يتعمد إغراق الدولة ليضمن حماية الدائنين لنظامه..هكذا وضع"السيسي" مصر تحت الوصاية
الاثنين - 31 أكتوبر 2022
إنسان للإعلام- خاص
لم يكن البيان الذي أصدره صندوق النقد الدولي بشأن اتفاقه مع مصر على قرض جديد، مؤكدا فقط لدخول مصر رسميا مرحلة "الوصاية "الدولية"، بل كاشفا أيضا استراتيجي "الخديوي" عبد الفتاح السيسي في توريط مصر وإغراقها في الديون عمدا، لربط نظامه بالدائنين، الذي سماهم اتفاق الصندوق "الشركاء الدوليون"، وجعلهم يدافعون عن بقائه لضمان سداد ديونهم.
بعد ساعات من إعلان البنك المركزي المصري 27 أكتوبر 2022 انتقاله إلى "نظام سعر صرف مرن" يعكس قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى بواسطة قوى العرض والطلب، جرى الإعلان عن قرض جديد لمصر.
كان لافتا في بيان الصندوق الذي أعلنته إيفانا هولر، رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، الاتفاق على قرض بقيمة 3 مليارات دولار لمدة 46 شهرا، وهو رابع قرض لمصر من صندوق النقد خلال ستة أعوام، نص على عبارة غامضة تقول: "سيلعب شركاء مصر الدوليون والإقليميون دوراً حاسماً في تسهيل تنفيذ سياسات السلطات وإصلاحاتها".
وأن هؤلاء "الشركاء الدوليون والإقليميون" سيقدمون لمصر "تمويلا إضافيا بحوالي 5 مليارات دولار خلال العام المالي 2022/23، مما سيساعد على تعزيز موقف مصر الخارجي".(من المصدر)
هذه الفقرات في الاتفاق الغامض طرحت تساؤلات حول: من هم شركاء مصر الإقليميون؟ ومن هم شركاء مصر الدوليون؟ وهل معنى هذا تشكيل لجنة دائنين لإدارة الاقتصاد المصري أو مراقبته؟ ولماذا لم يعلن أسماء هؤلاء الشركاء (الدائنين)؟ وهل هم الإمارات وإسرائيل وأمريكا كما رجح البعض باعتبار ان مجلس الصندوق اشبه بمجلس لحكم العالم لكن بورقة الاقتصاد؟.
ولفت نشطاء إلى أنه منذ عام 2014 كان وزير الدولة الإماراتي شبه مقيم في مصر، ومن أهم أسباب إحجام الامارات عن تقديم المزيد من المساعدات هو "تجاهل ملاحظاته".
قالوا: إن سلطان أحمد الجابر، وزير الدولة الاماراتي، كان يتفقد مشروعات المعونة الإماراتية في مصر وهو وزير بلا وزارة، فقط كلف بالإشراف على ملفات ومنها ملف مصر وأصبح هو المندوب السامي الإماراتي في مصر، يدير وزارات ويعلم وزراء ويضع سياسات.
خبراء قالوا: إن مصر أصبحت فعليا ابتداء من تاريخ القرض تحت "الوصاية الدولية" تبعا لبيان صندوق النقد، واعتبروها "بداية الاحتلال الفعلي للدولة مثلما حدث تماما في معاهدة لندن عام 1840 والتي أدت الي سيطرة مالية ثم سياسية أجنبية ما جعل مصر مستعمرة من دون الحاجة الي معارك عسكرية أو وجود عسكري.(تويتر)
فريق آخر أكد أن معنى هذا النص هو تحديد دور هذه الدول والشركاء (غير المعروفين) في مراقبة مصر في تنفيذ السياسات المتفق عليها والتنويه لأي انحراف في تطبيقها، ما يعني أيضا أن مصر لم تعد حرة في اتخاذ أي قرار اقتصادي دون الشركاء لضمان حصولهم على قروضهم.
عبر عن هذا الكاتب أحمد عابدين بقوله علي فيس بوك: "إن مصر وافقت على وجود وصاية إقليمية ودولية عليها علشان تاخد قرض صندوق النقد وده معناه إن "الخديوي" عبد الفتاح أكمل مهمته بتسليم البلد لاستعمار جديد".
