مغازلة الخارج بإجراءات حقوقية شكلية.. هل تنجح في تجميل صورة السيسي؟

السبت - 26 آغسطس 2023

إنسان للدراسات الإعلامية – جهاد يونس

يسعى قائد الانقلاب في مصر، عبدالفتاح السيسي، لنيل مغنمين في آن واحد وهما: رضا المجتمع الدولي عن حقوق الانسان في بلاده، وتصدير  صورة للمصريين بوجود انفراجه حقوقية، خصوصاً قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها نهاية هذا العام.

يقدم قائد الانقلاب قرارات عفو عن سجناء رأي غير محسوبين على التيار الإسلامي بيده اليمنى، وتتوسع اعتقالاته لتطول العشرات بيده اليسرى في الوقت ذاته.

تبدو الإفراجات عن نشطاء يعدون على أصابع اليد الواحدة، بقرارت متباطئة شحيحة -كل عام- كقرابين يدلل بها على حسن نيته في تحسين الملف الحقوقي، و يبرزها إعلامه كإنجازات عظيمة من رجل كريم، وكأنها ليست حقوق منهوبة من أمد بعيد، في حين تطول القبضة الأمنية الباطشة آلاف المصريين في الوقت ذاته!.

سجون سبع نجوم!

تتناول دعاية السيسي، بشكل شبه يومي، أحاديث مطولة عن سجون جديدة أطلق عليها "مراكز إصلاح وتأهيل"، تضم حسب ما يذكره إعلام السيسي مستشفيات وملاعب ودور عبادة من مساجد وكنائس!

وذهب بعض أبواق السيسي مثل أحمد موسى إلى القول بأن "مصر لم يعد فيها شيء يسمى زنازين وإنما هي غرف للنزلاء.. وأنه لم يعد هناك مساجين وإنما نزلاء يقضون مدد العقوبة في جو من الإيجابية"!

وقارن موسى بين السجون الأمريكية والسجون المصرية ورجح كفة السجون المصرية فهي حسب ادعائه "مراكز إصلاح  سبع نجوم"!

يرغب السيسي في تصدير تلك الصورة عن السجون المصرية، رغم الانتهاكات اليومية التي ترصدها المراكز الحقوقية، والتي تؤدي إلى وفاة المعتقلين تارة بالتعذيب وتارة بالإهمال الطبي.

مغازلة المجتمع الدولي

في يوليو/ تموز من العام الجاري، أطلقت السلطات المصرية سراح كل من الباحث باتريك زكي والحقوقي محمد الباقر بعد قرار عبد الفتاح السيسي بالعفو عن سته مدانين في قضايا مختلفة من أحكام قضائية غير قابلة للطعن.

 فأجرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اتصالا هاتفيا بالسيسي يوم الإفراج، بحسب بيان لرئاسة الوزراء، لتشكره على العفو الممنوح لزكي، مشيرة إلى أن ما حدث يعتبر "لفتة ذات أهمية كبيرة نالت تقديرا عاليا في إيطاليا".

ثم أصدر السيسي، السبت 19 أغسطس الحالي قراراً بالعفو عن 30 سجيناً مدانين بأحكام نهائية مختلفة بينهم الناشط أحمد دومة.

العفو، الذي لم يطل تنفيذه سوى أحمد دومة بمجرد نشر القرار بالجريدة الرسمية، قال عنه طارق العوضي، عضو لجنة العفو الرئاسي بمصر :إن "الدولة، ومن خلال قرارات العفو الرئاسي، تريد توجيه رسالة بفتح صفحة جديدة مع كافة أطياف القوى -باستثناء الإخوان-والتيارات المختلفة معها"

وبدوره رحب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال اتصال هاتفي مع نظيره المصري، بإفراج السلطات المصرية عن أحمد دومة وآخرين، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية قائلاً: "إن التقدم في حقوق الإنسان مهم لتعزيز الشراكة مع مصر".

الغرب يعرف حقيقة الأوضاع تماما في مصر لكنه يعتبر إفراجات السيسي "الانتقائية" تقدما في مجال حقوق الإنسان، دون النظر إلى عشرات الآلاف من المعتقلين في قضايا مشابهة وخصوصا الإسلاميين، لكنها "لعبة المصالح".

