2022 شهد تراجعات اقتصادية غير مسبوقة.. شبح انهيار كلي يهدد مصر في 2023

السبت - 31 ديسمبر 2022

 

 

  • الاقتصاد المصري حقق أكبر إخفاقاته وهبط بالمصريين إلى مستوى الفقر المدقع بسبب سياسات السيسي الفاشلة
  •  الجنيه فقد حوالي 60% من قيمته بعد فخ التعويم الثاني والثالث والرابع وتراجع في السوق السوداء  بنسبة 110%
  • العام المنقضي شهد ضغوط صندوق النقد وعزوف المستثمرين الأجانب ما دفع الحكومة لرفع الفائدة 200 نقطة    
  • هروب 20 مليار دولار من الأموال الساخنة.. وتحويل مستثمرين مصريين أموالهم للخارج بعد اعتقال غيرهم والتنكيل بهم  
  • غرق مصر في ديون خارجية غير مسبوقة بلغت 166 مليار دولار والدين الداخلي قفز إلى أكثر من 5 تريليونات جنيه
  • التزامات خدمة الدين الخارجي فقط وصلت إلى 42.2 مليار دولار في موازنة العام المالي 2022-2023
  • تراجع  التصنيف الدولى للاقتصاد المصري إلى "سلبي".. وانخفاض النمو  بنسبة 2.3% عن العام الماضي
  • ارتفاع  التضخم إلى 20%  تبعه ارتفاع هستيري في الأسعار.. والحكومة تواصل فرض الضرائب والجبايات
  • نسبة البطالة في 2022 بلغت أكثر من 25%  نتيجة التراجع المستمر في نشاط القطاع الخاص
  • صندوق النقد: الوضع الاقتصادي المصري "متدهور".. ووكالة بلومبيرج: "مصر معرضة لخطر الأنهيار"   
  • خبراء : 2023 لن يكون أحسن حالا للاقتصاد المصري بل سيحمل معه مزيدا من الأعباء غير المسبوقة

 

إنسان للإعلام- خاص

رحل عام 2022، لكنه ترك لمصر والمصريين إرثا غير مسبوق من الكوارث في مختلف المجالات.

نتناول في هذا الملف، وهو الأول في سلسلة حصاد 2022 في مصر، الشأن الاقتصادي، فنتيجة للسياسات الاقتصادية الفاشلة للسيسي ونظامه، وصل معظم المصريين إلى مستوى الفقر المدقع، وغرقت البلد في الديون، وتراجع  التصنيف الدولى لاقتصادها، وارتفع التضخم وزادت البطالة، وهوى الجنيه المصري إلى القاع أمام العملات الأجنبية، وتوقع خبراء أن 2023 لن يكون أحسن حالا للاقتصاد المصري بل سيحمل معه مزيدا من الأعباء غير المسبوقة.

كوارث اقتصادية غير مسبوقة

سجل الاقتصاد المصري في 2022، العديد من الإخفاقات، وسقط في الكثير من الأزمات، ووضع المصريين أمام كوارث اقتصادية، وأزمات اجتماعية، وهبط بملايين المصريين إلى سلم الفقر، والفقر المدقع، مع استمرار السياسات الخاطئة لعبدالفتاح السيسي.

وبفعل تأثير الحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير 2022، تفاقمت أسعار المواد الغذائية التي ألهبت ظهور المصريين.

خلال العام، وقع المصريون في فخ التعويم الثاني للجنيه في آذار/ مارس الماضي، ثم تعويم ثالث في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع انتظار التعويم الرابع في كانون الأول/ ديسمبر الجاري، والذي هبط بقيمة الجنيه مقابل الدولار من 15.60 إلى نحو 24.5 رسميا، وإلى نحو 35 جنيها في السوق السوداء."1"

ويعتبر   2022العام الأسوأ في تاريخ الجنيه المصري، حيث تراجع خلال تعويمين، مقابل العملات الأجنبية، خصوصا الدولار ليخسر أكثر من 60 بالمئة في البنوك المحلية و110% في السوق السوداء لتبلغ قيمته أمام الدولار في السوق السوداء نحو 37 جنيها بعدما بلغ مطلع هذا العام 15.65 ليسجل أسوأ انهيار في تاريخه.

