مصر: الفرق بين صورتين
الخميس - 29 أبريل 2021
يحيى حسن عمر
(1)
في اليوم التالي لموكب الممياوات الملكية الفرعونية المهيب الذي إخترق شوارع القاهرة ليلة السبت 3 إبريل الجاري إنتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي منشور يحتوي صورتين لميدان التحرير، في الأولى يمتلئ بخيام المعتصمين أثناء ثورة يناير 2011، وفي الثانية صورة الميدان قبيل إنطلاقة الموكب، كتب في المنشور ما معناه: كيف كنا وكيف أصبحنا، دون مزيد شرح إتباعًا لمدرسة أن الصور تتكلم.
(2)
وصحيح أن الصور تتكلم – لو وضعت في إطارها الصحيح – دون إختزال أو إبتذال، لذلك دعونا نسمعها تتكلم…..ولننصت.
(3)
الصورة الأولى صورة الشعب في الميدان، صورة إمتزاج الإنسان بالمكان، الشعب بجميع طبقاته، الغني بجوار الفقير، متجاورين، متشاركين، القلوب متعانقة، الهامات مرفوعة، الهمم مشحوذة.
وفي الصورة الثانية الشعب خارجها تمامًا، وقد منع من المرور من قبلها بساعات، وبعيدًا عنها بمسافات، فهي صورة الملوك إلى الملوك، والفراعين إلى الفراعين.
(4)
الصورة الأولى تقول: أنا صورة الحياة النابضة، الحركة، النزول، التجمع، السير، الهتاف، التلاحم، التقدم، التصادم، الإلتفاف، إعادة التجمع، الغضب، الإصرار، العزيمة، الإعتصام، التشاور.
الصورة الثانية تقول: أنا صورة الأموات، الممياوات، الجثامين المتخشبة، التي غادراتها الحياة قبل آلاف السنين، لأقوام لم يرونا، ولا عرفوا شيئًا عن أحلامنا وآلامنا، جثمامين متخشبة لأقوام لم يعرفوا شيئًا عن حياتنا.
(5)
الصورة الأولى تقول: أنا صورة آمال الشعب وطموحاته، صورة تطلعه لتحقيق أهدافه السامية، صورة السعي على توفير متطلباته الأساسية، الخبز والحرية، (العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية).
الصورة الثانية تقول: أنا صورة الخداع، صورة يوم الزينة، صورة التلاعب بالأبصار دون مخاطبة العقول، صورة محاولة تخدير الجماهير ليتعايشوا مع واقعهم.
(6)
الصورة الأولى تقول: أنا صورة المحاولة الجدية الأكبر في وجه الفساد والعبث بمقدرات البلاد.
الصورة الثانية تقول: أنا صورة إهدار الموراد، وإنفاق قوت الفقراء في البهرجة الزائفة، بلا رقيب ولا حسيب.
(7)
الصورة الأولى تقول: أنا الشعب في مواجهة الفرعون، أنا الشعب في ميدانه.
الصورة الثانية تقول: أنا الفرعون وحدي في المكان، لي وحدي الميدان.
(8)
على حافة الصورة الأولى: كان المسلمون يصلون في الميدان وكان المسيحيون تحرسونهم، صلوات أحياء لإله حق.
على حافة الصورة الثانية: كورال يغني – بلغة ميتة لا يعرفها أحد – ترانيم تمجد آلهة وثنية لا تعبد في الأرض اليوم.
(9)
وللمفارقة الموحية جدًا: كانت الصورة الأولى منيرة جدًا ومضيئة رغم بساطتها، النور يعم الميدان كله، (لأنه ممتلئ بالحياة في أرجائه).
وكانت الصورة الثانية معتمة جدًا، رغم كل الزينة والبهرجة، (أرادوا الميدان مظلمًا ليكون النور مسلطقا فقط على الجثامين المتخشبة).
(10)
هكذا تكلمت الصورتان، وليس بعد كلامهما كلام.
المصدر "رأي اليوم"