مصر: الحوار الوطني.. لعبة جديدة لخداع الداخل والخارج
الثلاثاء - 5 يوليو 2022
- رغم انطلاق الجلسات التمهيدية للحوار .. لانية حقيقية لتغيير سياسات النظام
- الحوار بشكله الحالي يستهدف اكتساب رضا إدارة بايدن والغرب بشكل خاص
- الأجهزة السيادية تري أن قيمة "الحوار" تكمن في إلهائه الشعب ومخادعة العالم
- الأجهزة الأمنية تري أن إفساح المجال لعودة السياسة يشكل خطورة داهمة عليها
- الحركة المدنية الديمقراطية واصلت السقوط بإعلانها رفض مشاركة الإخوان في الحوار
- "صباحي" اشترط بإيعاز من الأجهزة السيادية اعتراف الإخوان بشرعية انقلاب 3 يوليو
- مصادر: هناك رغبة دولية وأمريكية في إدماج الاخوان بالحوار وفتح ملف المصالحة
- الغرب يري أن الإخوان فصيل أساسي في المنطقة وإبعادهم سيكون فيه ضرر كبير وإفساح للتيارات العنيفة
- "الإخوان" يرفضون أن يكونوا طرفاً في أي معادلة إقليمية جديدة تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل
- ممثلو النظام المصري طالبوا الامريكان بالضغط على الاخوان للاعتراف بنظام السيسي
- مصادر إخوانية: مفاوضات كثيرة تمت مع وسطاء للنظام المصري ولكنها كشفت عدم جدية النظام
- سياسيون: الفشل يخيم على أجواء الحوار المزعوم لأن النظام لن يسعي لتغير حقيقي
شهدت مصر خلال الساعات الماضية جلسة تمهيدية لحوار سياسي مزعوم محكوم عليه بالفشل مسبقا، بسبب تصميم النظام على أقصاء فصائل سياسية مؤثرة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.
ومن الواضح أن "الحوار الوطني» بشكله الحالي يستهدف اكتساب رضا إدارة بايدن خاصة بعد تعثر جهود السيسي لاستضافة بايدن والزعماء العرب بشرم الشيخ بدلا من جدة.
كما أن انطلاق (الحوار) يتزامن مع اجتماعات "صندوق النقد"بالقاهرة والذي طالب بوضع الحريات العامة على اولويات النظام المصري.
ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل ونرصد أهم التطورات في هذا الملف خاصة موقف الاخوان والغرب من هذا الحوار .
تجميل النظام لا إصلاح البلاد
مع انطلاق الاستعدادات للحوار الوطني المزعوم اليوم الثلاثاء، بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب في القاهرة، تساءل متابعون عن توقيت (الحوار) وهل يعكس آمال الشعب المصري أم أنه ورقة مرور للنظام يريد بها اكتساب رضا إدارة بايدن خاصة بعد تعثر جهوده لاستضافة بايدن والزعماء العرب بشرم الشيخ بدلا من جده في منتصف يوليو الحالي؟.
الجواب يبدو في أن السلطة قد نكثت بوعود قطعتها على نفسها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وسجناء قضايا الرأي والحريات العامة وتهيئة أجواء إعلامية تتيح إدارة حوار شعبي ومجتمعي حقيقي!.
كما جاء إقصاء المعارضة الحقيقية وفي مقدمتها "الإخوان المسلمون" ليؤكد أن الحوار ليس حوارا سياسيا ، بل مجرد "دردشة" بين أصدقاء متقاربين قد تتباين وجهات نظرهم في بعض الأمور، لكنهم جميعا ينطلقون من نافذة واحدة هي انقلاب 3 يوليو 2013م.
كما يتزامن (الحوار) مع اجتماعات يعقدها صندوق النقد الدولي بالقاهرة ولن تغيب عنها قضية الحريات العامة، وستثبت الجلسات المقبلة إن كان الحوار وطنياً لإصلاح البلد أم دعائياً لتجميل النظام.
وتختلف تقديرات أجهزة السلطة لقيمة الحوار بين جهاز يراه مفيداً لإلهاء الشعب ومخادعة الرأي العام العالمي وأمريكا خاصة وجهاز آخر يرى خطورة إفساح المجال لعودة السياسة إلى الحياة العامة.
