مصر: تراجع الاحتياطي النقدي وتقهقر "الجنيه" وتهيئة الشعب لموجة غلاء جديدة

الاثنين - 8 آغسطس 2022

واصل احتياطي النقد الأجنبي الانخفاض في يوليو: انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى 33.14 مليار دولار في نهاية يوليو، من 33.4 مليار دولار بنهاية يونيو، وفقا للبيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري أمس.

فبسبب الإنفاق الباذخ على مشاريع غير ضرورية مثل العاصمة الإدارية، وتداعيات حرب أوكرانيا وهروب الاستثمارات الأجنبية، وخلل ميزان المدفوعات، وتسديد الديون السابقة اضطرت مصر لطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

في الوقت نفسه، يمهد قائد الانقلاب، عبدالفتاح السيسي الشعب المصري لقبول موجة غلاء وتضخم قادمة، تحت ضغط من شروط صندوق النقد الدولي، الذي يسعى السيسي للحصول على قرض جديد منه.

وفي خطوة لتشتيت الجماهير عن وبال الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أعلن في 26 يوليو 2022، التوسع فيما أسماها برامج اجتماعية بقيمة 11 مليار جنيه (580 مليون دولار)، لدعم الفقراء ومحدودي الدخل.

وانخفضت الاحتياطيات الأجنبية بنحو 20% منذ مارس، إذ أجبرت تداعيات الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة البنك المركزي على التدخل لتغطية المحافظ الخارجة والواردات وسداد الديون.

قيمة التراجع

تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية شهريا يثير التساؤلات حول أسباب ذلك الانخفاض، وتداعياته على اقتصاد البلاد من جانب وعلى جيب المواطن المصري من جانب آخر.

يقول الخبير الاقتصادي المصري، عبد النبي عبد المطلب، إن قيمة التراجع "ليست كبيرة"، لكن المشكلة الحقيقة تتعلق بإمكانية "استمرار هذا الانخفاض"

وفي حديثه لموقع "الحرة"، أوضح أن ذلك التراجع قد يكون مؤشرا على "عدم وجود أي إضافات لتعزيز الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي المصري"

وتنوعت التحليلات وراء التوسع في البرامج الاجتماعية، لكن اتفقت أغلبها في أنها تمهيد لقرارات صعبة يفرضها صندوق النقد الدولي على نظام السيسي من أجل الإفراج له عن قروض جديدة لتسديد القديمة، ما يمثل دائرة مفرغة من الفشل الاقتصادي بحسب موقع الاستقلال.

ويعاني الاقتصاد المصري من نزيف للعملة الأجنبية منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، حيث ارتفعت تكاليف الاستيراد، وفقد رافدا هاما من روافد العملة متمثلا في السياحة الروسية والأوكرانية، وفقا لـ"رويترز"

وتلتزم مصر بسداد فوائد الديون الخارجية وهو ما أثر على رصيدها من احتياطي العملات الأجنبية.

وكانت هناك توقعات اقتصادية بـ"تدفقات دولارية فى شكل استثمارات، أو ودائع من الدول العربية"، لكن يبدو أن "قرار الاستثمار العربي أو إيداع ودائع عربية في البنك المركزي المصري مازال قيد الدراسة"، وفقا لحديث عبدالنبي.

تداعيات اقتصادية

يحذر عبد النبي من مغبة "تراجع الاحتياطى النقدي إلى حدود لا تغطي واردات ثلاثة شهور"، ما سيجعل مصر عرضة لـ"خفض التصنيف الائتماني"

وفي مايو، خفضت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن "البلاد لا تزال معرضة للخطر"، وذلك للمرة الأولى منذ عقد من الزمن.

وفي عام 2013، شهدت مصر آخر تخفيض في تصنيفها الائتماني، وتعني النظرة المستقبلية السلبية، أن موديز من المرجح أن تخفض تصنيفها لمصر بدلا من رفعه أو الحفاظ عليه مستقرا، وفقا لوكالة "بلومبرغ"

وفي حال استمرار تراجع الاحتياطي النقدي "سوف تصبح السندات السيادية المصرية أقل جاذبية فى الأسواق العالمية"، ما يؤثر على كافة مساعي "جذب الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد"، وفقا لعبدالنبي.

المواطن "يدفع الثمن"

يؤكد عبد النبي أن استمرار انخفاض قيمة الاحتياطي النقدي قد يدفع بالمزيد من "الضغوط على الجنيه المصري"، متوقعا تخفيض "قيمة العملة المصرية" في حال استمرار التراجع، كما حدث عام 2016.

وفي حال تخفيض قيمة العملة "سوف ترتفع أسعار كافة السلع المحلية والمستوردة"، ما يفاقم معاناة المواطن المصري، وفقا لعبد النبي.

وانخفضت قيمة الجنيه المصري، الأسبوع الماضي، إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من 5 سنوات أمام الدولار الأميركي لتتخطى قيمته 19 جنيها، وفقا لـ"فرانس برس".

وعرض البنك المركزي المصري سعر الشراء للدولار الأميركي مقابل 19.01 جنيها مصريا، وهو مستوى لم تنخفض إليه العملة المحلية منذ، ديسمبر 2016، عندما بلغت قيمة الدولار 19.3 جنيها بعد أقل من شهر على قرار تحرير سعر الصرف، وفقا للوكالة.

وفي مارس خفضت مصر مجددا قيمة العملة المحلية، إذ خسر الجنيه المصري نحو 17 في المئة من قيمته أمام الدولار ليتجاوز سعر بيع العملة الخضراء 18 جنيها.

ويشير كبير المحللين الاقتصاديين بوكالة "بلومبرغ"، زياد داوود، إلى "حاجة مصر إلى 41 مليار دولار حتى نهاية 2023، لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة".

وفي سلسلة تغريدات عبر حسابه بموقع "تويتر"، أوضح أن احتياطي النقد الأجنبي لدى مصر "لا يغطي وحده تلك الفاتورة"، معتبرا أن "خفض قيمة العملة قد يقلل الفجوة التمويلية"

وتوقع خفض قيمة الجنيه بنسبة 23 في المئة، بما يعني وصول سعر الصرف إلى 24.6 جنيه مقابل الدولار.

لم يعد أمام نظام السيسي سوى خيارين كلاهما مر:

الأول، وفق مراقبين، المضي قدما في اتفاق قرض الصندوق الذي يتردد أنه بين 7 و10 مليارات دولار وقبول شروطه بخفض سعر الجنية إلى 25 جنيها للدولار (حاليا بحدود 19)، وإلغاء الدعم الذي قد يسبب موجة غلاء أكبر وربما ثورة غضب شعبية.

والثاني، التخلي عن القرض الجديد أو الاكتفاء بقرض صغير شروطه أقل، لكن هذا يؤدي لعدم قدرة مصر على سداد ما عليها من ديون وأقساطها ومن ثم العجز عن سداد الديون وربما إعلان إفلاسها.