موجة تضخمية قوية تضرب اقتصاد مصر وارتفاع هستيري في الأسعار

الأربعاء - 27 أكتوبر 2021

في ظل السياسات الاقتصادية الفاشلة، وتحميل المواطنين فاتورة هذا الفشل ، رجّح خبراء اقتصاد تعرض مصر لموجة تضخمية قوية، ستؤثر على موازنتها العامة، جراء ارتفاع أسعار الغذاء، والطاقة، والمواد الأولية حول العالم، وترتب على ذلك ارتفاع هستيري في كل السلع الأساسية واللحوم والدواجن ، كما شهدت الأسواق ارتفاع أسعار الأسمدة الذي يهدد بمزيد من ارتفاع أسعارالخضروات ، كما أن أسعار الحديد بلغت مستوى غير مسبوق .. ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.

 

أكد خبراء اقتصاد تعرض مصر لموجة تضخمية قوية، جراء ارتفاع أسعار الغذاء، والطاقة، والمواد الأولية حول العالم.. مشيرين إلى أن هذا التأثير سيظهر فى ارتفاع عجز الموازنة، ورفع تكاليف الاقتراض من الأسواق العالمية، كما سيسبب ارتفاعات جديدة فى التضخم..

وتعد مصر الأعلى سكانيا فى المنطقة العربية، أكبر مستورد للقمح عالميا، الذي ارتفعت أسعاره بقوة نتيجة الطقس السيء الذي ضرب المحاصيل فى أمريكا الشمالية، وروسيا، ما تسبب في زيادة أسعار القمح بنسبة 41% على أساس سنوي.

وسجلت أسعار خام برنت صعودا قويا بنسبة 64% من مستويات 51.7 دولارات للبرميل، إلى 84.9 دولارات للبرميل، فيما تعتمد موازنة العام الحالي سعر برميل النفط عند 60 دولارا للطن

وقال الرئيس التنفيذي، والعضو المنتدب لشركة "إن آى كابيتال" (الذراع الاستثمارية لبنك الاستثمار القومي) "محمد متولي"،  إن هذه الموجة التضخمية ستكون لفترة مؤقتة فى ظل إغلاق عدد كبير من المصانع بسبب تداعيات فيروس كورونا، متوقعا عودة التوازن بين جانبي العرض والطلب خلال عامين.

وأكدت - محلل أول الاقتصاد الكلي فى بنك استثمار "سى آى كابيتال" - "سارة سعادة"، أن ارتفاعات أسعار السلع، والطاقة عالميا ستمتد تأثيراتها للمستهدفات الموضوعة بالموازنة.

وأشارت "سارة" إلى قرار وزارة التموين المصرية بإلغاء 3 مناقصات لاستيراد القمح 3 مرات متتالية نتيجة زيادة الأسعار عالميا

وأضافت لصحيفة "المال" أن قرار الحكومة المُعلن مؤخرا بترشيد برنامج الإنفاق العام، يؤكد أن الموازنة متأثرة فى بعض قطاعاتها

وتابعت: "ستؤدى الارتفاعات العالمية للأسعار إلى التأثير على المستهدفات الموضوعة لعجز الموازنة لترتفع هامشيا إلى 7%، مقارنة مع 6.7% الموضوعة بموازنة العام المالي الجاري"

واستعرضت "منى بدير" محلل الاقتصاد الكلي فى إدارة بحوث بنك استثمار "برايم"، تأثر العالم  بتحديات منها التحول عن الطاقة التقليدية، واضطرابات المناخ، والتوترات في أسواق مثل الغاز الطبيعي، وتأخر حركة الشحن عالميا، ما يؤكد أن مصر تواجه أزمة عرض تسببت فيها تداعيات فيروس "كورونا"، وتأثيرات عوامل أخرى كانت فى هيكل الاقتصاد العالمي.

