نظام مستبد ينكل بخصومه السياسيين.. مسنون يصارعون الموت في سجون مصر

السبت - 22 أكتوبر 2022

  • 10 آلاف مسن يواجهون القتل البطيء..محرومون من "الإفراج الصحي" بالمخالفة للقانون
  • انتهاكات بشعة ضد 286 مسنا فوق 60 عاما..والنظام يستخدمهم ورقة ضغط على المعارضة  
  • تكدس بالزنازين وحبس انفرادي.. ومستشفيات السجون تفتقر إلى التجهيزات الطبية والأدوية
  • د. بديع  (79 عاما) يتعرض لأبشع عمليات التنكيل ود.محمود عزت أصبحت حياته في خطر
  • د.البيومي (87 عاما) يواجه الموت في زنزانة انفرادية..ومعاملة غير إنسانية مع  د.غزلان
  • د. الغنيمي (السبعيني) يعاني من أمراض مزمنة و د. البر ينتظر الإعدام في زنزانة انفرادية
  • تنكيل مستمر بالحقوقية هدى عبد المنعم و"أم المُعتقلات" سامية شنن مسجونة بأحكام ملفقة
  • في سجن بدر الجديد.. كاميرات تنتهك الخصوصية وتعذيب بالإضاءة المباشرة لمدة 24 ساعة    
  • 16 منظمة حقوقية طالبت في 2020 بالإفراج الفوري عن المعارضين المسنين دون جدوى

 

إنسان للإعلام- خاص

منذ انقلاب 2013، تشهد السجون المصرية تنكيلا مستمرا بكبار السن من المعتقلين انتقاما منهم، بسبب موقفهم من النظام الانقلابي.

تفتقد مستشفيات السجون للحد الأدنى من التجهيزات الطبية والأدوية، وغالبية المسنين، أمثال د محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، ونائبيه د. رشاد البيومي و د. محمود عزت، الذين يتعرضون لأبشع عمليات التنكيل، دون مراعاة لتقدمهم في السن، وفي انتهاك صارخ للقانون.

لم يتوقف التنكيل والإيذاء عند الرجال، بل طال سيدات مسنات أمثال السيدتين سامية شنن، وهدى عبدالمنعم.

ورغم دعاية النظام بإنشاء  "دور رعاية وإصلاح" واحترام حقوق المعتقلين، يشتكي المنقولون إلى سجن بدر الجديد من نوع جديد من التعذيب، بتعمد تشغيل إضاءة قوية ومراوح تعمل على مدى 24 ساعة، مع تشغيل كاميرات مراقبة تنتهك الخصوصية طوال الوقت.

في هذا الملف نرصد ما يعانيه السياسيون المسنون في سجون مصر من ظروف قاسية، ونتعرض لأهم النماذج من هؤلاء المناضلين خلف أسوار سجون السيسي، وكم الانتهاكات التي يتعرضون لها ليل نهار، فبينهم- على الأقل- 10 آلاف مسن يواجهون القتل البطيء.

معانة مستمرة

في الوقت الذي تعفي فيه بعض دول العالم كبار السن من تنفيذ عقوبة السجن واستبدالها بعقوبات أخرى، تتسبب السجون والمعتقلات المصرية في موت هؤلاء مع منع الدواء والعلاج والطعام عنهم.

فمنذ عام 2013، مات مئات المعتقلين والسجناء في مثل هذه الظروف، ويقبع مئات المعتقلين، الذين تجاوزت أو قاربت أعمارهم 80 عاماً في المعتقلات المصرية، منهم المرشد العام الحالي لجماعة الإخوان المسلمين د. محمد بديع، وعضو مكتب الإرشاد في الجماعة د. محمود غزلان، ونائبي المرشد د. محمود عزت و د. رشاد البيومي، وغيرهم كثيرون.

وتستخدم السلطات المصرية التكديس كسلاح لإنهاء حياة المسنين من المعتقلين السياسيين والسجناء الآخرين. يوضع في الزنزانة الواحدة أكثر من 30 فرداً في ظلّ رداءة الإضاءة والتهوية والنظافة. وهو ما يؤدي إلى انتشار الأمراض الجلدية وضيق التنفس بين المحتجزين. أيضاً يؤدي الإهمال في النظام الغذائي دائماً إلى انتشار الأمراض.

