مخطط تدميري .. وليس فشل سياسات "2"

الثلاثاء - 31 يناير 2023

- مصري حر
( هموم وطن )

ما زلت أُواصل في سلسلة هذه المقالات، تجريد الحقائق عن الواقع المصري، حتى نستطيع نرى بشكل واضح رؤية الصورة الكاملة  لما يحدث في مصر الآن،  وأكرر أن ما تشهده مصر من كوارث في شتى مناحي الحياة، ما هو إلا نتيجة طبيعية لمخطط تدميري مارسه السيسي ونظامه على مدار السنوات التسعة الماضية .

فإذا نظرنا للواقع الاقتصادي المنهار لمصر الآن، سنجد أن السيسي ونظامه مارس تدمير مؤسسات الدولة الاقتصادية بشكل تراكمي منظم، بدأ بتجريد الشعب من ممتلكاته، من خلال التفريط في القطاع العام وأملاك الدولة، فإذا كان عهد مبارك انتهى بحصيلة للخصخصة بلغت بيع 413 شركة واستيلائه ونظامه على نصف تريليون جنية غرقت في دهاليس الفساد، وجدنا السيسي بدأ منذ انقلاب 3 يوليو التخطيط لبيع أصول مصر ونجح في ذلك على مدار 9 سنوات مضت، وكانت الموجة الأعنف بدأت في أعقاب اتفاق مصر، مع صندوق النقد للحصول علم 2016، وكشفت وزيرة التعاون الدولي "سحر نصر" بصحيفة "وول ستريت جورنال"، في نوفمبر عام 2016، إن مصر "سوف تقوم بالتخلص بشكل متدرج من العديد من الشركات والبنوك المملوكة لها من خلال الطرح العام، وسيشمل هذا الطرح، للمرة الأولى، شركات المرافق العامة"! .

 ثم تصاعد مخطط التفريط في ممتلكات الشعب، من خلال موجة بيع للأصول غير مسبوقة، لدول الخليج خاصة الإمارات والسعودية وانتهى بها المطاف للتخطيط لنقل ملكية مصر في أصولها واقتصادها إلى الصناديق السيادية الخليجية، ايفاءً لعهودها وربما كنوع من المقايضة على الديون التي أصبحت حملاً ثقيلاً، واكتمل المخطط في العام 2018، بإنشاء "صندوق مصر السيادي" تحت اسم "صندوق مصر"، برأس مال 200 مليار جنيه قام بعدها بالتفريط في 126 شركة قابضة والتخطيط لبيع  3692 أصلاً مابين شركات واراضي وكيانات اقتصادية مملوكة للدولة، في 24 محافظة وتتبع 5 وزارات.  

ووجدنا السيسي في عام 2022 وحدها، أتم 66 صفقة بيع للصناديق السيادية الخليجية، حتى متنزهة الغلابة "حديقة الحيوان " لم يرحمها وفرط فيها لصالح المحتل الإماراتي، بل ويخطط لبيع قناة السويس التي حفرها المصريين بدمائهم، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن أين ذهبت حصيلة هذه الأموال الضخمة لصفقات البيع المستمرة، التي تقدر حصيلتها على مدار السنوات التسعة الماضية بأكثر من 3 تريليون جنيه، وكيف لم تساهم في حل أزمة مصر الاقتصادية، وسداد ديونها، ولكنه المخطط التدميري الذي يستهدف تجريد المصريين ممتلكاتهم، حتى يصبحوا في عوز وفقر مستمر يستغله أعداءهم من الدول الإقليمية والصهاينة .

وإذا انتقلنا لمخطط السيسي في إغراق مصر في وحل الديون سنجد عجب العجاب، فالسيسي نجح بجدارة في تحويل دين مصر الخارجي من 46 مليار دولار في عهد الرئيس مرسي، إلى 170 مليار دولار مع بداية عام 2023، ذلك بخلاف 5 ترليون جنية ديون داخلية، لم تزد عن 1.2 مليار جنية في عهد الرئيس الشهيد ، بل وسلم الجنرال المنقلب مصر لصندوق النقد مقابل حزمة من القروض التي زادتنا فقرا، وقيدتنا بشروط مجحفة، وهنا علينا أن نطرح سؤال أين ذهبت كل هذه الأموال المقترضة، وأين المنح الخليجية التي قُدرت بأكثر من 50 مليار دولار، بل أين عوائد الدخل القومي لمصر .

المخطط التدميري للسيسي استهدف أيضا بصورة واضحة التخلص من قلاع التصنيع، فتوقف أكثر من 10 آلاف مصنع عن العمل خلال الست سنوات الماضية وذلك بحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء، مما أدى لتراجع الإنتاج المحلي، بل وأصبحت 85% من الشركات الناشئة توالى توقفها عن العمل ، في ظل بيئة عمل أقل ما توصف بها ، أنها فاسدة ، ولذلك كان من الطبيعي ان ترتفع نسب البطالة لتصل اكثر من 40% بين الشباب ، ونسب التضخم التي وصفتها الإحصائيات الدولية بأنها بلغت أكثر من 80%، أليس هذا تدمير لوطن أصبح غير قادر على مواصلة الطريق لمستقبله بهذا المنهج  .