ويأتي هذا الإقصاء على نقيض معطيات راسخة تؤكد حضور سياسي فاعل للإسلاميين عموماً والإخوان خصوصاً بالحياة السياسية المصرية، بصرف النظر عن مقادير الاتفاق أو الاختلاف مع نهج الجماعة وخياراتها.
الحصيلة التي سبقت اجتماع الأمناء الأول لا ترقى إلى الآمال المعقودة على الحوار المزعوم، والنقاشات التمهيدية أكدت انقسام القوى المشاركة إلى تيار أول يمثل تطلعات أحزاب المعارضة وقوى المجتمع المدني التي تسعى إلى الخروج بتوصيات إصلاحية اجتماعية وسياسية واقتصادية ملموسة، ونهج مؤسسات السلطة والأحزاب الموالية الساعية إلى توظيف الحوار لأغراض تجميل صورة النظام الخارجية والإيحاء بمناخ الانفتاح السياسي وتهدئة مظاهر الاحتجاج الشعبي على تردي الأوضاع المعيشية.
الحركة المدنية تواصل السقوط
وفي تصريحات تؤكد أن الحركة المدنية بمصر لم تستوعب دروس الماضي ، قالت الحركة المدنية الديمقراطية، في مصر، إنها "لم ولن" تدعو جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة في الحوار السياسي الذي دعا إليه السيسي، مُشيدةً بتشكيل مجلس أمناء الحوار، رغم تجاهل مقترحاتها التي تقدمت بها سابقا.
ويأتي موقف الحركة في أعقاب تصريحات أطلقها مؤخرا بعض قادتها، ومنهم حمدين صباحي، وخالد داود، وأكمل قرطام، مشترطين اعتراف الجماعة بشرعية السيسي ودستور 2014.
وأكدت الحركة أن "الاجتماع الذي دعا إليه ضياء رشوان -منسق الحوار الوطني للأمانة العامة للحوار- الثلاثاء هو جزء من الخطوات التمهيدية للبدء في الحوار، حيث إن من المقرر أن يعنى هذا الاجتماع بمناقشة اختصاصات الأمانة وطريقة وآليات عملها، وهي أمور من المهم الاتفاق والتوافق عليها قبل بدء الحوار".
وكان رئيس حزب الدستور والقيادي بالحركة المدنية الديمقراطية، علاء الخيام، قد عبّر، في تصريحات سابقة لـ"عربي21"، مساء الجمعة، عن خيبة أملهم تجاه "التطورات والإجراءات العامة المتعلقة بالحوار الوطني"، مشيرا إلى أنه "لم يتم حتى الآن إبلاغهم بشكل رسمي بموعد بدء جلسات الحوار، رغم أنه كان من المفترض أن ينطلق يوم الجمعة الماضي".
وقال السيسي حول اسباب استبعاد الاخوان “الناس يمكن أن تسأل لماذا نعمل استثناءً واحدا ولماذا ليس كل الناس معنا (بالحوار)؟”.
وفي إشارة للإخوان، أجاب السيسي قائلًا “لأننا في 3 يوليو (تموز 2013) آخر حاجة عملتها طرحت عليهم (أي الجماعة) تصور نتجاوز به أزمتنا، عبر انتخابات رئاسية مبكرة ونعطي للشعب فرصة يقول رأيه”.
وناقلًا ما ذكره للجماعة آنذاك، أضاف السيسي “أنتم (أي الإخوان) تقولون إنكم عندكم مؤيدين ودي (هذه) مؤامرة (الخروج ضد الرئيس الراحل محمد مرسي في مظاهرات) طيب خلونا (اجعلونا) نكتشف المؤامرة ونعمل انتخابات رئاسية مبكرة”.
وتابع “لو الشعب اختاركم (أي الإخوان) يبقى خلاص (انتهى، وعدتم للحكم) ولو لا تبقون جزءًا من العملية السياسية وده محصلش (لم يحدث)” في إشارة لعدم قبول الجماعة.
حقيقة الاتصالات بين النظام والإخوان
في سياق متصل ، قال القيادي الإخواني محمد سودان، لـ"العربي الجديد"، إن هناك تواصلاً حصل أخيراً، من دون كشف المزيد من التفاصيل، متابعاً أن شيئاً لم يحصل على الأرض. وأشار سودان، في الوقت نفسه، إلى أن هناك محاولات من جانب شخصيات مقربة من النظام المصري تحدث منذ عام 2014، ولكنها جميعها محاولات من أشخاص، سواء كانوا من خلفيات عسكرية أو مدنيين، لا يملكون تنفيذ شيء.