وأضافت أن الأزمة تكمن فى اعتماد مصر على الاستيراد، خاصة مدخلات الإنتاج، مما سيؤثرعلى تنافسية صادراتها، وارتفاع تكلفة الواردات بسبب ارتفاع سعر استيراد السلع الأساسية، الأمر الذي يعني وجود تأثيرات لارتفاعات الأسعار عالميا على الاقتصاد المحلي

وأشارت إلى أن ارتفاع معدلات التضخم خاصة فى الدول المتقدمة سيفرض زيادات جديدة لأسعار الفائدة مما سيخلف ضغوطا جديدة على قدرة الدول الناشئة ومنها مصر على الاقتراض الخارجي.

ويرى رئيس بحوث إدارة الأصول فى شركة "مصر كابيتال"، "أحمد عادل"، أن التحركات التى تشهدها أسعار الغذاء والطاقة عالميا، سترفع عجز الميزان التجاري نتيجة زيادة أسعار الواردات البترولية، وغير البترولية.

وأضاف أن مصر تستطيع تأمين تمويلات من خلال طروحات أدوات الدين فى الأسواق العالمية، مشيرا إلى احتمالية ارتفاع تكلفة الطروحات إلى حد ما، لكن المدى الزمني لا يمكن توقعه.

ارتفاعات قياسية لأسعار السكر

وفي ظل ارتفاع التضخم، قفزت أسعار السلع الرئيسية بشكل هستيري على مدار الساعات القليلة الماضية، ووصلت أسعار السكر في مصر إلى مستويات قياسية، الأمر الذي أرجعه تجار إلى نقص المعروض في الأسواق، بينما زعمت الحكومة إن لديها احتياطيا استراتيجيا من هذه السلعة يمتد إلى أربعة أشهر مقبلة

وتخطى سعر طن السكر في أسواق الجملة 10600 جنيه (675 دولاراً)، مقابل 7500 جنيه خلال النصف الأول من 2021، بينما توقع تجار مواصلة ارتفاع الأسعار في الفترة المقبلة.

وقال أحد كبار تجار السكر، طلب عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع الأسعار يرجع إلى العديد من الأسباب، منها نقص المعروض في السوق المحلية، نتيجة أن المصانع الحكومية التي تستحوذ على 60% من الإنتاج لا تعمل بكامل طاقتها لعدم توفر المادة الخام، سواء من البنجر أو قصب السكر، بعد تراجع الفلاحين عن زراعتهما، لثبات سعر التوريد منذ أكثر من 3 سنوات مع ارتفاع تكاليف الزراعة

وأضاف أن هناك أيضا عجزا في كميات السكر المستورد، نظراً لارتفاع الأسعار العالمية، بسبب أزمة سلاسل التوريد التي رفعت تكاليف الشحن، حيث يصل الطن إلى مصر بنحو 11500 جنيه (733 دولارا)، متوقعا وصول سعر الطن إلى 15 ألف جنيه مع نهاية العام الحالي.

في المقابل، قال عبد المنعم خليل، رئيس قطاع التجارة الداخلية في وزارة التموين المصرية ، إن بلاده لديها احتياطي استراتيجي من السكر يكفي حتى شهر يناير/كانون الثاني أو حتى فبراير/شباط 2022.

أسعار القمح العالمية تصعد لأعلى مستوى في 13 عاماً

كما قفزت أسعار القمح في السوق العالمية إلى مستويات قياسية، بفعل ارتفاع الطلب على السلع الأساسية وأزمة سلاسل التوريد، فضلاً عن تصاعد أسعار الطاقة التي أضحت تؤثر بتكاليف الحصاد والنقل في مختلف بقاع الأرض، الأمر الذي يضع الدول المستوردة للقمح وغالبيتها من البلدان العربية، ولا سيما مصر والجزائر، في مأزق يتعلق بإبرام صفقات وفواتير الشراء.

وسجلت أسعار القمح في بورصة "يورونكست" مكاسب جديدة، اليوم الأربعاء، لتصل إلى أعلى مستوياتها في 13 عاماً، بفعل مخاوف تتعلق بنقص محتمل في الإمدادات العالمية، خاصة من أميركا الشمالية.

جنون الزيادة يلاحق البروتين

كما شهدت الأسواق المصرية أيضا ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار اللحوم والدواجن والبيض، مع بداية تعاملات الأسبوع الجاري.

