مصر: تقنين نهب أموال "الإخوان" والمعارضين بالمخالفة للدستور

السبت - 4 فبراير 2023

  • حكومة الانقلاب تبدأ إجراءات تمرير قانون لسرقة أموال المعارضين  ووضعها خارج موازنة الدولة
  • مواد تسمح للحكومة بحرية التصرف في الممتلكات المُصادرة..  واستحداث جهاز خاص لإدارتها
  • جهاز إدارة الأموال يلغي عمليا اللجنة القضائية للتحفظ ويمهد لطرح الممتلكات للبيع للأجانب
  • الحكومة أدرجت أكثر من 12 ألف معارض على قوائم الإرهاب وتحفظت على أموالهم جميعا
  • استيلاء الدولة على ممتلكات "الإخوان المسلمين" وغيرهم دفع المستثمرين الأجانب للهروب
  • "كارنيجي ": السطو على أموال المعارضين بدون أي سند قانون أو حكم نهائي يخالف الدستور
  • قانون "مكافحة غسيل الأموال" أطلق يد السلطات في مصادرة الأموال دون حكم قضائي
  • تعديل قانون الإجراءات الجنائية  يهدد بمخاطر كبيرة لمسار العدالة بالمؤسسات القضائية
  • قانونيون : التعديلات الجديدة تشمل 330 مادة وهو ما يعني إقرار قانون جديد يثَبّت الطوارئ 
  • خلف بيومي: التعديلات الجديدة تتماهي  مع رغبة السلطة في تقويض أسس العدالة

 

إنسان للإعلام- خاص:

يواصل السيسي وحكومته مسلسل تشريع قوانين وإجراء تعديلات متعسفة على قوانين قائمة بشكل غير دستوري، ويخالف الثوابت والأعراف القانونية؛ لنهب أموال المعارضين ووضعها خارج موازنة الدولة في صناديق خاصة، تسمح في النهاية ببيعها لأشخاص داخل الدولة أو خارجها!

قدمت حكومة السيسي، خلال الأيام الماضية، تعديلات على قانونين سيقوضان مسار العدالة بمصر، أولهما  بخصوص مشروع قانون لنقل أموال الإخوان والمعارضين  خارج موازنة الدولة، تمهيدا لإطلاق يد السلطة في السطو عليها، والتصرف فيها بالبيع ، دون أدنى مراقبة من اجهزة الدولة.

والثاني بخصوص تعديل جديد لقانون الإجراءات الجنائية للمرة السادسة منذ تولي السيسي الحكم بعد انقلاب 3 يوليو، لتثبيت الوضع الاستثنائي وفرض الطوارئ طول الوقت، وهو ما يهدد عمل المؤسسات القضائية ويحيط مسار العدالة بمخاطر غير مسبوقة.

من خلال سطور هذا التقرير نرصد هذه التعديلات وأثرها المؤسسات الدولة وعلى أفراد المجتمع ككل.

أموال الإخوان خارج الموازنة

بدأ برلمان السيسي إجراءات تمرير  مشروع قانون مقدم من الحكومة لإنشاء جهاز جديد لإدارة والتصرف في الأموال المصادرة والمتحفظ عليها، التي آلت ملكيتها للدولة، بما فيها أموال جماعة الإخوان المسلمين، ما أعتبره المراقبون تمهيدا للسطو على هذه الأموال .

وكشف موقع "مدى مصر" المستقل أن لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب ناقشت المقترح في اجتماع منعت وسائل الإعلام من تغطيته، ويمنح المشروع الجهاز الجديد، سلطة التعاقد مع شركات والمشاركة بحصة عينية مع صندوق مصر السيادي عند إدارته لتلك الأموال أو الأصول.

ونقل الموقع عن مصدر قضائي لم يذكر اسمه، أن تلك الصلاحية هي بمنزلة باب خلفي لتقليص موارد الخزانة العامة للدولة لصالح قنوات موازية، ومقدمة لطرح تلك الممتلكات (مدارس، مستشفيات، شركات)، للبيع للأجانب.