وكشف تقرير أعده ستيف هانكي، أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة "جونز هوبكنز" أنه مع استمرار تراجع الجنيه، انضم إلى قائمة أسوأ 10 عملات أداء في عام 2022، بعد أن انخفض إلى مستويات قياسية وتراجع في البنوك إلى 24.70 جنيها أمام الدولار ، نتيجة تدهور وضع السيولة وتراكم الالتزامات الخارجية وتراجع الاحتياطي النقدي.

يشار إلى أن الجنيه بدأ رحلة الهبوط في شهر مارس الماضي بأكثر من 15% ليصل الدولار إلى 18.30 بدلا من  15.63 وسط أجواء مضطربة وهروب الاستثمارات ، بسبب الأزمة المالية التي لاحت بوادرها مبكرا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا ما شكل ضغطا جديدا ومستمرا على العملة المحلية.

وبعد انتهاء شهر مارس واصل الجنيه تراجعه بشكل تدريجي أمام الدولار من 18.30 حتى 19.70 في البنك المركزي ، ولكنه تجاوز هذا الرقم بنحو 15% في السوق السوداء، وسط إقبال كبير على العملة الأجنبية.

وتحت ضغوط صندوق النقد الدولي واستمرار عزوف المستثمرين الأجانب وتراجع دعم الدول الخليجية ، قررت حكومة الانقلاب اتخاذ خطوة أكثر قسوة في نهاية أكتوبر الماضي ورفعت العائد على الفائدة 200 نقطة (2%) وسمحت بهبوط الجنيه مجددا حتى وصل إلى 24.74 ليهبط مرة أخرى بنسبة 20%.

وعقب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على تمويل قيمته 3 مليارات دولار  لمدة 46 شهرا، واصلت السوق السوداء ضغوطها على الجنيه حتى وصل الدولار إلى أكثر من 37 جنيها . "2"

هروب جماعي للمستثمرين  

كما شهد عام 2022، خروج مستثمرين عرب وجانب من السوق المصري، وتراجع الاقتصاد مع هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من مصر، ومغادرة بعض الاستثمار الأجنبي. 

 مراقبون أشاروا إلى أن ما يجري محاولة للهروب من تضييقات النظام وحتى قبضته على رجال الأعمال كما حدث مع صفوان ثابت ، والسواركي ، وحسن راتب ومحمد الأمين .

وفي نهاية العام قام ابناء رجل الأعمال الراحل، محمد فريد خميس، ببيع نحو ربع أسهم شركة "النساجون الشرقيون" الأكبر في صناعة السجاد والموكيت في مصر، لشركة إنجليزية، مما اثار الجدل، بشأن هروب بعض المستثمرين من السوق المحلية وتعقيدات قوانينها وتشابك المصالح وتنافراتها مع النظام وإمبراطورية الجيش، إلى أسواق أخرى طلبا للحماية، و"النساجون الشرقيون"، أسسها رجل الأعمال الراحل محمد فريد خميس، (توفي 19 أيلول/ سبتمبر 2020) بمدينة العاشر من رمضان (شرق القاهرة)، عام 1981، لإنتاج وبيع وتصدير السجاد الميكانيكي والألياف.

ومؤخرا، أعلنت الشركة عن نقل ملكية "24.61 بالمئة" من أسهم رأسمال الشركة ببورصة مصر، والمملوكة لـ ياسمين وفريدة -نجلتي رجل الأعمال الراحل- إلى شركة إنجليزية تحمل اسم "FYK LIMITED"، بقيمة 1.37 مليار جنيه ، ووصفت الشركة، عملية نقل الأسهم لشركة إنجليزية مملوكة لصاحبتي الأسهم المباعة بأنها إعادة هيكلة لـ"زيادة قدرة شركات "النساجون" على تنوع مصادر التمويل دوليا وتعزيز المعاملات التمويلية".

الجدل بشأن  هروب رجال الاعمال من مصر، والانضواء تحت أسماء وقوانين سوق أجنبية، يعود للتعامل الأمني  الخشن للنظام مع رجال الأعمال، ومدى أثر ذلك على الاقتصاد المصري.