ومن اخطر ما يواجه المسنين في السجون المصرية ،  وبحسب منظمة "إنسانية" لحقوق الإنسان، و"المنظمة العربية لحقوق الإنسان"، ومنظمة "هيومن رايتس مونيتور" في بيانات سابقة، أن  السلطات المصرية تمارس في حق المعتقلين المسنين سياسة القتل البطيء  في أماكن الاحتجاز، من خلال إهمالهم طبياً وعدم تقديم الرعاية الطبية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة (الذين يعانون من أمراض قبل اعتقالهم، ومع الإهمال الطبي تدهورت حالتهم الصحية)، ورفض نقلهم إلى مستشفيات مجهزة طبياً تناسب تلك الحالات.

يأتي هذا، في ظل أنّ مستشفيات السجون تفتقر إلى التجهيزات الطبية اللازمة والأدوية الملائمة لتلك الحالات. ومع وصول عدد المعتقلين في السجون المصرية إلى أكثر من 70 ألف معتقل، نسبة كبيرة منهم من كبار السن الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين عاماً، ويعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري والقلب، فإنّ إهمالهم طبياً ومنع الأدوية والكشف الطبي عنهم زاد من تدهور حالتهم.

وعن معاناة هؤلاء المسنين بالسجون، روت فاطمة محمود من الجيزة لـ"العربي الجديد" معاناة زوجها العربي سيد أحمد (63 عاماً) في سجن المنيا العمومي الذي يتعرّض فيه السجناء إلى ابتزاز لتأمين الطعام لهم. كذلك، تنتشر المخدرات وتدخين السجائر بكثرة ما أصاب زوجها بالتهابات شعبية وربو.

كذلك، يسيطر كبار المجرمين على عنابر السجناء، ويفرضون إتاوات عليهم وإلّا فالضرب والاعتداء عليهم. وهو ما حوّل بعض السجناء الفقراء إلى خدم للسجناء المهمين من دون اعتبار لسنّهم المتقدم.

القانون مغيب

وتنص المادة 33 من لائحة السجون على أنه "يجب على مدير السجن أو مأموره تنفيذ ما يشير به طبيب السجن في ما يختص بتعديل معاملة أو غذاء مسجون وفق ما تستدعيه حالته الصحية. وإذا لم يرَ مدير السجن أو مأموره الموافقة على التوصيات التي يشير بها الطبيب، يخطر مصلحة السجون بذلك في الحال ويرسل إليها صورة من هذه التوصيات وملاحظاته عليه".

كذلك، يتوجب على وزارة الداخلية أن توفّر جميع الأدوية المطلوبة للسجناء، ويُسمح لهم بتلقي الرعاية الصحية اللازمة لحالتهم في مقر احتجازهم.

لكنّ السجون المصرية دائماً ما تتعلل بعدم وجود أنواع كثيرة من الأدوية لديها، كما ترفض دخول الأدوية الخاصة بالسجين في الزيارة.

في الوقت نفسه، تفتقر المستشفيات الخاصة بالسجون إلى التجهيزات الطبية، ولا توجد فيها طواقم طبية من شأنها أن تتابع الحالة الصحية للمعتقلين باستمرار. ومع تكدّس السجون بالمعتقلين وازدياد أعدادهم تفاقمت الأزمة وبات من الصعب على طبيب واحد استيعاب تلك الأعداد الكبيرة. ونظراً لعدم وجود عددٍ كافٍ من الأطباء، ينتظر السجناء أصحاب الأمراض، خصوصاً كبار السنّ، وقتاً طويلاً ليأخذوا دورهم في الكشف أمام الطبيب، وهو ما يؤدي إلى تفاقم حالتهم الصحية وقد يؤدي إلى وفاة عدد منهم

كذلك، تتعنت وزارة الداخلية المصرية وإدارة السجون في استخدام حق "الإفراج الصحي" عن المعتقلين الذين يعانون من حالة صحية متدهورة. ويجري نقل المريض وهو في تلك الحالة من مستشفى السجن إلى زنزانته ومقر احتجازه ليواجه الموت البطيء."1"

القتل البطئ

ولم تقف معاناة المعتقلين المسنين عند سجن معين،  بل أصبحوا يعانون، في كل سجون مصر، من الحرمان من العلاج والدواء والتريض بل والزيارة في بعض الأحيان .

وتظل المطالبة بالإفراج فوراً عن المرضى المسنين  في السجون هي الأولوية لدى الكثير من المنظمات الحقوقية والمبادرات المجتمعية، إذ يُعَدّ الإهمال الطبي في السجون جريمة بنص الدستور والقانون؛ إذ تنص المادة الـ18 من الدستور المصري الصادر عام 2014 على أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة… ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة".

