وليد شرابي: إعدام السياسيين في مصر "مؤامرة كبرى" تفتقر لأي غطاء قانوني

الأحد - 24 أبريل 2022

  • واهم من يظن أن الشعب المصري رفع الراية البيضاء لمن قتلوا أبناءه وسرقوا قوته
  • دوائر القضاء الاستثنائية مازالت تطلق النار على رافضي الإنقلاب بأحكام الإعدام
  • الانتهاكات ضد المعارضين تشمل حرمانهم من اللقاء بمحاميهم أو منعهم من الدفاع
  • ما يحدث منذ عام ٢٠١٣ وحتى الآن شكّل صفحة سوداء في تاريخ القضاء المصري
  • المجتمع الدولي لن يخوض ثورة بالوكالة.. والخطوة الأولى لابد أن تكون من الشعب

 

إنسان للإعلام- خاص:

أكد المستشار وليد شرابي، رئيس محكمة شمال القاهرة الأسبق، ومؤسس حركة "قضاة من أجل مصر"، أن أحكام الإعدام الصادرة في مصر منذ انقلاب 3 يوليو 2013 بحق معارضين سياسيين "تفتقر لأي غطاء قانوني"، واصفا ما يحدث من أحكام سياسية داخل مصر ضد خصوم السلطة السياسيين "بمؤامرة كبرى" من عدة أطراف، أحدها القضاء المسيس الذي بات متورطا في هذه المؤامرة .

وقال، في تصريحات خاصة لـ"إنسان للإعلام":  " واهم من يظن أن الشعب المصري قد رفع الراية البيضاء لمن قتلوا أبناءه وسرقوا قوته وفرطوا في ثرواته وانسحبوا من حدوده ، لكن هي مرحلة تربص يرقب فيها الناس ما يحدث ويستوعب فيها الشعب خطورة الحكم الفاشي على مستقبله حتى اذا ما حانت الفرصة في وقت ما للتخلص من تلك المنظومة الفاشية المستبدة حينها لا يمكن لأحد أن يتوقع غضبة الشعب سوف تصل إلى أي حد .. والذي أثق فيه أن الجميع - بما فيهم من استولوا على السلطة - يرتقبون هذا اليوم والجميع لديه اليقين أن هذه اللحظة قادمة"

أضاف: "بمجرد أن وقع إنقلاب يوليو ٢٠١٣ وبدأ تحرير سيل القضايا السياسية في حق المعارضين السياسيين من رافضي الانقلاب العسكري رفض عدد من القضاة الشرفاء الفصل في هذه القضايا الملفقة وهو أمر احرج سلطة الانقلاب العسكري حينها ، مما أضطر وزير العدل في حكومة الببلاوي، المستشار أمين المهدي، إلى إصدار قرار بتشكيل القضاء الاستثنائي أو ما سمي (بدوائر الارهاب) في ٢٦ ديسمبر ٢٠١٣ وتم تكليف رئيس محكمة استئناف القاهرة المستشار نبيل صليب باختيار الأسماء، وتشكيل تلك الدوائر بالمخالفة للقانون"

قضاة مسيطر عليهم

وأوضح أن "اختيار أمثال هؤلاء القضاة يكون بعد التأكد من السيطرة الكاملة عليهم من قبل السلطة التي أدارت مصر بعد الانقلاب عام ٢٠١٣، ولعل المثال الذي يؤكد صحة ذلك هو الفضيحة التي حدثت مؤخرا للمستشار سامي عبد الرحيم رئيس محكمة جنايات بورسعيد والذي حكم على الكثير من معارضي الانقلاب في عدة  قضايا، منها حكم بالإعدام على عادل حبارة تم تنفيذه، فضلا عن العديد من الأحكام السياسية الأخرى ضد خصوم السلطة الحاكمة، حيث تم القبض على هذا المستشار وعثر داخل منزله على كمية من المخدرات، وأسلحة غير مرخصة وآثار، كما تم اتهامه في قضايا رشوة"

 أضاف المستشار وليد شرابي أنه: "مازالت هذه الدوائر تطلق النار أو تصدر الأحكام بالإعدام على رافضي الإنقلاب منذ وقوعه وحتى الآن" .

وتابع: إن "حق أي متهم أن تتم محاكمته أمام قاضيه الطبيعي هو أمر تعارفت عليه كل الدساتير والقوانين، وهو الضمانة الأولى للمتهم في ألا تعرض أوراق قضيته أو أدلة إدانته على قاض يحمل في عقيدته توجهات خاصة ضد المتهم تنحرف به تلك التوجهات عن مسار العدالة المأمول ، لكن ما يحدث لدى أنظمة الحكم الفاشية عكس ذلك، فمن ناحية تعمد تلك الأنظمة إلى قتل معارضيها أو رافضي نظام الحكم الفاشي، ومن ناحية أخرى تحاول أن تتجمل فتتخلص من خصومها من خلال أحكام الاعدام التي تصدر عن السلطة القضائية، وليس عن طريق القتل المباشر"؛ لذلك تقوم بتشكيل محاكم استثنائية لتنفيذ أوامر القتل في صورة أحكام الاعدام"