وما زلت أرصد الخراب الذي لحق بالاقتصاد المصري ولعل خير دليل عليه الانهيار الغير مسبوق للعملة المصرية، التي بلغت قيمتها 32 جنية أمام الدولار حالياً، وفقدت أكثر من 550% من قيمتها أمام الدولار منذ عام 2012  حتى عام 2023 ، وهنا علينا أن نؤكد أن السياسات المالية التي اتبعها السيسي ونظامه، استهدف عن عمد تدمير العملة الوطنية، باستجابته المستمرة لأوامر صندوق النقد بإغراق الجنية وليس تعويمه، وسرقاتهم المستمرة للمساعدات الخليجية التي كانت كفيلة بدعم قيمة الجنية المصري .

ذلك بخلاف انهيار القطاعات الخدمية التي اعترف بعدم أهليتها للقيام بدورها الخدمي، مثل التعليم والصحة والخدمات الحكومية المختلفة .

تجريف الحياة السياسية

وإذا انتقلنا للحياة السياسية فقد نجح السيسي ونظامه من خلال مخططهم التدميري، في وصول مصر لانسداد سياسي كامل، أصاب مصر بحالة فريدة من الديكتاتورية والاستبداد فبعد ازدهار الوضع السياسي في أعقاب ثورة يناير، وجدنا في عهده تأميم كامل للمجالس البرلمانية، والانتخابات الرئاسية، وتغييب للمجالس المحلية، وفرض سيطرة الأجهزة الأمنية على كل المؤسسات السياسية بالدولة، وبالطبع تم ذلك في ظل حالة قمع فريدة لكل القوى السياسية، والانتقام من الفصيل السياسي الأكبر بمصر "الإخوان"، وصل لسفك الدماء البريئة والزج بأكثر من 60 ألف من المعارضين بالسجون وشهد العالم بأثره بإجرام الديكتاتور، وأحصت المؤسسات الحقوقية آلاف الانتهاكات بحق المعارضين في السجون وخارجها، ذلك بخلاف تأميم وسائل الإعلام والصحافة، واعتقال أصحاب الأقلام الشريفة، لإخراس الأصوات المطالبة بالتغيير والإصلاح .

ومن أخطر الملفات التي فرط فيها، ودمر بها مستقبل الأجيال القادمة تفريطه في الحصة التاريخية لمصر، في نهر النيل ، من خلال اتفاقية كلها عوار قانوني في عام 2015 ، والتنازل عن أراضي مصر مثل تيران وصنافير، ولن ينسى له المصريين تقزيمه لدور مصر الإقليمي وإخضاعها لأقزام من أمثال أمراء وملوك الإمارات والسعودية .

تدمير للدين والتدين والقيم المجتمعية  

وعلينا نرصد أيضا محاولات السيسي المستمرة ضمن مخططه التدميري، النيل من الدين والمتدينين والقيم المجتمعية فوجدنا الرجل يعلنها حرباً لا هوادة فيها، على كل مظاهر التدين بالمجتمع المصري، تحت مظلة محاربة الإرهاب، فاعتقل الدعاة،وضيق على العلماء ونكل بأئمة المساجد وفصلهم من أعمالهم، واشتبك مع قضايا الشرع والثوابت الدينية، تحت دعوى تجديد الخطاب الدين، بل لم يرحم من عضده في انقلابه كشيخ الأزهر، الذي وصل التشابك بينهم لمرحلة العلانية، بعد أن أوصل مؤسسة الأزهر لدرجة لا تستطيع التنازل بعدها، وخير دليل قضية الطلاق الشفوي .

 كما سخر مؤسسة الإفتاء لأهوائه وورطها في التصديق على إعدام العشرات من أحرار مصر، وأجهز على "الوقف الشرعي" من خلال وزير أوقافه الإمعة محمد مختار جمعة، وجفف المنابع بكل وسائل الإعلام، وفتح الأبواب على مصرعيها للعلمانيين الذين حاولوا على مدار السنوات التسعة الماضية النيل من قيم التدين، من أمثال أبراهيم عيسي وخالد منتصر، وغيرهم كثير . 

وبالنسبة للقيم المجتمعية وجدناه يتفنن في محاربة تكوين الأسر، ولعل فرض جباية على المقبلين على الزواج، من خلال التبرع لاختراعه "صندوق رعاية الأسرة " خير دليل، ذلك بخلاف حملاته المستمرة لتقليل عدد سكان مصر .

وفي النهاية نؤكد بضمير وطني حي أن السيسي خان أمانة هذا الوطن، من خلال تنفيذه عن عمد مخطط تدميري، تحت إشراف الصهاينة والأمريكان والقوى الكارهة لمصر، وأنه آن الأوان لتخلص المصريين منه، قبل أن يدمر ما بقي من بلد تاريخه متجذر في عمق التاريخ البشري .