وترجع الحكومة هذه الزيادة إلى ارتفاع أسعار الأعلاف، نتيجة الارتفاع في مدخلات الإنتاج عالمياً، واستيراد البلاد نحو 80% من الذرة وفول الصويا المستخدمة في علف الدواجن والحيوانات، لا سيما من دول الولايات المتحدة والبرازيل وأوكرانيا

ورصد  موقع مصراوي المحسوب علي الاجهزة السيادية بمصر ،  ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في أسواق العاصمة القاهرة إلى ما بين 150 و170 جنيهاً للكيلو، بدلاً من 130 جنيهاً، والدواجن البيضاء إلى 38 جنيهاً للكيلو بدلاً من 31، والدواجن البلدي إلى 47 جنيهاً للكيلو بدلاً من 37 جنيه

في حين قفز سعر عبوة البيض البلدي (30 بيضة) إلى ما بين 65 و70 جنيهاً، وعبوة البيض الأبيض إلى ما بين 52 و60 جنيهاً، والتي كان سعرها لا يتجاوز 42 جنيهاً قبل نحو شهر واحد.قفزت أسعار البيض والدواجن واللحوم الحمراء في الأسواق خلال الفترة الماضية، مع زيادة تكلفة الإنتاج وزيادة الطلب.

وقفز سعر كيلو الدواجن الحية بالأسواق إلى 39 جنيها، وسجل سعر طبق البيض نحو 60 جنيها في بعض المناطق

وارتفاع جنوني في أسعار الأسمدة والفلاحون يهددون بتبوير الأراضي الزراعية

 كما ارتفعت أسعار الأسمدة الزراعية ، مما جدد مخاوف الفلاحين من "خراب البيوت" وقالوا إنهم "سيضطرون إلى تبوير الأراضي وعدم زراعتها، لأنهم لا يستطيعون تحمل الخسائر، وإن بعض المزارعين عليهم مديونيات لصالح البنوك وإذا لم يتمكنوا من السداد فسوف يكون مصيرهم السجن".

في المقابل تتجاهل حكومة الانقلاب شكاوى المزارعين كما تتجاهل الفساد في الجميعات الزراعية، التي تبيع السماد المدعم في السوق السوداء وترفض منح الفلاحين حقوقهم

كما أن مصانع الأسمدة تفضل التصدير والبيع في السوق الحر على تقديم الحصص المطلوبة منها للجمعيات الزراعية.

من جانبها أعربت النقابة العامة للفلاحين الزراعيين عن استيائها من تجدد أزمة السماد مشيرة إلى تلقيها شكاوى من المزارعين من نقص السماد المُدعَّم، وارتفاع الأسعار بالسوق الحرة، مما يكبدهم خسائر مالية كبيرة.

وقال محمد عبدالستار نقيب الفلاحين الزراعيين إن  "موجات ارتفاع أسعار الأسمدة سوف تتسبب في خراب بيوت كثير من الفلاحين، لافتا إلى أن اختفاء الأسمدة من الجمعيات الزراعية وارتفاع الأسعار بالسوق السوداء وضع الفلاح في مشكلة كبيرة، لأن معظم الفلاحين يعتمدون اعتمادا كاملا على الأرض الزراعية لتلبية احتياجات أسرهم".

وأضاف ، في حالة شراء الفلاح السماد من السوق السوداء، فإنه سوف يدفع ضعف ثمن الأسمدة المدعمة، وبالتالي ترتفع تكلفة إنتاج المحصول، ويقل هامش الربح وفي حال انتظاره السماد المدعم، وعدم الالتزام بموعد التسميد، سوف تقل إنتاجية المحصول، وقد يلجأ المزارع لتقليل كمية السماد المطلوبة للمحصول، ليقلل التكلفة وفي هذه الحالة سوف تتأثر الإنتاجية سلبا.

