معهد بروكينجز: السعودية تتشارك مع الإمارات الدوافع الاستراتيجية للتطبيع
الخميس - 4 نوفمبر 2021
نشر معهد “بروكينجز” الأمريكي للدراسات تقريرا يرصد العلاقات بين دول “مجلس التعاون الخليجي” و”إسرائيل” في ظل المتغيرات الشرق أوسطية، حيث برز تطوّرُ علاقات مفتوحة وودّية بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية “الخليجية” كدينامية جديدة لافتة لمنطقة الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين.
يذكر التقرير أن تاريخ العلاقات مع بعض الدول، من ضمنها قطر والبحرين وعمان، يعود إلى التسعينيات بعد أن وقّعت منظّمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" اتّفاقيات “أوسلو".
ويشير الكاتب إلى أن العلاقات تطوّرت بشكل سرّي وغير رسمي، وبقيت عموماً طيّ الكتمان بسبب التحريم المستمرّ لدى الجماهير العربية لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” فيما لا يزال الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال الإسرائيلي.
وفي العام 2002، قادت “المملكة العربية السعودية” مبادرة السلام العربية، التي ثبّتت التسلسل في العلاقات العربية مع “إسرائيل”: دولة فلسطينية تبعاً لحدود العام 1967 أولاً، ثم تطبيعٌ للعلاقات مع العالم العربي برمّته.
ومع توسيع الجهتَين تعاونهما في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه القنوات الخلفية مرئية أكثر بشكل لا مفرّ منه. وكذلك، أصبح الترويج لها أكثر فأكثر جزءاً من الهدف الذي وضعته الدول الخليجية في سعيها لنيل موافقة واشنطن.
وفي تطرقه إلى الحالة “السعودية”، رصد التقرير أن “المملكة” كجزء من المحور الذي يضمّ دولاً ذات تفكير متشابه تسعى إلى تحقيق أهداف منسّقة في السياسة الخارجية، لافتاً إلى تشاركها الدوافع الاستراتيجية مع الإمارات العربية المتّحدة والبحرين إزاء “إسرائيل"
مضيفاً، أن الرياض تعاونت مع تل أبيب سرّاً لسنوات بالإجمال في المسائل الأمنية وتبادل المعلومات الاستخبارية، مستطردا بالحديث عن ما وصفها بحسابات “المملكة الخليجية” في ما يخص استعدادها لجعل العلاقات رسمية. ويشمل ذلك، وفقاً للكاتب، مكانتها في العالم الإسلامي بصفتها خادمة الحرمَين الشريفَين والشرعية التي ينبغي على آل سعود حمايتها في هذا الدور. فالإشارات الصادرة عن المؤسّسة السياسية، ولا سيّما الجيل الشاب الذي يقوده ولي العهد محمّد بن سلمان، يتّجه بوضوح نحو مقاربة مختلفة مع “إسرائيل” لا تستثني تطبيع العلاقات قبل التوصّل إلى اتفاقية “سلام فلسطينية إسرائيلية".
أمّا في الحديث عن عُمان، أورد الكاتب أنه بالرغم من غياب للتطبيع الرسمي للعلاقات بين (الجانبين)، لكنها لطالما انتهجت مقاربة غير تقليدية بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، إذ دعمت مصر علناً في “اتّفاقية السلام” التي وقّعتها مع “إسرائيل” في العام 1979 واستضافت مسؤولين “إسرائيليين” رفيعي المستوى منذ أواسط التسعينيات.
ولفت التقرير إلى أنّ موقع عُمان الاقتصادي المتراجع، قد يؤثر على موقفها الذي يبقى رهناً بقدرتها على المحافظة على استقلاليتها عن المحور “السعودي” الإماراتي في استقرارها الاقتصادي، علماً أنّ هذا المحور لم يتورّع يوماً عن الضغط على الدول الأخرى لاعتماد مواقفه.
واستشهد الكاتب في حديثه بذكر قطر كمثال، حيث خضعت لحصار إقليمي فرضه المحور السعودي الإماراتي بسبب سياستها الخارجية المتفردة، نافياً أن تكون الدوحة بعيدة عن الاهتمام بتطوير علاقة فعّالة مع الكيان الصهيوني، الموجودة فعليا منذ أواسط التسعينيات. مردفاً بالقول أن قطر استفادت من هذه العلاقات للعب دور الوسيط مع الفلسطينيين وتغليب دورها أمام منافسيها في المحور الخليجي، مستبعدا أن تقدم الدوحة على خيار التطبيع إلا في حال باتت المكاسب كبيرة جدا لا يسعها تجاهلها.