قال: مصر وافقت على وجود وصاية اقليمية ودولية عليها لضمان سداد القروض اللي غرقنا فيها وفق بيان صندوق النقد الدوليأضاف: حاجة شبيهة بلجنة «صندوق الدين» الأوروبية اللي اتشكلت في عهد الخديوي اسماعيل لضمان مصالح الدائنين واللي وصفها المؤرخ «عبد الرحمن الرافعي» بأنها «بمثابة حكومة أجنبية داخل الحكومة المصرية» (فيسبوك)
شركات الجيش
وكان عبد الفتاح السيسي طلب علنا من الدول الأوروبية، 18 يوليو 2022 ، التدخل لدى صندوق النقد الدولي لتخفيف شروطه، بعدما ترددت تكهنات في مصر تشير إلى شروط وقيود من هؤلاء "الشركاء" مقابل تدخلهم كوسطاء وضامنين لمصر، وهو ما يؤكد سيطرة الغرب على مجلس إدارة الصندوق.
حيث أكد الأكاديمي المصري عمرو البقلي أن قصر القرض على ثلاثة مليارات دولار فقط بدل 15 طلبتها مصر و4.3 عرضها الصندوق، يرجع لرفض الحكومة المصرية تنفيذ الشروط الأساسية للصندوق، وهي الغاء مهزلة الموازنات السرية وتوحيد الموازنة المصرية العامة، وضرورة تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي، والجيش خصوصا بسبب هيمنته هو وأجهزة الاستخبارات على الاقتصاد ما أدى إلى هروب المستثمرين.(تويتر)
وكان أهم الشروط التي أصر عليها الصندوق لتقديم قرض كبير تمثلت في تحرير سعر الصرف، وتخارج الدولة من إدارة قطاعات اقتصادية، في إشارة لتدخل شركات الجيش والمخابرات والشرطة في البيزنس كما طالب بتقليص الدعم.
في حين أقدمت مصر على تحرير سعر الصرف، قبل ساعات قليلة من إعلان الصندوق، اعترضت على الشروط الأخرى، خاصة شركات الجيش، ما تسبب في خفض قيمة القرض إلى ثلاثة مليارات فقط.
17 مليار واجبة السداد
وتشير البيانات المنشورة على الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي إلى أن القاهرة ما زالت مدينة له ومطالبة بسداد بأكثر من 17 مليار دولار واجبة الدفع خلال 5 سنوا، بحسب موقع "فوربس"، 18 أكتوبر 2022.
وأكدت مجلة فوربس أن السنة الوحيدة التي انخفض فيها الدين العام الخارجي لمصر هي 2012 حينما كان في البلاد (حكم مدني منتخب من الشعب) وبعد انقلاب 2013 ارتفعت ديون مصر ارتفاعا صاروخيا تجاوز كل التوقعات.(تويتر)
وكانت مصر قد اقترضت 20 مليار دولار من صندوق النقد الدولي عبر 3 اتفاقيات خلال السنوات الست الماضية، موزعة بواقع 12 مليار دولار في نوفمبر 2016، عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد، و2.8 مليار دولار في 11 مايو 2020، من خلال أداة التمويل السريع، و5.2 مليار دولار في 26 يونيو 2020 عبر اتفاق للاستعداد الائتماني.
يتوقع صندوق النقد أن تسدد مصر 584.8 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (746.6 مليون دولار) من المبالغ مستحقة السداد حتى 2026 -والبالغة قيمتها 13.6 مليار وحدة سحب خاصة، وهو ما يفوق 17 مليار دولار -خلال الشهرين المتبقيين من هذا العام 2022.
سيكون على مصر سداد 33.7% من المستحقات الحالية خلال عام 2024 بما يمثل 4.6 مليار وحدة (5.9 مليار دولار).
تشمل المستحقات 3.8 مليار وحدة (4.8 مليار دولار) منتظر سدادها في عام 2025 أو 27.6% من إجمالي المبالغ المستحقة.
من المتوقع أن يشهد عام 2026 سداد آخر الدفعات المستحقة بقيمة 1.9 مليار وحدة (2.4 مليار دولار)
في حال الاتفاق الذي تسعى مصر له حاليًا مع صندوق النقد الدولي، سيكون رقم 12 بين الجانبين، فقد اتفقت مصر على 11 تمويلًا من صندوق النقد الدولي على مدار تاريخها، بقيمة 16.36 مليار وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يوازي حاليًا 20.9 مليار دولار، فيما لم تستخدم التمويلات المتفق عليها في عامي 1993 و1996 بقيمة 400 مليون وحدة، و271.4 مليون وحدة على التوالي.
