مصر توقف مشاريع كبرى بسبب أزمة الدولار.. العاصمة الإدارية أول الضحايا

السبت - 14 مايو 2022

فجَّرت تصريحات الإعلامي والنائب البرلماني المصري مصطفى بكري، حول وقف مشاريع قومية في مصر باستثناء مشروع "حياة كريمة" تجنباً لأزمة الدولار، حالة من الجدل والاتهامات المتبادلة بين عدد من المسؤولين والنواب البرلمانيين في مصر طوال الأيام الماضية، في الوقت الذي بحث فيه البعض عن إجابة لسؤال عما إذا كانت تصريحات بكري، المعروف بعلاقاته مع الأجهزة الأمنية تحمل دلالات أخرى.

 ردَّ وزير النقل المصري كامل الوزير على بكري دون تسميته، عبر مداخلات له مع برنامجي "الحكاية" للإعلامي عمرو أديب، و"على مسؤوليتي" للإعلامي أحمد موسى، المحسوبين على الأجهزة السيادية أيضاً، وقال الوزير في تصريحاته إن ميزانية  المشروعات القومية التي يتم تنفيذها حالياً تم توفيرها بالفعل من الدولة، ولو تم إيقافها ذلك  يهز الثقة  بأننا غير قادرين على استكمال المشروعات القومية، وتابع قائلاً: "لو أوقفنا المشروعات قد يقوم المستثمرون والشركات الأجنبية العاملة معنا باللجوء للتحكيم بسبب إيقاف العمل، ومصر قد تخسر كثيراً، فضلاً عن أن كل المشروعات توفر فرص عمل كثيرة للعاملين فيها".

لكنَّ الوزير أشار في تصريحاته إلى أن "المشروعات القومية الجديدة التي بها مكون دولاري كبير ولم يتم البدء فيها تتم دراستها جيداً قبل تنفيذها والوقوف على الجدوى الاقتصادية لها  في هذه المرحلة".

هل تمثل تصريحات بكري ورد الوزير عليها صراعاً جديداً بين الأجهزة السيادية حول المشروعات القومية؟! وهل هناك توجُّه من الدولة لإيقاف العمل في بعض المشروعات على الأقل لحين عبور الأزمة الاقتصادية ومشكلة نقص السيولة من العملات الأجنبية؟!

مصدر بمجلس الوزراء المصري، أجاب لـ"عربي بوست" قائلاً إن هناك مناقشات تجري بالفعل في الوقت الحالي في أروقة مجلس الوزراء حول جدوى استمرار أو إيقاف العمل في بعض المشروعات القومية التي تندرج تحت عنوان "كثيفة رأس المال"، بينما يمكن الاستمرار في المشروعات كثيفة العمالة، وكذلك المشروعات التي تحتاج إلى تمويل بالعملة الأجنبية، متوقعاً أن يبدأ تنفيذ قرارات إيقاف العمل في بعض المشروعات خلال الشهور القادمة وقبل نهاية العام الحالي، في ظل معاناة الدولة الواضحة من نقص السيولة من العملات الأجنبية.

وقال المصدر إن هناك بعض المشروعات التي توقف العمل فيها بالفعل أو يمكن القول تباطأ رِتم العمل فيها بسبب نقص السيولة من النقد الأجنبي واحتياج تلك المشروعات لمواد إنتاج مستوردة، من هذه المشروعات القطار الكهربائي بين مدينتي العين السخنة والعلمين، (وهو المشروع الذي يعتبره وزير النقل المصري كامل الوزير مشروعه القومي الأول، وبعض الإنشاءات الحكومية المتفرقة في العاصمة الإدارية الجديدة.

وحول التبعات المتوقعة في حالة إيقاف تلك المشروعات، وخصوصاً حقوق الشركات الأجنبية التي تساهم في تنفيذها وإمكانية اللجوء إلى هيئات تحكيم دولية، كما قال وزير النقل، أجاب المصدر بالقول إن مجلس الوزراء بصدد تشكيل لجنة تضم بعضاً من مستشاري المجلس القانونيين بجانب عدد من خبراء القانون الدولي والقوانين التجارية في الجامعات المصرية لتقديم تصوراتهم حول موقف مصر في حالة نشوب نزاعات قانونية مع الشركات الأجنبية، وتقدير حجم التعويضات التي يمكن أن يحكم بها لتلك الشركات حتى تؤخذ في الاعتبار قبل اتخاذ قرار بإيقاف العمل في المشروعات أو استمراره.

خلاف بين جهات سيادية

مصدر بجهاز سيادي مصري قال، في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، إن هناك انقساماً بالفعل بين الأجهزة السيادية على استمرار العمل في المشروعات القومية الكبرى التي تستنزف ميزانية الدولة احتياطياتها من العملات الأجنبية، خصوصاً في تلك الفترة العصيبة على الاقتصاد المصري، كاشفاً أن الخلاف بالأساس بين الأمن الوطني تحديداً من جهة، وبين الجيش المصري من جهة أخرى، مدعوماً من المخابرات العامة، بحكم أن القوات المسلحة تشرف على أغلب المشروعات القومية، وبالتالي ستكون هي الخاسر الأكبر في حال توقف تنفيذ تلك المشروعات.