وفي إجابته، يرى السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن هذا الوضع هو "نتاج طبيعي لحالة التخبط التي تسود الأسواق المصرية، والقرارات العكسية، وعدم تفهم الحكومة وإدارة البلاد أن الوقت الحالي ليس وقت فرض الضرائب وارتفاع تكاليف الإنتاج".

موسى، في حديثه لـموقع"عربي21"، أكد أن "الدول التي تهتم بالتنمية وتحاول تدراك الوقت الراهن مع حالة التضخم والركود، هي الدولة التي تبغي التنمية الفعلية، وهي من تخفف الضرائب وتكاليف الإنتاج على المنتج والمستثمر".

يرى السياسي المصري، أن "البلاد الآن بها تخبط وغياب للحلول، والإدارة غير مدركة أن البلد تنهار اقتصاديا، وأن هناك تسربا كبيرا لرؤس الأموال والمستثمرين، لعدم الإحساس بالأمان والخوف من تأميم شركاتهم"، ويعتقد أن "البديل للمستثمر هو السعي كما فعلت ابنتا فريد خميس، لأن يكون لديهم مؤسسة بالخارج لتأمين الأموال في حالة الاستيلاء على شركتهم بمصر".

وفي تعليقه، لا يعتقد المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، أنه "من المفترض ألا يكون هناك تعجب من ظهور مبادرات متعددة تتم الآن لبيع حصص مختلفة من الشركات والمؤسسات إلي شركاء أجانب، خاصة في ظل سوق مصر المنهار اقتصاديا".

رئيس جامعة "كامبريدج المؤسسية"، أشار في حديثه لـموقع "عربي21"، إلى "تخبط النظام، والقرارات العشوائية غير المدروسة للبنك المركزي والحكومة"، مضيفا أن "كل سياسات النظام تنصب على إحكام السيطرة على رؤوس الأموال والأصول والحسابات البنكية".

وأكد أن "حديث نوادي رجال الأعمال والمستثمرين في أوروبا يتركز مؤخرا حول هذا الموضوع، وبدأت مؤسسات عملاقة متخصصة في اتفاقيات الاستحواذ بدراسة الفرص المتاحة بالسوق المصري منذ شهور، مع تأكد انهيار المنظومة الاقتصادية".

وخلال السنوات الماضية، اعتقل عبدالفتاح السيسي، العديد من رجال الأعمال وجرى ذلك تحت دعاوى عديدة واتهامات وصفت بعضها بالمسيسة للسطو على مشروعاتهم الرابحة، وفق مراقبين.

زاضاف أنه بتعليمات من النظام، سلم رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، حصته في شركات حديد وصلب "المصريين" لرجل أعمال عهد حسني مبارك أحمد عز، في صفقة مثيرة للجدل."3"

ديون 2022 تهدد الأجيال القادمة

غرقت مصر هذا العام في ديون غير مسبوقة داخليا وخارجيا ، وقد اعترف وزير   المالية المصري، محمد معيط إن مصر ارتفعت ديونها الخارجية إلى حدود 158 مليار دولار ، كما حققت مصر عجزاً كلياً في العام المالي المنتهي في يونيو الماضي بلغ 6.1%، كما وتراجع العجز بحوالي  50% خلال الـ 6 سنوات الماضية. 

ونتيجة التوسع في الاقتراض الخارجي بكل السبل، تارة من الصندوق والبنك الدوليين، وأخرى بالسندات الدولية بعملات أجنبية، ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى نحو 157.8 مليار دولار في نهاية مارس (آذار) 2022 مقابل نحو 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021، تمتلك الدول العربية منها نحو 25 في المئة، بينما يمتلك صندوق النقد الدولي نحو 15 في المئة، وتتوزع بقية الديون بين سندات دولية أو دول أخرى، في حين تنتظر مصر جدول سداد مزدحماً خلال الأعوام القليلة المقبلة، فبخلاف 26.4 مليار دولار ديون قصيرة الأجل يتعين سدادها خلال عامين، هناك ديون متوسطة وطويلة الأجل تتجاوز الـ72.4 مليار دولار خلال المتبقي من 2022 وحتى نهاية 2025.

