مصر: توقعات بخفض قيمة الجنيه 15%.. واقتصاديون: التوقيت غير مناسب

الخميس - 10 مارس 2022

توقع بنك الاستثمار جيه.بي مورجان، أن تتجه مصر لخفض قيمة الجنيه، مدفوعة بالضغوط المالية التي تواجهها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تسببت في ارتفاع أسعار الغذاء والمواد الأولية، وكذلك احتمالات تراجع معدلات السياحة الروسية والأوكرانية.

وقال البنك أمس: «نتوقع أن تكون هناك حاجة الآن على الأرجح إلى خفض سعر الصرف»، مقدرًا أن الجنيه المصري حاليًا أعلى من قيمته بأكثر من 15%

وقال مصرفيون لرويترز: إن المستثمرين يقلصون مراكزهم في مصر منذ الغزو الذي بدأ في 24 فبراير، مما يعكس مخاوف من عجز كبير في الحساب الجاري والميزانية في مصر.

ويقول المصرفيون: إن المستثمرين يخشون تقلص قيمة حيازاتهم إذا اضطرت مصر لخفض قيمة عملتها.

وقال محللون لدى بنك الاستثمار جيه.بي مورغان في تقرير، الثلاثاء الماضي، إن الجنيه المصري مقوم بأعلى من سعره الحقيقي بنسبة 15 في المئة، وإنه ستكون هناك حاجة إلى خفض سعره خفضا كبيرا.

وطرح «جي بي مورجان» ثلاثة سيناريوهات محتملة قد تتعامل بها مصر مع الجنيه. الأول هو الإبقاء عليه دون تغيير، والثاني يتمثل في تحريك بالخفض بنسبة قليلة في سيناريو مشابه لما جرى في السنة المالية 2015/2014، والذي شهد خفض قيمة الجنيه 5%، أما السيناريو الثالث فهو الخفض بنسبة 15% في إطار برنامج مع صندوق النقد الدولي.

وتوقع «جي بي مورجان» من السيناريوهات المطروحة تخفيض قيمة العملة بواقع 8.5%، مضيفًا أن السعر المستهدف هو وصول العملة المحلية إلى 17.25 جنيه مقابل الدولار.

ورجح محللو «جي بي مورجان» احتياج مصر لمزيد من المساعدة من صندوق النقد الدولي. ورهن المحللون لجوء مصر لمساعدات صندوق النقد باستمرار تزايد ضغوط الأسواق المالية.

وكانت مصادر حكومية ودبلوماسية قالت لـ«مدى مصر» في تصريحات سابقة خلال يناير الماضي، إن مصر تواصلت مع صندوق النقد خلال الأشهر القليلة الماضية للنظر في إمكانية الحصول على قرض جديد إذا دعت الضرورة، مشيرة إلى أن القرار المصري للتقدم رسميًا بطلب الحصول على قرض يتوقف على ما ستجنيه مصر من مصادر الاقتراض الأخرى التي اعتمدت عليها في السنوات الأخيرة، وبالأخص: سوق الديون، وودائع الحلفاء من دول الخليج، وبيع الأصول الذي يتولاه صندوق مصر السيادي، وهي المصادر التي تواجه جميعًا أزمة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

وتأتي توقعات «جي بي مورجان» سواء بخفض قيمة العملة المحلية أو اللجوء للاقتراض من صندوق النقد بسبب ما تواجهه مصر وبقية الأسواق الناشئة من موجات هروب الاستثمارات الأجنبية غير المباشر في أدوات الدين الحكومي منذ بداية الحرب الروسية/ الأوكرانية في 24 فبراير الماضي حين باع المستثمرون الأجانب سندات حكومية بقيمة 1.2 مليار دولار خلال ثلاثة أيام فقط بحسب «رويترز»، التي كانت قد رصدت تخارج الأجانب من سندات حكومية بقيمة ثلاثة مليار دولار منذ بداية الحرب حتى الثاني من مارس الجاري.

وكان اللافت أن تخارج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية يعد مأزقًا تاليًا لآخر متعلق بالنقد الأجنبي، وهو تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك، والتي يمثل تراجعها لمستويات سالبة ضغطًا على قيمة العملة المحلية، حيث بلغ صافي الأصول الأجنبية سالب 7.1 مليار دولار، بنهاية نوفمبر الماضي بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

ويمثل صافي الأصول الأجنبية حجم ما تملكه البنوك من أصول بالعملة الأجنبية (ودائع، أوراق مالية…)، مخصومًا منه التزاماتها بالعملة الأجنبية. ويعني تسجيله قيمًا إيجابية امتلاك البنوك فائض نقد أجنبي يفوق التزاماتها، أما صافي الأصول الأجنبية بقيمة سالبة فيعنى أن التزامات البنوك بالنقد الأجنبي تفوق ما تملكه منه.