 نظراً لأن أغلب المشروعات تحت التنفيذ بالفعل؛ ما يعني أن القوات المسلحة، وتحديداً وزارة الدفاع، أسندت التنفيذ إلى شركات مقاولات مدنية، ووقعت معها عقوداً، ودفعت لها دفعات تحت حساب التنفيذ، وبدأت الشركات في العمل بالفعل، وفي حال توقف العمل في المشروعات ستنشأ أزمة بين وزارة الدفاع وتلك الشركات التي ستطالب، دون شك، بالحصول على باقي مستحقاتها، ولن تستطيع الوزارة الدفع لها، مضيفاً: "صحيح أن كل الشركات المدنية لن تستطيع أن تفعل شيئاً للحصول على حقوقها؛ لأن القانون المصري يمنع مقاضاة الهيئات والجهات التابعة للقوات المسلحة، لكن على الأقل ستكون هناك أزمة ثقة يمكن أن تؤدي إلى انسحاب الشركات المدنية من العمل في المشروعات القومية حال تقرر استئناف العمل فيها لاحقاً.

وأرجع المصدر حالة التضارب التي يعيشها الإعلام المصري هذه الأيام، بين تأييد استمرار المشروعات القومية أو المطالبة بإيقافها، إلى الصراع بين الأجهزة السيادية؛ حيث يقوم كل جهاز بتسخير النواب والإعلاميين التابعين له في الدفاع عن وجهة نظره، وفي الوقت نفسه خلق حالة جدلية لدى الرأي العام لمعرفة توجهاته حيال تلك القضية.

من أين تأتي الأموال؟

من غير المعروف على وجه الدقة كيفية تمويل تلك المشروعات باهظة التكاليف، والتي لا تتناسب مع إيرادات الدولة، لكن باحثين تحدث معهم "عربي بوست" رجحوا أن تمويلها يجري من خلال القروض، وهو ما يفسر، من وجهة نظرهم، الارتفاع المخيف في معدل الاقتراض المصري خلال فترة حكم السيسي، سواء الديون الخارجية أو الداخلية، والذي ارتفع من 1.2 تريليون جنيه في بداية توليه مهام رئاسة الجمهورية، بحسب ما أعلن هو نفسه في لقاء تليفزيوني، ليصل إلى حوالي 5 تريليونات و547 مليار جنيه، لكن السيسي نفسه تجنب في أكثر من مناسبة الحديث عن مصادر تمويل المشروعات القومية، مكتفياً بإشارات غير كاملة، منها الإشارة إلى مساهمة من وصفها بـ"دول عربية شقيقة" في التمويل، دون الحديث عن أرقام محددة وتحديد المشروعات التي ساهمت تلك الدولة العربية الشقيقة في تمويلها، وفي مرة ثانية قال في مداخلة مع الإعلامي عمرو أديب: "إن أموال المشروعات القومية تأتي من مصر، احنا قادرين بفضل الله تعالى ونقدر نعمل كتير". دون أن يوضح من أين تأتي تلك الأموال تحديداً، ولماذا لا تظهر في الموازنة العامة للدولة؟!

الأمر نفسه فعله السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، حين أجرى مداخلة تليفزيونية لتوضيح مصادر تمويل المشروعات القومية، فقال ما نصه: "إن حسن إدارة أصول الدولة يوفر التكلفة المالية للمشروعات القومية"، دون أن يذكر أي مصدر تمويلي لتلك المشروعات!

سلبيات إيقاف العمل

في المقابل، اعتبر باحث في وزارة الاقتصاد أن إيقاف العمل في المشروعات القومية الآن سوف يرسل رسالة سلبية للمستثمرين الأجانب، ويؤثر على قدرة مصر في جذب استثمارات جديدة، واصفاً المشروعات التي تجري في مصر بأنها عمل عظيم يتم تنفيذه بشكل خاطئ، سواء من حيث مصادر تمويلها أو تحديد أولويتها وفقاً لظروف الاقتصاد المصري.

وأضاف أن مشكلة الدولة في السنوات الأخيرة أن كل شيء فيها يجري تنفيذه بشكل عشوائي دون الاعتداد أو حتى النظر لدراسات الجدوى والتقارير الاقتصادية التي يعدها المتخصصون في الوزارات المختلفة، وكان السيسي قد صرح، خلال حضوره منتدى إفريقيا عام 2018، بأن "مصر لو مشيت بدراسات الجدوى وجعلتها العامل الحاسم في حل المسائل كنا هنحقق 20-25% فقط مما حققناه".

ولفت الباحث إلى أنه يجب النظر في تبعات إيقاف المشروعات، أهمها فقدان من 3 إلى 5 ملايين فرصة عمل وفرتها المشروعات القومية، كما أن مشروعات إصلاح البنية التحتية في البلاد من طرق وكباري وشبكة سكك حديدية على سبيل المثال تمثل بداية مثالية لإصلاح الاقتصاد، فضلاً بالطبع عن أن وقف المشروعات القومية يعطي رسالة عكسية للاستثمار الأجنبي المباشر بعدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر، وبالتالي استبعادها من الدول ذات المناخ الجاذب للاستثمار.

لكن الباحث أكد أن ذلك لا يعني الاستمرار في تلك المشروعات على حساب البشر وتوفير احتياجاتهم، مشيراً إلى أنه من المفترض في الوقت الحالي أن تكون هناك إعادة ترتيب للاقتصاد المصري عبر إيقاف بعض المشروعات القومية الحالية التي تحتاج لتمويل كبير، ولن تدر عائدات سريعة، واستبدالها ببعض المشروعات الإنتاجية والصناعية، على أن تعاد جدولة المشروعات المتوقفة لاستكمالها على خطة خمسية أو عشرية، حسب أولويات احتياجات مصادر الإنفاق مع إعادة ضبط السياسات المالية والنقدية، وهذا هو الشيء الهام في المرحلة المقبلة.

المصدر: عربي بوست