و وفقاً لجدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل يتعين على مصر سداد 8.57 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي. وفي 2023 يجب سداد 9.33 مليار دولار في النصف الأول، و8.32 مليار دولار في النصف الثاني، وفي 2024 يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول و13.3 مليار دولار في النصف الثاني، وخلال عام 2025 يتعين سداد 9.3 مليار دولار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني، أما في عام 2026 فيجب سداد 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام بخلاف 10.2 مليار دولار خلال النصف الثاني."4"

كماتوقع صندوق النقد ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي عن توقعاته السابقة الصادرة في إبريل، إذ قدّر أن يمثل حجم الدين الخارجي خلال عامي 2022 و2023 نحو 36.7% و34.7% على التوالي، ارتفاعاً عن التوقعات السابقة البالغة 32.6% و31.4% للفترة ذاتها.

ووفقاً لحسابات "العربية.نت"، فإن صندوق النقد رفع توقعاته لحجم ديون مصر بنهاية عام 2022 من 142 مليار دولار مقدّرة في إبريل الماضي، إلى 172.1 مليار دولار وفقاً لتوقعاته في أكتوبر للناتج المحلي الإجمالي ونسبة الدين الخارجي، ما يعني زيادة بنحو 30 مليار دولار.

يذكر أن صندوق النقد، توصل لاتفاق مع مصر على حزمة مساعدات بقيمة إجمالية تبلغ 9 مليارات دولار، تزامنت مع تحرير سعر صرف الجنيه، والذي بدأ رحلة هبوط خفضت سعره أمام الدولار إلى مستوى 24.15 لكل دولار، وبحصول مصر على قرض الـ9 مليارات دولار سيرتفع إجمالي الديون الخارجية، إلى 166 مليار دولار تقريبا."5"

وخلال عام 2022 ، أكد  البنك الدولي إن التزامات خدمة الدين الخارجي لمصر تعد كبيرة إلى حد ما في العام المالي الحالي 2022-2023، والتي وصلت إلى 42.2 مليار دولار يستحق سدادها من أقساط الديون والفوائد المستحقة.

وأضاف البنك الدولي في تقريره الصادر حديثاً بعنوان: "مرصد الاقتصاد المصري/ديسمبر 2022" أن نسبة الدين الخارجي قصير الأجل ارتفعت إلى 17.1% من إجمالي الدين الخارجي في نهاية يونيو/حزيران 2022 من 9.9% في نهاية يونيو 2021، ويبلغ الدين الخارجي لمصر في نهاية يونيو الماضي نحو 37.2% من الناتج المحلي الإجمالي للسنة المالية 2021-2022 ، كما أرتفعت  نسبة الدين الخارجي قصير الأجل إلى 17.1% من إجمالي الدين في نهاية يونيو/حزيران 2022 من 9.9% في نهاية يونيو 2021 ، بينما تبلغ الديون طويلة الأجل من السعودية والكويت والإمارات نحو 15 مليار دولار حتى نهاية يونيو الماضي.

وبلغت مدفوعات خدمة الدين خلال العام المالي 2021-2022 نحو 26.3 مليار دولار مقابل 15.9 مليار دولار خلال العام المالي 2020-2021.

كما بلغ ىالدين الداخلى خلال 2022 اكثر من 5 تريليون جنية ، وتقوم الحكومة بطبع النقود بشكل زاد من تضخم الاقتصاد المصري "6"

تراجع  التصنيف الدولى للاقتصاد

وخلال عام 2022 تراجع التصنيف الدولى للاقتصاد المصري، حيث خفضت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين،  في مايو 2022 ، من نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية ، وذلك للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، وحذرت  من أن "البلاد لا تزال معرضة للخطر"، ما يثير المخاوف بشأن تداعيات القرار على الاقتصاد المصري عامة، والمواطن خاصة.

 وتعني النظرة المستقبلية السلبية، أن موديز من المرجح أن تخفض تصنيفها لمصر بدلا من رفعه أو الحفاظ عليه مستقرا، وفقا لوكالة "بلومبرغ".