وقال المستشار وليد شرابي: "تختار السلطة الفاشية لتلك المهمة قضاة محددين بالاسم تم السيطرة عليهم سواء بالترهيب،  مثل فضح أمور تتعلق بحياتهم الشخصية، أو بالترغيب مثل منحهم بعض الامتيازات المالية او الاجتماعية لهم ولأسرهم؛ لذلك فهؤلاء القضاة لا يملكون إلا تنفيذ الأوامر الصادرة لهم من السلطة الفاشية، وبمجرد طرح قضايا المتهمين أمام هؤلاء القضاة تبدأ سلسلة من الانتهاكات في حق هؤلاء المتهمين، منها على سبيل المثال لا الحصر: حرمانهم من اللقاء بمحاميهم أو منعهم من الدفاع عن أنفسهم أثناء المحاكمة، ووضعهم داخل اقفاص زجاجية كاتمة للصوت أو منع المحامين من الاطلاع على أوراق القضية أو عدم تحقيق متطلبات الدفاع عن المتهمين حال الطعن في أدلة الثبوت أو مناقشة الشهود.. الخ"

وأكد أن "المحكمة هنا تبتغي من كل تلك الانتهاكات في حق المتهمين أن تحكم عليهم بالإعدام تنفيذا للأوامر التي صدرت من السلطة للمحكمة بغض النظر عن حقيقة الاتهامات أو تلفيقها للمتهمين، وبالطبع مثل هذه الأحكام مخالفة للقانون وباطلة كونها سياسية وموجهة ولم تصدر عن القاضي الطبيعي للمتهمين" .

محاسبة بثورة

وبسؤاله عن الإجراء القانوني والقضائي الذي يمكن به محاسبة من تورط في الإعدامات السياسية بالتحريض او التلفيق او إصدار  الأحكام او التنفيذ، قال المستشار وليد: "النظام الذي يحكم (بمؤسساته الدستورية والقانونية) هو الذي يشكل منظومة المحاسبة لكل متورط في دماء الأبرياء؛  لذلك سيختلف شكل المحاسبة طبقا لشكل التغيير الذي سيقع في المستقبل، فمثلا لو أن التغير القادم سيأتي في شكل حركة تصحيح من داخل المنظومة فأعتقد أن المحاسبة ستكون شكلية لذر الرماد في عيون الجماهير المتعطشة للحظة التغيير وتريد أن تقتص لدماء الأبرياء ..وقد تكون المحاسبة في تلك الحالة بعزل بعض المتورطين أو توقيع جزاءات إدارية ضدهم أو إجراء تحقيقات شكلية من جهات التحقيق لكي تمتص غضب الجماهير وفي نفس الوقت لا تؤدي إلى معاقبة حقيقية لأي متورط في صدور أو تنفيذ أحكام إعدام بحق أبرياء .

أما لو كان التغيير جذريا بثورة حقيقية شاملة حينها قد تتم محاسبة هؤلاء بالعدالة التي يستحقونهالاجزاءا وفاقا".

موالون وسدنة عدالة

وبشأن تورط القضاء فعلا مع السلطة التنفيذية بإصدار أحكام تهدف الى التخلص من خصوم النظام ، قال: " دعني أكون صريحا في هذا الشأن حتى وإن كانت إجابتي لا تروق للبعض..  إدانة القضاء ككل أمر يعني أن كل القضاة منحرفون أو متورطون، وهو أمر يمثل قدر من الظلم في حق عدد ليس بالقليل من القضاة الشرفاء الذين رفضوا نظر أي قضايا لمتهمين سياسيين، وكثير من القضاة أيضا أصدروا قرارات بإخلاء سبيل عدد كبير من خصوم السلطة السياسيين، الأمر الذي دفع من استولوا على الحكم عام ٢٠١٣ إلى تشكيل دوائر خاصة مسيسة من قضاة موالين للسلطة بقصد التنكيل بخصومهم.

نعم انا أدرك أن ما يحدث منذ عام ٢٠١٣ وحتى الان قد شكل صفحة سوداء في تاريخ القضاء المصري وان عددا كبيرا من القضاة قد نحوا العدالة جانبا، ورضوا بالدنية، وسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا مجرد أداة لمعاقبة خصوم النظام الفاشي الذي يحكم مصر، لكن مع كل هذا لا يجب أن ننسى أن من بين القضاة من رفض أن ينبطح لسلطة الانقلاب، ومنهم من ساعد المتهمين في محنتهم بقرارات عادلة ؛ لذلك يجب أن نفرق بين رجال النظام الفاشي داخل السلطة القضائية (مهما كان عددهم)، وسدنة العدالة اللذين مازالوا على منصة القضاء".

صورة مصر

وفيما يخص تأثير هذه الأحكام العشوائية المسيسة على صورة مصر لدي المجتمع الدولي، قال المستشار وليد: إن "المجتمع الدولي يعلم جيدا مدى قسوة الأحكام الفاشية في مصر الآن، والقضاء قد سقط من أعين الكثير من المؤسسات الدولية التي ترقب ما يحدث في مصر، والجميع يدرك أن ذلك يحدث بتوجيهات من قائد الانقلاب العسكري في مصر عام ٢٠١٣، فالعديد من الرؤساء وصفوا قائد الانقلاب بالديكتاتور والبعض منهم أطلق عليه (ديكتاتور ترامب المفضل) والكثير من المنظمات الدولية والحقوقية ومجالس حقوق الإنسان قد أدانت الكثير من أفعال هذا النظام .

لكن هذا المجتمع الدولي لن يخوض ثورة بالوكالة عن صاحب القضية الاصلي وهو الشعب المصري ... والخطوة الأولى لابد أن تكون من الشعب وحينها سنطالب نحن هذا المجتمع الدولي بأن يدعم ويؤيد مطالب الشعب المصري العادلة" .