حوافز لمقاربة جديدة
يوضح التقرير أن الإمارات العربية المتّحدة لا تعتبر “إسرائيل” عدوّةً أو تهديداً للاستقرار الإقليمي. فتبعاً للنظرة العالمية لولي عهد إمارة أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، فإن التهديدات الأساسية للإمارات العربية المتّحدة وحلفائها هي دولة إيرانية توسّعية والإسلاميين السياسيين عبر الوطنيين. في المقابل، ترى الإمارات العربية المتّحدة الكيان الصهيوني قوّة إقليمية جبّارة تتشاطر آراءها ومستعدة للجوء إلى القوّة لمواجهة الخصوم الإقليميين.
وذكّر التقرير، أنه خلال مرحلة “الانتفاضات العربية” والتهديد الذي تحسسته الممالك الخليجية نشأ نوع من التعاون التجاري مع الكيان وتهافتت إلى شراء تكنولوجيا المراقبة المتطورة من أجل ضبط “شعوبها” بفاعلية. بيد أنّ الأمر الأهمّ على الإطلاق، بحسب ما أورده الكاتب، يتمثل في إصرار المحور السعودي الإماراتي في الحفاظ على شراكته مع واشنطن عبر التطبيع، وبشكل خاص بعد أن بات لدى الدول الخليجية أسبابٌ كثيرة لتقلق بشأن التزام الولايات المتّحدة الطويل الأمد. أولها مع ما سبّبته الحروب الأمريكية الطويلة والمكلفة إرهاقاً للداخل الأميركي، وعودة إنتاج الطاقة الأمريكية وما تمخض عنه من نظرةً بأن التحالف قد تداعى.
ونظراً إلى التفاني الأمريكي لأمن "إسرائيل"، قد تفترض الدول الخليجية منطقياً أنّ إنشاء روابط مع "إسرائيل" سيساعدها على تحصين صلاتها الأمنية الخاصة بالولايات المتحدة، وفقاً للكاتب.
علاوة على ذلك، تلاقت “إسرائيل” والمحور الخليجي على قضيّة مشتركة عبر محاولتهما توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط باتجاه يفيد الطرفين. وبشكل خاص، مع سعي إدارة أوباما إلى إبرام اتفاقية نووية مع إيران، بات العثور على طرق لمواجهة أجندة إدارة أوباما فرصةً للجهتين للعمل معاً من دون تدخّل أمريكي، والقاعدةَ اللاحقة للعمل مع إدارة ترامب التي استلمت السلطة في العام 2017.
المخاطر والتكاليف
يرى الكاتب أنه من الصعب تقييم الرأي العام في “منطقة الخليج”، نظراً إلى القمع العام لحرّية التعبير عن الرأي والحكم غير الديمقراطي وغياب استطلاعات الرأي والإعلام المستقلّ. منوّها إلى بروز بعض بوادر المعارضة، من ضمنها في البحرين حيث أصدرت ثماني جمعيات سياسية و23 مجموعة مجتمع مدني بيانات مشتركة اعترضت فيها على اتفاقية التطبيع وتمّ تأسيس جمعية إماراتية لمقاومة التطبيع ووقّع ناشطون ومحامون ورجال أعمال إماراتيون عريضة عبّروا فيها عن معارضتهم وبيّن ما يقع من استطلاعات الرأي الإقليمية، على غرار المؤشّر العربي، معارضة واسعة للاعتراف بـ”إسرائيل".
يشكك الكاتب في متانة هذه الاتفاقيات بقوله “إن اتّسمت مرحلة ما بعد أوسلو بحشد شعبي ضدّ الضمّ والحكم الدائم "الإسرائيليَّين"، يمكنها أن تعرّض العلاقة بين الدول الخليجية و"إسرائيل" لانتقادات أقسى، لا بل من الممكن حتّى أن تنجرّ الدول الخليجية إلى دعم مباشر للاحتلال الإسرائيلي”. موجزاً بأن متانة اتفاقيات التطبيع قد اختبرت في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2021 عندما فرّقت قوات الأمن الصهيوني بعنف احتجاجات فلسطينية واسعة في القدس في خلال شهر رمضان الماضي، وشنّت غارات مروّعة على حرم المسجد الأقصى، وأطلقت قنابل صوتية ومسيّلة للدموع داخل المسجد بحدّ ذاته.
وزاد من الضغط القصفُ التالي الذي شنّه الكيان على قطاع غزّة. مضيفا وأنّه في لحاظ استبعاد أن تؤدّي هذه الأحداث إلى التراجع عن قرار التطبيع، إلا أنها جعلت الدول المطبِّعة غير مرتاحة وأطلقت ردود فعل ضمن مجتمعاتها وبرهنت على أنّه من دون إنهاء للإخضاع الفلسطيني ستتكرّر انتفاضات كهذه وتستمرّ بوضع العلاقة “الخليجية الإسرائيلية” قيد الاختبار.
المصدر وكالة القدس للأنباء