هل هناك صفقة بين صباحي و السيسي حول انتخابات 2024؟

الأحد - 21 آغسطس 2022

  • حمزة وطنطاوي ونافعه وتوفيق .. بماذا يهدد نظام السيسي المعارضين لدفعهم للصمت؟ ولماذا عاد حمزاوي ليدعم السيسي؟
  • المعارضة العلمانية "الكرتونية" تسعى لإرضاء النظام بكل السبل أملا في الحصول على مكاسب سياسية رخيصة

 

إنسان للإعلام- خاص

بعد سلسلة فيديوهات ساخنة خلال شهري يوليو وأغسطس 2022 هاجم فيها السيسي بعنف واتهمه بأن سياسته هي سبب خراب مصر، وقال له: "لو اللي انت بتعمله مش غباء هيبقي مصيبه تانية" أعلن المهندس ممدوح حمزة انسحابه من العمل السياسي.

قال في بيان يوم 17 أغسطس 2022 إنه يعلن انسحابه من العمل السياسي بسبب الانسداد في أفق العمل العام على المستوى السياسي، مشيرا إلى ما أسماه "غيابي الإجباري عن مصر".(بيان حمزه على تويتر)

كتب في آخر تغريده سياسية ناقدة للسيسي إنه (السيسي) "يعمل بكل طاقته وبمنتهي السرعة لتجريد مصر تماما من ممتلكاتها، هذا عمل عدو لدود لمصر وليس عمل رئيس يحمي الوطن".

شدد على أنه "يجب إيقافه (السيسي) بكل الطرق الشعبية لأن جيش مصر مغمي عينيه"، وفق تعبيره، ما اعتبر نقدا تجاوز السيسي إلى قيادة الجيش. ربما تلقى حمزة بعد هذه التغريدة تهديدا ما ألزمه الصمت والانسحاب.

طنطاوي في بيروت

اعتزال وانسحاب حمزة من الحياة السياسية جاء عقب ظهور النائب السابق ورئيس حزب الكرامة الناصري أحمد الطنطاوي في بيروت بعد خروجه من مصر.(منشور طنطاوي)

وذلك بعدما أكدت مصادر في حزبه لموقع "مدي مصر"، 14 أغسطس 2022 ، أنه جري تهديده من قبل المخابرات بترك مصر أو اعتقاله لنقده السيسي بشكل مباشر.

طنطاوي كان أحد ثلاث شخصيات مصرية بارزة أعلنوا توقفهم عن الكتابة عبر فيس بوك أو المواقع خلال ثلاثة أيام فقط (2 و3 و5 أغسطس 2022) ما أثار تساؤلات حول دلالة هذا التزامن، وإذا ما كانوا تعرضوا لضغوط من قبل السلطات، اضطرتهم لذلك.

الشخصيات الثلاثة هم المحلل والخبير السياسي "حسن نافعة"، والبرلماني السابق والمعارض السياسي "أحمد الطنطاوي"، والخبير الاقتصادي المصري "هاني توفيق"

فقد أعلن الدكتور حسن نافعة، الذي سبق اعتقاله 25 سبتمبر 2019 ثم أفرج عنه 19 مارس 2020، ايقاف حسابه على تويتر لأسباب خارجه عن ارادته.(نافعة يعتذر على تويتر)

 

وهذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها نافعة توقفه عن التغريد على حسابه على "تويتر" بسبب تهديدات وملاحقات حيث أعلن 9 يونيو 2020 توقفه أيضا، ثم عاد.

ثم أعلن الخبير الاقتصادي الشهير هاني توفيق التوقف عن الحديث عن السياسة الاقتصادية علي صفحته على فيسبوك، بعدما قال ما لديه من ملاحظات على السياسة الاقتصادية الفاشلة للسيسي خلال لقاء مع عمرو أديب أثار الجدل.(اعتذار هاني توفيق على فيسبوك)

وجاء هذا بعدما هوجم هذا الخبير عقب ظهوره مع عمرو أديب علي قناة أم بي سي مصر، وانتقد بعنف السياسة الاقتصادية والتوسع في الديون.

وتحدث عن "وهم" ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي وأكد زيادة سعر الدولار في الفترة المقبلة وهو ما حدث. كما انتقد إفراط حكومة السيسي في الإنفاق على البنية التحتية ومشروعات الطرق والكباري.