وقال مصدر قضائي آخر بمحكمة النقض: إن مشروع القانون يفرغ القانون الصادر في أبريل  2018 بشأن تشكيل لجنة قضائية مستقلة لتنظيم إجراءات التحفظ والحصر والإدارة، والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين، من فحواه، ويسلب اللجنة القضائية اختصاصها الخاص بإدارة الأموال المتحفظ عليها، ونقل الأموال المصادرة إلى خزينة الدولة.

يهدف مشروع قانون الحكومة الجديد، بحسب المصدر القضائي، إلى إخراجها من موازنة الدولة، مؤكدا أن نقل ملكية أي من الأصول التابعة للجهاز الجديد للقطاع الخاص أو الصندوق السيادي، سيتبعه خروجها من الموازنة العامة للدولة.

وكان مركز كارنيجي للشرق الأوسط، قد ذكر في تقرير سابق له تحت عنوان "انتزاع السيسي لممتلكات الإخوان المسلمين"، أن الأموال التي تم الاستيلاء عليها "لم يصدر بشأنها حكم قضائي واحد نهائي. وهو ما يخالف الدستور، حيث تنص المادة 33 من الدستور على أن تحمي الدولة الملكية. بينما تنص المادة 35 على أن الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا بحكم قضائي".

وأوضح التقرير أن "استيلاء الدولة المصرية على أصول وممتلكات جماعة الإخوان المسلمين، يقوض سيادة القانون، وقد يزيد من الانتقادات التي توجهها المنظمات والمستثمرون الأجانب إلى النظام"، مشيرا إلى أن القانون يمكن النظام من تصنيف أي شخص يريدونه على إنه إرهابي، ومن ثم مصادرة ممتلكاته دون أي إجراءات قانونية.

وأكد التقرير أن الدافع الأقوى والأرجح وراء تلك الهجمة الشرسة، هو احتياج النظام الشديد لدخول تلك الأموال إلى الخزانة العامة للدولة، فمنذ تحرير سعر الصرف (عام 2016)، والنظام يسعى بكل ما لديه من قوة لجمع الأموال من الشعب، سواء من خلال سن تشريعات جديدة، أو فرض ضرائب ورسوم على المواطنين.

قال القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد سودان: "استولى الانقلاب الدموي على جل الشركات والمصانع والمؤسسات، حتى المدارس التابعة للإخوان المسلمين، ولكن بقيت هذه المؤسسات تابعة لرقابة أجهزة الدولة وخاصة وزارة المالية، ولكن الآن يعتزم السيسي الاستيلاء على هذه الأموال خالصة له دون تدخل من قبل أي أجهزة رقابية، كما هو الحال في العديد من الصناديق مثل صندوق تحيا مصر".

ورأى سودان، في تصريحات لـ"عربي 21"، أنه "يمكن أن نسمي هذا القرار، سرقة بالإكراه، لصالح السيسي شخصيا و ليس النظام، أو الدولة، وبهذا القرار وبغيره أصبحت مصر متجهة وبأقصى سرعة نحو الهاوية، وبقيادة سائقها الأعمى السيسي"

وكان مجلس النواب المصري وافق في أبريل 2018 على مشروع قانون مقدم من الحكومة، ينظم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال من اعتبرتها "جماعات إرهابية وإرهابيين"، على أن تؤول إلى موازنة الدولة.

كذلك، أقر البرلمان تغيير مسمى القانون من "تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال جماعة الإخوان الإرهابية"، إلى "أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين".

وفي سبتمبر 2013، أصدرت "محكمة القاهرة للأمور المستعجلة" حكما بـ"حظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأي مؤسسة متفرعة عنها، أو تابعة لها، والتحفظ على جميع أموالها؛ العقارية، والسائلة، والمنقولة".

وبناء على هذا الحكم القضائي، شكّلت الحكومة المصرية، في كانون الثاني/ يناير 2014، لجنة لإدارة الأموال والشركات والجمعيات المملوكة لـ"لجماعة الإخوان"، تحت مسمى "لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان".