وتؤكد منظمات مجتمع مدني محلية ودولية، أن الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز، في حق المسنين ، يعد ترسيخاً لسياسة القتل البطيء التي تنتهجها السلطات المصرية تجاه خصومها، وذلك بالرغم من حملاتها الإعلامية وتأكيدها المستمر لاحترام حقوق المحتجزين المختلفة داخل أماكن الاحتجاز المختلفة، وعلى رأسها الحق في تقديم الرعاية الصحية الملائمة، وهو الحق الذي يُنتهَك منهجياً، وخاصة داخل السجون المشددة، في ظل سياسة تعتيم تفاقمت مع انتشار فيروس كورونا.

وأظهر بحث لمنظمة العفو الدولية، شمل 16 سجناً، أنّ عيادات السجون تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لتقديم رعاية صحية كافية، ومع ذلك كثيراً ما يرفض مسؤولو السجون نقل المحتجزين في وقت مناسب إلى مستشفيات خارج السجون، لديها الإمكانات المتخصصة المطلوبة، ويحتمل أن يكون تقاعس السلطات عن تقديم الرعاية الصحية اللازمة، بما في ذلك حالات الطوارئ، قد أسهم أو سبّب وقوع وفيات قيد الاحتجاز كان يمكن تجنبها.

وأكدت المنظمة الدولية أن أمر تقديم الرعاية الصحية الفورية، بما في ذلك الحالات الطبية الطارئة، يترك إلى تقدير الحراس وغيرهم من مسؤولي السجون، الذين يميلون عادة إلى تجاهل شدة المشاكل الصحية للمحتجزين أو التقليل من شدتها، ويؤخرون في المعتاد نقلهم لتلقي العلاج داخل السجون أو خارجها.

وقد أدى الإهمال الطبي في السجون على مدار السنوات الماضية، إلى ارتفاع معدلات الوفاة داخل السجون ومقار الاحتجاز المختلفة. ففي عام 2021 تُوفي 60 محتجزاً داخل السجون المصرية حسبما وثقت منظمة "نحن نسجل" في إحصائيتها السنوية، مقسمين إلى 52 ضحية من السجناء السياسيين، و8 جنائيين بينهم 6 أطفال.

بينما شهد عام 2020 وفاة 73 مواطناً نتيجة إهمال طبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر. وخلال السبع سنوات الماضية قضى نحو 774 محتجزاً داخل مقار الاحتجاز المصرية المختلفة، إذ توفي 73 محتجزاً عام 2013، و166 محتجزاً عام 2014، و185 محتجزاً عام 2015، و121 محتجزاً عام 2016، و80 محتجزاً عام 2017، و36 محتجزاً عام 2018، و40 محتجزاً عام 2019."2"

تعذيب من نوع جديد

ومن أخطر ما يواجه حديثا  المعتقلين المسنين، في السجون  ما كشفته   الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عن  مخاطر تعريض سجناء سجن بدر الجديد للإضاءة المباشرة طوال اليوم، وقالت إنه قد يؤدي إلى الاكتئاب ثم الانتحار.

ورصدت الشبكة المصرية استمرار الشكاوى والاستغاثات التي أطلقها عدد من سجناء سجني بدر 1 وبدر 3، واشتكى فيها السجناء من تعرّضهم للإضاءة المباشرة والمستمرة داخل الزنازين على مدار 24 ساعة.

وقالت الشبكة المصرية في تقرير بعنوان "تحت المجهر، إن "الاكتئاب والانتحار" ضمن أهم المخاطر والمشكلات الصحية التي قد يتعرّض لها السجناء بسبب الإضاءة المستمرة طوال اليوم.

وتواصل أعضاء الفريق البحثي بالشبكة المصرية مع عدد من أسر سجناء بدر 1، والذين زاروا ذويهم مؤخراً ونقلوا حجم الإيذاء النفسي الشديد، الذي يتعرضون له بسبب الإضاءة المباشرة داخل زنازينهم منذ ترحيلهم إليه في الشهور الماضية والتي لا يستطيعون التكيف معها حتى الآن.

كما استطلعت الشبكة المصرية رأي اثنين من الأطباء والمختصين النفسيين الذين أكدوا احتمالية تعرض السجناء للإيذاء والأمراض النفسية والعصبية، خاصة إذا ما أضيف ذلك للكثير من الضغوط النفسية والعصبية الموجودة بالفعل لدى السجين بوجوده داخل السجن.

