مصر تقترض 368 مليون دولار من "النقد العربي" وتتجه لآخر من الدولي

الأحد - 30 يناير 2022

صندوق النقد الدولي يشترط (للقرض) توقف مصر عن دعم سعر الجنيه في السوق!

 

قدّم صندوق النقد العربي قرضاً تعويضياً جديداً لمصر، بمبلغ 87.7 مليون دينار عربي حسابي، (نحو 368 مليون دولار).

وقال الصندوق، في بيان نشره على موقعه الرسمي أمس السبت، إن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر قام بالتوقيع عن بلاده، بينما وقّع عن الصندوق رئيسه عبد الرحمن الحميدي.

وأشار الصندوق إلى أن هدف القرض الذي تم التوقيع على اتفاقه، الأربعاء الماضي، هو توفير الموارد المالية بما يدعم الوضع المالي للدولة ويلبي الاحتياجات الطارئة.

وأكد الصندوق أنه يتابع عن كثب تطورات الاقتصاد المصري والتحديات التي تواجهه جراء الظروف الراهنة، ويعمل من خلال شراكة مثمرة مع الحكومة المصرية لتوفير أنجع السبل لمواجهة التحديات المختلفة.

كانت مصر قد تلقت، الصيف الماضي، الشريحة الثانية من قرض بقيمة 639 مليون دولار من صندوق النقد العربي، والذي جاء في إطار تسهيل التصحيح الهيكلي التابع للصندوق، لمساعدة البلاد على تحسين وضعها المالي.

ويرفع القرض الجديد، وفقا لنشرة "إنتربرايز" الاقتصادية المحلية في تقرير لها اليوم الأحد، إجمالي عدد القروض المقدمة من صندوق النقد العربي إلى مصر إلى 15 قرضاً، تقدر قيمتها الإجمالية بنحو 2.6 مليار دولار.

وحصلت مصر، في وقت سابق من الشهر الجاري، على موافقة بنوك إماراتية وكويتية، تقدم الأخيرة بموجبها قرضاً مجمعاً للحكومة المصرية بقيمة إجمالية 3 مليارات دولار.

من جانب آخر، تواصلت مصر مع صندوق النقد الدولي خلال الشهور القليلة الماضية للنظر في إمكانية الحصول على قرض جديد إذا دعت الضرورة، بحسب مسؤولين حكوميين اثنين، وثالث مسؤول حكومي سابق، ورابع دبلوماسي غربي يعمل في القاهرة، وخامس مسؤول بارز بإحدى المجموعات المالية في مصر، تحدثوا إلى «مدى مصر» خلال الأسبوعين الماضيين بشكل منفصل، بشرط عدم كشف هوياتهم.

أشارت المصادر إلى أن القرار المصري للتقدم رسميًا بطلب الحصول على قرض يتوقف على ما ستجنيه مصر من مصادر الاقتراض الأخرى التي اعتمدت عليها في السنوات الأخيرة، وبالأخص: سوق الديون، وودائع الحلفاء من دول الخليج، وبيع الأصول الذي يتولاه صندوق مصر السيادي.

وعبر هذا القرض، تسعى مصر لتحقيق أهداف متنوعة، أحدها رمزي باعتبار الموافقة عليه تمثل «شهادة ثقة» في الأداء الاقتصادي، طبقًا لوجهة النظر الحكومية، وهدف آخر مادي يتمثل في أموال الصندوق منخفضة الفائدة مقارنة بسوق الديون.

يأتي هذا على خلفية أزمات عدة تواجه الاقتصاد المصري، إذ  يُنتظر أن تتزايد احتياجات الحكومة المصرية هذا العام للحصول على تمويلات لضمان الوفاء بالتزاماتها، خصوصًا في ظل استمرار ضعف الاستثمارات الخارجية المباشرة، وعدم كفاية عائدات التصدير بشكل عام. ومن ناحية أخرى، هناك تحديات مختلفة تنتظر منابع الديون المعتادة، بعضها بسبب تقلبات اقتصادية يشهدها العالم هذه الأيام، والأخرى بسبب علاقات إقليمية معقدة.

وحصلت مصر على قرضين من الصندوق خلال الأعوام الستة الماضية. الأول كان في 2016 بقيمة 12 مليار دولار عبر آلية تسهيل الصندوق الممدد. الميزة في هذا النوع هو ارتفاع حجم القرض وطول مدة السداد، والتي قد تصل إلى عشر سنوات، كما أنها لا ترتبط بمشاريع محددة وإنما تدخل إلى الموازنة.