وأكد الخبراء إن التصنيف السلبي يعني ارتفاع تكاليف اقتراض مصر من أسواق المال الدولية وارتفاع الفوائد على كافة أنواع أدوات الدين المصري المتداولة في الأسواق المالية العالمية ، وهذا التقييم يعرقل خطط مصر المستقبلية لطرح المزيد من السندات في أسواق المال.

وأشارت "موديز" إلى أنها غيرت نظرتها المستقبلية للقدرة الائتمانية من مستقرة إلى سلبية مستندة إلى المخاطر الجانبية المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية."7"

وفي اكتوبر 2022، توقعت شركة "فيتش سوليوشنز"- التابعة لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني- تراجع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.3% خلال العام المالي الحالي 2022/2023، مقابل 6.6% محققة خلال العام المالي الماضي.

وأرجع خبراء أسباب توقعات فيتش إلى الارتفاع الكبير في معدل التضخم مما يؤثر سلبا على الطلب المحلي ونشاط الاستثمار وبالتالي يؤدي إلى الانكماش الاقتصادي وأرجعت شركة فيتش، أسباب توقعاتها تراجع نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الجاري إلى تأثره بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتباطؤ قطاع السياحة."8"

ووصفت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الوضع الاقتصادي المصري بأنه "متدهور" وأكدت  إن هناك عددا كبيرا من المواطنين معرضون لأوضاع معيشية صعبة، لافتة إلى حاجة مصر إلى الاستقرار المالي والاستمرار في الإصلاحات، إلى جانب الحاجة لبرنامج تابع لصندوق النقد يحمي الفئات الضعيفة.

وحذرت بلومبيرغ في تقرير لها بعنوان "أزمات الاقتصادات الناشئة.. الجوع وانقطاع الكهرباء مجرد بدايات" من تراكم وابل من الصدمات لم تواجه الأسواق الناشئة مثيلاً له منذ التسعينيات، حيث أدّى سيل من الأزمات إلى غرق الاقتصادات والإطاحة بالحكومات وعلى رأسها مصر ".

وأوضحت الوكالة الأميركية أن الاضطرابات الناجمة عن تزايد أسعار الغذاء والطاقة تضرب بعمق في دول من بينها مصر، في حين تهدد الأخطار بالتحول إلى كارثة ديون أوسع نطاقاً، مشيرة إلى أن الدولة المصرية ضمن قائمة المعرضين للخطر بسبب معاناتها من مشكلات في ميزان المدفوعات.

وقبل الحرب الروسية الأوكرانية كانت القاهرة تستورد 42% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وكان 31% من عدد السياح الوافدين إلى مصر من هذين البلدين أيضا، بحسب رئيس الوزراء.

تضخم وبطالة غير مسبوقين

وفى ظل السياسات الاقتصادية الفاشلة، ارتفع التضخم لقرب 20% خلال عام 2022، مما أصاب الأسواق المصرية بارتفاع اسعار هستيري غير مسبوق في تاريخ مصر ،كما تزامن ذلك مع ركود تضخمي أطاح بأستقرار الأسرة المصرية والأسواق .

كما بلغت البطالة في عام 2022 اكثر من 25% ، خاصة مع التراجع المستمر في نشاط القطاع الخاص الذي بلغ انكماشة نسبة غير مسبوقة ، وذلك بحسب تقديرات مؤشر الشمتروات العالمي .

واعتمدت حكومة السيسي على جيوب المصريين ، من خلال فرض الضرائب والجبايات المستمرة ، واقتربت حصيلة الضرائب في الميزانية لتريليون جنية  وهى تمول بأكثر من 80% من ميزانية مصر .  "9"

ويترك العام 2022 ذكريات سيئة لجميع المصريين، حيث تفاقم أسعار جميع السلع والخدمات، وتزايد سياسات الجباية، وعدم السيطرة على الأسواق، وظهور الأزمات الغذائية تباعا بداية من القمح والزيت والذرة، وأعلاف الدواجن، وحتى الأرز، ورغيف الخبز.

