نموذج طالبان بات مُلهما: هل يتخلى شباب الإسلاميين عن صناديق الاقتراع؟

الخميس - 19 آغسطس 2021

كتب خليل عناني مقالا في "ميدل إيست آي"، تحت عنوان (هل يتخلى شباب الإسلاميين عن صناديق الاقتراع؟)، مما جاء فيه: "على مدى السنوات القليلة الماضية، شهد الإسلاميون سلسلة من الأحداث التي شكلت تفكيرهم السياسي وقوضت إيمانهم بالديمقراطية. 

فمن الانقلاب العسكري الدموي في مصر، بقيادة "عبدالفتاح السيسي"، الذي بنى ديكتاتورية بسجل مروّع من انتهاكات حقوق الإنسان المدعومة من الحلفاء الإقليميين والغربيين، إلى صعود محور إقليمي معادٍ يسعى إلى القضاء على الإسلاميين محليًا ودوليًا، وآخرها الانقلاب الناعم في تونس، الذي أوقف قصة النجاح الوحيدة الباقية للربيع العربي.

بالنسبة للإسلاميين، يرون أن هذه الأحداث ليست علامات قبول أو اندماج، بل بالأحرى علامات عدم تسامح ورفض، مما يعمق عدم ثقتهم في العملية السياسية برمتها.

ونتيجة لذلك، فإن الإسلاميين، وخاصة الشباب منهم، أصبحت لديهم شكوك متزايدة في قدرة النموذج الديمقراطي -الذي يعتبرونه الآن لعبة سياسية خادعة- على ضمان حصولهم على الاندماج السياسي"

اليوم، يواجه حزب النهضة التونسي، أحد أكثر الحركات الإسلامية اعتدالاً وتقدمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وله سجل فريد من البراجماتية السياسية والتسوية الأيديولوجية، تحديات غير مسبوقة.

ويعتبر أحد أكثر الأمور إلحاحًا الآن هو كيفية الحفاظ على الثقة في العملية الديمقراطية على الرغم من استيلاء "سعيد" على السلطة مؤخرًا.

ففي العقد الذي تلا ثورة 2011، التي أطاحت بالدكتاتور "زين العابدين بن علي"، فاز حزب النهضة بـ3 انتخابات برلمانية متتالية وكان يتقاسم السلطة مع قوى علمانية وليبرالية ويسارية أخرى.

وفى غضون ذلك، قدمت حركة النهضة تنازلات أيديولوجية وسياسية مهمة من أجل قبولها وضمان نجاح الانتقال السياسي في تونس.

وقام الحركة بالتحالف مع فصائل سياسية مختلفة، بما في ذلك شخصيات من النظام القديم، مثل الرئيس الراحل "الباجي قائد السبسي"، في مؤشر على النضج السياسي واحترام إرادة الشعب الذي انتخب هؤلاء المسؤولين.

فى مقابل ذلك، تعرضت الحركة للوم من قبل الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما المحافظون والمتشددون، الذين اتهموا الحركة بالتخلي عن أيديولوجيتها ومعتقداتها الدينية من أجل استمالة نظرائها العلمانيين والليبراليين.

ومع ذلك، وبعد قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية، أصبحت النهضة تتعرض لانتقادات ليس فقط من التونسيين ولكن الأهم من ذلك الإسلاميين - المعتدلين والمتطرفين على حد سواء.

وأصبح الإسلاميون يعتقدون أن تنازلات الحزب كانت في نهاية المطاف بلا طائل، وقوضت مصداقية النهضة كحركة إسلامية.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الجماعات المتطرفة مثل "الدولة الإسلامية" أبدت شماتة واضحة في فقدان حزب النهضة للسلطة وسيطرة "سعيد" على المشهد السياسي في تونس.

بالنسبة لـ"الدولة الإسلامية" والجماعات المسلحة الأخرى، إن هذه الانتكاسات (للنهضة والإخوان وغيره) تثبت صحة نهجها المتطرف المناهض للديمقراطية، كما تدفع تلك النكسات بعض الإسلاميين المحبطين إلى تبني ما يصفونه بـ"نموذج طالبان"- أي استخدام القوة من أجل الحماية المكاسب السياسية.

فهم يعتقدون أن المفاوضات يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع العنف المسلح ضد خصومهم.  إنهم يحترمون الانجازات العسكرية الأخيرة لـ"طالبان" في أفغانستان ويعجبون بقدرتها على الجمع بين المفاوضات والقتال من أجل استعادة السلطة.

خلال التسعينيات، شهدت الجزائر عقدًا دمويًا، حيث قتل وجرح مئات الآلاف من الأشخاص بعد التخلي عن العملية السياسية. وبالمثل، شهدت مصر مذبحة للمتظاهرين السلميين بعد انقلاب 2013 وعانت من حرب تمرد في سيناء بينما لا تزال البلاد بأكملها تحت الحكم الاستبدادي. في ليبيا وسوريا واليمن، هناك حروب أهلية مستعرة، مزقت تلك البلدان سياسيًا واجتماعيًا وجغرافيًا.

لا يعني أي من هذا أن تونس سوف تسير في نفس المسار. بل هو تذكير بأن الديمقراطية، بكل مشاكلها وعيوبها، تظل الخيار الأكثر تقدمًا، ليس فقط لتونس، ولكن للمنطقة بأسرها.

على مدى السنوات القليلة الماضية، كنت أبحث وأحلل سلوك الإسلاميين وأيديولوجيتهم، خاصة بعد فشل ما يسمى بالربيع العربي. وكان السؤال الرئيسي الذي ما زلت أسمعه من الشباب الإسلاميين هو: ما الذي يتعين علينا القيام به أيضًا لنحظى بالقبول والاندماج؟

أتذكر كيف وبّخني أحد محاوري المصريين، الذي يعيش الآن في المنفى، عندما دافعت عن أهمية الحفاظ على الإيمان بالديمقراطية بعد انقلاب عام 2013. رد بحنق: "الديمقراطية مزحة".

بعد استيلاء الرئيس التونسي على السلطة مؤخرا، اتصل بي شاب إسلامي آخر، وقال بصوت عالٍ بحزن وحزن عميق، "لن يتم قبولنا أبدًا من قبل العلمانيين بغض النظر عما نفعله".

وبينما يتكشف الفصل التالي من هذه الملحمة، فإن هذا ليس محبطًا فحسب، بل إنه مرعب حقًا".

الترجمة من موقع  "الخليج الجديد"