مصر: مناورات النظام تحاصر الملف الحقوقي "إعلاميا"

الاثنين - 3 يوليو 2023

  • الإعلام المصري يزعم وجود انفراجة حقوقية رغم حبس 20 ألفا في آخر تسعة أشهر وإطلاق سراح عدد محدود جدا!
  • نقل صورة وردية مخالفة للواقع عن مجمعات السجون الجديدة وتعتيم على الإعدامات والأحكام الجائرة
  • رسائل متطابقة تبثها وسائل الإعلام باستمرار حول "استراتيجية حقوق الإنسان" والحوار الوطني المزعوم
  • ضعف الضغوط الغربية على النظام..والتقارب القطري والتركي أثرا سلبا على تناول الملف الحقوقي
  • تراجع ملحوظ لتغطية القضايا الحقوقية في المواقع المعارضة والمستقلة على مدى الثلاثة أشهر الماضية   

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

في الوقت الذي تشهد فيه مصر توالي الأحكام الجائرة، وأخطرها الإعدامات، بخلاف التصاعد المستمر للانتهاكات بحق المعتقلين السياسيين، هناك تعتيم إعلامي كبير على الملف الحقوقي المثقل بالجرائم، تزامنا مع تبني وسائل الإعلام المصرية حملة ترويجية لانفراجة حقوقية مصاحبة لما يسمى "الحوار الوطني"،  وإفراجات محدودة عن بعض المعتقلين المحسوبين على معسكر  30 يونيو.

الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أكدت أن المحاكم المصرية جددت، على مدى تسعة أشهر مضت، حبس أكثر من 20 ألف مصري ومصرية احتياطيا، بتهم تتعلق بالإرهاب، وفي المقابل أفرجت النيابة خلال هذه الفترة عن ثلاثة أشخاص فقط!. وأكد تقرير الجبهة أن القضاة غالبا يصدرون قرارات بتمديد الحبس الاحتياطي للسجناء  دون تقديم أدلة موثوقة، ودون حتى حضور المتهمين إلى المحكمة، كما لا  يسمح للمحامين بالدفاع عن موكليهم.

ومع ذلك، يرسم الإعلام صورة وردية مخالفة للواقع عن مجمعات السجون الجديدة ويمارس تعتيما شديدا على الإعدامات والأحكام الجائرة ، ويبث رسائل شبه "متطابقة" عن "استراتيجية حقوق الإنسان" والحوار الوطني المزعوم، وتحفل برامج "التوك شو" بماخلات ولقاءات تركز على تحسين الوجه القبيح للنظام و"تلميع" شخصيات محسوبة على  ما يسمى بـ"لجنة العفو الرئاسي".

وفي ظل ضعف الضغوط الغربية على النظام والتقارب القطري والتركي معه تأثرت التغطية الإعلامية للملف الحقوقي سلبيا، حتى في قنوات ومنصات المعارضة والمواقع المستقلة، فحدث بها تراجع ملحوظ في تغطية القضايا الحقوقية على مدى الثلاثة أشهر الماضية.  

في هذا الملف، نرصد المعالجات الإعلامية للقضايا الحقوقية في مصر، وما يروجه الإعلام عن الإنفراجة المزعومة، ومحاولة تجميل وجه النظام، وأيضا التراجع الواضح لدور الإعلام المعارض والمستقل في كشف هذه الانتهاكات.

انتهاكات وتعذيب وتضليل

في وقت سابق، أوضحت منظمة العفو الدولية أن "سلطات الانقلاب في مصر تستخدم الحبس الاحتياطي بشكل روتيني لمعاقبة المعارضين السياسيين المفترضين أو النشطاء أو المدافعين عن حقوق الإنسان”.

قالت المنظمة- في أحدث تقرير لها صدر في مارس 2023- إن  سلطات الانقلاب تهدف إلى إبقاء الأشخاص خلف القضبان بعد الحد القانوني البالغ عامين، والذي ينطبق على معظم الأحكام.

أشار التقرير أن هناك حوالي 60,000 سجين سياسي في مصر يتعرضون للتعذيب المنهجي ويحرمون من الرعاية الطبية الكافية."