وفي يناير 2016، أعلنت اللجنة المذكورة أنها تتحفظ في الوقت الراهن على 62 شركة و1125 جمعية أهلية تابعة للجماعة، وأموال 1370 شخصا، والتحفظ على 19 شركة صرافة، بإجمالي أموال بلغت 5 مليارات و556 مليون جنيه مصري (نحو 311 مليون دولار حينها).

ومنذ ذلك التاريخ، أصدرت اللجنة عددا من قرارات التحفظ دون بيانات إجمالية عن حجم الموجودات والأموال التي تتحفظ عليها ويقدره البعض بما يقرب من 80 مليار جنية لا يعرف مصيرها أحد .

ترسيخ عقيدة استئصال الإخوان  

يرى السياسي والبرلماني المصري السابق، الدكتور محمد عماد صابر، أن "دلالة هذا المشروع الآن أن نظام السيسي جلب لمصر الخراب وأوصلها لطريق مسدود ليس له من حل، وثانيا: السيسي يشرب من كأس الإخوان الآن، بعد أن تخلى عنه جميع الداعمين باعترافه هو ، قولا واحدا، مصر ليست دولة قانون ولا مؤسسات، مصر وحدة عسكرية مختطفة، سجناء السياسة فيها أسرى حرب وأموالهم غنائم، يحكمها ضابط متواضع الإمكانات، يموله الخليج وترعبه تحذيرات أمريكا والغرب".

وأضاف لـ"عربي21": "نظام السيسي لم ولن يتوقف عن عقيدة استئصال الإخوان، التي رسخها في نفوس وعقول الحكومة والبرلمان والقضاء والشرطة والإعلام، والنخب السياسية والاقتصادية والفنية الموالية، وما يصاحبها من تفصيل القوانين، إلى جانب أن شماعة الإخوان كانت وستبقى ليعلق عليها السيسي ونظامه كل الإخفاقات والفشل، ويبرر بها كل الانتهاكات والمظالم".

وأكد صابر أن " الإصرار على سيطرة جنرالات الجيش وليس المؤسسة العسكرية على الاقتصاد الرسمي والخاص بلا هوادة أو تهاون، حدث هذا مع أغلبية رجال الأعمال الذين فرضت عليهم الإتاوات دون وجه حق، أو فرض عليهم شراء أراض في صحراء العاصمة الإدارية جبرا، أو طلب منهم التنازل عن صحف وفضائيات يملكونها، وهكذا.

وأشار إلى "فساد أجهزة الدولة ومؤسساتها بكونها أصبحت أداة في يد السلطة وليست مؤسسات في خدمة الشعب، بداية من برلمان تفصيل القوانين، إلى قضاء إصدار التعليمات في صورة أحكام، إلى الأجهزة الأمنية التي تجاوزت الدستور والقانون والقضاء والبرلمان.. قولا واحدا أنت في مصر ممتلكاتك في خطر مهما قلت، ظن البعض أن الصراع دائر على الإخوان لخصومات سياسية، ثم تغير الظن ليضم بعض رجال الأعمال، ثم ها هو الآن في مربع البسطاء والفقراء"."1"

تسهيل  مصادرة الأموال "بالقانون"

وفي مايو 2022 مرر برلمان السيسي،  تعديلات قانون "مكافحة غسيل الأموال" الذي أثار مخاوف لدى الكثيرين من إطلاق يد السلطات الأمنية في مصادرة الأموال دون حكم قضائي بالمخالفة لمواد الدستور، وجعلها رهن تقارير "أمنية".

وجعلت التعديلات تلك الجريمة مستقلة بذاتها، ولا تشترط صدور حكم بإدانة مرتكبها في الجريمة الأصلية، متى توافرت للجهات الأمنية أدلة على أن الأموال ناتجة عن أفعال من شأنها الإضرار بـ"أمن البلاد".

وأثناء جلسة التصويت على التعديلات اعترض عدد من النواب على التعديلات كونه يتجاوز قرينة البراءة ويفتح الباب أمام السلطة من أجل مصادرة أموال الأبرياء بالمخالفة للدستور الذي حظر مصادرة الأموال بدون حكم قضائي.