كما ألقت الشبكة المصرية، الضوء، على تحقيق بعنوان "الحياة تحت ضوء الفلورسنت تضر السجناء والموظفين على حد سواء" نُشر في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، ورصدت خلاله المخاطر والمشكلات الصحية الجسيمة التي يمكن أن تحدث للإنسان عند تعرضه للإضاءة المباشرة على مدار اليوم، حيث إن قلة الظلام تسبب مشكلات طبية خطيرة، لأنها تتعارض مع قدرة الجسم على تصنيع المواد الكيميائية الحيوية في الدماغ، وأكدت الدراسات ارتباط الإضاءة بالاكتئاب، والعجز، واضطرابات النوم، وسرطان الجلد.

ووفقاً لبعض الدراسات، أيضاً، تتسرب أنواع معينة من الإشعاع من لمبات الفلورسنت، وقد يؤدي بعضها إلى استنفاد المواد الكيميائية في الدماغ مثل مادة السيروتونين، والميلاتونين. وهذا يمكن أن يتسبب في نوع من الاكتئاب الذي يؤدي في المواقف المتطرفة إلى الانتحار، حيث إن الإضاءة المستمرة قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض الصداع وإجهاد العين، والاكتئاب، واضطرابات النوم، ومن ثم الانتحار".

وأشارت الشبكة إلى تقرير آخر رصد أن قرابة 37% من نزلاء السجون في الولايات المتحدة الأميركية يعانون من مشكلات في الصحة العقلية، لأسباب منها التعرض للإضاءة المباشرة.

ورأت الشبكة المصرية أن تسليط الضوء على السجناء بشكل مستمر، يعد انتهاكاً للخصوصية، حيث تنقل كاميرات المراقبة ما يدور بين السجناء داخل الزنازين على مدار الساعة، مما أدى إلى سخط واسع بين النزلاء، بعد شعورهم بأنهم مراقبون في كل الأوقات، حتى أثناء نومهم، وعند تغيير ملابسهم، أو أثناء استخدام دورات المياه.

وطالبت الشبكة، السلطات المصرية، بأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنيب السجناء ونزلاء السجون المخاطر الجسيمة والمحتملة، التي قد تهدد حياة الآلاف منهم، ودعت إلى الإقلاع عن سياسة انتهاك خصوصية المحتجزين داخل سجون مصر المختلفة، ومنحهم جميع حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون."3" 

التنكيل بالمسنين

وفي ظل المعاناة التي يعشها أكثر من 10 آلاف مسن بالسجون المصرية تتراوح أعمارهم بين 50 الي 80 عاما ، وذلك   بحسب التقديرات الحقوقية ، توالت مطالب المنظمات الحقوقية بالإفراج عن المسنين وتوفير كل العناية الطبية والعلاج لهم.

 وقد  طالبت 16 منظمة حقوقية في سبتمبر 2020، السلطات المصرية بـ"الإفراج الفوري" عن السجناء المسنين الموقوفين في سجون البلاد،جاء ذلك في بيان مشترك لإطلاق حملة تضامن دولية بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمسنين، الموافق 1 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام.

وقال بيان المنظمات الحقوقية: "تم رصد وفاة 917 سجينا بمصر؛ بينهم 677 إثر الإهمال الطبي، و136 جراء التعذيب، خلال الفترة من يونيو (حزيران) 2013 إلى نوفمبر (تشرين ثان) 2019".

وأضاف: "هناك انتهاكات غير قانونية بشعة ضد أكثر من 286 مسنا (فوق 60 عاما) تم الزج بهم في السجون المصرية، منذ انقلاب 3 يوليو (تموز) 2013"

وتابع أن "سلسلة الإجراءات التعسفية ضد هؤلاء المعتقلين، تتمثل في التعنت في توفير الرعاية الصحية وحجب الأدوية، وارتكاب انتهاكات جسدية في السجون ومقرات الاحتجاز".

وطالبت المنظمات الموقعة على البيان "السلطات المصرية بالإفراج الفوري عن كبار السن ومن تجاوزا سن الستين ولديهم أمراض مزمنة وتهدد حياتهم داخل السجون المصرية".

وأبرز الموقعين على البيان "البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان" (مصر) و"نشطاء من أجل حقوق الإنسان" (كندا)، و"المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان" (مصر)، و"مركز عدالة لحقوق الانسان" (الأردن).

كما وقعت أيضا "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" (تونس)، و"مركز التربية لحقوق المرأة" (المغرب)، و"المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية" (سوريا)، و"التنسيقية الوطنية لضحايا الاختفاء القسري" (الجزائر)، و"تحالف المحامين الديمقراطيين" (السودان)."4"

ومن جانبها  دعت المديرة التنفيذية لمنظمة "الديمقراطية في العالم العربي الآن"، سارة لي واتسون، السلطات المصرية إلى الإفراج عن كبار السن والمرضى المعتقلين داخل السجون، مشيرة إلى الظروف غير الإنسانية التي يعيشونها.

