مع الدستور من عدمه، بناء على تقرير من هيئة مفوضي الدولة ، وهو قطاع تابع للمحكمة الإدارية يضم خبراء يقدمون الرأي الفني لهيئة المحكمة ، يشكك في دستورية مواد في القانون. "3"
السيسي وتاريخ طويل من التفريط
ومنذ تولي السيسي"، الحكم بعد انقلابه العسكري ، تحيط السرية تفاصيل أغلبها، تثبت مع مرور الوقت تفريط القاهرة في أصولها الاستراتيجية.
ولعل الحديث الدائر منذ أيام حول تشريع لتعديل قانون هيئة قناة السويس، بما يسمح بتأجير وبيع أصولها؛ يثير المخاوف مجددا من احتمالات التفريط في ممر ملاحي يعتبره المصريون معبرا عن الاستقلال الوطني.
وأكثر ما يقلق المصريين أن تكون عملية التصرّف في أصول قناة السويس أشبه بالطريقة التي جرى التصرف فيها في جزيرتي تيران وصنافير، أو التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ بشأن إنشاء سد النهضة الإثيوبي، وهو ما عرّض الأمن الاستراتيجي المصري واستقلال قرارها الوطني وجعله مرهونا في يد دول أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، لا تزال مصر تعاني تدعيات تفريط "السيسي" في مقدراتها لصالح دعم قوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر"، وتنازله عن حقوقه في الغاز شرق المتوسط.
ونرصد اهم محطات التفريط في حقوق مصر في مختلف المجالات فيما يلي:
1- في ربيع 2015، وقع "السيسي"، في العاصمة الخرطوم، اتفاق مبادئ مع كل من إثيوبيا والسودان، يعتبره المصريون بوابة سمحت لأديس أبابا لتمويل بناء سد النهضة من البنوك والمؤسسات الدولية ، اتفاق المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث، قوى ظهر إثيوبيا ولهجتها في الحديث عن ملء السد، بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع مصر والسودان ، وفي كل مرة تفشل فيها المفاوضات الثلاثية أو تلك التي تدخلت فيها بعض البلدان أو الكيانات الإقليمية والدولية بنوع من الوساطة والرعاية، ومع كل تصريح إثيوبي يعتزم تخزين المياه أمام السد، كانت جميع الأنظار تعود إلى مشهد توقيع اتفاق إعلان المبادئ. ووفق تصريحات إثيوبية عديدة، فإن أديس أبابا تستند إلى هذا الاتفاق لشرعنة إتمام ملء سد النهضة بدون الرجوع إلى كل من القاهرة والخرطوم، رغم فشل جميع المفاوضات.
في الوقت نفسه، تلوم المعارضة المصرية "السيسي" كونه وقع على اتفاق تعتبره إهدارا لحقوق مصر التاريخية في نهر النيل، بينما يقول مؤيدون للسلطة إن الاتفاق يخلو من أي شرعنة تدعيها إثيوبيا أو إهدار لحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل.
ووفق المعارضة المصرية، سعت أديس أبابا عبر الاتفاق للوصول إلى مبادئ إرشادية عامة تمنحها الحق في البناء دون مقابل ولا ضمانات، كما رفضت احتفاظ القاهرة بحصتها التاريخية في مياه النيل (55 مليار متر مكعب) بدعوى أن ذلك سيؤثر على الحصة الإثيوبية وقت الجفاف المتوسط والممتد أثناء الكوارث الطبيعية.
وتعتبر مصر سد النهضة الإثيوبي تهديدا كبيرا لمواردها من المياه العذبة، والتي يأتي أكثر من 90% منها من نهر النيل.
2- في 24 يونيو/حزيران 2017، صادق "السيسي" على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، والتي انتقلت بمقتضاها جزيرتي تيران وصنافير لحوزة المملكة، وذلك بالتزامن مع إعلان الرياض منح القاهرة مبلغ 2 مليار دولار.
هذه الخطوة جعلت "تيران" م ضيقا دوليا يحق للاحتلال الإسرائيلي وغيره من دول العالم المرور به، بعدما كان مصريا خالصا.
ووفق مراقبين وناشطين، فإن تنازل مصر عن الجزيرة كان خطأ استراتيجيا أثر على أمن البلاد القومي، وعلى اقتصادها وتجارتها وعلى عبور السفن لقناة السويس، وذلك لما منحه ذلك التنازل للاحتلال من حق المرور الحر في مضيق "تيران" كممر ملاحي دولي.
ومنح التنازل المصري للاحتلال فرصة عقد اتفاقيات نقل البترول من الإمارات عبر سفن عملاقة إلى ميناء إيلات مرورا بمضيق تيران، والتي كانت أول شحنة لها في 28 أيار/ مايو 2021، ما يؤثر على مستقبل قناة السويس.