وفي السياق نفسه، قال المحامي المصري نبيه الجنادي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه "رصد خلال جلسات محاكمة، على مدار الأيام القليلة الماضية من شهر مايو الماضي، تجديد حبس 1304 مصريين في قضايا سياسية"، وذلك في وقت تتواصل جلسات "الحوار الوطني".

أضاف الجنادي أن الجلسات "عُقدت في أسبوع واحد، وعرضت جميعها على محكمة جنايات إرهاب واحدة، وشهدت ارتفاعًا ملحوظًا لأعداد الفتيات والنساء المحبوسين والمجدد حبسهم، على ذمة القضايا".

وفي الوقت الذي أعلن فيه "مجلس أمناء الحوار الوطني" المزعوم  في مصر، عن انطلاق فعليات  جلسات "المحور السياسي" تحت شعار "لا للخطوط الحمراء"، معتبراً أنها "خطوة في طريق الحوار الوطني، تؤسس لمبادئ الانفتاح، وفتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية المختلفة"، كانت النيابات والمحاكم في البلاد تنطلق بسرعة أكبر، في تجديد حبس عشرات المتهمين على ذمم قضايا سياسية، من بينهم صحافيون ونشطاء ومشجعو كرة قدم، ومن أمثلة ذلك ما أعلن عنه حزب المحافظين، الذي يشارك في الحوار الوطني ، أن قوات الأمن اعتقلت الخبير الاقتصادي ومسؤول الملف الاقتصادي في الحزب إيهاب سمرة ، وفي اليوم ذاته، قرّرت نيابة أمن الدولة العليا المصرية، تجديد حبس شاب مصري لرفعه علم فلسطين خلال مباراة بين النادي الأهلي المصري ونادي الرجاء المغربي، في بطولة دوري أبطال أفريقيا التي أقيمت في استاد القاهرة الدولي، في شهر إبريل الماضي، وذلك لمدّة 15 يومًا على ذمة القضية. 

استمرار الأحكام الجائرة

في 11 سبتمبر 2021، ومن باب المناورة السياسية والإعلامية، أعلن النظام عن ما يسمى "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، والتي اعتبرها معارضون- في حينه- مجرد مناورة لكسب الوقت وإرضاء الدول الخارجية، التي تعلم حقيقة أوضاع حقوق الإنسان في مصر لكنها تتجاهلها.

واستغل النظام أجواء إطلاق الاستراتيجية المزعومة، ليصعّد من أحكامه الجائرة ضد المعارضين السياسيين، حيث أحالت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ المصرية (الدائرة الأولى إرهاب) برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني، في 22 مايو الماضي، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محمد بديع، و7 من قيادات جماعة الإخوان إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه الشرعي في إعدامهم، وذلك في القضية المعروفة إعلاميا باسم "أحداث المنصة"

وفي تقريرها الشهري، أحصت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية صدور 23 حكما بالإعدام خلال أبريل 2023، إضافة إلى إحالة أوراق 20 مواطنا في 14 قضية إلى مفتي العسكر تمهيدا للحكم بإعدامهم.

وقالت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إن عقوبة الإعدام خلال عام 2022 تزايدت في الصدور من محاكم الجنايات المدنية ووصلت إلى 538 حكمًا بالإعدام مقابل 403 أحكام في 2021، و295 فى 2020.

وجاء في تقرير الجبهة السنوي أن محكمة النقض والطعون العسكرية أيدت هي الأخرى أحكام الإعدام الصادرة على 39 شخصًا كانت كلها في قضايا جنائية، كما قامت السلطات خلال نفس الفترة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق 30 شخصًا في 11 قضية على الأقل، منهم 4 أشخاص في قضية "ميكروباص حلوان" و 3 أشخاص في قضية "أجناد مصر".

وفي سياق الانتهاكات، رصدت المنظمات الحقوقية اغتيال 12 معتقلا سياسيا بالإهمال الطبي المتعمد، منذ مطلع العام الجاري 2023 وحتى مايو الماضي، وكان آخر هؤلاء الشهداء النائب السابق د. خالد سيد ناجي الذي أثبتت التقارير الحقوقية منع الدواء عنه بسجن المنيا شديد الحراسة، وايضا  المعتقل السياسي سامح محمد أحمد منصور (58 عاماً)،  داخل غرفة العناية المركزة بمستشفى مركز بدر للإصلاح والتأهيل، نتيجة الإهمال الطبي.