وبررت الحكومة التعديل بأنه يهدف لسد ثغرة قانونية لا تسمح بمصادرة الأموال عندما يحصل المتهم على براءة بسبب خطأ في الإجراءات أو انتهاء مدة الطعن على المخالفة وانقضاء الدعوى الجنائية

ويمنح القانون رئيس الجمهورية سلطة تشكيل مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي، وتحديد نظام عمله واختصاصاته ونظام إدارة الوحدة دون التقيد بالنظم والقواعد المعمول بها في الحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال العام.

في سياق تعليقه وقتها ، قال عضو لجنة الصناعة والقوى العاملة سابقا بمجلس الشورى المصري، طارق مرسي: "الحقيقة أننا أمام تصرفات لا يمكن أن تُفَسر بحال على أنها تصرفات دولة بالأساس، فضلاً عن أن تكون دولة راشدة، ويبدو أننا تجاوزنا حالة الجشع التي ميزت الدولة المصرية منذ انقلاب 3 يوليو، وتلبست رأس نظام الانقلاب من حينها وما زالت".

وأكد لـ"عربي21" أن "أي متابع للشأن العام يرصد بوضوح حالة عارمة من الجباية والشره تكاد تصم السلوك العام لدولة عبد الفتاح السيسي بكل أركانها ومؤسساتها؛ إن كان هناك ثمة أركان أو مؤسسات بعدما أصبح مزاج الحاكم الفرد هو المهيمن والمسيطر وتندفع كل الجهات لمنافقته وإرضائه".

وتابع مرسي: "لا شك أن شبح الانهيار الاقتصادي الذي تعيش في أجوائه الدولة المصرية ربما يزيد من السير في منحى الجباية والقرصنة، وربما في غياب العقل والفكر السياسي يجد البعض في هذا السلوك الشائن والمعيب وسيلة للنجاة أو محاولة تعويم الوضع الاقتصادي، ولكن هيهات.

وحذر في الوقت ذاته "من حقيقة قال إنه ينبغي رصدها في هذا الصدد وهي أن صاحب القرار يريد أن يحرر دولة الجباية من أي قيد ويمنح سلطة الضبط حرية استحلال المال ويطلق يد السلطة في التغول على الملكيات العامة والخاصة، ولا بأس أن تدوس البيادة وقبضتها الأمنية على كل الأعراف الثابتة فضلاً عن انتهاك بل وتمزيق كل دستور أو قانون".

واستطرد: "لا شك أن هذه التعديلات وكل ما أنتجته دولة الانقلاب منذ قامت؛ هي كارثة على الوطن والمواطن وعلى عجلة الحياة في شقها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والأهم من ذلك القانوني والدستوري"."2"

قوانين الاستثمار تحظر مصادرة الأموال

وحول موقف الدستور والقانون من التحفظ ومصادرة الاموال، أكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أن قانون الاستثمار المصري الذي صدر فى مايو عام 2017، بابه الثاني لضمانات وحوافز الاستثمار، إذ أشارت عدة مواد به إلى الضمانات التي يتمتع بها المستثمرون، ومنها عدم خضوع الأموال المستثمرة لأي إجراءات تعسفية أو قرارات تتسم بالتمييز، وأنه لا يجوز التحفظ على المشروعات.

كما لا يجوز الحجز على أموال المشروعات الاستثمارية أو مصادرتها أو تجميدها، كما أنه من حق المستثمر تملك المشروع الاستثماري وإدارته واستخدامه والتصرف فيه، وجني أرباحه وتحويلها للخارج، وتصفية المشروع وتحويل ناتج تلك التصفية كله أو بعضه للخارج.

وأضاف الولي: ورغم كل تلك النصوص الواضحة فقد قامت لجنة إدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين بالتحفظ على أموال 1589 شخصا من المنتمين والداعمين لتنظيم الإخوان حسب اعتقادها، وعدد 118 شركة متنوعة النشاط و1133 جمعية أهلية و104 مدارس و69 مستشفى و33 موقعا إلكترونيا وقناة فضائية، كما قررت اللجنة إضافة جميع الأموال المتحفظ عليها إلى الخزانة العامة وذلك في عام 2018 ثم ادراج اكثر من 12 الف شخص على قوائم الارهاب مما اوقعهم تحت مظلة التحفظ على الاموال منهم رجال اعمال من امثلة صفوان ثابت الذي تم الافراج عنه مؤخرا تحت ضغوط دولية وسيد السويركي وغيرهم الكثير .