وقال حسين عبدالرحمن أبوصدام نقيب الفلاحين إن "أسعار الأسمدة ارتفعت بشكل جنوني في السوق الحر، لافتا إلى أن سعر شيكارة اليوريا تجاوزت الـ400 جنيه لأول مرة، وأشار الى أن من أسباب ارتفاع أسعار الأسمدة قلة المعروض وزيادة الطلب عليها بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة عالميا وعدم وصول حصة الأسمدة المدعمة إلى أصحاب الحيازات كاملة، وتأخرها عن مواعيد التسميد  بالإضافة إلى زيادة مساحات زراعة الخضروات في الأراضي الزراعية الجديدة، فضلا عن استغلال التجار لحاجة الفلاحين للأسمدة مع زيادة تكلفة نقل الاسمدة للمناطق البعيدة عن أماكن الإنتاج والتوزيع.

ارتفاعات قياسية في أسعار الحديد

وفي سياق متصل ، سجلت أسعار حديد التسليح في مصر ارتفاعات قياسية غير مسبوقة، خلال الأيام القليلة الماضية، إذ وصل سعر البيع للمستهلك إلى 15.6 ألف جنيه للطن (حوالي 1000 دولار)، بزيادة 1000 جنيه عن الشهر الماضي، بزيادة بنسبة 52 في المائة عن أسعار أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، إذ سجل سعر الطن وقتها 9550 جنيهًا.

وأرجع مصدر مسؤول باتحاد الصناعات المصرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أسباب الارتفاع إلى زيادة أسعار الخامات عالميًا وكذلك أسعار الوقود.

وحول حدوث قفزة في صادرات الحديد المصري، أكد مسؤول بغرفة الصناعات المعدنية، رفض ذكر اسمه، أن شركة حديد عز أصبحت هي الشركة الوحيدة التى تصدر مسطحات الصلب بنسبة 100 في المائة، وذلك بعد غلق شركة الحديد والصلب المصرية، كما أنها تستحوذ على 99 في المائة من صادرات المنتجات الأخرى من الحديد، بالإضافة إلى أكثر من 40 في المائة من الإنتاج المحلي لحديد التسليح.

وأفصحت شركة "حديد عز"، أخيراً، في بيان للبورصة المصرية، عن ارتفاع قيمة صادراتها إلى 1.013 مليار دولار خلال أول 9 أشهر من 2021

وكانت بيانات المجلس التصديري للحراريات والصناعات المعدنية قد أظهرت ارتفاع صادرات الحديد خلال الأشهر التسعة الأولى من 2021، مسجلة 1.097 مليار دولار، مقابل 369 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، 2020، بنسبة 197 في المائة.

خبراء : مصر أمام مشكلة حقيقية  

وفي سياق متصل ، قال الباحث الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي، رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، أن مصر أمام مشكلة حقيقية، لأن معظم هذه الاقتصادية ريعية، ولا تمتلك ناتجا محليا قويا يمكنها من سداد أعباء ديونها، والتخلص من التضخم ، كما تغيب عنها الرقابة بكافة صورها لإدارة الدين العام".

واهتم "الصاوي" بتقرير البنك الدولي الثاني، والذي صدر في أكتوبر الجاري، فيتناول تطور الديون الخارجية بالدول منخفضة ومتوسطة الدخل، ويشير إلى أن الدين الخارجي للدول منخفضة الدخل ارتفع بنسبة 12% عام 2020، وارتفع إجمالي ديون هذه الدول إلى 860 مليار دولار نفس العام

وأضاف أن "التقرير لا يتضمن إحصاءات ديون دول الخليج، باعتبار أنها مرتفعة الدخل، ووفق تصنيف البنك الدولي، فإن الدول منخفضة الدخل هي التي لا يزيد فيها دخل الفرد السنوي على 1036 دولارا، والدول متوسطة الدخل تضم شريحتين، الأولى الدنيا التي يكون فيها دخل الفرد السنوي ما بين 1037- 4046 دولارا، والشريحة العليا من الدول متوسطة الدخل يتراوح فيها دخل الفرد ما بين 4046 و12535 دولارا، بينما الدول مرتفعة الدخل هي التي يزيد فيها الدخل السنوي للفرد على 12535 دولارا"