من يقف وراء تصاعد الجرائم الأسرية والانحراف المجتمعي بمصر ؟

الخميس - 2 يونيو 2022

 ذبح أم لأبنائها الثلاثة بقرية في الدقهلية وذبح 5 أشخاص من عائلة واحدة بالريف الأوروبي

بيانات رسمية أكدت أن معدل جرائم القتل الأسرية زاد خلال العام الجاري 20% مقارنة بالعام الماضي  

"بوابة الأهرام" الحكومية رصدت 322 جريمة قتل معضمها أسرية بالقاهرة الكبرى خلال 2021     

البيانات الرسمية أكدت أن شهر أغسطس 2021  شهد 28 جريمة أسرية   

 عام 2020  شهد وقوع 338 جريمة بالقاهرة الكبرى معظمها جرائم اجتماعية

دراسة لجامعة عين شمس أكدت أن جرائم القتل الأسري فى مصر تُشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل

ودراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية أكدت أن نسبة 92% من الجرائم لسوء الأحوال الاقتصادية والخلافات الزوجية    

جرائم القتل العمد ارتفعت بنسبة 130% والسرقة بالإكراه زادت 350% بينما ارتفعت سرقة السيارات إلى 500% 

 

من يقف وراء تصاعد الجرائم الأسرية والانحراف المجتمعي بمصر ؟ أصبح سؤال يطرح نفسه بقوة بعد تصاعد الجرائم الاجتماعية والأسرية في ظل حكم  النظام العسكري، والتي شهدت ارتفاعا كبيرا في نسبها على مدار السنوات السبع الماضية، وفق البيانات الرسمية ، جرائم القتل الأسرية المخالفة لطبيعة المجتمع المصري الطيب والمتدين بطبعه تتوالى .. ولعل ذبح أم لأبنائها الثلاثة بقرية في الدقهلية وانتحارها و ذبح 5 أشخاص من عائلة واحدة “بينهم طفلين” بالريف الاوروبي مؤخرا  يعد مؤشرا خطيرا لخلل مجتمعي تشهده مصر، ومن خلال سطورهذا التقرير نفتح هذا الملف .

شهدت وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية جدلا واسعا حول حادثة ذبح امرأة لأطفالها الثلاثة المروعة، في قرية "ميت تمامة " التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية ، بعد أن أقدمت الأم على الانتحار، وتركت رسالة مؤثرة لزوجها أبلغته فيها أنها “أرسلت أولاده إلى الجنة”، وكشفت التحقيقات أن المرأة تُدعى حنان (30 عامًا) حاصلة على بكالوريوس تربية قسم لغة عربية، متزوجة من محمد (33 عامًا) يعمل في السعودية.

وأشارت التحريات إلى أن المرأة كانت تمر بحالة نفسية سيئة على إثر خلافات عائلية مع زوجها، مما دفعها إلى ذبح أطفالها الثلاثة، أحمد (10 سنوات) وأنس (5 سنوات) وسمية (3 أشهر) بسكين حاد، ثم محاولة الانتحار، وفي مشهد مؤثر، أثنى والد الأطفال الثلاثة الذين قُتلوا على يد والدتهم في محافظة الدقهلية بمصر على زوجته خلال تشييع الجنازة، داعيًا لها بالشفاء والعافية.

وقال الأب عبر مكبر الصوت قبل أن يؤم المشيعين في صلاة الجنازة “اللهم ارحم أولادي، واجعلهم فرطًا لنا إلى الجنة، ولا يجزعن أحد بمصابنا فإنا راضون بقضاء الله وقدره، وندعوه أن يرضى عنا، وأن يرحم أحمد وأنس وسمية”.

ودعا الزوج المكلوم لزوجته مثنيًا عليها، قائلًا “أدعو الله أن يشفي أمهم ويعافيها وأن يجعل ما فيها من بلاء في ميزان حسناتها، فوالله ما علمت عنها إلا خيرًا، وما علمت أحد أحرص على أولادي منها على أولادها”.

وختم الزوج بالقول “قدّر الله وما شاء فعل، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، اللهم اغفر لهم وارحمهم”.

ذبح 5 أشخاص من عائلة واحدة “بينهم طفلين”

وفي سياق متصل، لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة، مصرعهم ذبحاً، داخل مزرعة فواكه فى الريف الأوروبي بمنطقة الشيخ زايد.