وقالت "واتسون"، في كلمة مصورة:"إنني أتحدث إليكم اليوم لأوجه نداءً عاجلا للسلطات المصرية، نداءً عاجلا لكل مَن له تأثير على السلطات المصرية للتحرك لإطلاق سراح السجناء المرضى والمسنين من المعتقلات المصرية".

وأضافت: "في الحقيقة، لا يوجد سبب أمني جاد لتبرير استمرار احتجازهم؛ فنحن نعلم أن هناك أكثر من 7000 معتقل تزيد أعمارهم على 60 عاما، وكثير منهم سجناء سياسيون، ونعلم أن هناك ما لا يقل عن 1500 معتقل مريض، واللفتة الإنسانية المطلوبة في هذا الوقت هو تحرك مصر لإطلاق سراحهم".

وأكدت المديرة التنفيذية لمنظمة "الديمقراطية في العالم العربي الآن" أنه "يقع على عاتق الحكومة المصرية واجب والتزام بتوفير صحة وراحة وسلامة وأمن المعتقلين المحتجزين لديها، ومن الواضح أنها لم تكن قادرة على توفير هذا الأمن والأمان من أجل رعاية المحتجزين وراحتهم".

وتابعت: "نعلم أنه في العام 2020 توفي 73 معتقلا، كثير منهم بسبب نقص الرعاية الطبية"، مضيفة: "هناك وضع صعب يواجهه المعتقلون نتيجة عدم كفاية الطعام، فضلا عن نقص الرعاية الطبية، والظروف الصحية غير الملائمة"

وأشارت إلى أن "المعتقلين محرومون من الضوء، ومحرومون من التمارين الرياضية، وأيضا محرومون من الحرارة والكهرباء والمواد الأساسية للمعيشة الإنسانية".

واختتمت "واتسون" بقولها: "في هذه اللحظة، كبادرة حسن نية، كبادرة إنسانية، نحث الحكومة المصرية على التحرك الفوري للإفراج عن المعتقلين المسنين والمرضى والعجزة"."5"

حملات مستمرة

وأطلق نشطاء وحقوقيون حملات مستمرة لإطلاق سراح المعتقلين بالسجون المصرية، منها حملة باطل المعارضة المصرية، التي قادت حملة "إفراج" للمطالبة بالإفراج عن كبار السن والمرضى المعتقلين في سجون السيسي، مشدّدة على ضرورة التكاتف والعمل المشترك بين المنظمات الحقوقية، والسياسيين والنشطاء، ووسائل الإعلام المختلفة، دعما لهذه القضية.

ودعت "باطل" كل السياسيين والحقوقيين والنشطاء والإعلاميين والمشاهير إلى التوحد والعمل المشترك دعما لكبار السن والمرضى بالسجون، قائلة: "أما جاء الوقت لتتفقوا على هذه القضية النبيلة؟ ليكن الصوت فيها واحدا، يدافع الليبرالي عن حق الإسلامي في الحياة، ويدافع الإسلامي عن حق العلماني في الحصول على العدل".

وأعلنت شخصيات ورموز مصرية معارضة بالخارج تضامنها مع حملة "إفراج"، مستنكرين ممارسات نظام السيسي مع المعتقلين من كبار السن والمرضى.

واصبح السؤال الملح على كل أحرار العالم: ماذا يستفيد النظام المصري من حبس سيدة تجاوز عمرها 60 سنة لخصومة سياسية معها أو مع أحد أفراد أسرتها؟ وماذا يشكل شيخ تعدى الـ70 أو الـ80 من عمره من خطورة عليه؟

وهذه التساؤلات طرحتها حملة "باطل"، وقالت الحملة في بيان نشر عبر صفحتها بموقع فيسبوك: "على مدار الاعوام الماضية يوجد آلاف من المنسيين لا يتحدث عنهم أحد في سجون السيسي، وكأنه أصبح من الطبيعي أن يمكثوا في السجون حتى الموت، بل بالفعل مات الكثيرون داخل السجن لغياب الرعاية الصحية وظروف الحبس غير الإنسانية".

