مصر: 10 ملايين جنية تكلفة حفل زواج موظف بالصحة..من دفعها؟ ولماذا؟

السبت - 18 يونيو 2022

شبكة فساد واسعة تكشف ارتباط أصحاب الأموال بالسلطة.. ووالد العروس أحد مكوناتها

نشرت جريدة البلاغ التي يرأس تحرير الصحفي عبده المغربي تقريرا يؤكد أن "مصطفى قراقيش" والد عروس خالد مجاهد المتحدث السابق باسم وزارة الصحة، وهو بائع طعمية سابق، اشتهر بعلاقته بالمسئولين، هو من دفع 10 ملايين جنيه كتكلفة لحفل الزواج.

 حفل زفـاف مجاهد، الذي أُقيم في فندق “النيل ريتز كارلتون” قبل أيام، تم إخراجه لتوصيل رسائل سياسية، وتحت سمع وبصر أجهزة الدولة الفاسدة، وما زال مشكوكا في مصادر تمويله.

وكلام جريدة البلاغ يأخذ الرأي العام المصري في اتجاه آخر تماما يغطي على الحقيقة، إذ من المعلوم أن "العريس" هو من يقوم بتكاليف حفل زواجه، كما أن "بائع الطعمية" لا يمكن أن ينفق 10 ملايين على متحدث وزارة الصحة. السؤال الأهم: من أين لمجاهد هذه المبالغ الطائلة وهو موظف بدرجة متوسطة بوزارة مصرية سقف راتبه الشهري بكل حوافزه لا يتعدى عشرة آلاف جنيه؟

ضجّة كبيرة في أوساط النخبة والعامة على السواء، بسبب مظاهر البذخ والترف التي أظهرتها صور الحفل، بما لا يتناسب إطلاقًا مع دخل “العريس”، وهو مجرد طبيب، لا ينتمي إلى عائلة ثرية، لكن الجهات التي أخرجت الحفل على هذا النحو هي من دفعت أو ساهمت في دفع التكاليف على الأقل.

10 ملايين جنيه في ليلة واحدة

سبب الضجة التي أثارها الحفل هو حجم المدعوين والمطربين وتجهيزات الفرح التي زادت كلفتها على 10 ملايين جنيه في ليلة واحدة، بعضها كان أجرا للمطربين والراقصات، وهو مبلغ ضخم مقابل ثلاث ساعات هي كل وقت الحفل، في حضور عدد من المسؤولين والوزراء والمحافظين ومشاهير الفن.

كانت أبرز أسئلة الناس: كيف تسنى لطبيب، أو مجرد موظف عام سابق فى وزارة الصحة، أن يحصل على تلك الثروة التى ينفق منها يمينا وشمالًا بلا مبالاة، رغم أنه عمليا عاطل عن العمل منذ عام تقريبا، بعدما أطاحت فضيحة الرشوة الكبرى في مكتب وزيرة الصحة هالة زايد بها وبه، معاً؟!

والمدهش فى هذا الحضور، أنه جمع المدرجين فى دائرة المغضوب عليهم أمثال الفريق شفيق، والوزيرة المُقالة هالة زايد، كما جمع عناصر بارزة في النظام، وكوكبة من الإعلاميين القريبين من دوائر القرار، أمثال لميس الحديدي ومصطفى بكري، والصحفى مجدى الجلاد، الغائب عن المشهد الإعلامي منذ سنوات بعد إقالته من رئاسة تحرير جريدة “الوطن”، وانضمامه إلى شلة رجل الأعمال نجيب ساويرس رئيسًا لتحرير منصته الإعلامية “مصراوي”، حتي بات “الجلاد” يحسب نفسه على المعارضة، ولو على استحياء!

قاض متواطئ بقتل الرئيس مرسي

الأغرب من ذلك كله، هو ظهور طائفة من كبار المستشارين والقضاة، لا تجمعهم بالعروسين وأهلهما علاقة من أى نوع، على رأسهم المستشار محمد عبد الواحد، نائب رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات والقاضي محمد شرين، الذي تواطأ علي قتل الرئيس مرسي في قفص الاتهام، رغم تحذير الرئيس من محاولات قتله.

واكتمل مشهد الفرح بعمرو دياب الذى أحيا الحفل مقابل أجر 2 مليون جنيه، ومحمد رمضان، وهيثم شاكر وتامر عاشور ومحمود الليثي، وكلهم تقريبا غنى فى الفرح، ومعهم المدعوة الدائمة لأفراح الكبار حاليا إلهام شاهين، بصحبة زميلة جيلها نبيلة عبيد.