وبحسب سودان، فإن "هناك ضغوطاً أميركية كبيرة على النظام المصري للتصالح مع الإخوان، ولكن نحن حتى الآن لا نعلم السبب وراءها". وأشار إلى أن كثيراً من القادة الغربيين ربطوا حضورهم قمّة المناخ (المقرر عقدها في شرم الشيخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، بفتح المجال العام في مصر والمصالحة مع الجماعة.
وقال القيادي الإخواني، إن الشرط الأساسي الذي يتمسك به السيسي تجاه جماعة الإخوان، هو الاعتراف بشرعيته، وفي الوقت الراهن، فإن الحديث عن المصالحة من جانب الإخوان مع النظام مغلق تماماً "لأن شرطنا الأساسي هو إخراج كل السجناء".
واستبعد سودان "أن يوافق القادة الكبار من الصفوف الأولى والثانية والثالثة والرابعة، على الاعتراف بشرعية النظام الحالي". وتابع: "ربما يجدون (النظام) ضالتهم في بعض الشباب الذين أرهقهم السجن، بعد هذه السنوات الطويلة من الحبس والمعاناة من دون ارتكاب جريمة".
وبرأي سودان، فإن "تمسك السيسي في مطلبه من الإخوان بالاعتراف بشرعيته، هو من منطلق وضع العصا في العجلة لأنه يدرك صعوبة تنفيذ هذا الشرط، ومن ثم يذهب للأطراف الغربية التي تضغط عليه، ويقول لهم إن الإخوان لا يريدون الاعتراف بشرعيته، فكيف سيتحاور معهم؟". وأشار إلى أن "هناك محاولة من جانب النظام المصري لإطالة أمد ما يسمى بالحوار الوطني من أجل الاستفادة من حالة تكرار الأحاديث التي يتم الترويج لها". وأكد أن "ما يتم ترويجه شائعات، أكثر من كونه أموراً حقيقية".
في موازاة ذلك، قالت مصادر إخوانية مطلعة إن الفترة الماضية شهدت محاولات من جانب النظام المصري للتواصل مع الجماعة عبر شخصيات وسيطة، بهدف معرفة موقفها من فكرة المصالحة. وذكرت أن هذه المحاولات باءت بالفشل بعدما تمسك ممثلو الجماعة الذين تواصلت معهم أطراف مصرية بضرورة الإفراج عن كافة أعضاء الجماعة والذين يقدرون بالآلاف في السجون من دون شروط.
وبحسب هذه المصادر، فإن في ما يخص المطلب الأساسي للنظام المصري والذي يتضمن الاعتراف بشرعية السيسي ، قبل الشروع في أية اتفاقات أو توافقات، فقد قوبل بالرفض القاطع من جانب مسؤولي الجماعة الذين طالبوا بالسماح بالرجوع أولاً لقيادة الجماعة في السجون لمعرفة قرارها بشأن مطلب النظام قبل الشروع في أية تحركات.
وبحسب المصادر فإن قيادة الجماعة، والذين جرى التواصل معهم في لندن، لمست عدم جدية من الوسطاء، معتبرة أن "النظام لا يتحرك من منطلق قناعة لديه، ولكن من منطلق أزمة يعاني منها".
وتأتي تصريحات سودان والمصادر عقب رسائل ضمنية بعث بها عدد من السياسيين المنخرطين في مشاورات مع المسؤولين في جهاز المخابرات العامة، بشأن الترتيب للحوار الوطني، استجابة للدعوة التي أطلقها السيسي، خلال إفطار الأسرة المصرية في إبريل/نيسان الماضي. وكان أبرزها ما صرح به حمدين صباحي، المرشح الرئاسي السابق، مؤسس التيار الشعبي، أن دعوة السيسي للحوار الوطني المقرر عقده خلال الأيام القليلة المقبلة لم تستثن أحداً. ولفت صباحي إلى أن الاعتراف بشرعية رئيس الجمهورية ودستور عام 2014 شرطان أساسيان أمام جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة في أي حوار سياسي تتبناه السلطة.
يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه مصدر غربي في القاهرة، إن ممثلين رسميين للنظام المصري أكدوا خلال جلسات تحضيرية استعداداً لقمة المناخ في شرم الشيخ، أن النظام منفتحٌ على كافة التيارات السياسية في مصر، من أجل فتح صفحة جديدة تتلاءم مع الجمهورية الجديدة.