وكان الإعلان الأهم هو للنائب البرلماني السابق ورئيس حزب الكرامة الحالي احمد طنطاوي ايقاف كتاباته على موقع "المنصة" الخاص بعد ثلاثة مقالات فقط أثار أولها بعنوان "كيف يتم عزل رئيس الجمهورية ومحاكمته؟" غضبا سلطويا.

بعدما هاجم أحمد طنطاوي السيسي وأعلن استقالته من رئاسة حزب حمدين صباحي (الكرامة) ثم جري منعه من الكتابة، سافر للخارج وتردد أنه في بيروت بشأن دراسات عليا.(إعلان أحمد طنطاوي التوقف عن الكتابة)

وقيلت شائعات عن تخييره بين الاعتقال أو  المنفى، أكدها الحقوقي بهي الدين حسن المقيم في باريس.(منشور بهي الدين حسن على تويتر)

وأكد الحقوقي أحمد سميح أنه تم وضعه بين خيار من اثنين أما الاعتقال أو المنفي ويبدو أنه أختار الثانية.(منشور أحمد سميح على تويتر)

لغز عمرو حمزاوي

أسلوب آخر تم اتباعه مع بعض المعارضين الهادئين ممن يحنون للعودة لمصر، هو استدعاؤهم من الخارج للحوار الوطني بغرض التلميع والتطويع مع تهديد من يتردد ضمنا بسياسة العصا والجزرة.

من هؤلاء الباحث عمرو حمزاوي الباحث بمركز كارنيجي الذي ينشر تقارير تنتقد نظام السيسي، والذي وصف نظام السيسي في بحث سابق بأنه "جمهورية الخوف".

الكاتب الاسرائيلي "تسفي برئيل" أكد في تقرير بصحيفة هآرتس، 16 أغسطس 2022 أن حمزاوي الذي كان صوتا لثورة 25 يناير 2011 وقضي 6 سنوات في المنفي في أمريكا "يدفع الثمن لإنهاء المنفى" بتلميعه نظام السيسي بعد عودته.

قال إنه من المتوقع أن ينضم حمزاوي إلى قائمة طويلة من الشخصيات التي نالت لقب "مثقفي الدولة" المهين، أي ملمعي أحذية السلطة الذين خدموا، نظامي أنور السادات وحسني مبارك، مما يضفي بريقًا أيديولوجيًا على طغيانهم.

وخلال الفترة الأخيرة أعلن عدد من النشطاء توقفهم عن الكتابة علي فيس بوك وبدأ آخرون يكتبون عن موضوعات غير سياسية تماما هربا من الملاحقة الأمنية والاتهام المعلب من النيابة لأي معتقل بـ "اساءة استخدام مواقع التواصل والارهاب"(اعتذار آخر عن الكتابة)

تهديدات مباشرة

مصادر  أكدت أن توقف سياسيين أو نشطاء عن الكتابة أو نقد السيسي في هذه الفترة تحديدا، التي يسعي خلالها النظام لتلميع صورته مع انعقاد الحوار الوطني وقبل مؤتمر المناخ في نوفمبر 2022، جاء نتيجة رسائل مباشرة وغير مباشرة من جهات أمنية تهددهم بالتوقف أو الاعتقال.

كشفت أن الشخصيات الشهيرة التي قد يؤدي اعتقالها أو منعها بالقوة يمكن أن يسبب بلبلة ويثير المنظمات الحقوقية يجري الضغط عليها عبر طريقين، أولهما تقديم نصائح لمقربين من المعارضين بالداخل بالتوقف مع التهديد بمضايقات لو لم يمتثلوا.

والطريقة الثانية هي تهديد المعارضين بالخارج باعتقال أقاربهم والتضييق على أعمالهم وأن هذه الطريقة هي التي تم اتباعها مع ممدوح حمزة بعدما نشر فيديوهات تهاجم السيسي وتطالب الجيش بالانقلاب عليه.

بالمقابل يجري تهديد شخصيات أقل شهرة أو غير معروفة علي نطاق واسع بالاعتقال لو  لم يتوقفوا عن الكتابة أو الانتقاد وتهديدهم أيضا باعتقال أقاربهم.

ويستغل نظام السيسي أيضا "سلاح الجنسية" ضد معارضيه بالخارج وضد أهالي سيناء؟  وقام بتفعيله بالفعل ضد المعارضة غادة نجيب، وأصبح هناك مصطلح جديد هو "مصريون بدون" جنسية.