وقال الولي : وبالرغم من أن  دستور 2014 الصادر فى عهد النظام المصري الحالي به من النصوص التي تكفل الحفاظ على الأموال، منها ماجاء بالمادة 33 من الدستور بحماية الدولة للملكية بأنواعها الثلاثة: العامة والخاصة والتعاونية، وما جاء بالمادة 35 من أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها، كما نصت المادة 40 بالدستور على أن المصادرة لأموال محظورة.وكانت قوانين الاستثمار التى صدرت فى عهد الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك قد أكدت نفس الضمانات للمستثمرين، فى محاولة لإزالة الصورة الذهنية المؤلمة والأثر السلبي الذي أحدثته القوانين الاشتراكية التى أصدرها الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1961، والتى استولى بموجبها على الكثير من الشركات، إذ نصت المادة 2 بقانون الاستثمار الصادر عام 1971 على أنه لا يجوز فرض الحراسة على المال المستثمر بجمهورية مصر العربية ولا يجوز تأميمه أو نزع ملكيته.

وأكد ذلك قانون الاستثمار الصادر عام 1974 والمسمى عرفا بقانون الانفتاح الاقتصادى بالمادة 7 منه، على أنه لا يجوز تأميم المشروعات أو مصادرتها، ولا يجوز الحجز على أموال هذه المشروعات أو تجميدها أو مصادرتها أو فرض الحراسة عليها.

وخصص قانون الاستثمار الصادر عام 1989 في بابه الثانى لضمانات المشروعات والمزايا والإعفاءات المقررة لها، ونص بالمادة 8 على أنه لا يجوز تأميم المشروعات أو مصادرتها، كما لا يجوز الحجز على أموالها أو الإستيلاء عليها أو تجميدها أ ومصادرتها أو التحفظ او فرض الحراسة عليها.

وهكذا تضيف الإجراءات بالتحفظ والمصادرة على أموال الأشخاص والشركات والمدارس والمستشفيات والجمعيات الأهلية وإلحاقها بالخزانة العامة، عاملا سلبيا جديدا إلى العديد من العوامل السلبية التى يزخر بها مناخ الاستثمار ومنها: حالة البيروقراطية الحكومية والمدفوعات غير الرسمية التى يضطر المستثمر لدفعها."3"

خطر يهدد مسار العدالة المصرية 

وفي سياق متصل، تواصل حكومة السيسي التعديلات على قانون الاجراءات الجنائية ، حيث تقدمت الحكومة في يناير2023 الماضي بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، وسط انتقادات قانونية وحقوقية لاستمرار السلطات التنفيذية في إجراء تعديلات على القانون، استجابة لرغبات السلطات المتكررة في تعزيز قبضتها الأمنية بما يقوض إجراءات العدالة.

وأجرى المشرعون المصريون، نحو خمسة تعديلات على الأقل على القانون، منذ 2013 الذي يعد الأهم في ضمان محاكمة عادلة، ورغم ذلك فقد تجاهل البرلمان المطالب المتكررة بتعديل بعض المواد التي تنتهك حقوق الإنسان، وتقوض أسس المحاكمة العادلة.

وقال المحامي والباحث في السياسات التشريعية عباس قباري: "النظام التشريعي المصري يتضمن مجموعة ضخمة من التشريعات يأتي على رأسها خمسة قوانين أساسية كبرى تتحكم بشكل طبيعي في حركة التقنين وتنظمها، وهي قوانين المرافعات والمدني والعقوبات والإثبات وقانون الإجراءات الجنائية، وقد استقرت هذه القوانين ومضى على إقراراها والعمل بها عشرات السنين، ولا ينبغي بأي حال تعديلها إلا عند الحاجة الملحة ولاعتبارات مجتمعية ضاغطة تمثل مطلبا عاما يقترب من الإجماع، كونها تؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين وحرياتهم وأمورهم المالية والتجارية".

