2021 ما الذي فعله السيسي في السياسة الخارجية لمصر ؟

الجمعة - 31 ديسمبر 2021

أضعفت سياسات عبد الفتاح السيسي الخارجية التواجد المصري علي الساحتين العالمية والإقليمية .. والدور المصري في قضايا الشرق الأوسط تراجع لحساب تركيا والإمارات

وظهر جليا انحيازه في 2021  للصهيانة على حساب فصائل المقاومة الفلسطينية ..  وفشل في عودة العلاقات مع أمريكا كما كانت في عهد ترامب ..  ولعب دورا خطيرا في انقلاب قيس سعيد بتونس وانقلاب العسكر في السودان ..وظلت الملفات العالقة عائقا أمام إتمام المصالحة التركية المصرية في حين تقدمت بشكل كبير مع قطر .. كما استمر فشل الدبلوماسية المصرية في حل قضية سد النهضة

صمام أمان للصهاينة

أظهر السيسي ونظامه من خلال سياساته الخارجية، حرصه على ضمان أمان الكيان الصهيوني، وتحجيم دور الحركات المقاومة، ولذا وجدناه على مدار العام يواصل لقاءاته مع الصهاينة، ونجح في عقد تهدئة بين حماس والكيان الصهيوني، مما رفع أسهمه عند الإدارة الجديدة الأمريكية بقيادة بايدن .

ولكن ظهر فيما بعد للجميع الانحياز المصري الكامل للصهاينة واستمراره في سياسات محاصرة قطاع غزة، مما جعل حركة المقاومة الإسلامية " حماس " تصعد من لهجة خطابها حيال مصر في 7 ديسمبر الجاري ، واتهمتها بعدم الوفاء بما التزمت به كوسيط بين فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وبين الاحتلال الإسرائيلي.

 وأفاد مصدر قيادي في "حماس" أن "مصر لم تلتزم بما تعهدت به لحماس وفصائل المقاومة من إعادة الإعمار والتخفيف عن غزة، كما أنها (مصر) تواصل التنغيص على المسافرين الفلسطينيين إلى قطاع غزة".

ومما يعكس استغلال السلطات المصرية لحالة القطاع المحاصر، ما كشفته سابقا "عربي21"، من تعمد مصر ضخ كميات البترول الممول من المنحة القطرية بشكل "تدريجي"، وهي الكمية المخصص ثمنها لمساعدة الجهات الحكومية التي (تشرف عليها حماس) تدير القطاع في دفع رواتب الموظفين في غزة، وهو ما أبقى تلك الجهات تحت رحمة "المزاج المصري" الرسمي.

 وفي المقابل أبدى رئيس الحكومة الصهوينة ارتياحا كبيرا لنتائج لقائه بالسيسي  مؤخرا في شرم الشيخ، وشكر بينيت السيسي على "الدور المصري المهم" في المنطقة وقال إنه "بعد مرور أكثر من أربعة عقود على إبرامها لا تزال معاهدة السلام بين البلدين تشكل حجر أساس في أمن الشرق الأوسط واستقراره"، وأكد بينيت على الدور الذي تلعبه مصر في الحفاظ على الاستقرار الأمني في قطاع غزة ومساعي حل قضية الأسرى والمفقودين ، وصرح بينيت قائلا: "  كان اللقاء مهما جدا وجيدا جدا.. أسسنا فيه لعلاقة متينة تمهيدا لمواصلة الاتصالات بيننا"

 السيسي يفشل في مقابلة بايدن

وبالرغم من تنفيذ السيسي كل المطالب الأمريكية في المف الفلسطيني، ومحاولاته المستمرة لتجميل وجهه الحقوقي القبيح من خلال إلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق الإستراتجية المزعومة لحقوق الإنسان، إلا أنه فشل في إثناء الإدارة الأمريكية عن خصم جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وأيضا فشل في تحديد موعد للقاء بايدن، سواء على هامش اجتماعات الأمم المتحدة ، مما أدى لعدم حضوره لها، أو من خلال قمة العشرين، كما لم تقوم الولايات المتحدة بالدور اللازم في رد حق مصر في ملف سد النهضة .

السيسي ودعمه للانقلابات

ويعد من أبرز علامات السياسة الخارجية لمصر خلال 2021 ، دعمه لمحاولات الانقلاب المسار الديمقراطي بالمنطقة سواء في السودان أو تونس ..

وقد كشفت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية في 4 نوفمبر 2021 ،  “إن قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارة سرية للقاهرة، قبل يوم من الانقلاب العسكري في السودان”.

ولم تعقب السلطات السودانية ولا المصرية بشأن ما ذكرته الصحيفة الأمريكية، لكن القاهرة دعت قبل أيام “كافة الأطراف السودانية إلى ضبط النفس وتغليب المصلحة العليا والتوافق الوطني” وفق بيان للخارجية.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن 3 مصادر مطلعة -لم تسمّها- قولها إن قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان أجرى سلسلة تحركات “جيوسياسية جريئة قبل يوم واحد من الانقلاب”.