وانتقد تقرير لمجلة فورين بوليسي حالة التواطؤ الأمريكي الرسمي مع السيسي، برغم قمعه حقوق الإنسان، ولقاء الرئيس الأمريكي بايدن به، وأنباء سعي إدارة بايدن للإفراج عن المساعدات الأمريكية المجمدة (300 مليون دولار) بعدما توعد ألا يعطيه شيكات علي بياض في فترة الدعاية الانتخابية، ورغم رفض الكونجرس.(تقرير فورين بوليسي)

وقال تقرير المجلة، 19 أغسطس 2022، إن هذا يحبط معارضي السيسي بينما الشعب المصري يعاني بسبب أولويات إنفاق خاطئة وحكم السيسي في خطر وعلى صندوق النقد الدولي التوقف عن تمويل مشروعاته الوهمية.

وأوضح أنه ليس للسيسي ظهير شعبي والشعب على وشك الانفجار والسيسي يتحصن بالجيش والشرطة والمخابرات لمواجهة الاضرابات المحتملة.

سيناريو بين الناصريين والسيسي

كان الإعلان عن خروج أو هروب أو ابعاد أحمد طنطاوي للبنان له تفسيرات أخري غامضة تشير لوجود سيناريو معد بين الناصريين والسيسي

فقد كتب السفير والمعارض الليبرالي عز الدين فشير يرجح ساخرا أن يكون "ترحيل طنطاوي جزء من استراتيجية الحوار الوطني"، قائلا: "الأول يسافر، وبعدين يتصلوا به يدعوه للمشاركة في الحوار الوطني، وبعدين هو يقبل ويرجع، وبعدين يطلع في التليفزيون يبارك ويشارك".(تغريدة عز الدين فشير)

ثم عاد ليقول: بلغني من مصدر أثق فيه أن "الأستاذ أحمد طنطاوي سافر من فترة وسفره لا علاقة له بالمعارضة أو عدمها"، لكنه تمسك مع هذا بما كتبه سابقا!.

وكتب الناشط الصحفي أحمد العيش يرجح وجود سيناريو آخر من وراء سفر أحمد الطنطاوي، له علاقة بترتيبات للتيار الناصري وحزب الكرامة لتوفير "منافس كرتوني للسيسي" في انتخابات الرئاسة 2024.

قال عبر حسابه على تويتر إن هذا السيناريو القائم على أفكار سينمائية، يقوم على مهاجمة أحمد طنطاوي لنظام السيسي من الخارج ثم تلقيه دعوة للحوار الوطني وعودته لأرض الوطن ويصرح أنه يجب أنه لا بديل عن الحوار.

وكان "العش" تساءل في تغريده سابقة عمن "سيرسى عليه العطا منافس كرتوني السيسي في 2024 الحريري ولا الطنطاوي؟"، مرجحا الطنطاوي لأنه "ناصري وكلامنجي أكتر زي أستاذه حمدين، وكلنا عارفين "الأجهزة" بتفضل الناصريين وتثق في أدائهم".

وشدد على أن ما يجري هو "صناعة أيمن نور/حمدين جديد لأغراض الشرعية الدولية في انتخابات 2024، أو أكثر من ذلك لو تطورت الأمور واحتاجوا وجه محكوم للحوار والاتفاق معاه".

خلافات بين المعارضة "الكرتونية"

ولكن ما هي قصة أحمد طنطاوي منذ ظهوره كبديل لصباحي؟ وهل هو معارض أم ترس في عجلة التلميع لنظام عبد الفتاح السيسي وحواره الوطني؟

وما هي كواليس الخلافات بين الناصريين حول الحوار الوطني ونيل نصيب من الكعكة، وكيف أظهرت تمثيلية الحوار أن مصر بلا اسلاميين لم تعرف طريقا للمعارضة طوال تاريخها.؟

أظهرت تطورات الأحداث في مصر قبل بدء الحوار الوطني الذي دعا له عبد الفتاح السيسي في الاسبوع الأول من يوليو 2022 عن وجود خلافات طاحنة بين المعارضين العلمانيين الذين يعتقد كل فريق منهم أن بإمكانهم انتزاع مكاسب من السيسي لصالح تياره اليساري أو الناصري أو الليبرالي، في ظل غياب ورفض واستبعاد التيار الاسلامي.