وأضاف لـ"عربي21": "في الفترة التي أعقبت يوليو 2013 تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية ست مرات تناولت بالتعديل مادة أو مادتين من مواده، أما التعديل الأخير المطروح بمجلس النواب الآن فهو يتضمن أكثر من 330 مادة وهو ما يقترب من إقرار قانون جديد أكثر من كونه تعديلا، وبالنظر لحساسية قانون الإجراءات الجنائية بالإضافة للسيولة التشريعية التي اعتمدها النظام خلال العشر سنوات الماضية فإنه يُخشى من تضمين القانون إجراءات استثنائية على غرار ما أجراه من تعديلات في قانون العقوبات وقانون محكمة النقض أثرت بشكل كبير في المحاكمات الاستثنائية وإجراءات القبض والحبس الاحتياطي".

وتابع قباري: "اللافت هنا أن النظام يسعى بشكل جدي وعبر مجموعات كبيرة من القوانين لتضمين وتقنين إجراءات وتدابير "قانون الطوارئ" وصياغتها في تعديلات للقوانين العادية غير الاستثنائية وتم ذلك في عشرات القوانين، يأتي في مقدمتها قانون القضاء العسكري وقانون العقوبات وقانون محكمة النقض والإرهاب والقوائم الإرهابية والتظاهر، بالإضافة لتعديلات قانون مجلس الدولة وقانون عدم جواز الطعن على التعاقدات الحكومية وغيرها من القوانين التي وفرت لنظام الانقلاب حرية حركة بلا ضابط أو قيد كما أنها أفرغت الدستور من أهم ضماناته إن لم يكن كلها".

واختتم حديثه بالقول: "هذا فضلاً عن ممارسات واقعية شاهدناها جميعا من القتل خارج إطار القانون والتوسع في إجراءات الإخفاء القسري وتجاوز مدد الحبس الاحتياطي والتدوير على القضايا من داخل أماكن الاحتجاز وهي أمور تثير التخوف من توجهات النظام ونواياه وراء تعديلات قانون الإجراءات الجنائية".

من جهته قال مدير مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، خلال اجتماع نظمته المؤسسة الأسبوع الماضي، إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح من الحكومة والمعروض على مجلس النواب في الوقت الحالي يمثل خطرا جديدا على حقوق وحريات المواطنين على غرار ما حدث عام 2015 عند صدور قوانين مكافحة الإرهاب.

ونقل موقع مدى مصر المحلي عن المحامي عصام الإسلامبولي وصف المشروع بأنه يقنن إجراءات قانون الطوارئ، مطالبًا الحكومة والبرلمان بإعداد قانون جديد تفصل فلسفته بين سلطة التحقيق والاتهام، كما أكد على أن النيابة العامة هي جزء من السلطة التنفيذية.

وتعكس تعديلات قانون الإجراءات الجنائية المناخ التشريعي في مصر، بحسب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، ومنسق حركة قضاة من أجل مصر، المستشار محمد عوض، خاصة أن المشرع المصري ينحاز بشكل سافر إلى جانب السلطة التنفيذية على حساب حماية حقوق وحريات المواطنين.

وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن "مجرد تدخل المشرع لتقنين تدابير تنتهك حقوق المواطنين يقوض العدالة وضمان المحاكمة العادلة.. النظام منذ 2013 يسعى بكافة السبل مستخدما البرلمان في ترسيخ النظام بغض النظر عن مراعاة الدستور".

لافتا إلى أن "الدستور المصري وضع ضمانات كثيرة للحقوق والحريات الشخصية ونص صراحة على أنها مصونة ولا تمس إلا في حال التلبس بجريمة لكن من خلال القوانين وتعديلاتها كقانون الإرهاب والإجراءات الجنائية عززت قبضة النظام بالمخالفة لمواد الدستور، ومثل هذه القوانين هي التفاف على الدستور وانتهاك صارخ لأحكامه ما يؤكد أنها سلطة عسكرية حاكمة".