وضمن الانتهاكات الحقوقية، أصدرت دوائر الإرهاب بمحكمة الجنايات (4) قرارات بمد إدراج جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات، منذ أكتوبر 2022م، بخلاف عشرات القرارات بوضع أكثر من (1500) من قيادات وأفراد الجماعة على قوائم الإرهاب خلال نفس الفترة؛ الأمر الذي يبعث رسالة واضحة في مضمونها ودلالتها وتوقيتها.

تكذيب دولي للسلطة

وتكذيبا للحملة التي يروج لها الإعلام المصري عن إنفراجة مزعومة، أكد تقرير نشرته مؤسسة "فير بلانيت FAIRPLANET" الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، في 26 أبريل 2023، أن لجنة العفو عن السجناء السياسيين في مصر، والتي وجه عبدالفتاح السيسي بتشكيلها في أبريل 2022، لم تفرج إلا عن قلة من المعتقلين، و أن جهودها متواضعة، وأنه تم احتواؤها بالكامل من قبل الأجهزة الأمنية، وأن البلاد شهدت اعتقالات بأضعاف عدد من تم الإفراج عنهم بموجب عمل تلك اللجنة.

 وخلص التقريرإلى أن إنشاء وإعادة تشكيل لجان العفو الرئاسية من وقت لآخر يخدم غرض تخفيف الضغوط المحرجة على السيسي، وليس الإفراج عن السجناء السياسيين.

ويروي التقرير ما يصفه بـ"بداية الوهم"، عندما تم إنشاء أول لجنة عفو رئاسي بتعلميات من السيسي في 2016، مشيرا إلى أنه تكليفها بمراجعة قضايا الشباب المحتجزين على ذمة المحاكمة حتى يتسنى للرئاسة اتخاذ إجراء. وقدمت اللجنة عدة قوائم وتم الافراج عن مئات الشبان قبل توقف عملها بعد فترة وجيزة.

وأكد التقرير أنه بنهاية يوليو 2022، وبعد ثلاثة أشهر من النشاط، وثقت جمعية "كوميتي فور جستس Committee For Justice" في سويسرا، 332 حالة إفراج فقط – مقارنة مع 700 طلب من قبل اللجنة، بينما سجلت خلال نفس الفترة ما يقرب من 950 عملية اعتقال تعسفي.

واضاف التقرير، أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات (ECRF)، وثقت إطلاق سراح ما مجموعه 1441 من يناير 2022 إلى مارس 2023، بينما تم توثيق 3212 عملية اعتقال في الفترة بين أبريل 2022 ومارس 2023 ، وقد قدمت المفوضية الأوروبية للحقوق والحريات 4108 حالة إلى لجنة العفو للنظر فيها، ولم يُفرج عن سوى 117 حالة منها.

تضليل الإعلام المصري

ومنذ انطلاق استراتيجية حقوق الإنسان المزعومة، وصدور قرارات عفو محدودة عن بعض المعتقلين من المحسوبين على معسكر 30 يونيو، يروج الإعلام المصري لانفراجة حقوقية "وهمية".

من ذلك ما نشرته صحيفة الأهرام تحت عنوان "العوضي: خلال 10 أيام أصدرنا عفوًا رئاسيًا لأكثر من 100 شخص"؛ لإبراز قرارات الإفراجات من خلال لجنة العفو الرئاسي.

 ونقلت تصريحات لعضو لجنة العفو  طارق العوضي، الذي ثمن  خروج 28 شابا وفتاة من السجون في توقيت نشر الخبر،  مؤكدا أن هناك 100 معتقل سياسي حصلوا على قرارات تفيد إخلاء سبيلهم من محبسهم، خلال 10 أيام فقط .