البداية كانت ببلاغ من بالعثورعلى جثث رجل وأشقائه وطفلين مذبوحين داخل مزرعة يعمل بها، وانتقل إلى هناك رجال المباحث، كما وصل مدير أمن الجيزة لفحص مسرح الجريمة.

وبينت التحريات الأولية، أن أسرة مكونة من غفير مزرعة، واثنين منهم أبنائه، (24 سنة و 17 سنة) ، واثنين من أحفاده يبلغ عمر أحدهم 8 سنوات والآخر 6 سنوات.

وأكد أحد شهود العيان، الذي يعمل بمزرعة ملاصقة للمزرعة التي عثر فيها على الجثث الـ5، أن آخر مرة شاهد فيها الغفير المجني عليه كانت مساء الثلاثاء الماضي، حتى علم اليوم بخبر مقتله.

322 جريمة قتل بالقاهرة الكبرى خلال 2021   

من جانبها رصدت "بوابة الأهرام" الحكومية، الخريطة المأساوية لجرائم القتل، التي وقعت في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية)، التي أعلنتها الأجهزة الأمنية، على مدار عام 2021.

ووصل عدد الجرائم في المحافظات الثلاث خلال العام، إلى 322 جريمة قتل، حيث تقدمت الجيزة بـ157 جريمة بنسبة 48.75% من إجمالي الجرائم، ووقع بالقليوبية 86 جريمة بنسبة 26.70%، وأخيرًا شهدت القاهرة 79 جريمة بنسبة 24.53%.

وبلغ إجمالي عدد المتهمين 449 متهمًا، من بينهم طفلان و52 سيدة، تلوثت أياديهم بدماء الضحايا الذين بلغ عددهم 338 قتيلًا من بينهم 82 سيدة بنسبة 24.26% و38 طفلًا بنسبة 11.24%. ليصل مجموع الضحايا من السيدات والأطفال إلى 120 ضحية بنسبة 35.50%

عام 2020  شهد  أيضا وقوع 338 جريمة ارتكبها 489 متهمًا، من بينهم طفلتان و55 سيدة، تلوثت أياديهم بدماء الضحايا الذين بلغ عددهم 356 قتيلًا من بينهم 76 سيدة و36 طفلًا، ليصل مجموع الضحايا من السيدات والأطفال خلال 2020 إلى 112 ضحية.

وجاء ترتيب الأسباب كالآتي: خلافات أسرية وزوجية وعائلية (105 جرائم بنسبة 32.60%)، مشادات كلامية ومشاجرات بالأيدي والأسلحة المختلفة (71 جريمة بنسبة 22%)، خلافات مالية (36 جريمة بنسبة 11.18%)، السرقة (31 جريمة بنسبة 9.62%)، خلافات الجيرة (17 جريمة بنسبة 5.27%)

وتكرر دافعان للجرائم بشكل شهري، هما: الخلافات الأسرية والزوجية والعائلية، المشادات الكلامية والمشاجرات بالأيدي والأسلحة المختلفة.

إحصائيات مخيفة فى نسبة الجرائم العائلية

وقد أصبحت جرائم القتل داخل الأسرة تهدد المجتمع المصري المعروف بتماسكه وترابطه، وتحولت البيوت إلى ساحات عنف وغضب وإراقة للدماء، تعددت أشكالها ما بين قتل أحد الزوجين للآخر، أو أحد الأبناء أو جميعهم، أو أحد الوالدين، كما اختلفت الأسباب الدافعة لها، إلا أن العمل المشترك بينها صدمة الشارع المصري خاصة عندما تكشف الأجهزة الأمنية عن هوية الجاني، وكانت أبشعها تلك المعروفة إعلاميًا بـ«مذبحة أولاد حمزة» بمركز العسيرات جنوبي محافظة سوهاج، والتي تمثلت في قيام شاب عشريني بقتل والده ووالدته وشقيقته وطفليها، خلال العام الجاري في واقعة تُعد الأغرب في صعيد مصر، على مدار الخمسين عام الأخيرة !