رعاة دوليون للطاغية
ارتباط استراتيجية السيسي الخاصة بإغراق مصر في الديون بحيث تضطر الدول الكبري التي تريد ديونها للارتباط بنظامه والدفاع عنه لبقائه كي تضمن استرداد ديونها كشفتها دراسة لمعهد كارنيجي للشرق الأوسط كتبها ماجد مندور 24 أكتوبر 2022 تحت عنوان "أموال الطغاة يوفرها رعاة السيسي الدوليون" (من المصدر)
قالت الدراسة إن نظام السيسي يعتمد استراتيجية اقتصادية تؤدّي حكماً إلى تصادم أي مطالب ناشئة بتحقيق الدمقرطة مع المصالح الدولية.
أوضحت: يتبع نظام الرئيس السيسي سياسةً ثابتة تقوم على حجز موقع متجذّر له في المنظومة المالية العالمية من أجل ربط استقراره بالمصالح الاقتصادية للمنظمات الدولية والدول الغربية والشركات الخاصة".
قال إنه "على الرغم من أن النظام يسوّق لنفسه دولياً بأنه حصنٌ ضد الإرهاب وضد تدفقات الهجرة غير الشرعية، غالباً ما تحجب هذه السردية خلفها استراتيجية اقتصادية يعمل النظام على تطبيقها، إنها سياسة قائمة على الاقتراض الشديد بما يورِّط الفرقاء الدوليين في القمع الذي يمارسه النظام، وعلى الحرمان الاجتماعي المتزايد للطبقتَين الدنيا والوسطى، ما يتسبب فعلياً بزعزعة الاستقرار وظهور التطرف العنفي، لا في مصر فحسب بل من الممكن أن يتسبب بذلك أيضاً في مختلف أنحاء المنطقة".
3 وسائل لتوريط العالم
بحسب الدراسة: تتألف سياسة نظام السيسي الرامية إلى الاحتماء في المنظومة المالية العالمية، من ثلاثة مكوّنا:
(أولاً): الاعتماد المتزايد على القروض الخارجية لتمويل العمليات الحكومية ومشاريع البنى التحتية الكبرى، ويشمل ذلك زيادةً في السندات الحكومية وسندات الخزينة القصيرة الأمد، أو "الأموال الساخنة".
(ثانياً): زيادة صفقات السلاح منذ عام 2014 ما جعل من النظام ثالث أكبر مستورد للأسلحة عالمياً بين عامَي 2015 و2019.
(ثالثا): المستوى المرتفع للاستثمارات الخارجية المباشرة في قطاع النفط والغاز المصري يؤدي إلى ربط الاستثمارات الغربية طويلة الأمد باستقرار النظام.
وتُشكل هذه العوامل، بحسب كارنيجي، أساساً للاعتماد الدولي على نظام السيسي بسبب المصالح المالية.
وتُقدّم أيضاً محفّزات مباشرة للتواطؤ الدولي في القمع وتضع عوائق أمام الدمقرطة. وفي نهاية المطاف، تتسبب هذه الاستراتيجية الاقتصادية بتفاقم التحديات في المدى الطويل مع ما يترتب عن ذلك من آثار مزعزعة للاستقرار على نحوٍ شديد.
لذلك تحذر الدراسة من أنه "عندما تُستخدَم تدفقات الرساميل الدولية لتمويل سيطرة الجيش على الاقتصاد المصري، فهي تتيح للجهاز الأمني إحكام قبضته على الدولة".
تبعية مالية متعمدة
تقول الدراسة إن مصر السيسي تعتمد بشدّة على الديون لتوليد أشكال من التبعية المالية بين النظام والفرقاء الدوليين.
فقد استدان النظام مبالغ طائلة ما أدّى إلى زيادة حصّة الديون الخارجية في نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي من 14.67 في المئة في عام 2012 إلى 31.7 في المئة بحلول الربع الأول من سنة 2020، إذ بلغت 111.3 مليار دولار (وصلت الان إلى 160 مليار دولار).
وأكدت الدراسة أن تداعيات الاقتراض الشديد ترتب عليها تداعيات وخيمة على مصر والمجتمع الدولي على النحو التالي:
(أولاً): يتسبب الاقتراض بتوغّل النظام عميقاً في المنظومة المالية العالمية، لأن قدرته على سداد ديونه تتوقّف على بقائه، وهذا يجعل النظام بمنأى عن الضغوط الدولية للتخفيف من القمع الذي يمارسه.