وقد دفع تراجع صافي الأصول الأجنبية مصر لمد أجل وديعة سعودية بقيمة 2.3 مليار دولار لـ2026.

وحول واقعية سيناريوهات «جي بي مورجان» المطروحة للتعامل مع الوضع المالي الحالي فيما يخص العملات الأجنبية بمصر، ومدى مساهمة تخفيض قيمة العملة المحلية في معالجة المشهد، قال محلل الاقتصاد الكلي بـ«أرقام كابيتال» نعمان خالد لـ«مدى مصر»، إن تراجع الإيرادات السياحية من روسيا وأوكرانيا (1/ 2 مليار دولار متوقعة بالخفض)، وكذلك ارتفاع أسعار القمح والبترول مجرد أسباب ثانوية ضاغطة على موارد العملة الأجنبية بمصر، بينما يمثل عاملا خروج الأجانب من أدوات الدين المحلية، وتراجع صافي الأصول الاجنبية بالبنوك ضغوطًا رئيسية على العملة الأجنبية، التي قد تضطر الحكومة لمعالجتها -ولو جزئيًا- بخفض قيمة العملة المحلية.

وأوضح خالد أن خفض قيمة العملة المحلية أمام الدولار يُطمئن المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومية ويعيدهم للسوق المصري مرة أخرى، مثلما حدث بعد تحرير سعر الصرف في 2016، لافتًا إلى أن ما قد تلجأ له الحكومة حاليًا من تحريك لسعر العملة ليس تحريرًا، بالإضافة إلى أن خفض قيمة العملة المحلية، يسهم في تخفيض حجم الواردات المقومة داخليًا بقيمة أقل من قيمتها نظراً لأن الجنيه يتم تداوله بقيمة أعلى من قيمته الحقيقية.

وقال خالد إن البديل لخفض قيمة العملة هو الاقتراض من الخارجي وهو أمر غير واقعي و غير متاح في الظرف الراهن، بحسب قوله.

واتفق كل من أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة عالية المهدي والباحث الاقتصادي وائل جمال أن العملة المحلية مدعومة من قبل البنك المركزي من خلال ما يطلق عليه التعويم المدار، غير متيقنين أن التوقيت الحالي هو الأنسب لتحريك سعر العملة أو اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الذي قد تتضمن شروط إقراضه تحريك سعر الصرف.

وقالت المهدي إن «جي بي مورجان» مؤسسة معتدلة وليس لديها مبالغات في التقييم ما يجعلنا ننتبه للسيناريوهات المطروحة من جانبها، لافتة إلى أن هناك مؤشرات اقتصادية تؤكد حقيقية تقييم الجنيه بأعلى من قيمته من بين هذه المؤشرات ارتفاع معدلات التضخم، والعجز في الميزان التجاري في ظل استقرار سعر الصرف عند 15.6 جنيه للدولار يؤكد أن الجنيه مقوَم بأعلى من قيمته.

وتعتبر المهدي التوقيت الحالي «غير مناسب» بحسب وصفها لتحريك سعر العملة التي استمر دعمها لأكثر من خمس سنوات تالية للتعويم، مشيرة إلى أن تحريك سعر العملة في سوق يعاني من معدلات تضخم مستوردة الناتجة عن ارتفاع الأسعار عالميًا حتما سيرفع الأسعار المرتفعة بالفعل بسبب الزيادات في الأسعار العالمية. وقالت المهدي: «لازم نهدي شويه لحين وضوح الرؤية فيما يتعلق بالأزمة الروسية».

وحول البدائل المطروحة لخيار تحريك سعر العملة المحلية قالت المهدي «أنا ضد صندوق النقد لحل الأزمة»، موضحة «في كل حرب فرصة» وعلى الحكومة البحث عن فرصتها في هذه الحرب كأن تلتفت لنقاط القوة في مواردها الدولارية (الصادرات، وتحويلات العاملين في الخارج، وقناة السويس) في اللحظة الراهنة وتعظمها، على سبيل المثال.

وقال جمال عن الآثار السلبية لتحريك سعر الصرف، إنه بمجرد وجود إشارات عن تحريك سعر الصرف حدثت زيادات واقعية لأسعار سلع متوفرة، لذا فإن تحريك سعر الصرف حاليًا سوف يُعظم الآثار السلبية للتضخم المستورد.

المصدر: مدى مصر