لم تكن «مذبحة أولاد حمزة» الأولى من نوعها في مصر، بل شهدت محافظة المنوفية، «مذبحة أسرية» عندما تجرد خلالها سباك من مشاعر الرحمة والإخوة، وانهال وزوجته، على شقيقيه وزوجة أحدهما بسكين، وقطعا جسدهم، ما أسفر عن مقتل الزوجة وإصابة الاثنين الآخرين بإصابات بالغة، وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المتهمين.

أيضا «مذبحة حدائق الأهرام»، بالجيزة، حيث أقدم شاب على قتل والدته وشقيقه طعنا بالسكين حتى الموت، وشرع في قتل زوج شقيقته، إلا أنه تم نقله للمستشفى وهو في حالة حرجة بين الحياة والموت.

«مذبحة مدينة سخا» : وفى مدينة سخا بكفر الشيخ، تخلص طبيب بشرى، من أسرته المكونة من زوجة و3 أطفال، بعد ذبحهم، وحاول الهرب من الجريمة، إلا أن أجهزة الأمن نجحت فى وقت قصير أن تكشف غموض الحادث وتوصلت لقيامه بتنفيذ الجريمة البشعة.

وتشير الإحصائيات والتقارير إلى ارتفاع مخيف فى نسبة الجرائم فى النطاق العائلي، فوفقا لآخر تصنيف لقاعدة البيانات العالمية «نامبيو»، الخاص بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة بها، جاءت مصر فى المرتبة الثالثة عربيا، والـ24 عالميًا.

وكشفت دراسات أخرى بجامعة عين شمس عن أن جرائم القتل الأسري فى مصر تُشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل وهو معدل ضخم للغاية، وفى دراسة سابقة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أكدت أن نسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات، فضلًا عن أن العامل الاقتصادية من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي، لما أحدثه من مشكلات اجتماعية خطيرة.

ارتفاع معدل الجريمة الأسرية في مصر بنسبة 20%

وكشف المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية فى مصر، أن جرائم القتل الأسري فى مصر تشكل من ربع إلى ثلث إجمالي جرائم القتل، ونسبة 92% من هذه الجرائم تتم بدافع العرض والشرف نتيجة الشك وسوء الظن والشائعات .

وارتفع معدل جرائم القتل الأسرية بما يقرب من 20% مقارنة بالعام الماضي حسب تقديرات رسمية، وحرصت الجرائد المصرية على إبرازها من خلال صفحات الحوادث وألقت الضوء عليها برامج التوك شو والمواقع الإلكترونية، وتلخص المشهد فى الشخص الجاني وهم الآباء والأمهات بينما كان الضحية أطفالهم الصغار .

28 جريمة قتل خلال شهر بسبب  العنف الأسري

وقد شهد شهر أغسطس 2021 ، بحسب الإحصائيات الرسمية ،28 جريمة أسرية،  بين قتل أزواج بعضهما البعض أو قتل أشقاء لأشقائهم وآباء لأبنائهم والعكس، وما بين مشاهد الدماء داخل نطاق الأسرة الواحدة، والتى كانت غريبة على الحياة فى مصر.

ويشهد الشارع المصري بشكل يومي انتشارًا كبيرًا في الجرائم والانتحار من قبل المواطنين. فوفقًا لتقارير صادرة من الجهات الأمنية في مصر، ارتفعت جرائم القتل العمد بنسبة 130%، والسرقة بالإكراه زادت 350%، بينما ارتفعت سرقة السيارات إلى 500%.&

في هذا الصدد، يرى الخبراء وعلماء النفس أن هناك 6 دوافع رئيسية تؤدي إلى ارتكاب الجرائم الأسرية ومنها البعد عن الدين وضعف الوازع الإيماني والضغوط الاقتصادية الشديدة وكذلك المرض النفسي والمخدرات وكثرة المشاكل الأسرية والفن الرخيص الذي ينشر الرذيلة ويجسد مشاهد القتل والخيانة الزوجية .

من ناحيته، يرى الدكتور على عبد الراضي، استشاري نفسي، أن هناك عددا من التدخلات الحديثة التي طرأت خلال الفترة الأخيرة على سلوك المجتمع المصري أدت لظهور بعض الجرائم العنيفة التي لم تكن موجودة من قبل وإن كانت موجودة فكانت حالات نادرة، فحاليًا تجد أن بسببها عدد الجرائم ارتفع كثير جدًا.