وتفصح صفقة النظام المصري على نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية عن حجم التحوّلات، التي تمضي فيها سياسة البلدين، والتوافقات الجديدة والتحالفات التي ترسّم سياسة الشرق الأوسط وموقع إسرائيل منها، التي تتخفى في تفاصيله كـ"الشيطان"، فيما تبدو القاهرة في موقع التبعية للرياض.
3- في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، عقدت قمة "كالاماتا" بين مصر وقبرص واليونان، تخلت عبرها مصر عن آبار الغاز لقبرص وإسرائيل، وامتثلت لخريطة البنية التحتية الإسرائيلية التي نشرتها في 2011، وتجعل آبار الغار المتنازع عليها بينها وبين مصر في شرق البحر المتوسط، حكرًا لتل أبيب.
حتى أنه في 18 مارس/آذار 2015، أعلن عن تحول مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة تستورد الغاز من إسرائيل.
وفي 2019، توصلت القاهرة إلى اتفاق ودي مع تل أبيب تدفع بموجبه 500 مليون دولار تعويضا لإسرائيل، في إطار التحكيم الدولي الذي جرى بعد انهيار اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وفي أغسطس/آب 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق البحر المتوسط، وهو ما وصف بأنه تنازل جديد من "السيسي" عن مواقع تحوي ثروات ضخمة من الغاز.
وفي يوليو/تموز 2022، أثار التفاوت في ردود الأفعال حول عوائد اتفاقية الغاز المبرمة بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي تساؤلات حول مدى استفادة مصر من الصفقة، في ظل تأكيد مراقبين أن تل أبيب هي الرابح الأكبر منها، وأن هناك مبالغة في ما أثير عن مكاسب مصر منها.
4- قناة السويس: على الرغم من قبول البعض لبيع أصول في شركات مملوكة للحكومة، إلا أن الحديث عن بيع أصول قناة السويس، كان له الوقع الأكبر بين المصريين.
فقد جاء الدور على قناة السويس، درة أصول مصر، والتي تدر على موازنة الدولة نحو 7 مليارات دولار سنويا، حيث تقدمت الحكومة للبرلمان بمشروع قانون يقضي بإنشاء صندوق سيادي خاص جديد للهيئة يجري تمويله من إيرادات الهيئة وفائض أرباحها، ويعتبر من أشخاص القانون الخاص وليس العام.
هذا الصندوق بصلاحياته الواردة في القانون يعد بابا خلفيا لخصخصة قناة السويس وبيع أصولها وربما إعادتها مرة أخرى للأجانب، فالصندوق يضع يده على أصول وأموال واستثمارات وشركات أهم ممر مائي في العالم ويتصرف في تلك الأصول سواء بالاستثمار أو التأجير أو البيع.
كما أن المخاوف من استغلال القناة في الاستدانة الخارجية، تأتي وسط معاناة مصر من أزمة ديون متفاقمة، حيث اضطرت في السنوات العشر الأخيرة للاستدانة من منظمات مالية دولية ودول عربية ما يقارب 120 مليار دولار.
ويبلغ حجم الدَّين الخارجي للبلاد نحو 157.8 مليار دولار، وفق تقرير البنك المركزي المصري لشهر سبتمبر/أيلول الماضي، ما يعني أنه زاد بنحو 5 أضعاف مقارنة بحجمه قبل 10 أعوام، حيث بلغ في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار.
والمخاوف تجاه مستقبل قناة السويس لا تقتصر على البعد الاقتصادي، فثمة أبعاد جيوسياسية وتاريخية واجتماعية تخص الممر الملاحي المصري
وكان للحكومة المصرية 15% من الأرباح السنوية للقناة، لكن في عام 1880 وأمام ضغوط الديون تنازلت القاهرة للبنك العقاري الفرنسي عن حقها في الحصول على نسبتها؛ وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وإنجلترا، للأولى 56% من الأسهم وللثانية 44%."4"
المصادر:
- "استحواذات خليجية غير مسبوقة على شركات وأصول مصرية في 2022" ، عربي21، 22ديسمبر 2022، https://cutt.us/vyqhL
- "كم خسرت مصر من أصولها السيادية وشركاتها الاستراتيجية في 2022؟"، عربي21، 17ديسمبر 2022، https://cutt.us/8GcZc
- "موجة الخصخصة الجديدة.. بيع أصول الدولة “والشعب غياب”!" ، بوابة الحرية والعدالة ،22 ديسمبر، 2022 ، https://cutt.us/bGcuB
- "كيف تفرط مصر في أصولها الاستراتيجية منذ بداية حكم السيسي؟" ،الخليج الجديد،25 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/Pinwk