وعن مستقبل مصر الاقتصادي في العام الجديد، قال الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم إن "أهم الأزمات التي عانى منها المصريون في 2022 ستنتقل معهم إلى 2023، وجميعها مرتبطة بشكل مباشر بسعر الجنيه مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار، وكذلك مرتبطة بمدى ارتفاع الأسعار".

وفي حديثه لـموقع "عربي21"، فهو يعتقد أن "تلك الأزمات مرتبطة بحجم الفجوة بين العرض والطلب للدولار وللسلع، وإذا زاد الطلب عن العرض تحدث أزمة، وإذا زاد المعروض من الدولار فإن المشكلة سوف تُحل".

ولفت إلى أن "الدولار يتم توفيره من منتجات تصدرها الدولة، أو بمزايا تضعها لجلب المستثمرين أو من القروض الخارجية"، مبينا أنه "طالما ظلت الفجوة بين المعروض من الدولار وبين الطلب عليه فسيتحرك سعر الصرف وتظل الأزمة، في 2023".

وبين أن "ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع مرتبط بسعر وحضور مدخلاتها، وكلما زادت أسعار المدخلات زادت أسعار المنتجات والسلع، ما يعني استمرار الأزمة مع زيادة الطلب وقلة المنتج وزيادة سعر المكون المستورد".

من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، أن "يكون عام 2023 على المصريين أشبه بعام 2017، حيث كان التعويم الأول نهاية 2016، وبالتالي فقد ارتفع سعر الصرف 100 بالمئة من 8 جنيهات إلى 16 جنيها تقريبا، وصاحب ذلك ارتفاع التضخم إلى 33 بالمئة".

ويعتقد أن الأمور ستسير "على عكس ما يروج النظام العسكري"، و"صحيح أنه قد يحدث انخفاض بعجز الميزان التجاري بسبب ارتفاع سعر الصرف، وتقليل الفجوة الدولارية من 50 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار".

"ولكن هذا يتزامن مع ضريبة كبيرة من بيع الأصول المنتجة، وضغط المعيشة، وصعوبات توفير احتياجات الشركات والمصانع"، لافتا إلى أنه "قد يصاحب ذلك أيضا ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي والذي في مجمله سيكون بسبب ارتفاع التضخم من ناحية واستمرار الجيش في إهدار المليارات على الطرق والكباري والقصور والعاصمة الجديدة".

يعتقد عبدالعزيز، أنه "ليس هناك حل جذري للخروج من الأزمة اقتصاديا ما دامت سياسات النظام في الإنفاق كما هي أو استمر النظام نفسه في الحكم"، مبينا أن "الحلول قد تكون فردية بضغط المعيشة وتأمين ثرواتهم الخاصة أو البحث عن عمل بدخل دولاري أو السفر للخارج".

وفي رؤيته، توقع الخبير المصري في الإدارة، الدكتور هاني سليمان، "عاما جديدا من المعاناة"، وقال في حديثه لـ"عربي21": "كنت أتمنى أن أكون متفائلا لكن لا يوجد ما يدعو للتفاؤل على المستوى الاقتصادي والسياسي".

وأضاف: "ما زال العالم يعاني بسبب الأزمات العالمية كالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية والسياسية، والتي أثرت تأثيرا سلبيا كبيرا على أوروبا كلها، وبات تأثيرها يشمل الكثير من دول العالم".

ويرى أنه "في مصر، وإلى جانب التأثير العالمي السلبي، لا توجد أية مظاهر حقيقية تدل على نية الإصلاح السياسي والاقتصادي، فما زالت الدولة تدار بنفس أسلوب الحكم الديكتاتوري المعتاد، رغم التظاهر بالقيام بمبادرات تدعم الحكم الرشيد".

وأكد أنه "على المستوى الاقتصادي، لا توجد مبادرة حقيقية لإصلاح الأوضاع، فلا مشروعات إنتاجية ولا صناعية أقيمت لتنمية مصادر دخل الدولة وتشغيل الشباب والتصدير، بل على العكس استمرت عمليات تصفية وبيع المصانع والشركات والمؤسسات العامة بدلا من إصلاحها وتنميتها"."10"

المصريون يترحمون على أيام "مرسي"

وفي نهاية عام 2022، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالغضب الشعبي ، بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية ، واعتبر المصريون ان الوضع بمصر يتقارب إلى حد بعيد مع الجمود الاجتماعي الذي شوهد في السنوات التي سبقت الإطاحة حسني مبارك عبر ثورة شعبية ما يجعل السيسي يجلس على برميل من البارود".