هل دفع بائع الطعمية 10 ملايين؟

لغز هذا الفرح – ببساطة- ليس فى حجم تكلفته، بل فيما هو أبعد من ذلك وأخطر، إنه فى اسم الرجل الذى دفع فاتورة الفرح – وما بعده- من رحلة شهر العسل إلى تركيا، وما وراءها من تفاصيل تصلح لأن تكون رواية مثيرة عن عالم السلطة والمال في مصر.

فى منتصف الثمانينيات، كان لدى “مصطفى قراقيش” محل فول وطعمية بشارع جسر السويس، تحديدا في منطقة بجوار عمارات الشرطة، مطعم بسيط، يديره رجل فى جلباب أبيض يقوم بـ “قلي الطعمية”. هذا الرجل تروج منصات السلطة أنه هو من دفع فاتورة فرح “النيل ريتز كارلتون”!!

وكان من حظ “مصطفى قراقيش” ابن حى عين شمس أن جاره فى أيام الطفولة والدراسة هو سمير رجب، الذى سيصبح بعدها واحدا من أهم رجال نظام مبارك فى بلاط صاحبة الجلالة، فبمجرد أن جلس “سمير” على كرسي رئاسة التحرير في جريدة “الجمهورية”، بدأ صاحبنا فى توسعة المطعم، وتحويله إلى كافيه كبير يحمل اسم “قراقيش”، أصبح زبائنه ضباطًا وشخصيات مسئولة مباشرة بعد انتشار خبر علاقة صاحب الكافيه بسمير رجب، الذى وجد هو الآخر فى “ابن حتته” بوابة خلفية للكثير من نشاطاته.

وصارت “كبسولات” سمير رجب فى “الجمهورية” هي الجناح المسلح للثنائى “رجب” و”قراقيش”، الذى أصبح معروفًا بعدها على نطاق واسع فى معظم دوائر القرار باسم “مصطفى قراقيش”

يهاجم “رجب” أحد المسئولين فى مقالاته، فيسارع “قراقيش” لقطف الثمار بمقابلة هذا المسؤول، مرة يحصل على قرار تخصيص، ومرات على موافقات، مقابل وعد بـ “تلطيف الأجواء” بين المسئول وسمير رجب.

حدث هذا كثيرا مع محافظ القاهرة الأسبق الذى منح “قراقيش” أرض أول محطة بنزين امتلكها على الطريق الدائرى في التجمع الأول، قبل انتقال تبعية المنطقة لوزارة الإسكان.

حصل “قراقيش” على المحطّة، وقام بتشغيلها ثم بعد ذلك باعها، ليحصل على أخرى من رئيس هيئة الطرق، الذى منحه تراخيص لاستراحات وكافتيريات ومحطات وقود عديدة على طريق القاهرة- الإسماعيلية.. وتوالت العطايا!

سمير رجب وقراقيش

تواترت الأنباء عن شراكة بين سمير رجب وقراقيش، لكن جهة تحقيق واحدة لم تفتح ذلك الملف، بعدها تعرف قراقيش على ضياء القبانى رجل صناعة الزيوت، إذ كان “ضياء” يعيش فى أمريكا، وقد بلغ درجة من الثروة فاقت الوصف، حتى أنه كان يمتلك طائرة خاصة فى الفترة التى لم تكن تلك الفكرة قد وصلت إلى ذهن محمد أبو العينين، ولا إلى أحمد عز، وأمثالهما.

أنشأ “ضياء” مصنعا للزيوت فى الاسكندرية، بتمويل من بنوك مصرية، وقتها التقاه مصطفى قراقيش، عبر الطبيب الشهير مصطفى المنيلاوي، وذات مرة خلال لقاء جمعهم على مائدة غداء فى مطعم “سيجال المكس” بالإسكندرية، انبهر قراقيش بحجم علاقات ونفوذ القباني، فطلب منه أن يسهل له جلب شاحنات نقل البترول، لأنه يريد دخول هذا المجال بمساعدة صديقه سمير رجب طبعا.

كان هذا الغداء مصباح علاء الدين لـ “قراقيش” فقد كشف له قبانى عن رسالة شاحنات أمريكية ستسلم إلى الحكومة المصرية ضمن برنامج المعونة “إيد”، وأنه يستطيع تسهيل حصوله على 20 شاحنة، يبلغ طول الواحدة منها 12 مترا، بأسعار رمزية.