من جانبه، قال المتحدث باسم حملة "باطل" أحمد ناجي للجزيرة نت إن نسبة كبار السن والمرضى داخل السجون المصرية تتراوح -بحسب حصر تقريبي- بين 7 و9% من إجمالي المعتقلين في سجون مصر والذي يبلغ عددهم أكثر من 70 ألفا بين مسجون ومحبوس احتياطيا ومختفٍ قسريا.

وأشار إلى أنه بناء على الحصر الذي قامت به الحملة فإن 90% من كبار السن والمرضى في السجون المصرية هم من الرجال.

وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في تصريحات للجزيرة نت إن أرقام الانتهاكات بحق السجناء قد "تعدت المعقول".

وأوضح بيومي أن نسبة المرضى وحالات كبار السن داخل مقار الاحتجاز المصرية قد تتعدى 10% من أعداد المعتقلين التقريبية.

وكانت منظمات حقوقية ومدنية مصرية أصدرت تقريرا حقوقيا  مؤخرا  تحت عنوان "الإنسانية الغائبة" تناول وضع الفئات الأكثر ضعفا داخل السجون ومراكز الاحتجاز المصرية، والأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا المستجد حينها، وما قد يسببه انتشار الفيروس من انتهاكات مضاعفة في حقهم.

وأشارت المنظمات الحقوقية في تقريرها -من زاوية إنسانية- إلى مجموعة من الفئات داخل السجون ومقار الاحتجاز هي النساء والأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة أو الخطرة، وهم يشكلون الفئات الأكثر ضعفا لكونهم أكثر احتياجا لمعاملة خاصة، في ظل استمرار هذا الوباء وانتشاره وحصده الأرواح دون وجود آلية طبية علاجية تستطيع إيقافه، مع سوء الرعاية الطبية والخدمات الصحية داخل السجون.

من جانبه، قال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إن التقارير الدورية التي ترصد وتوثق جرائم النظام المصري والحملات التي تطلقها المؤسسات-سواء كانت حقوقية أو إعلامية والمطالبات المتكررة بالإفراج عن السجناء- ستظل من أهم وسائل الضغط على النظام وكشفه أمام داعميه ومؤيديه لكشف الوجه الحقيقي له.

وحث بيومي جميع المؤسسات الحقوقية والإعلامية على التعاون مع الحملات المطالبة بالإفراج عن السجناء أو بالتخفيف عنهم.

وأضاف أن حملة "أنقذوهم" -التي أطلقتها مؤسسات حقوقية عدة، من بينها مركز الشهاب ومؤسسة عدالة ومؤسسة السلام- طالبت بالإفراج الفوري عن كبار السن والمرضى بكافة الضمانات التي حددها القانون، فضلا عن إصدار تقارير خاصة بالحالات المستضعفة داخل السجون.

وبشأن استجابة النظام المصري لتلك الحملات ومدى تأثيرها، قال بيومي إن "النظام المصري يعتمد على داعميه الإقليميين والدوليين للاستمرار في البقاء، لذلك نتوجه لهم دائما بكافة ما نصدره من تقارير توضح أن أموال الدعم المقدمة للنظام تصرف في قمع الشعب المصري".

وشدد في ختام حديثه على مخاطبة المؤسسات الحقوقية الدولية للحكومات والأنظمة والشعوب الحرة لتوضيح خطورة استمرارها في دعم النظام المصري."6"

وفي عام 2017 طرح الكاتب المحسوب على نظام السيسي حمدي رزق ، فكرة استفتاء الفقهاء القانونيين فى مسألة سن قانون للإفراج عفواً عن السجين إذا بلغ الثمانين من عمره، وتقنين الإفراج عن هؤلاء المعمرين حتى لو كان إفراجاً شرطياً باحترازات أمنية، تطبق على هؤلاء فى بيوتهم أو مصحاتهم أو نزلهم.

وقال أناشد الضمائر الحية الأخذ فى الاعتبار أن للسن أحكاما، وما إن بلغ السجين هذا العمر اقترب كثيراً من أجل محتوم، وإذا كان يحمل وزره فكفاه ذنبه، وإكرام الإنسان فى أخريات العمر عفواً أو إفراجاً مشروطاً مكرمة.

وأضاف ان المسنين  ليس مكانهم السجون، وإذا كانت الإصلاحيات تستقبل الجانحين من صغار السن تهذيباً وإصلاحاً، فإن دور المسنين مؤهلة لاستقبال المعمرين استعداداً لمقابلة وجه كريم، أما السجون فسكنى المجرمين والقتلة والإرهابيين.