وقالت “إن البرهان طمأن جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى السودان، بأنه لا ينوي الاستيلاء على السلطة ثم استقل طائرة متوجهة إلى القاهرة، لإجراء محادثات سرية، لضمان حصوله على دعم إقليمي” بحسب الصحيفة

وذكرت أن البرهان التقى بالسيسي ، الذي قدم له “تطمينات” لم تحددها الصحيفة- خلال تلك الزيارة السرية، وقالت “ما أن عاد إلى الخرطوم حتى بدأ اعتقال مسؤولين مدنيين وحل الحكومة”.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلن قائد الجيش السوداني حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين واعتقل قيادات حزبية ووزراء من بينهم رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، الموجود حاليا قيد الإقامة الجبرية

ونقلت الصحيفة عن المصادر أن “رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل، زار الخرطوم قبل الانقلاب والتقى البرهان وتفادى لقاء رئيس الوزراء عبد الله حمدوك”.

وذكرت أن “كامل قال للبرهان، حمدوك يجب أن يرحل” وأعرب عن استياء القاهرة من حمدوك “بسبب انفتاحه على إثيوبيا في قضية سد النهضة” وفق المصادر.

على صعيد متصل، لعب السيسي ونظامه دور قذر في انقلاب الرئيس التونسي على المسار الديمقراطي، وقد تداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بتونس وثائق مسربة بخصوص التدابير الاستثنائية التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، والتي تشمل وثائق منسوبة إلى المخابرات العامة المصرية تضمنت مذكرة من مدير المخابرات عباس كامل إلى عبد الفتاح السيسي بتاريخ 11 نيسان/ أبريل 2021، حول ما دار في اجتماع في القاهرة، ضم كلا من عباس كامل ووزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره التونسي عثمان الجرندي، إلى جانب مديرة الديوان الرئاسي التونسي نادية عكاشة، ومستشار سعيّد وليد الحجام، والنائب عن الحزب الدستوري الحر مجدي بوذينة.

وبحسب الوثيقة المتداولة، فقد عبر عباس كامل عن "انشغال السيسي العميق لما آلت إليه الأمور في تونس من تردّ اقتصادي وصحي وفساد غير مسبوق، تحت ظل حكم حزب حركة النهضة".

وأثنى وزير الخارجية التونسي على مجهودات السيسي ورؤيته الاستشرافية الثاقبة، بحسب الوثيقة التي نشرتها حسابات عدة على مواقع التواصل ، من جهتها، عبرت نادية عكاشة، مديرة ديوان قيس سعيّد، عن إعجابها بالتجربة المصرية، وعن امتنانها للسيسي وتجاوبه السريع في مساعدة تونس- ولم يتسن لـ"عربي21" التأكد منها من مصدر مستقل-

وفي تعليق له، قال القيادي في "حركة النهضة"، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، في تدوينة في صفحته على "فيسبوك": "ادعى قيس سعيّد، بهتانا، أن انقلاب 25 تموز/ يوليو كان من بنات أفكاره، ولم يستشر فيه أحدا غير ضميره، ولكن هذه الوثائق التي بين أيديكم، تثبت لنا على سبيل اليقين، مثلما تؤكد كل المعطيات، أن قيس سعيد فعلها".

من جانبه، تساءل أمين عام المنظمة التونسية للشغل محمد لسعد عبيد، عن دور النيابة العسكرية قائلا: "بعد تسريب ويكيليكس عربي لأخطر معلومات تمس الأمن القومي وذلك بالتخابر مع الأجنبي لتغيير نظام الحكم بقوة السلاح، يجب أن يعلم الجميع أن التخابر مع الأجنبي جريمة حكمها الإعدام"

السيسي سعى لتعطيل الانتخابات الليبية ودعم حفتر

وعلى مدار عام 2021 كان واضحا سعي مصر لتعطيل الانتخابات الليبية خوفا من وصول تيارات سياسية معارضة للسياسات المصرية ، كما دعمت السياسة الخارجية لمصر الجنرال حفتر طوال الوقت .

ورغم تأكيد السيسي في لقائه برئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة في القاهرة على أهمية إجراء الانتخابات الليبية في موعدها المقرر بنهاية العام الجاري ، إلا انه سعي من خلال حلفائه  وعلى رأسهم رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح والمشير خليفة حفتر اللذين قابلهم في القاهرة مؤخرا، لتعطيل الانتخابات، وتقوية موقف حفتر وعقيلة .

وعقب اختيار سلطة سياسية جديدة في شباط/فبراير الماضي، سارعت القاهرة لاستضافة عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة الليبية الجديدة بعد أن أعلنت نيتها التعاون مع السلطات الجديدة في طرابلس.

المصالحة التركية المصرية وعسرات متعددة في 2021

في وفي الوقت الذي اكتملت دائرة عودة العلاقات بقوة بين دول خليجية " مثل الإمارات والسعودية " والدولة التركية بوتيرة متسارعة خلال عام 2021 ، لم تكن القاهرة التي تختلف حساباتها عن حسابات الآخرين؛  بنفس المستوى ، نظرا لطبيعة الملفات الشائكة العالقة بين البلدين، بحسب تصريحات المسؤولين المصريين والأتراك.