ومن عينة معالجات الأهرام لهذا الملف نشرت خبرا تحت عنوان "عضو لجنة التعليم بالنواب: استمرار قوائم العفو الرئاسي يؤكد نجاح الحوار الوطني واستراتيجية حقوق الإنسان"، ونقلت الصحيفة ما قاله النائب ببرلمان العسكر أشرف أمين، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي، من أن "استمرار عمل لجنة العفو الرئاسي، والإفراج عن 25 من المحبوسين احتياطيا اليوم، يؤكد نجاح الحوار الوطني من ناحية، واستمرار منهجية الدولة المصرية في دعم إستراتيجية حقوق الإنسان".

كما نشرت الصحيفة  خبرا تحت عنوان "حزب المؤتمر يُشيد بالإفراجات المتتالية عن الشباب المحبوسين احتياطيًا" ، حيث أشاد حزب المؤتمر برئاسة الربان عمر صميدة عضو مجلس الشيوخ، بجهود لجنة العفو الرئاسي، وإعلانها عن تنفيذ إخلاء سبيل 33 من المحبوسين احتياطيا.

و روجت الأهرام لفكرة أن هناك تقدم كبير في ملف حقوق الانسان المصري من خلال نشر عدد من الأخبار والمقالات.

صحيفة "الأخبار" سارت على درب الأهرام، فنشرت تحت عنوان "طارق الخولي: صدور قوائم للعفو الرئاسي ليس مرتبطًا بمناسبات محددة"،  ونقلت قول  النائب طارق الخولي، عضو لجنة العفو الرئاسي وعضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إنه على مدار سنة منذ إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، وأعضاؤها يتعاملون في هذا الملف بإخلاص ومسعى شديد للقيام بهذه المهمة الجليلة المتعلقة بالسعي نحو خروج الشباب الذي لم يتورط في عنف ولا ينتمي لتنظيمات إرهابية، حتى يتم احتضانه داخل المجتمع وإرساء مبدأ التسامح، معتبرًا هذا العمل عمل سامي وإنساني للغاية.

بل نشرت الأخبار خبرا يؤكد أن لجنة العفو سعت لدمج المفرج عنهم، متعامية عن حالة العزلة والحرمان من كل الحقوق التي يعيشها معظم من تم الإفراج عنهم.

 كما حاولت تضخيم عدد المفرج عنهم بقرارات عفو رئاسي، متناسية نسبة هؤلاء بالنسبة لمن يقبعون في السجون المصرية، فنشرت خبرا تحت عنوان "عضو لجنة العفو: عدد المفرج عنهم تخطى 1500 شخصا حتى اليوم" قال فيه  المحامي طارق العوضي عضو لجنة العفو الرئاسي، إن عدد المفرج عنهم حتى موعد نشر هذا الخبر  بقرار عفو رئاسي تخطى 1500 شخص وذلك طبقا لإحصائيات لجنة العفو الرئاسي.

 وعلى النهج ذاته تعاملت صحيفة الجمهورية، فنشرت خبرا تحت عنوان "الرئيس السيسي: إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب"، نقلت فيه إعلان الرئيس السيسى، خلال إفطار الأسرة المصرية، إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب، على أن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية، كما نقلت عن السيسي أنه أعرب   عن سعادته بالإفراج عن دفعات من أبناء مصر خلال الأيام الماضية، مؤكدا أن الوطن يتسع للجميع وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية!.

 روجت الجمهورية أيضا لفكرة عدم وجود معتقلين سياسيين بالسجون المصرية، متعاميه عن وجود أكثر من 60 ألف معتقل سياسي بالسجون يعانون من كل ألوان التعذيب، حيث نشرت خبرا تحت عنوان: " قيادي بلجنة العفو الرئاسي : لا يوجد معتقل واحد.. خلف أسوار السجون"  نفى فيه القيادي في لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي وجود معتقلين في السجون مشيرا الي انه "لايوجد من هو معتقل نهائيا"!