وتابع المصدر الغربي أن مسؤولين رفيعي المستوى في وزارة الخارجية المصرية، أكدوا أن هناك توجهاً رسمياً بفتح المجال العام أمام كافة التيارات السياسية، المدنية، الذين لم يتورطوا في عنف، للمشاركة.
ولفت المصدر إلى أن "ما طرحه المسؤولون المصريون مجرد تصريحات عامة، من دون أن يحددوا خطوات مفصلة في هذا الشأن". وبرأي المصدر، فإنه "على الرغم مما قاله المسؤولون المصريون، إلا أن هناك قناعة غربية بعدم جدية النظام المصري في هذا الملف". واستدرك بالقول: "على الرغم من ذلك، فإن هناك حرصاً أوروبياً على الدفع بتحسين الحالة السياسية في مصر وتصحيح أوضاع حقوق الإنسان، والحق في حرية التعبير والعمل السياسي السلمي".
وفي السياق، كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية، عن رسائل دولية وإقليمية، نقلت إلى النظام المصري عبر وسطاء إقليميين، ضرورة دراسة مسألة فتح قنوات حوار مع جماعة الإخوان المسلمين، في سبيل عودتها مجدداً إلى الحياة السياسية، بعد سنوات من تجريمها وتصنيفها "جماعة إرهابية". لكن المصادر أكدت في الوقت نفسه أن الحكومة المصرية لا تزال متمسكة برفضها عودة الجماعة في الوقت الحالي، لكنها ترسل أحياناً إشارات بإمكانية حدوث ذلك.
وقالت المصادر إن "المحاولات الدولية لإعادة دمج جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية المصرية، وخصوصاً من الولايات المتحدة، يمكن تفسيرها في سياق الخطة الأميركية لتشكيل تحالف عربي سني في مواجهة إيران، حيث إن السياسيين الأميركيين، وكثيراً من المراكز البحثية في واشنطن، يعلمون جيداً حجم جماعة الإخوان المسلمين كأكبر فصيل سياسي معارض في مصر، ومدى تأثيرها على الواقع السياسي العربي بشكل عام، ولذا فهم يؤمنون بأن أي مشروع سياسي جديد في منطقة الشرق الأوسط، لا بد أن تكون الجماعة مكوناً أساسياً من مكوناته".
وأضافت المصادر أنه "في مقابل ذلك، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين هي أيضاً تتمسك بموقف رافض للدخول في حوار مع النظام المصري، وترفض أن تكون طرفاً في أي معادلة إقليمية جديدة تخطط لها الولايات المتحدة وإسرائيل بشكل خاص، وخصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس".
وقال مصدر سياسي أن هنالك "ضغوطاً قوية تمارس على النظام المصري منذ فترة طويلة، لاتباع سياسة جديدة في التعامل مع جماعة الإخوان، تقضي بالإفراج عن قيادات الجماعة المعتقلين، وفتح المجال السياسي من جديد أمام الجماعة، لكن نظام الرئيس السيسي عادة ما يتهرب من ذلك الاستحقاق بوسائل مختلفة ومتعددة، تارة بالتذرع بأنه يواجه الإرهاب، وتارة أخرى بالتأكيد على أن قرار المصالحة مع الجماعة في يد الشعب".
وأضاف المصدر أنه "على الرغم من ذلك، فإن نظام الرئيس السيسي، يضع في اعتباره أن مسألة عودة جماعة الإخوان واردة ويمكن أن تحدث في أي وقت، ولذلك فهو يناور في هذه القضية، وأحياناً ما يرسل إشارات بعدم معارضته إشراك الجماعة مرة أخرى".
وأوضح المصدر أن "الاعتراف والدعم الأميركي للأنظمة الإسلاموية التي أتت إلى الحكم في الدول العربية نتيجة الثورات التي بدأت عام 2011، أخذا يتراجعان عندما فشل الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما في الالتزام بخطوطه الحمراء في سورية وتخلى عن الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، عندما أطاحه الجيش المصري في انقلاب عام 2013، وهو ما أكد أن الولايات المتحدة غير متحمسة للاستثمار في المنطقة".
وأضاف المصدر أن "هذا الوضع تغير نسبياً في الوقت الحالي، عندما تعلمت واشنطن الدرس، وأيقنت أن التخلي عن المنطقة العربية، أضرّ بموقفها في الوقت الذي تواجه فيه روسيا والصين".