واعتبر أن التكنولوجيا الحديثة غير المقننة أخلاقيًا هي المشكلة الأكبر لأن المجتمع لم يضع معايير أخلاقية لوسائل التواصل الاجتماعي وهو الأمر الذي تنتج عنه مشاكل كبيرة وخطيرة جدًا، فتجد على «التيك تك» من يدخله ويقدم عليه محتوى هزلي به ابتزال ليحصل على «لايكات وشهرة» غير المهرجانات التي يحصل من خلالها الشخص على أموال وشهرة فهذه الأشياء جعلت المعايير المجتمعية للقيم والأخلاق تتناقص، متابعًا: «ضربة وراء ضربة في البناء الأخلاقي والقيم الثقافية والرقي الاجتماعي فيحدث له تآكل وانهيار وتصدع فينتج عنه الكثير من الجرائم الأسرية التي يشهدها المجتمع المصري وتكون عاديا جدًا وأصبحنا نسمع عنها كثير جدًا في مجتمعنا».

وأكد أن انتشار المخدرات، والتفكك الأسري أثر سلبا على الناس، فضلًا عن أن الانفصال بين الزوجين والخلافات بينهما والصراع بينهما في أروقة المحاكم أمام أطفالهما كل هذه أمور تخلق شخصا عندما يرتكب جريمة يظهر شيئًا من الفظاعة والبشاعة في ارتكابها، بجانب تحمل الناس لضغوط اقتصادية واجتماعية عالية جعلت من الشخص عندما يرتكب جريمة يرتكبها بنوع من العنف الزائد والتلذذ بالعنف لأنه يقوم بالقتل ليس لمجرد القتل وخلاص!.. لكنه يقتل ليتلذذ بالقتل.

ولفت إلى انتشار حقبة من أغاني المهرجانات في المجتمع والتي وصفها بوصلات «ردح» وليس غناء منوهًا أن منها من يقول المغني فيها «أنا أحسن منك» و«مش عارف أرصكم»، و«أضربكم بالخزنة»، و«أنا دماغي فيها ألماظ» فتجد كلاماتها تحتوي على «النرجسية الذاتية» على أساس أنه «يقدر يحط عليهم ويضربهم ويبهدلهم ويقطعهم عشان هو واحد جامد وفظيع» مؤكدًا أن هذه الشخصية يجتمع فيها «النرجسية والسيكوباتية» بأنه هو «واد جامد جدا جدا جدا وانتم وحشين خالص خالص خالص»، فكل هذه الأشياء تتسبب للآخرين في «شحب بالعقل» بأن يكون الشخص عندما يرتكب جريمة يريد أن لا يكون «الواد الغلوبة، ويرغب أن يكون الواد الشبح، فيبدأ يضرب، ويقطع»، مشيرًا إلى أن في السابق كان من الممكن أن تكون المشاجرات كلامية أما حاليًا فيكون فيها الضرب بعنف شديد وأصبحت مقاييس النضج عبارة عن «شبحنة» أن يظهر نفسه «الواد الشبح» ويعمل خناقات.

وأضافت أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية لـ«النبأ» أنه لا تعفى من المسئولية المؤسسة الدينية لأن القيم المعنوية الرفيعة والتسامح وضبط النفس ومنع الغضب كل هذه الأمور مهمة؛ فالمؤسسة الدينية دورها في ترسخها داخل وجدان المصريين، لكن الاهتمام بالطقوس والعبادات والشكل هذا في حد ذاته ليس هو الدين وبحقه، لكن الدين له ضمير وروح مختلفة عن الطقوس، فضلًا عن أنه مهم أن تكون هناك مساحة من الإعلام لتظهر تفسيرات وتأويل الأحاديث والآيات القرآنية وبطبيعة المواطن المصري ميال للدين فتقديمه له يعطيه فرصة بدلًا من أن يستقيه من ناس جهلة.

من جانبه، يرى الدكتور أحمد عبدالكريم، أستاذ علم النفس السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، أن الفوضى التي سادت الشارع المصري  30 يونيو سبب أساسي لانتشار الجريمة في مصر، نتيجة لغياب الأمن  

في السياق عينه، قال اللواء نصر موسى، الخبير الأمني، إن "غياب التواجد الأمني  والاهتمام بالأمن السياسي ، أدي الي خلل في الطبيعة الامنية بمصر.