بدوره؛ انتقد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، تماهي المشرع المصري مع رغبات السلطة في تقويض أسس العدالة، وقال: "مازال تفكير النظام ينحصر في تقنين إجراءاته الباطلة والتعسفية وهو ما وضح خلال تعديلات على دستور 2012 سواء في 2014 أو 2019".

وأضاف لـ"عربي21": "تعمد النص على اختصاص القضاء العسكري بنظر قضايا ليست من اختصاصه وهو اليوم يهتم بتقييم المراقبات والمتابعة بعدما وجهت له انتقادات كثيرة بسببها دون النظر لتعديل جوهره تتمثل في إعادة النظر في قانون الحبس الاحتياطي وسقفه دون النظر لوضع حل لازدواجية وضع النيابة العامة، ودون النظر لوضع حد ونهايه لتدوير المتهمين مرات ومرات"."4"

ويتضمن مشروع القانون عدد (333) مادة، ويشتمل على تعديلات لكافة أحكام قانون الإجراءات الجنائية بهدف تحقيق العدالة الناجزة وتنفيذ الالتزامات الدستورية ذات الصلة بالقواعد الإجرائية الجنائية، ومواكبة التوجه الحديث فى التشريعات الجنائية، والأخذ بالوسائل البديلة لتسوية المنازعات الجنائية ذات الطابع الشخصى أو المالى أو الاقتصادى.

كما تضمن مشروع القانون عل أحكام جديدة لا تتفق مع الدستور فى توفير المساعدات القضائية بمرحلتى التحقيق والمحاكمة، فضلاً عن ضمان حماية الشهود المبلغين والمجنى عليهم فى إجراءات التحقيق والمحاكمة.

ويهدف مشروع القانون إلى تحقيق عدد من الأهداف منها  عدم تحقيق العدالة الجنائية الناجزة من خلال وضع قواعد تعمل على سرعة إنجاز القضايا الجنائية على نحو لا يخل بقواعد المحاكمات المنصفة اتهاماً أو محاكمة.

ويهدف أيضا، إلى الأخذ بالوسائل البديلة لتسوية المنازعات الجنائية ذات الطابع الشخصى أو الماليأو الاقتصادى مثل الصلح و التصالح ه تنقية قانون الإجراءات من النصوص التى كشف التطبيق العملى عن عدم إمكانية العمل بها أو وجود ثغرات بشأنها تؤدى إلى إفراغها من الهدف الذى صيغت من أجله.

ومن ناحيته اعترض النائب أحمد الشرقاوى، على تشكيل لجنة مصغرة لمناقشة مشروع القانون، مؤكدا عدم الحاجة لها فى قانون مهم مثل قانون الإجرءات الجنائية، موضحا أن تشكيلها هو إهدار للوقت لأن اللجنة الفرعية ستعرض على اللجنة مجتمعة، ثم تعيد مناقشة الأمر، معتبرًا أن هذا يستغرق وقتًا أطول ويؤدى لتكرار المناقشة مرتين وإهدار للوقت، مضيفا: "القانون مهم وهناقش كل تفصيلة، ولسنا فى حاجة للجنة فرعية، خاصة مع قلة عدد النواب المشاركين فى اجتماعات لجنة الشؤون الدستورية"."5"

المصادر:

  1. محمد علي الدين ، "تمهيدا للسطو عليها .. مشروع قانون لنقل أموال إخوان مصر لخارج موازنة الدولة"، عربي21، 13 يناير 2023 ، https://cutt.us/gXNi1
  2. محمد أحمد ، "تعديل تشريعي يثير الجدل بمصر.. هل يسهل مصادرة الأموال؟" ، عربي21- 23مايو 2022 ، https://cutt.us/ON6rn
  3. ممدوح الولي"قوانين الاستثمار المصرية تحظر مصادرة الأموال" ، عربي 21،  22/9/2018،     https://cutt.us/eTh4r        
  4. محمد أحمد ، " مشروع حكومي لتعديل قانون الإجراءات الجنائية بمصر.. "خطر جديد"" ، عربي21،  17 يناير 2023 ، https://cutt.us/Wlj4k
  5. نور على، "تشريعية النواب" توافق مبدئيا على مشروع قانون الإجراءات الجنائية" اليوم السابع ، 04 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/nuUA4