فمن شأن الاضطرابات في مصر أن تؤثّر مباشرةً في الإيرادات الحكومية، إذ تتراجع قدرة النظام على جباية الضرائب، وكذلك قدرته على إعادة تمويل ديونه، ما يزيد من احتمالات تخلّفه عن السداد.
(ثانياً): يتسبب الاقتراض بتوريط الدائنين الدوليين للنظام في استحواذه على الأموال العامة من أجل إثراء النخب العسكرية من خلال المشاريع الضخمة للبنى التحتية التي تموّلها جهات مالية دولية بطريقة مباشرة وغير مباشرة (ومن هذه الجهات حلفاء إقليميون ومنظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي).
ويؤدّي إنفاق النظام مبالغ طائلة على الأسلحة، اعتباراً من عام 2014، دوراً أساسياً في ترسيخ شبكته للأمان الدولي.
فقد تضاعف حجم واردات السلاح ثلاث مرات بين عامَي 2014 و2018 مقارنةً بمرحلة 2009-2013، أي إن نسبة الزيادة بلغت 206 في المئة. ولا مؤشرات على انحسار موجة شراء الأسلحة، ففي يونيو 2020، أجرى النظام مباحثات مع إيطاليا بهدف إبرام صفقة كبرى لشراء أسلحة بقيمة 9.8 مليارات دولار.
وصناعة السلاح الغربية هي المصدر الأساسي للأسلحة التي تحصل عليها مصر، وتأتي في رأس القائمة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة. وقد لبّت فرنسا منفردةً نسبة 35 في المئة من طلب النظام على الأسلحة بين عامَي 2015 و2019.
ولا تشتمل صفقات السلاح على الأسلحة التقليدية وحسب، إنما أيضاً على شراء معدّات مراقبة وأجهزة لضبط الحشود تُستخدَم في القمع المباشر للاحتجاجات.
ويصعب التحقق من مصادر تمويل هذه الصفقات، فهي لا تُدرَج في أرقام موازنة الدفاع الرسمية. ولكن ثمة أدلة عن استخدام القروض الخارجية جزئياً لهذا الغرض. ففي عام 2015 مثلاً، حصلت صفقة سلاح بقيمة 5.2 مليارات يورو، وتضمنت أربعاً وعشرين مقاتلة من طراز "رافال"، على تمويل جزئي بواسطة قرض من الحكومة الفرنسية بقيمة 3.2 مليارات يورو.
هذا يعني أن المكلّفين الفرنسيين أقرضوا النظام المصري 3.2 مليارات يورو لشراء الأسلحة، وسوف يسدّد المكلّفون المصريون قيمة هذا القرض مع الفوائد. وفي ذلك دليل على إنفاق أموال عامة مصرية لتمويل أرباح صناعة السلاح الفرنسية. وقد جعلت صفقات السلاح من النظام واحداً من كبار زبائن شركات تصنيع السلاح الغربية، ما يؤدّي فعلياً إلى التداخل بين صناعات الدفاع الغربية وبقاء النظام.
ويترتّب على تحوّل النظام إلى مستورد كبير للأسلحة نتيجتان أساسيتان:
(أولهما): توريط الدول الغربية وصناعتها الدفاعية، التي هي المورِّد الأساسي لأجهزة المراقبة وضبط الحشود، في قمع الاحتجاجات الشعبية.
و(ثانيهما): تعطيل استعداد الدول الغربية لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان والتصدّي لها.
وختمت الدراسة أنه بفعل هذه السياسات، أصبح النظام، المستفيد الأساس من انتقال الثروات من الطبقتَين الوسطى والدنيا إلى النخب العسكرية.
حيث يُراكِم النظام الأرباح من خلال الفوائد على القروض، وصفقات السلاح، وعائدات النفط والغاز، وجميعها يُموّلها المواطن المصري.
أما الأخطر فهو أن هذه السياسات تعرقل أي مطالب ناشئة بتحقيق الديمقراطية لأنها سوف تصطدم بالمصالح الدولية في بقاء نظام السيسي لتحقيقه مصالحهم المالية والاستراتيجية، بما يؤمّن بصورة أساسية بقاء النظام لفترة أطول بكثير مما كان ليصمد لولا هذا الدعم الوافر.