معهد كارنيجي: ليس من مصلحة مصر استمرار هيمنة العسكر على الاقتصاد

الثلاثاء - 1 فبراير 2022

  • المؤسسة العسكرية المصرية تسير في مسار توسعي كبير منذ استيلائها على السلطة
  • المتقاعدون من الجيش منتشرون في الوزارات والأجهزة الحكومية والهيئات الاقتصادية
  • تذرع المؤسسة العسكرية بالأمن القومي لإخفاء ماليات أنشطتها المدنية يثير شكوكًا كبيرة
  • العاصمة الإدارية تجسد التناقضات الاقتصادية في مصر بين "النيولبيرالية" وسيطرة الدولة

 

تحت عنوان (الاحتفاظ بالقدرة أم إعادة الهيكلة أم التجريد؟ خيارات سياساتية للاقتصاد العسكري المصري) كتب يزيد صايغ،31  يناير 2022 م ، دراسة يتلخص هدفها في توضيح: لماذا ليس من مصلحة المصريين ولا الجيش استمرار الهيمنة العسكرية الاخطبوطية على اقتصاد مصر؟

ملخّص الدراسة يقول: تقدم الهيئات والشركات العسكرية فوائد اقتصادية كبيرة ولكن تشير إنجازاتها وجوانب تقصيرها على حد سواء إلى ضرورة إعادة النظر بنموذجها الاستثماري بدورها في الاقتصاد المدني.

تؤكد أن المؤسسة العسكرية المصرية تسير في مسار توسعي كبير منذ استيلائها على السلطة في يوليو 2013، فبعد أن كانت تتحصّن في حيِّز اقتصادي محصور نسبيًا، عملت القوات المسلحة المصرية وغيرها من الهيئات العسكرية كرأس حربة لاستراتيجية الاستثمار الهائلة التي تقودها الدولة، والتي اتّبعها عبد الفتاح السيسي منذ توليه منصبه في العام 2014.

تسيطر المؤسسة العسكرية الآن على محفظة اقتصادية ضخمة. فهي تدير حصة كبيرة من إجمالي الأشغال العامة في مجالَي البنية التحتية والإسكان. وهي تبني مناطق صناعية وتنتج السلع الرأسمالية (أي معدات ومدخلات إنتاج السلع) والسلع الاستهلاكية المعمرة (كالأجهزة المنزلية والأدوات) ومركبات النقل والشحن الثقيل ومعدات تكنولوجيا المعلومات.

كما أنها تقوم بمبيعات التجزئة المرتبطة بكل ذلك، وتمتلك شركات إعلامية تجارية وفنادق، وتزيد حصتها بسرعة في مجال الزراعة والاستزراع السمكي واستخراج المعادن.

ومنذ سبتمبر 2021، احتكرت المؤسسة العسكرية إنتاج الوجبات المدرسية، وسيطرت وزارة الدفاع رسميًا على استخدام أراضي الدولة من قبل أي فرد أو كيان مدني، سواء كان خاصًا أو عامًا، منذ العام 2001.

كذلك، يشارك ممثلون عسكريون في عضوية عددٍ من المجالس القومية، بما في ذلك مجال التخطيط والتنمية المستدامة؛ ويساهمون في توجيه السياسات في قطاعات عدة، بما في ذلك الصناعة التحويلية والاتصالات والتحول الرقمي وتطوير سوق السيارات الكهربائية والتنمية الريفية؛ ويرأسون مبادرات رئاسية كبرى، بما في ذلك صندوق تحيا مصر التنموي والشركة المسؤولة عن بناء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر.

وهناك خطط جارية لزيادة رسملة الشركات العسكرية من خلال دعوة الاستثمار الخاص عبر صندوق الثروة السيادي المصري و"جمهورية الضباط" التي تضم الآلاف من كبار المتقاعدين من القوات المسلحة المنتشرين في الوزارات والأجهزة الحكومية، والهيئات الاقتصادية التنظيمية والتشغيلية، والحكم المحلي، والشركات المملوكة للدولة هي المكمّل لكيان الاقتصاد العسكري الرسمي

إعادة النظر في دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد

أولًا إذا تم أخذ الادعاءات بأن المؤسسة العسكرية تساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد من خلال خلق الفرص للجهات الخاصة على ظاهرها، فيجب أن تكون السلطات القومية مستعدة أولًا لتمكين الهيئات الحكومية المدنية من استئناف هذا الدور، ولاحقًا لتسريح نواحٍ مختلفة من الاقتصاد العسكري.

فالحقيقة هي أن الكيانات المدنية، العامة والخاصة على حدٍّ سواء، لا تزال توفر النصيب الأكبر من السلع والخدمات العامة وكذلك الإنتاج في جميع قطاعات الاقتصاد المصري تقريبًا (ربما باستثناء استخراج المعادن الثقيلة).

رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل شريف أعلن، في /أكتوبر 2016، أن المؤسسة العسكرية ستقلّص دورها الاقتصادي خلال العامين أو الأعوام الثلاثة المقبلة لكن، حدث العكس، حتى إن جهاز المخابرات العامة وبعض الهيئات التابعة لوزارة الداخلية اتبعت نموذج المؤسسة العسكرية، وإن كان ذلك على نطاق أصغر بكثير.

ثانيًا، تُعتبر المنفعة الاقتصادية الفعلية للأشغال العامة التي تؤدّيها المؤسسة العسكرية، وفعالية تكلفة التصنيع التحويلي والأنشطة والأعمال التجارية المتنوعة، والمساهمة الصافية في إيرادات الدولة كلها موضع تساؤل.