حرصت الجمهورية كذلك على إبراز الإفراج عن رموز سياسية بقرارات العفو، ومن أمثلة ذلك نشرها خبر تحت عنوان "لجنة العفو الرئاسي للسيسى: وعدتم بالعفو عن العليمي فأوفيتم شكرا لسيادتكم"

 كما حاولت الصحيفة أن تؤكد أن قرارات الإفراجات عن معتقلين "ليست استجابة لأي ضغوط خارجية بل تنبع من السيادية المصرية"، متناسية تصريحات السيسي حول محاولته لإرضاء الإدارة الأمريكية من خلال هذه الإفراجات، وقد نشرت حوارا مطولا تحت عنوان "عضو لجنة العفو الرئاسي: "حقوق الانسان" إرادة مصرية حقيقية ولا نخضع لتدخل دولي".

وسائل الإعلام التي تدعي استقلالها عن الدولة، كـ"اليوم السابع" و"صدى البلد"، بالغت في الترويج لتغير الوجه الحقوقي المصري وأن العفو الرئاسي أحدث انفراجة بملف المحبوسين بقضايا الرأي، منوهة بالدور الكبير والقوي الذى تقوم به اللجنة والذي "يؤكد نجاح استراتيجية الدولة لدعم حقوق الإنسان"!

صحيفة "الدستور" نشرت- على سبيل المثال- تقريرا خبريا تحت عنوان "الكشوف الكاملة لأسماء المعفو عنهم رئاسيًا خلال عام 2023"  حيث رصدت  فيه 6 قوائم، ضمت العديد من الأسماء، متناسية أن ما تم الافراج عنهم خلال هذه الفترة تم استبدالهم بعشرات الأضعاف.

تغطية على الأحكام الجائرة

وفي السياق نفسه، عملت برامج التوك شو، فبذل الإعلاميون كل جهدهم للتغطية على جرائم النظام الحقوقية، من خلال برامجهم اليومية، فمثلا: أكد عمرو أديب في إحدى حلقات برنامجه "الحكاية" المذاع على قناة "ام بي سي " مصر، أن "قرار الإفراج الرئاسي عن معتقلين يؤكد عدالة الدولة وأنها  باتت مستقرة وتتحمل الرأي والرأي الآخر"، مشيرًا إلى أن "تغطية وسائل الإعلام العالمية للإفراج عن الشباب المحبوسين يعكس مدى أهمية القرار في هذا التوقيت".

 على النهج  ذاته أكد أحمد موسى أن  "مصر ترعى حقوق الإنسان"، وأشاد بمراكز الإصلاح والتأهيل، مؤكدًا أنها "أفضل من سجن جوانتانامو الأمريكي؛ الذي يضم سجناء على ذمة قضايا مختلفة".

واستطرد أحمد موسى، خلال تقديم إحدى حلقات برنامج «على مسئوليتي»، عبر قناة «صدى البلد»: «السجن سجن أيًا كان لأن الشخص يكون مقيد الحرية؛ بعدما يتم سجنه على ذمة قضايا ارتكبها؛ وهذا الأمر مطبق في العالم كله».

وأكد نشأت الديهي، في برنامجه "بالورقة والقلم"، أن  "حقوق الإنسان في أحسن أوضاعها وأن هناك مبالغة شديدة أثناء الحديث عن ملف حقوق الإنسان"، وقال: "أصبحت ورقة حقوق الأنسان يستخدمها أعداء الدولة في محاولة عرقلة كثير من المشروعات التنموية في الدولة المصرية".

 فيما انتهج محمد الباز و يوسف الحسيني  نفس درب السابقين، باستضافة أعضاء لجنة العفو لتضخيم عملها وتوجيه رسالة للمفرج عنهم بعفو رئاسي بضرورة اغتنام الفرصة وأنه "لا داعي لمظلومية زائفة" .

تراجع الإعلام المعارض

إذا انتقلنا للمعالجات الصحفية والإعلامية لوسائل الإعلام المعارضة والمستقلة بالنسبة لوضع حقوق الإنسان والأحكام الجائرة في مصر، سنجد أن هناك تراجعا في تغطية هذا الملف،  فمنذ منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية شهر مايو لاحظنا أن نسبة المواد المنشورة في   "بوابة الحرية والعدالة، والعربي الجديد، والخليج الجديد، والجزيرة نت، والجزيرة مباشر، وعربي 21، ومدى مصر، والمنصة " أقل مما كانت عليه في السابق، حيث حذف بعضها تبويب متعلق بملف الحريات في مصر واتجه للتركيز على الملف الاقتصادي، فيما تراجع عدد الأخبار المنشورة بشكل عام حول الملف الحقوقي مقارنة بالفترات السابقة.