انتهت حياة ضياء القبانى مباشرة عقب إتمام تلك الصفقة، في حادث جوي مأساوي، وهو قادم من الولايات المتحدة بطائرته الخاصة التي كان يقودها هذه المرة بنفسه دون طيار أو مضيفات، وكان مقررا له أن يهبط فى مطار برج العرب قبل الطيران إلى القاهرة، لكنه أخطأ فى حساب كمية الوقود، فقرر مواصلة الطيران إلى مطار القاهرة دون الهبوط في برج العرب، وفوق صحراء بلبيس نفد الوقود فجأة فهوت طائرته ليلقى مصرعه في الحال.

وشكّلت لعبة الشاحنات الأمريكية قفزة في ثروة “قراقيش”، إذ عملت تلك الشاحنات فور تسلمها لحساب هيئة وشركات وزارة البترول، ليل نهار، بعد إبرامه تعاقدات ملزمة معها بفضل علاقته الوطيدة مع سمير رجب، الرجل القوي في نظام حسني مبارك وقتها، فكـانت تُدر عليهما ملايين الجنيهات يوميا.

دور أشرف السعد

قبل تلك الفترة بقليل، تعرّف “قراقيش” على توأمه الآخر، عن طريق سمير رجب أيضا، وهو طبيب تخرج فى طب الأزهـر، لكنه لم يعمل بالطب يوما، بل شق طريقه إلى شركات توظيف الأموال التى كانت صيحة ذلك الوقت في مصر.

تقرّب الطبيب من أشرف السعد، وعمل مساعدا له، وذات يوم أمره السعد بنقل 50 سيارة إلى ساحة انتظار فى شارع عباس العقاد بمدينة نصر، خلف مستشفى التوفيقية، وتسليمها هناك.

كان فى انتظار تلك السيارات سمير رجب الـذى يسكن هناك، وقد ضغط على أشرف السعد ليمنحه حملة إعلانية ضخمة، فقال له “السعد” إنه لا يملك سيولة، لكنه سيدفع له السيارات لكي يبيعها، مقابل أن يسانده بدلا من مهاجمته.

وعرفت إدارات الصحف القومية الأخرى اللعبة نفسها، وكررتها مع أمثال حسام أبو الفتوح وغيره، ما خلق رواجا في سوق السيارات، وفتح قناة واسعة لتربّح القائمين على تلك الصحف، وتسبب هذا الأمر بعد الثورة فى محاكمة عدد منهم، ولا ننسى عهدى فضلى رئيس مجلس إدارة “الأخبار” الذي توفى فى السجن، على ذمة واحدة من هذه القضايا، ناهيك عن قضية “هدايا الأهرام”

دور “قراقيش” كان التصرف فى تلك السيارات بالبيع مع فارق السعر، لحساب “سمير” وحسابه وكانت تلك الواقعة سبب تعرف قراقيش شريك رجب الخفى على طبيب توظيف الأموال، ومساعد أشرف السعد الخفى أيضا.

توطدت الصداقة بين الاثنين، وسيكون لهذا الطبيب دور فى حفل الزفاف الذى أثار الضجة الأخيرة، فقد كان هو الداعى الرئيسى لحضور كثير من الشخصيات التى لا يجمع بينها أى علاقة، وعلى رأسهم “شفيق”، فقد اصطحب الطبيب “شفيق” من منزله إلى الفندق، واصطحبه أيضا قبل أيام إلى حفل زفاف ابنة شقيقته فى العبور، وظهر معه فى عزاء الفنان سمير صبري.

كما كان الطبيب الغامض هو صاحب دعوة محمد رمضان، الذى جمعته به علاقة قوية منذ تصويره بعض أعماله فى مزرعة الخيول التى يملكها الطبيب الغامض فى كرداسة، كما أن ذلك الطبيب هو الصديق المقرب لـ عمرو أديب وزوجته لميس الحديدى.

والغريب أن الطبيب المقرّب من “قراقيش” وغالبية المدعوين، حرص على عدم التقاط صورة واحدة له خلال الحفل، خوفا من غضب دوائر رسمية، فهو واحد من اللاعبين الكبار على كافة الحبال فى مصر، وربما تعرفونه بقصة زواجـه من الممثلة المشهورة، ثم تطليقه لها بعد ارتدائها الحجاب!

"قراقيش"  هذا صاحب علاقات متشابكة كثيرة تكشف جبالا من الفساد منذ دولة مبارك وحتى عصر الانقلاب الذي تئن مصر كلها تحت وطأة تداعياته، بينما يعوم الفاسدون والمرتشون على بحار من أموال الشعب المنهوبة.