كذلك، إنّ واقع تذرع المؤسسة العسكرية بالأمن القومي كمبرر لإبقاء التفاصيل المالية لأنشطتها المدنية طي الكتمان يثير شكوكًا كبيرة في بلد له تاريخ طويل في إخفاء الخسائر والديون المعدومة في الشركات المملوكة للدولة.

ولقد أعاد كبار الضباط المتقاعدين الذين تم تعيينهم في جميع أنحاء الجهاز المدني للدولة، ولا سيما على جميع مستويات الحكم المحلي، إنتاج الأمراض الموجودة منذ فترة طويلة والمتمثلة في المحسوبية والزبائنية وأوجه القصور المألوفة في التخطيط الاقتصادي الفوقي واتخاذ القرارات الاستثمارية من أعلى.

ثالثًا، يبرر التوسع الهائل للاقتصاد العسكري بما يتجاوز مهمته الأصلية في الإنتاج الحربي، تقييمه من خلال ما إذا كان يساهم أم لا في التخفيف من عجز مصر الدائم عن توليد فائض لرأس المال المحلي. ولا يزال عدم إحراز تقدم في زيادة حجم الصادرات وتنويعها يمثل مشكلة خاصة في هذا السياق. كان الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته مصر منذ العام 2017 مدفوعًا بمنتجات وأنشطة غير قابلة للتصدير، ويشمل ذلك قطاعات البناء والتطوير العقاري والصناعات الضخمة المغذية لها، مثل الإسمنت والحديد والصلب والألمنيوم والطوب والزجاج، التي تستثمر فيها المؤسسة العسكرية بكثافة.

 هذا النوع من النمو المضارب فشل في معالجة مشكلة ميزان المدفوعات المزمنة في البلاد، لأنه لا يزيد الصادرات ولا يحدّ من الواردات. كما لم يتحسن الميزان التجاري، على الرغم من الانخفاض الكبير في الواردات الناتج عن تخفيض قيمة الجنيه المصري بنسبة 50 في المئة في العام 2016. وكان عجز الميزان التجاري للعام 2020 أكبر بمقدار 5 مليارات دولار عن العام 2016، عندما التزمت الحكومة المصرية بمجموعة كبيرة من الإجراءات المالية كجزء من اتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي.

الاقتصاد العسكري يؤدي إلى تفاقم التناقضات

خلصت الدراسة الى أن الاقتصاد العسكري يؤدي إلى تفاقم التناقضات المتأصلة في مزيج مصر الغريب من السياسات النيوليبرالية والسياسات الموجهة نحو السوق مع إعادة تأكيد دور الدولة بقوة.

تتجلّى هذه التناقضات في أكبر مشروع تديره المؤسسة العسكرية: بناء عاصمة إدارية جديدة بتكلفة 25 مليار دولار للمرحلة الأولى.

ثمة أسئلة مشروعة حول القيمة المالية أو التنظيمية التي تضيفها المؤسسة العسكرية بالفعل فتعتمد شركة العاصمة الإدارية للتنمية العقارية التي تسيطر عليها المؤسسة العسكرية، والتي تم إنشاؤها لإدارة المشروع وتخصيصها لتلقي الدخل المستقبلي، على مطوّري العقارات المدنيين الرئيسين لجذب العملاء وبيع الوحدات على الخارطة (ما قبل البناء).

وتقوم الشركة، التي لم يتم الإعلان عن ميزانيتها بسبب صفتها العسكرية، بتمويل التوسيع الأولي للمرافق والبنية التحتية، ثم تستخدم مدفوعات العملاء الأولية لتمويل الإنشاءات الفعلية. ومع ذلك، تخطط الحكومة لإدراج الشركة في البورصة المصرية، وتتوقع أنها ستسيطر على أصول تبلغ قيمتها 3-4 تريليونات جنيه مصري (190 مليار دولار-255 مليار دولار).

ينذر هذا بالحجة الأساسية لتغيير المسار الاقتصادي: فإن استراتيجية الدولة للاستثمار الرأسمالي المكثّف التي تقودها المؤسسة العسكرية جعلت الحكومة تعتمد بشكل متزايد على تدفقات العملة الأجنبية، التي تجتذبها من خلال تقديم أسعار فائدة أعلى من أي وقت مضى، مقرونةً بعملة وطنية مربوطة واستخدام البنك المركزي لما يسمى بالهندسة المالية.

لكن هذا قد يتغير بسرعة إذا ارتفعت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات العالمية الرائدة. لا يمكن اعتبار سهولة حصول مصر على القروض الأجنبية أمرًا مفروغًا منه.

فهي معرّضة بشكل خاص لأزمة سيولة لأن العوائد المحتملة على مشاريعها العملاقة طويلة الأجل ويمكن أن تؤدي إلى الركود أو التضخم، أو كما في حالة توسعة قناة السويس خلال فترة 2014-2015، قد لا تتحقق على الإطلاق. سيعمل شركاء مصر الخارجيون في الغرب والخليج جديًّا لدرء ذلك، لكن "اللبننة" التي تلوح في الأفق قد تفرض مع ذلك عملية إعادة توجيه اقتصادية طارئة في مصر.

 إذا كان الأمر كذلك، فقد يتم كبح جماح الاقتصاد العسكري، ليس لأنه المكون الرئيس للاقتصاد الوطني والتمويل، ولكن لأنه كان لا بدّ من إلغاء الاستراتيجية الاقتصادية بأكملها التي هو جزء منها.