كما أظهر الرصد الإعلامي "للجزيرة نت"  و"الجزيرة مباشر" أن مساحة الموضوعات الحقوقية المصرية  تراجعت بشكل واضح عن السنوات الماضية، ربما تأثرا بالمصالحة المصرية القطرية، فيما تراجعت تغطية موقع عربي 21 للملف الحقوقي  خلال شهري أبريل ومايو.

أيضا موقعا "مدى مصر" و"المنصة"، وهما موقعان مصريان يعملان من الداخل المصري ولهما مصداقيه كبيرة في الأوساط المهنية، ركزت تغطياتهما منذ مطلع العام الجاري 2023 على ملف المعتقلين المحسوبين على قوي اليسار والليبراليين بشكل كبير،  تأثرا بتوجهاتهما الليبرالية، مع وجود تراجع واضح في تغطية اخبار المعنقلين الإسلاميين.

وركز الموقعان مؤخرا على الازمات الاقتصادية التي تمر بها مصر، مما أثر بالسلب على متابعة الملف الحقوقي.

التغيرات الدولية والمناورات المحلية

بهذا، ظهر جليًا أن هناك ظروفا دولية وإقليمية ساعدت بقوة على تراجع الملف الحقوقي المصري عن الأضواء الإعلامية، منها ضعف الضغوط الغربية والأمريكية على النظام المصري بشكل كبير، كما حاول النظام العسكري بمصر وإعلامه إقناع  الغرب بوجود انفراجة سياسية  من خلال الحوار الوطني المزعوم، وقوائم الإفراج عن المعتقلين السياسيين تحت مسمى "العفو الرئاسي"، كما  أن المصالحة المصرية القطرية، والمصرية التركية، ألقتا بظلالهما على المعالجات الصحفية والإعلامية للملف الحقوقي المصري، بشكل سلبي .

أما الإعلام المصري بمختلف وسائله فانصبت معالجاته خلال العامين الأخيرين على إبراز الاستراتيجية الجديدة لحقوق الانسان، وسلطت الضوء على جهود لجنة العفو الرئاسي ومخرجات الحوار الوطني المزعوم وقوائم الإفراج المحدودة  ومحاولات دمج المفرج عنهم.

كما عمل على تحسين الوجه الحقوقي القبيح للنظام المصري أمام العالم، و"تلميع " الشخصيات المحسوبة على  لجنة العفو من خلال استضافتهم بشكل مستمر؛ لنقل صورة وردية ومخالفة للواقع عن مجمعات السجون الجديدة.

 ومن خلال رصد المعالجات الصحفية والإعلامية لوسائل الإعلام المصري اتضح أنها تنفذ توجيهات سيادية موحدة ظهر أثرها في تشابه الموضوعات والعناوين.

أيضا هناك تراجع واضح في تغطية  الملف الحقوقي بالنسبة  للمواقع الصحفية  المحسوبة على المعارضة، فيما حاز الملف الاقتصادي على المرتبة الأولى، مع تجاهل تصاعد أحكام الإعدام والأحكام الجائرة في حق المعتقلين والتركيز على إبراز ردود الأفعال الدولية نحو الملف الحقوقي.

المصادر:

1- "ميدل إيست مونيتور” الانقلاب جدد حبس أكثر من 20 ألف شخص خلال 9 أشهر"، بوابة الحرية والعدالة،   25 مايو  2023، https://cutt.us/5qKRf

2- مصطفى الأعصر، "مصر: تصاعد جديد في أعداد المعتقلين "، العربي الجديد، 27 مايو 2023، https://cutt.us/4ZhIG

3- "مصر: استمرار الاعتقالات السياسية بزمن "الحوار الوطني"، العربي الجديد، 12 مايو 2023، https://cutt.us/CLRjI

4-"محكمة مصرية تحيل مرشد الإخوان و7 آخرين للمفتي بقضية أحداث المنصة" العربي الجديد، 22 مايو 2023، - https://cutt.us/dBwo3