إرهاصات المصالحة بين القاهرة وأنقرة، التي بدأت مطلع عام 2021، قطعت شوطا غير كبير، رغم عقد أكثر من جولة "استكشافية" بين الطرفين، لكن يبدو أن وضع العلاقات على مسار التطبيع والوصول إلى المحطة الأخيرة قد يحدث في أي لحظة حال حدوث اختراق كبير في تلك الملفات.

وتطرح تساؤلات بشأن احتمالية أن يشهد العام الذي سينقضي اكتمال المصالحة المصرية – التركية بعد نحو 8 سنوات من القطيعة السياسية والدبلوماسية، وما هي مؤشرات هذه التكهنات باكتمال دائرة التطبيع

وفي أحدث تعليق له حول تطور العلاقات بين أنقرة والقاهرة، أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2020، حرص أنقرة على الارتقاء بالعلاقات مع كل من السعودية ومصر

وفيما يخص العلاقات مع مصر، أوضح أردوغان أنها متواصلة على مستوى الوزراء، و"يمكن أن تحدث تطورات مختلفة للغاية بهذا الخصوص أيضا"

في تقديره، يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خيري عمر، أن "جزءا كبيرا من نظام العلاقات المصرية- التركية يعمل بكفاءة، ولم يتأثر بتوتر العلاقات السياسية، وما أعنيه العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، التي شهدت تطورا ملحوظا، ما يساعد في مساندة إعادة إقامة الدعائم الدبلوماسية والاقتصادية مجددا، وإن لن تكن كسابق عهدها".

من جهتها، رحبت مصر بكثير من الحذر بما تتجه إليه العلاقات بين البلدين، قال وزير خارجيتها سامح شكري، في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، إن "هناك قدرا من التقدم" في العلاقات مع تركيا، "نأمل البناء عليه"، مضيفا أن الجولة الاستكشافية الثانية مع تركيا تناولت العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية، مشيرا إلى وجود "تقييم" لأمور ثنائية وإقليمية، وأن "الاتصالات لا تزال تسير على نفس الوتيرة لما تم في الجولتين الأولى والثانية".

قضية سد النهضة  .. فشل مستمر في 2021

سار ملف قضية سد النهضة على مدار 2021 من فشل إلى فشل، وفيه تم الملء الثاني، وفشلت المفاوضات، كما فشل الأمريكان في تقريب المسافات بين أثيوبيا ودول المصب .

ولم ينجح النظام المصري في استغلال الحرب الدائرة على الأراضي الأثيوبية ، والتي انتهت بحسمها لصالح حكومة أبي أحمد .

ومؤخرا غابت قضية سد النهضة كليا عن حديث عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاحه مشاريع جديدة في منطقة توشكى، جنوب غربي مصر، الأسبوع الجاري ، وهو الأمر الذي قال مراقبون إنه دليل على تراجع هذه الأزمة في أجندة السياسة المصرية، وشبه استسلام للأمر الواقع الجديد الذي فرضته إثيوبيا.

وأكد السيسي في توشكى أن "المياه المستخدمة في زراعة المنطقة هي مياه محطة بحر البقر التي تم افتتاحها منذ شهرين، وهي مياه صرف زراعي معالجة بصورة متطورة حتى تكون صالحة للاستخدام في الزراعة".

وشدّد على أن "الحكومة تعمل على تعزيز الشبكات الداخلية للأراضي في مناطق بحر البقر وبئر العبد، للاستفادة منها في مشاريع أخرى مثل مشروع توشكى"

وتعليقاً على ذلك، قال دبلوماسي مصري سابق، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "تجاهل الرئيس السيسي لقضية سد النهضة في سياق افتتاح مشروع زراعي يفترض أنه كبير الحجم، كما تقول وسائل الإعلام، وإصداره توجيهاً إلى حكومته بمنع زراعة نباتات الزينة، بحجة توفير المياه المستخدمة في زراعتها للنباتات المثمرة، نتيجة مواجهة الدولة المصرية عجزاً في المياه اللازمة للزراعة، وشروعها في تنفيذ مشروعات قومية كبرى قائمة على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بعد معالجتها، هو اعتراف ضمني بفشل كل جهود الحكومة للحفاظ على حصة مصر من مياه نهر النيل المهددة بسبب سد النهضة الإثيوبي".

ووصف الدبلوماسي السابق خطاب السيسي بـ"أنه اعتراف بأن مصر كانت تهدر المياه الواردة إليها عبر نهر النيل في زراعات غير ذات جدوى، وهو الأمر الذي يضعف موقف المفاوض الفني المصري في جولات التفاوض على المياه مع إثيوبيا".

ورأى الدبلوماسي أن "جميع الرهانات المصرية على المواقف الدولية من حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، والضغط عليه بسبب حربه مع جبهة تحرير تيغراي، وتأثير ذلك على موقف حكومته في قضية سد النهضة، تلاشت الآن، بعد أن خرج أبي أحمد من حربه مع تيغراي منتصراً".