محمد احمد الهادي يكتب: فى النصر و الهزيمة

الخميس - 28 يوليو 2022

إن حالة التسارع التى يمر به العالم لم يكد يسلم منها شئ حتى التعريفات التى كانت قريبة من المسلمات و البديهيات عدى عليها عائد التطور و التبديل. هذه الحالة  قد تكون نعمة فى أحيان أو نقمة فى أخرى لكنها تبقى حقيقة يجب التعامل معها سلباً و إيجاباً بحسب ما تقتضيه الحالة و ما يمليه الضمير و ما يتناسب مع المبادئ. و إن تعريفاً هاماً مثل " النصر و الهزيمة " قد تطور تطوراً واضحاً فى العقود الماضية حتى نضج و أصبح الأقرب للمنظور الإسلامى من أكثر وقت مضى.

كان مفهوم النصر و الهزيمة فى "صراع ما" يُعرف و يُحدد بمقدار الخسائر البشرية و المعدات فى كلا الطرفين ثم تطور قليلا و قيل أنه يقدر بمقدار الأرض المفقودة و المكتسبة أثناء الصراع و التى تحدد عن طريق تموضع آليات و مدرعات كل فريق. لكن تعريفاً أخيرا "آراه عبقرياً" قد غير مفاهيم النصر و الهزيمة فى كل الصراعات الخشنة "السياسية  و العسكرية و الصفرية" هذا التعريف يقول: "إن الطرف المنتصر فى الصراع هو الذى يستطيع إيصال عدوه إلى مقدار من الخسائر لا يمكنه تحملها"!!! إذ لا أهمية لما تخسره أياً ما كان إن كنت تتحمل خسرانه و لكن الأهم فى الصراع أن يخسر خصمك ما لا يستطيع تحمله ... هنا فقط يتبين من المنتصر و من المنهزم!!!

احمل هذا التعريف بين جنباتك و امرر به مروراً متأملاً على كل الصراعات التى قرأت عنها عبر التاريخ إلى يومنا هذا ستشاهد كما شاهدت عبقرية التعريف.  من الذى انتصر فى صراعه ، الغلام الذى دل الملك على مقتله فى قصة أصحاب الأخدود و دفع حياته ثمنا لموقفه "خسارة يرتضيها و يتحملها" أم الملك الذى فقد ولاء شعبه بمجرد قتله الغلام "خسارة لا يتحملها"؟؟. أم لماذا انتصرت فيتنام فى حرب التسع سنوات و قد قتل منها مليون شخص بين مدنى و عسكرى بينما لم تخسر أمريكا أكثر من ربع هذا الرقم حسب تقديرات جوينتر لوى العسكرية. ذلك أنه رقم لا تتحمله أمريكا أدى الى  حالة انقسام مجتمعى حادة تهدد الدولة من الداخل!!!!

لا اندهاش إذاً حينما نسمع الكرام أبناء الكرام داخل السجون المصرية ينزفون دماً رافعين رؤوسهم منادين في كل حر أن "أتموا الثورة لله" و أننا "لم نكن نهذى حين كنا نهتف الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا" إنهم يقولون بوضوح جلى إن أقصى ما تتوعدوننا به من خسائر "الموت" هو ما نتمناه لا ما نتحمله .. فكيف لكم بهزيمتنا فى معركتكم الأخيرة !! إن الغرب الداعم يتفهم ذلك جيداً و يدرك النهاية الحتمية إذا لم يخضع من يحسنون "صناعة موتتهم" إذ لا هزيمة لهم و إن قتلوا!! لذا يحاولون إخضاعهم  بوسائل عدة  بدأت بالتفاوض منذ عهد الزعيم مرسى و انتهت بالدسائس و ما بينهما إعدام و قتل و تشريد و الرجال "ذكرانا و إناثا" على عهدهم لم يرجف لأغلبهم جفن.

على الجانب الآخر خسائر متعددة و متنوعة و متكررة و عميقة من لا يراها فهو ما بين مرجف أو أعمى بدرجات متفاوتة. إن النظام دخل منذ اليوم الأول له فى متاهة شراء شرعيته و لم يستطع أن يخرج منها إلى يومنا هذا ففرط فى نيله و اشترى صفقات سفيهة من الغرب بمليارات الدولارت و سدد ديوناً فى رقبته لفسدة النظام و اشترى ولاء الأجهزة كل ذلك و لم ينعم بشرعية حقيقية  و لم يهنأ بها و إلا فأخبرونى لماذا لم ينه ملف المعتقلين "بأى طريقة كانت" و هو ملف ضاغط خارجياً حد الهوان، إنه يخشى خروجهم لأنهم أصحاب الشرعية و لا يستطيع تصفيتهم جميعاً.

إن هذا الثقب الأسود الذى يبتلع كل موارد الدولة قد ساهم فى خسارة أراها أكبر خسائرالنظام و هى خسارة الظهير الشعبى بالكلية فلم يبق معه إلا صاحب مصلحة أو صاحب هوى و تحولت الدولة إلى شبه دولة بالمعنى الحرفى للكلمة زاد من تفكهها و هشاشتها الوضع الإقتصادى العالمى فتحولت مصر إلى غرفة خشبية متهالكة مشبعة بالغاز تنتظر عود ثقاب واحد من هنا أو من هناك لتنفجر فى وجه الجميع و ساعتها ستكون ثورة 25 يناير نزهة ترفيهية  مقارنة بما قد يحدث. فمن يثور دفاعاً عن حقوقه المهدرة لا كمن يثور دفاعاً عن حياته المهددة!!!