5- "23 حكما بالإعدام وإحالة أوارق 20 آخرين للمفتي خلال أبريل الماضي"، بوابة الحرية والعدالة، 22 مايو 2023، https://cutt.us/G9bcK

6- "مع تصاعد تنفيذ العقوبة.. توثيق 538 حكما بالإعدام في مصر خلال 2022 " ، نافذة مصر، 1 فبراير 2023 ، https://cutt.us/s510L

7- "الحالة 12 في 2023.. وفاة سجين سياسي جديد بسجون مصر"، الخليج الجديد ،   14 مايو 2023،  https://cutt.us/8b31L

8- "في (7) شهور..«4» قرارات بإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب!"، الحرية والعدالة ، 21 مايو، 2023، https://cutt.us/tUAVP

9- "مؤسسة دولية: لجنة العفو واجهة لتلميع النظام وأعداد المعتقلين ضعف المفرج عنهم"، رصد، 27 أبريل 2023، https://rassd.net/528145.htm

10- "مصر: بلطجية يعتدون على المهندسين إثر الفشل في إسقاط النقيب" ، العربي الجديد، 31 مايو 2023 ، https://cutt.us/rtGrl

11- أبوالقاسم، "العوضي: خلال 10 أيام أصدرنا عفوًا رئاسيًا لأكثر من 100 شخص" الاهرام ، 20-9-2022  ، https://cutt.us/oClTb

12- محمد الإشعابي، "عضو لجنة التعليم بالنواب: استمرار قوائم العفو الرئاسي يؤكد نجاح الحوار الوطني وإستراتيجية حقوق الإنسان" ، الأهرام ، 16-10-2022، https://cutt.us/ZWKSP

13- محمد الإشعابي ، "حزب المؤتمر يُشيد بالإفراجات المتتالية عن الشباب المحبوسين احتياطيًا"، الأهرام ، 1-3-2023  ، https://cutt.us/v2Gei

14- وسام عبد العليم، "ضياء رشوان: مصر حققت تقدما في ملفات حقوق الإنسان بمفهومها الشامل" ، الأهرام ، 11-5-2023  ، https://cutt.us/1pNL1

15- طارق الخولي: صدور قوائم للعفو الرئاسي ليس مرتبطًا بمناسبات محددة" ، الأخبار ، 17 أبريل 2023  ، https://cutt.us/ROY0z

16- خالد العوامي "برلماني: «العفو الرئاسي» لعبت دورًا هامًا في دمج المفرج عنهم مجتمعيًا" الاخبار ، 28 أبريل 2023  ، https://cutt.us/4edyW

17- أحمد يحيى، "عضو لجنة العفو: عدد المفرج عنهم تخطى 1500 شخصا حتى اليوم" ، الأخبار ، 03 مايو 2023 ، https://cutt.us/lQBOL

18- "الرئيس السيسي : إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب" ، الجمهورية ،26 أبريل 2022   ،  https://cutt.us/Kh79c

19- " قيادي بلجنة العفو الرئاسي : لا يوجد معتقل واحد.. خلف أسوار السجون "لجنة العفو الرئاسي للسيسى :وعدتم بالعفو عن العليمي فاوفيتم شكرا لسيادتكم" ، الجمهورية ، 24 أكتوبر 2022  ، https://cutt.us/Ass7O

20- مي ياقوت، "عضو لجنة العفو الرئاسي: "حقوق الانسان" إراده مصرية حقيقية ولانخضع لتدخل دولي " ، الجمهورية ، 08 ديسمبر 2022 ،  https://cutt.us/N76uC" الجمهورية ، 11 مايو 2022 ، https://cutt.us/XqQyI

21- محمد السيد، "دراسة لشبكة الإعلام الرقمى: العفو الرئاسى أحدث انفراجة بملف المحبوسين بقضايا الرأى" اليوم السابع ،02 فبراير 2023 ، https://cutt.us/6wehq

22- كامل كامل، "خارجية النواب: إشادة أمريكا بلجنة العفو الرئاسى تبرز نجاح الملف الحقوقى" ، اليوم السابع ، 02 فبراير 2023 ،  https://cutt.us/pTuUK