وقال: إذا صادف هذا المقترح قلوباً تعطف وعقولاً تعقل، فسنرسم صورة ملونة لهذا الوطن، هذا المقترح القانونى لو قدر له من يقوم على إعداده وعكف عليه قانونيون محترمون فى مجلس النواب، وتبناه الرئيس، سيحسن من جودة الملف الحقوقى المصرى، سيرسمنا متحضرين، سيعيد رسم صورتنا أمام العالم، قانون بألف مما تعدون.

وأضاف : وحتى لا تذهب بكم الظنون أن خلف السطور سطورا مخفية، تخص مساجين الإخوان، ممن بلغوا الثمانين، أتحدث هنا عن قاعدة قانونية عامة ومجردة، وليست مجسدة على سين أو عين أو صاد، قاعدة تتشح برداء حقوق الإنسان، فحسب.

هؤلاء ممن أقصدهم بهذه السطور بلغوا من العمر أرذله، وهن العظم، واشتعل الرأس شيبا، وبقاؤهم فى السجن يحمّلهم ما لا طاقة لهم به، ويكلفنا ما لا نحتمل من مرضهم ووفاتهم فى السجون، يموتون على فرشتهم وبين أهليهم أرحم بهم وأرحم بنا."7"

أسري مسنون

تتعدد النماذج للمعتقلين المسنين  الذين يضهدهم نظام السيسي في السجون المصرية، ويري الكثيرون أنهم أسري يتم استخدامهم كورقة ضغط على القوي المعارضة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.

- ومن هؤلاء  فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين،  79 عاما ، المحبوس انفراديا منذ أغسطس 2013، رغم تدهور وضعه الصحي،  وحكم عليه في 12 قضية ملفقة وصدرت عليه أحكام بالسجن تجاوزت 261 عاما ويقضي محكوميته في سجن ملحق مزرعة طرة، وتمنع سلطات الانقلاب الزيارة عن المرشد العام منذ أكثر من 5 سنوات، كما أنه ممنوع أيضا من دخول الملابس والأغطية والأكل وبعض من الأدوية ."8"

- الدكتور محمود عزت  نائب المرشد والقائم بأعمال المرشد بعد اعتقال د. بديع، وهو من مواليد القاهرة عام 1944،  وكان د. عزت اشتكى من سوء المعاملة والتنكيل المستمر به في زنزانته الفردية واكد امام قاضيه أن حياة أصبحت في خطر، وأنه ممنوع من الزيارة والتريض والأدوية وما يحدث معه تصفية بطيئة له. "9"

- د.محمود غزلان، المتحدث الإعلامي السابق لجماعة الإخوان المسلمين، الذي قارب 75 عاما، يعاني  من إهماله طبيا بسجن العقرب، ثم سجن بدر، ومنعه من الزيارة للعام الخامس على التوالي، وأصبحت حالته الصحية متدهورة مع حرمانه من العلاج والدواء .

وفي عام 2020، أصدرت سلطات الانقلاب قرارًا بإدراج د. محمود غزلان على قوائم الإرهاب، في القضية 2210 لسنة 2014 جنايات العجوزة، ولفقت له اتهامات بتولى قيادة جماعة أسست على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والحقوق العامة، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي."10"

- الدكتور رشاد البيومي (87 عاما) نائب المرشد العام للجماعة، الذي أصبحت حياته في خطر، وفي مطلع مارس/آذار 2021، وجهت مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان" ومركز "الشهاب لحقوق الإنسان" (مصريتان) نداء عاجلا إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة لإنقاذ حياته .

وطالبت المنظمتان، على وجه التحديد، بتحقيق عادل وشفاف حول حالة محمد رشاد البيومي، وما يتعرض له من إهمال طبي مُتعمَّد، قامت على إثره السلطات المصرية بتحويله إلى أحد المستشفيات الحكومية، نتيجة تفاقم حالته."11"

- الدكتور مصطفى الغنيمي عضو مكتب الارشاد بجماعة الإخوان السبعيني يعاني من امراض مزمنة تطورت بشدة في ظل أهماله صحيا،  واكدت زوجته انه  يواجه "خطر الموت" خاصة بعد نقله من العقرب لسجن بدر. "12"  

- د. عبد الرحمن عبد الحميد أحمد البر، من مواليد   14 يونيو/حزيران 1963، في قرية سنبخت مركز أجا بمحافظة الدقهلية، وعضو مكتب الأرشاد ، جرت مطاردته لمدة عام وعشرة أشهر، فصل خلالها من عمله الأكاديمي،  وفي 31 مايو/ أيار 2016، تحدث الدكتور عبد الرحمن البر أمام المحكمة في لقاء تم تصويره، وانتشر في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، قائلا لهيئة المحكمة: إن "ضابط الأمن الوطني قال لي: نحن أصدرنا حكما بإعدامك" وهو ماحدث بالفعل . "13"