القرض الثاني كان في 2020 بقيمة 5.2 مليار دولار، بعد تفجر أزمة «كورونا»، واستند إلى آلية الاستعداد الائتماني. ويعد هذا النوع قرضًا قصير الأجل ولا تتجاوز مدة السداد المتاحة له خمس سنوات.

هذه المرة، بحسب مسؤول بارز بأحد أهم المجموعات المالية في مصر، سيستند القرض الجديد في حالة إتمامه إلى نفس الآلية الأخيرة.

اختلفت المصادر حول القيمة المتوقعة للقرض، لكن مَلمحين أساسيين لا يبدو أن هناك خلافًا عليهما.

الملمح الأول هو نوعية القرض. أشار مصدر المجموعة المالية إلى أن الصندوق رفض اقتراحًا مصريًا أن يتم القرض باستخدام نفس الآلية التي حصلت بها مصر على قرض 2016. لكن رفض الصندوق استند إلى أن هذه الآلية تمثل حالة استثنائية ترتبط فقط بالأزمات الكبيرة. النوع الثاني المطروح حاليًا للتفاوض هو، بحسب المصدر نفسه، آلية الاستعداد الائتماني، التي تماثل قرض 2020.

الملمح الثاني هو وجود شروط ملحقة بالقرض سيكون على مصر الالتزام بها. بحسب المسؤول في المجموعة المالية، أعرب الصندوق خلال المفاوضات عن إحباطه من انخفاض الاستثمار الخاص، وعدم استجابة الجانب المصري إلى مطالب الصندوق بتعديل قانون المنافسة.

بعض المصادر أشارت كذلك إلى احتمالية أن يشترط الصندوق إجراءات تقشفية جديدة تتعلق بتقليص الدعم. لكن مصدر المجموعة المالية يعتبر أن مصر لا تحتاج إلى اشتراط هذا من قبل الصندوق لأنها «مَلكية أكثر من الملك فيما يتعلق بالتقشف»، بحسب تعبيره. التوجه المصري لتقليص الدعم مستمر في كل الأحوال.

الشرط الأهم، بحسب إجماع المصادر، هو توقف مصر عن دعم سعر الجنيه في السوق. على الرغم من تحرير سعر الصرف ضمن خطة إعادة الهيكلة الاقتصادية في 2016، حافظ البنك المركزي المصري على استقرار قيمة الجنيه عند حدود 15.7 جنيه للدولار الواحد. لتحقيق هذا الاستقرار، اضطر البنك المركزي كذلك للتدخل بشكل غير مباشر عبر البنوك المحلية المملوكة للدولة للدفع بدولارات في السوق. وبحسب المصادر، فإن نسبة الانخفاض المرتقب في قيمة الجنيه لن تتجاوز 5%.

تخفيض قيمة الجنيه، حسبما يوضح الباحث في الاقتصاد السياسي، وائل جمال، سيشكل تحديًا للحكومة للوصول إلى قيمة تُرضي مطلب الصندوق دون أن يتسبب هذا في أذى كبير لمستويات المعيشة في مصر، والتي تسهم سياسة دعم الجنيه هذه في حمايتها.

و في آخر قرض حصلت عليه مصر، منتصف 2020، أشار خبراء الصندوق إلى عدد من المخاطر التي قد تواجه مصر. استند هؤلاء الخبراء في تقييمهم إلى افتراض عودة النشاط الاقتصادي المحلي والدولي لطبيعته بحلول نهاية 2020. «مع هذا، قد تتسبب صدمة أكبر و/أو أطول للنشاط الاقتصادي، وتأخر التعافي، في تفاقم التمويلات العامة، بما يتسبب في احتياجات تمويلية أكبر، ودين عام أكبر، ومخاطر لاستدامة الدين»، بحسب تقرير الخبراء. «الأكثر، قد يتسبب تضييق أكبر في ظروف التمويل الدولية في تجديد الضغط على تدفق رأس المال وتكاليف الاقتراض الحكومي».

وفي كل الأحوال، فإن تفاقم الديون الخارجية المصرية بشكل عام على اختلاف مصادرها يمثل خطرًا مستمرًا في حالة حدوث أي أزمات عالمية قد تؤثر على تدفق الديون أو قدرة مصر على الالتزام بسدادها.

المصدر: العربي الجديد+ مدى مصر