كان من الواضح أن هناك خلافات بين الناصريين أيضا داخل تيار الكرامة، حيث ظهر رئيس حزب الكرامة المستقيل وعضو البرلمان السابق أحمد طنطاوي مع قناة "بي بي سي"، وذكر تصريحات مثيرة عن فشل نظام السيسي وغياب الديمقراطية.

أدي هذا لخلافات بين تيار حمدين صباحي المؤيد لحوار السيسي املا في تخفيف الضغط عليه والحصول على أي مكاسب ولو إطلاق سراح معتقلي حزبه، والتيار الآخر المحسوب عليه أحمد طنطاوي الرافض للمشاركة في حوار السيسي باعتباره ديكور وخدعه لتمرير مؤتمر المناخ وتلميع صورة النظام.

وقالت مصادر حزبية إن هناك اتجاهين داخل ما يسمي "الحركة المدنية" أي القوي العلمانية اليسارية والناصرية والليبرالية في تفسير دعوة السيسي للحوار الوطني.

(الاتجاه الأول) يرى أن السيسي ونظامه باتوا يدركون خطورة الوضع الاقتصادي الراهن، وأنهم بحاجة لتوسعة قاعدة الحوار من أجل تحميل المعارضة جزءاً من مسؤولية الوضع الراهن، وأن النظام جاد في دعوته للحوار الوطني.

ويرى هذا الفريق أنه لا بدَّ من استخدام ما سموه "رفع غطاء الحلة" الذي اضطر إليه النظام مؤخراً تجنباً للانفجار لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في مجال الحريات.

بينما يرى (فريق آخر)، منهم أحمد طنطاوي، أن الحوار الوطني لا يزيد عن كونه مناورة الهدف منها الحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي تطالبه جهات دولية بعدم تقديم أية قروض لنظام السيسي إلا بعد تحقيق إصلاح سياسي حقيقي.

وقد دفع هذا الخلاف أحمد طنطاوي لإعلان استقالة من رئاسة الحزب الناصري لإصرار صباحي على المشاركة في الحوار الوطني، وحاول طنطاوي الكتابة في موقع المنصة مقالات ضد السيسي وكيفية عزله ما أغضب السلطة التي يبدو أنها ضغطت على صباحي كي ينصحه بالخروج من مصر أو يتم اعتقاله وهو سيناريو لا ترغب فيه السلطة قبل شهرين من مؤتمر المناخ، خشية تشويه عملية التلميع التي تقوم بها للنظام.

لهذا يقول مؤيدون لطنطاوي على مواقع التواصل أنه هرب بنفسه ولم يتم الضغط عليه خشية اعتقاله وبعدما اختلف مع صباحي الذي يصر على دعم السيسي، ويؤكد هذا إعلانه الاستقالة رسميا من حزب الكرامة وهو في لبنان.

وكتب الطنطاوي، كلاما غامضا في منشور له عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن تواجده في بيروت "ولن أخرج منها إلا قريباً عائداً إلى مصر التي تسكنني، ولا يملك كائن من كان أن يحرمني من أن أسكنها، ولن يمنعني من ذلك أي شيء"، ما يشير لصحة أنباء إبعاده عن مصر.

قال: "كنت قررت أن أتحدث لحضراتكم بمجرد ترتيب أموري لأقدم إجابات وافية عن جميع أسئلتكم المستحقة لكن اتضح أن الأمر سيستغرق وقتًا أطول مما كان مفترضًا".

مؤكدا "أنني أتفهم وأقبل وأرضى بما في طريقي الذي اخترته من متاعب ومصاعب"، و"أذكر كل من يعرفني جيدًا بأنني لست بالذي يقبل بالهروب أو يخضع للتهديد".(منشور أحمد طنطاوي)

وقال موقع Africa Intelligence الفرنسي، 4 يوليو 2022، إن الحوار الوطني في مصر هدفه تجنيب السيسي انتقادات غربية بملف حقوق الإنسان قبل انعقاد مؤتمر المناخ الدولي في شرم الشيخ في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر 2022.(تقرير أفريقا انتليجنس)

وأكد أن السيسي يحاول استثمار هذا الاجتماع بمبادرة الحوار التي أطلقها حتى يمكنه منع المنظمات الدولية من انتقاد نظامه خلال هذا المؤتمر، وكسب بعض الدعم من المجتمع الدولي واستغلال "الحوار الوطني" كبادرة حسن نية لحلفائه الغربيين، بقيادة الولايات المتحدة.