وفي هذا السياق قرأنا هذا الأسبوع عناوين مثل:

 

رفع التحفظ على الأموال

ارتباطا بما سبق، وجدنا محكمة الأمور المستعجلة في مصر  تقضي، لأول مرة منذ 2013، برفع التحفظ على كل الأموال العقارية والسائلة والمنقولة وأيضًا كل الحسابات المصرفية والودائع والخزائن والأسهم والسندات الخاصة بـ146 شخصًا قيل إنهم من جماعة الإخوان المسلمين، سبق التحفظ عليها بقرارين من “لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين والإرهابيين والكيانات الإرهابية” يحملان رقم 3 و4 لسنة 2018 الصادران من قاضي الأمور الوقتية بمحكمة جنوب القاهرة في 10 سبتمبر و3 ديسمبر 2018.

ويأتي هذا الحكم بعد شهر واحد فقط من حكم آخر صادر عن محكمة الأمور المستعجلة مستأنف، برفع التحفظ عن أموال رجل الأعمال صفوان ثابت.

ومن العناوين التي نشرت في هذا السياق:

 

بعد سنين من النسيان

وفي شهر أغسطس الحالي،  أعلنت وزارة العدل انتهاء التحقيقات في القضية المعروفة إعلاميا باسم "قضية لتمويل الأجنبي" مع 75 منظمة، وأكدت صدور أوامر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، مما يترتب عليه إلغاء أوامر المنع من السفر التي صدرت في وقت سابق.

مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، حسام بهجت، الممنوع من السفر على ذمة القضية منذ 2016، قال لـ«مدى مصر»: إنه لا يعرف لمن توجه وزارة العدل بيانها، موضحًا أن تلك المعلومات ترجع لأكثر من عامين سابقين، ولن تنفذ.

الرأي نفسه أكده مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، جمال عيد، الذي وصف البيان في حديثه لـلموقع بأنه «بيان الولا حاجة»، موضحًا أن الغرض منه مخاطبة الخارج للإيحاء بوجود تحركات على الأرض في ملف منظمات المجتمع المدني على عكس الحقيقة.

وحفلت وسائل الإعلام هذا الأسبوع بعناوين كهذه:

 

الدعم المالي الأمريكي

يسعى السيسي لتحسين صورة حقوق الانسان في مصر؛ للحصول على الدعم المادي من أمريكا خصوصاً بعد ما حثت 23 منظمة حقوقية مصرية وأجنبية، الإدارة الأمريكية، على عدم منح مصر المبلغ الخاص بالتمويل العسكري، المشروط بتحسن أوضاع حقوق الإنسان، وقيمته 320 مليون دولار في السنة المالية 2022.

وقالت المنظمات في خطاب وجهته لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن مصر فشلت في الوفاء بالتزاماتها الحقوقية في العامين الماضيين.

وفي يوليو من العام الجاري رفضت السفارة البريطانية لدى القاهرة منح رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري مشيرة خطاب تأشيرة سفر إلى لندن، على خلفية ازمة استمرار احتجاز الناشط والمدون المصري البريطاني علاء عبد الفتاح.

ومن العناوين التي رصدناها في هذا الإطار:

وتواجه مصر انتقادات دولية لملفها في حقوق الإنسان والحريات، وتتّهم منظمات حقوقية دولية مصر بالتنكيل بمعارضين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، فتقرير حقوق الإنسان السنوي الصادر عن الخارجية الأميركية ينتقد دوماً مصر بالرغم من أنها حليف استراتيجي مهم في المنطقة.

وقد زادت وتيرة الانتهاكات الحقوقية  منذ عام 2013 بعد الانقلاب وما تلاه من أعمال عنف واعتقالات ومحاكمات جماعية وفردية طالت منتمين للإخوان ونشطاء معارضين آخرين بتهم كان أبرزها "الانتماء لجماعة محظورة" و"نشر أخبار كاذبة"، وما زالت هذه التهم توجه لمن يتفوه بكلمة ضد النظام حتى اليوم.

كل محاولات السيسي لتجميل صورته قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تجدي نفعا طالما بقيت ممارساتها الإجرامية قائمة على الأرض.