23- محمد السيد وهشام عبد الجليل ومحمد عطية، "عودة للحياة.. إشادة واسعة بجهود لجنة العفو الرئاسى فى دمج المفرج عنهم بالمجتمع.. رؤساء أحزاب وسياسيون: قراراتها تدعم الحوار الوطنى وترجمة صريحة لاستراتيجية حقوق الإنسان.. وملف الحقوق والحريات يحظى بخطوات جادة مفرج عنهم " اليوم السابع ، 20 أكتوبر 2022  ، https://cutt.us/B4XSa

24- إسراء صبري، "طارق العوضي: السيسي وجه بتذليل كافة العقبات والمشاكل التي تواجه المفرج عنهم"، صدى البلد، 19/سبتمبر/2022 ، https://elbalad.news/5446616

25- حمزة شعيب، "لجنة العفو الرئاسي: توفير فرص عمل للمفرج عنهم لدمجهم في المجتمع" ، صدى البلد  ، 18/سبتمبر/2022 ، https://elbalad.news/5446063

26- فريدة محمد، "حقوق إنسان النواب: العفو الرئاسي تعمل على خروج دفعات جديدة الفترة المقبلة"، صدى البلد ، 28/أبريل/2023 ، https://elbalad.news/5745323

27- عائشة حسن " برلمانى: العفو الرئاسي عن محبوسين استكمال لخطوات الإصلاح السياسى "، الدستور   10/سبتمبر/2022  ، https://www.dostor.org/4172224

28- "الكشوف الكاملة لأسماء المعفو عنهم رئاسيًا خلال عام 2023" ، الدستور ، 22/أبريل/2023 ، https://www.dostor.org/4374277

29- محمد الشريف، "برلمانية: خروج محبوسين احتياطيًا يقضى على مزاعم «المنظمات المشبوهة» ، 22/مارس/2023 ، https://www.dostor.org/4344412

30- "عمرو أديب عقب قرار الإفراج الرئاسي: الدولة باتت مستقرة وتتحمل الرأي والرأي الآخر"،  القاهرة 24 ،  24/أبريل/2022 ، https://www.cairo24.com/1563123

31- "عمرو أديب: قرارات العفو الرئاسي تم استقبالها بسعادة بالغة في الأوساط الدولية" ، تحيا مصر 25/أبريل/2022  ، https://cutt.us/HHpUO

32-"«أحمد موسى» مشيدًا بمراكز الإصلاح: مصر ترعى حقوق الإنسان  "،  موقع بصراحة ،  20 مارس 2023، https://cutt.us/lyXTu

33- شريف سليمان"مشيرة خطاب لـ أحمد موسى: حقوق الإنسان بمصر وصلت لمستوى غير مسبوق في عهد السيسي"، الوطن ،30 يناير 2023، https://cutt.us/wUiNJ

34- محمد طه "أحمد موسي: السجون في مصر آدمية وترعى حقوق الإنسان" ، المصري اليوم، 21-03-2023 ،   https://cutt.us/kMIes

35- هاني حسين"نشأت الديهي عن حقوق الإنسان: مفيش على رأسنا بطحة " صدى البلد ، 18/يوليو/2022، https://www.elbalad.news/5362846

36- محمود البدوي، "مشيرة خطاب لـ نشأت الديهي: حقوق الإنسان لبنة أساسية في بناء الجمهورية الجديد" ، الوطن ، 12 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/KuVHA

37- منيرة غلوش، " لجنة العفو الرئاسي مستمرة في الافراج عن دفعات جديدة" ، الجمهورية، 01 يناير 2023 ، https://cutt.us/7Nnv0

38- طارق الخولي: لجنة العفو الرئاسي لم تتوقف يوما عن العمل" ، موقع منقول، 27 فبراير 2023 ، https://cutt.us/sZ354

39- مصطفى أحمد، "محمد الباز للخارجين بعفو رئاسي: اغتنموا الفرصة ولا داعي لمظلومية زائفة"، الاخبار، 13 مايو 2023 ،  https://cutt.us/M6SVw

40- "ما أسباب تراجع الاهتمام بملف حقوق الإنسان في مصر؟"، العربي الجديد ، 17 مايو 2023 ، https://cutt.us/UDym0