هكذا خلص مقال للمحاضر في الدراسات الأوروبية في جامعة كينجز كوليدج في لندن "أليكساندر كلاركسون" نشره في موقع "وورلد بوليتكس ريفيو"، مؤخرا، بعد رصده لتصاعد حالة الغضب الشعبي بمصر .

 وظهر ذلك بوضوح عبر وسم "الغضب اللي جوانا"، الذي لاقى تفاعلا واسعا بين الناشطين عبر مواقع التواصل المختلفة، خلال الساعات الماضية.

وسلط المصريون عبر الوسم، الضوء على الأزمات المتراكمة والمتصاعدة التي يعانون منها مع ختام 2022، وعلى رأسها الغلاء وعدم توافر السلع الضرورية، وانهيار العملة، وسرقة مدخرات المصريين في الخارج عبر الجمارك وغيرها من الطرق.

كما ندد المشاركون في الوسم بتفريط نظام "السيسي" في مقدرات البلاد عبر التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وبيع أصول الشركات المصرية الرابحة بأثمان بخسة، فضلا عن الاستعداد لبيع قناة السويس.

ولم ينس المشاركون في الوسم كذلك التنديد بالأزمة السياسية التي تعاني منها البلاد منذ نحو 10 أعوام، في ظل استمرار القمع والاعتقالات وإصدار الأحكام الجماعية ضد المعارضين.

وترحم المصريون كذلك على أيام الرئيس الراحل "محمد مرسي" ووزير التموين في عهده "باسم عودة" ، وحذر المشاركون في الوسم من أن الانفجار قادم لا محالة، طالما ظلت تلك الزمات بدون حل."11"

المصادر:

  1. " نتائج أخطاء السيسي الاقتصادية في 2022.. الأسوأ بالتاريخ" ،عربي21 ، 15 ديسمبر 2022،   https://cutt.us/17GFN
  2. "انهيار تاريخي للعملة المصرية بزمن الانقلاب …الجنيه ضمن أسوأ 10 عملات في العام 2022" ، بوابة الحرية والعدالة ، 29 ديسمبر، 2022، https://cutt.us/2eSbt
  3. "هروب مستثمرين مصريين واللجوء لأسواق وشركات أجنبية؟"، عربي21 28 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/fU9o1
  4. "وزير المالية المصري: إجمالي الدين العام في موازنة 2021-2022 يساوي 87% ، "سي انه بي سي "،  29 أغسطس 2022 ،  https://cutt.us/ZH1Ss
  5. "ديون مصر في 2022 و2023.. صندوق النقد يعدّل توقعاته" ، العربية نت ،  23 ديسمبر 2022، https://cutt.us/HfXti
  6. "البنك الدولي: ارتفاع خدمة الدين الخارجي لمصر إلى 42 مليار دولار في العام المالي الحالي" ، العربي الجديد، 26 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/OtLWW
  7. وائل الغول ، "نظرة مستقبلية "سلبية" لاقتصاد مصر.. من سيدفع "الفاتورة"؟،الحرة  28 مايو 2022، https://cutt.us/WMVhe
  8. ""فيتش" تتوقع تراجع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.3% " ،  "سي ان ان العربية" ، 19 أكتوبر 2022، https://cutt.us/9FW9g
  9. محمد عبد الله، "مرن أم هش.. ما حقيقة الوضع الاقتصادي في مصر؟" ، الجزيرة نت ، 6/6/2022،  https://cutt.us/Slmix
  10. "هل ستتحسن أحوال المصريين في 2023؟." ، عربي21  ، 22ديسمبر 2022، https://cutt.us/LCQat
  11. ""الغضب اللي جوانا".. مصريون يودعون 2022 بتذكر الأزمات ويحذرون من المقبل ويترحمون على أيام مرسي" ، الخليج الجديد ، 26 ديسمبر 2022، https://cutt.us/0uEvr