- المحامية الحقوقية هدى عبد المنعم، البالغة من العمر 62 عاماً، لم تراعي "الداخلية" ظروف مرضها، وتقدّمها في السن، ويستمر التنكيل بها في السجون، و دعت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، السلطات المصرية  إلى الإفراج الفوري عنها، لكن  إدارة سجن النساء بالقناطر مستمرة في منع أي زيارات عنها، أو اتصالها بأسرتها، منذ اعتقالها في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2018."14"

- وممن يتم التنكيل بهن من المسنات بالسجون  "أم المُعتقلات" و"أم الأحرار"، سامية شنن (65 عامًا) أول مصرية من معارضي الانقلاب، يصدر بحقها حكم بالإعدام من ضمن 188 متهمًا، قبل نقضه وتخفيفه إلى السجن المؤبد، ووجهت إليها تهمة المشاركة في قتل وسحل عدد من ضباط الشرطة في الهزلية المعروفة إعلاميا بـ"قضية كرداسة" ولا يزال يتم التنكيل بها حتي الان ."15"

المصادر :

  1.   سعيد عبد الرحيم ، " مسنّون في معتقلات مصر" ،  العربي الجديد ، 1 أكتوبر 2016 https://bit.ly/3FlH7Dd
  2. " مسنون في سجون مصر يعانون من تدهور صحتهم جراء الأمراض المزمنة"   العربي الجديد ، يونيو 2021 ، https://bit.ly/3MVulwP
  3.   "تقرير مصري يرصد مخاطر تعريض السجناء للضوء المستمر: نحو الاكتئاب والانتحار" ،  العربي الجديد ،  18 أكتوبر 2022 ، https://bit.ly/3z5hrXc
  4. " 16 منظمة تطالب مصر بالإفراج عن سجناء مسنين" ، وكالة الأناضول ،  29- 9 – 2020،  https://bit.ly/3MVv7tJ
  5.   " حقوقية دولية تطالب بإطلاق المسنين والمرضى من سجون مصر" ،  العربي الجديد ،   13 يناير 2021 ،  https://bit.ly/3SxFkOk
  6.   أحمد رمضان ، " حملة للمطالبة بالإفراج عن كبار السن والمرضى في السجون المصرية" ،  الجزيرة نت ، 31/12/2020، https://bit.ly/3eR50aP
  7.   حمدي رزق،  "المعمرون فى السجون "، المصري اليوم،   29-07-2017 ، https://bit.ly/3TEvnze
  8.   "تدهور الحالة الصحية لفضيلة المرشد العام ونظام الانقلاب يواصل الانتهاكات بحقه" ، اخوان اون لاين ،  27 فبراير 2022 ، https://bit.ly/3VQQdxy
  9.   " محمود عزت القائم بأعمال جماعة الإخوان من هو؟ ولماذا اعتقلته السلطات المصرية؟"   " بي بي سي"،  28 أغسطس 2020،  https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53945821
  10.   "د. محمود غزلان.. التنكيل والإهمال الطبي بالعقرب عقوبة الصامدين على السلمية" ، موقع اخوان اون لاين ، https://bit.ly/3sjcnuA
  11. " رشاد البيومي.. أكاديمي مصري سجنه عبدالناصر ويقتله السيسي بالإهمال"  ،  الاستقلال ، 09 -03/  2021 ، https://www.alestiklal.net/ar/view/7711/dep-news-1615042413
  12.   محمد يوسف ،  " أسرة الدكتور الغنيمي تحذر من تدهور حالته الصحية" ،   اخوان اون لاين ،   6 أبريل 2019 ، https://bit.ly/3VT031V
  13. " عبد الرحمن البر.. عالم الحديث الذي رفض انقلاب السيسي فعاقبه بالإعدام" ، الاستقلال ، 25-  06- 2022 ، https://www.alestiklal.net/ar/view/9060/dep-news-1624388672
  14.   "العفو الدولية تدعو إلى الإفراج عن المحامية المصرية هدى عبد المنعم"  ، العربي الجديد ،   27 اغسطس 2020،  https://bit.ly/3MRazCJ،
  15.   هدى عبده ،  "ا م الأحرار" سامية شنن.. أقدم معتقلة بسجون الانقلاب" ، وكيبديا اخوان" ،   2 يناير 2020 ، https://bit.ly/3TMFli3