محمد احمد الهادي يكتب: "الفصل" الأخير
الخميس - 21 يوليو 2022
بقلم: محمد أحمد الهادى
إن وجهاً من أوجه عبقرية الشيخ حسن البنا ،"المنظر الأول" لجماعة الإخوان المسلمين و مؤسسها ، هى براعته فى صياغة الأطر الفكرية للجماعة و تحرير المصطلحات بدقة متناهية حيث لم يكن فى يوم ما أسيراً للمصطلحات أو متحفظاً تجاه الشعارات و كان ديدنه فى ذلك "لا يعنينا الأسماء ما وضحت المسميات" . و من عجيب الأقدار و على الرغم من جهد الرجل فى نحت مصطلحات فكرته و تحديد ثوابت منهجه و جماعته بكل وضوح و دقة و مهارة إلا أنها لم تعصم بعضاً ممن انتسبوا إليها بل ووصلوا إلى مواقع قيادية فيها لم تعصمهم من الانحراف عما أراد البنا لها و الوقوع فى ما حذر منه!!
لقد عرف البنا جماعة الإخوان المسلمين تعريفاً شديد الوضوح و الدقة فى رسالة المؤتمر الخامس حيث وصفها بأنها فكرة إصلاحية شاملة لها ثمان خصائص رتبها ترتيباً أحسب أن له مغزاه و كانت الخصيصة الرابعة لهذه الفكرة أو قل لهذا الكيان أنها "هيئة سياسية" هكذا وصف البنا جماعة الإخوان و فكرتها وأعتقد أن من حملوا الشعلة من بعده قد فهم أغلبهم هذا المزيج الإصلاحى الشامل بعدما تربوا عليه و مارسوه عبر بضع و تسعين عاماً هى عمر الفكرة و الجماعة معاً.
غير أن انحرافاً عن هذا النهج يظهر بين كل حين و آخر لعل أبرزه و أكثره تكراراً هو المطالبة بفصل "الدعوى" عن "الحزبى". نعم أتفهم المطالبة بالحرفية و التخصص داخل الكيان الواحد أيا ما كان فهذا منطق الأشياء و لكن "الفصل" لا علاقة له بلفظ "التخصص". فقد يتم الفصل و يقوم بالأمر الحزبى أناس غير متخصصين و قد يحدث العكس فالتخصص مبدأ و منهجية بينما الفصل غاية و مطلب فما العلاقة إذاً؟؟؟
يعلل البعض طرحه هذا بقوله أن الجماعة فى تجربتها السابقة قد وجهت الحزب و امتلكته فلم يستطع أن يقوم بدوره السياسى الصحيح المنوط به. و إنى اعترف "كمراقب" أن ثمة قصور فى آداء حزب الحرية و العدالة و درجة من درجات التنسيق قد تصل حد التداخل فى بعض الاحيان بين الحزب و الجماعة و لكن هل يستطيع منصف أن يقيم تجربة وليدة لم تدم أكثر من عام ونصف؟ و هل من المنطق أن جماعة أنشأت حزباً لتدير أموره فتدفع إليه بثلاث من خير العناصر من مكتب إرشادها؟ و تختار له أجود الأفراد من شوراها العام؟ إن الجماعة كانت تدرك منذ اليوم الأول أن الحزب سيكون ذراعها السياسى و أدرك الحزب كذلك أن الجماعة ستكون رافعته الإجتماعية و كانت الأيام "التى لم تتح" كفيلة بصقل التجربة و تطويرها و إنضاجها. إن الجماعة لم تبتدع جديدا فى عالم السياسة فحزب العمال الإنجليزى أعرق الأحزاب على مستوى العالم كان منبثقاً من نقابات عمال بريطانيا فكان ذراعها السياسى و كانت رافعته الإجتماعية و لم تقم الدنيا لذلك و لم تقعد!!!
بالطبع لست ألوم على تفكير أصحاب الطرح فمن حق كل فرد حر الإرادة أن يفكر كيفما شاء و أن يطرح أفكاره و يسعى لتطبيقها و لكن لماذا يصر أحدهم على تطبيق فكرته عبر تشوية فكرة موجودة منذ ما يقارب قرناً من الزمان؟؟ من أراد أن يفعل فليكن قدوته فى هذا مجموعة "حزب الوسط" الذين أعلنوا رأيهم و حاولوا تطبيق فكرتهم "برجولة و وضوح" بل و كانوا أحد الأدوات الداعمة بشدة لأول تجربة ديمقراطية شهدتها مصر و دفعوا و مازالوا يدفعون ثمن مواقفهم المشرفة. و من أراد أن يعمل فى جماعة دعوية "فقط" ففى جماعة "التبليغ و الدعوة" متسع فاتحة ذراعيها تعده برحلة دعوية شهرية "هادئة" ينصح فيها "خلق الله" ثم يتركهم إلى مصيرهم و يسير بعدها إلى خلق آخر فى رحلة أخرى أو فلينشئ دعوته كما أقام البنا فكرته و قد تكون أعظم أثراً فمن يدرى؟
ما ألوم أصحاب فكرة "الفصل" عليه هو إصرارهم على تشويه الفكرة و تفتييت الجماعة فاليوم فصل السياسى عن الدعوى و غدا فصل الخدمى عن الدعوى و بعد غد فصل الاقتصادى عن الدعوى حتى نصل إلى "الفصل الأخير" و أحسبه سيكون فصل الدعوى عن الدعوى!! أعلم أن ضغوطاً عالمية تمارس من أجل تفجير الفكرة و التنظيم معاً و أن بعض الأفراد لا يتحملون مثل ما هم فيه من ضغوط و لكن ما لا يدركه الكثيرون أن جماعة الإخوان و فكرتها لم تصبح ملكاً لأصحابها فقط و لا أكون مبالغاً إذا ما ادعيت انها ليست ملكاً للأمة الإسلامية وحدها. إن جماعة و فكرة أثرت فى العالم على مدار عشر عقود هى ملك للإنسانية كلها كقيم و تجربة وتاريخ فمن لم يستطع أن يقوم بها فليتركها و ليبحث لنفسه عما يريد و لا يحرم الأجيال القادمة من فكرة إصلاحية متكاملة ذات تجربة، علهم يجدوا فيها بغيتهم و تجد فيهم ما لم تجده فى بعض أتباعها. رجاءاً اتركوها كما هى و لا تكتبوا بأيديكم "فصلاً" لا "التئام" بعده!!!