ماذا وراء دعوة السيسي لتعديل قانون الأحوال الشخصية؟
الثلاثاء - 7 يونيو 2022
جدد السيسي إثارته للجدل بمصر، بسبب محاولة جديدة لفرض رؤيته على الثوابت الدينية والقيم المجتمعية، حيث وجّه قائد الانقلاب، وزير العدل المصري، بتشكيل لجنة لإعداد وصياغة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية للمسلمين، وقد تزامن ذلك مع حملة شعواء من العلمانيين المحسوبين على النظام المصري، تستهدف تهميش دور المؤسسات الدينية وعلى رأسها الازهر في إصدار هذا القانون، وفي سياق متصل أكدت البيانات الرسمية أن الأزمة الاقتصادية تدمر الأسرة المصرية ، حيث اعترف "المركزي للإحصاء" بارتفاع نسب الطلاق إلى 49% خلال 10 سنوات، كما أكدت البيانات الرسمية أيضا ان الظروف الاقتصادية تسببت في عنوسة 13 مليون بنت مصرية و7 مليون شاب، ومن خلال هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.
قانون جديد للأحوال الشخصية برؤية خاصة للسيسي
وجّه السيسي وزير العدل المصري عمر مروان، بتشكيل لجنة من الخبرات القانونية والقضائية المختصة في قضايا ومحاكم الأسرة، لإعداد وصياغة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية للمسلمين، يراعي – بحسب زعمه - المصالح المتعددة لجميع الأطراف المعنية بأحكامه؛ على نحو متوازن يعالج الشواغل الأسرية والمجتمعية في هذا الشأن.
من جهته، ادعى مروان أن هناك جهودا تبذلها الوزارة لتطوير منظومة التقاضي المتعلقة بالأسرة، وتحقيق الاستقرار المنشود في المجتمع المصري، والحفاظ على حقوق جميع أعضائها، مشيداً بالجهود المبذولة من جانب القضاء المصري لتحقيق "العدالة الناجزة"- على حد زعمه- من خلال التعامل مع عدد هائل من القضايا المطروحة يومياً أمام المحاكم بكافة أشكالها.
فيما تشير إحصاءات "المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية"، وهو هيئة حكومية مصرية، إلى وجود أكثر من مليون قضية للأحوال الشخصية أمام المحاكم التي لم تفصل فيها؛ في وقت تجاوز عدد حالات الطلاق 222 ألفاً خلال عام 2020 مقابل 876 ألف حالة زواج، أي بنسبة تجاوزت 25 في المائة.
من جانبها، كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، في وقت سابق، أن رئيس مجلس النواب حنفي جبالي وجه أعضاء المجلس بـ"عدم طرح تعديلات على قانون الأحوال الشخصية إلا بعد أخذ رأي الأزهر الشريف، وإعلان موافقته على اقتراحات التعديل التزاماً من البرلمان بالمادتين الثانية والسابعة من الدستور. وكذلك تجنب الصدام مع المؤسسة الدينية الأهم".
وتنص المادة الثانية من الدستور المصري على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، فيما تخول المادة السابعة الأزهر الإشراف على كل جوانب التشريع، "لكونه المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم".
وقال السيسي في مداخلة هاتفية مع قناة "صدى البلد"، قبل أقل من شهر، إن "المرأة المصرية مظلومة، وقضايا الأحوال الشخصية من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع، وتؤثر في مستقبله بشكل أو بآخر".
وجدد دعوته إلى إعداد تشريع جديد للأحوال الشخصية "يُلزم الجميع بحل قضايا الأسرة، بمشاركة الحكومة والبرلمان والأزهر وكل مؤسسات المجتمع، من أجل الوصول إلى قانون متزن وعادل يراعي مصالح الجميع".
يذكر أن مجلس النواب قرر تجميد مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قدمته الحكومة إلى المجلس في فبراير/شباط 2021، على خلفية اعتراض الأزهر على كثير من مواده، ولا سيما تلك المتعلقة بتنظيم الخطبة، وعقد الزواج وآثاره وأحكامه، والطلاق والنفقة والحضانة. لكن مواضيعه طُرحت مجدداً للنقاش بعدما قدم نواب اقتراحات لتعديل القانون، إثر عرض مسلسل "فاتن أمل حربي" خلال شهر رمضان الأخير.
مخاوف من غياب المجتمع المدني عن «تعديل الأحوال الشخصية»
وعلّقت المحامية ومديرة مؤسسة «قضايا المرأة»، عزة سليمان، حول قرار السيسي بتشكيل لجنة لقانون الأسرة، قائلة لـ«مدى مصر» إنه من غير المقبول أن تُشكل لجنة ذات صفة قضائية فقط لصياغة مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية حتى لو كانت تضم في عضويتها قاضيتين، مضيفة أن «العبرة هُنا هي بالخلفية والقناعات التي يعتنقها أعضاء اللجنة وهو أمر غير واضح طبعًا وأشارت سليمان إلى غياب ممثلي المجتمع المدني من التشكيل، موضحة أن «وزير العدل نفسه كان قد وعد في تقرير موجه للمجلس الدولي لحقوق الإنسان بأن يساهم المجتمع المدني في التعديلات التشريعية الجديدة»
وفي 2019، أعدت مؤسسة الأزهر مشروعًا بتعديل «الأحوال الشخصية»، والذي سبق مشروع الحكومة في تبني حق الولي في فسخ «الزواج»، كما وضع حزب «الوفد الجديد» مشروعًا آخر. وبحسب تصريحات للنائب السابق، محمد أبو حامد لـ«مدى مصر»، في تغطية سابقة، فإن «النواب» كان قد تلقى في الفترة من أبريل 2017 إلى يناير 2019 ستة مشروعات حول «الأحوال الشخصية».
وتنظم مسائل اﻷحوال الشخصية في مصر حاليًا أربعة قوانين، هي: 25 لسنة 1920 وتعديلاته، و25 لسنة 1929 وتعديلاته، إضافة إلى القانون رقم 1 لسنة 2000، والخاص بإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية، والقانون 10 لسنة 2014، والخاص بإنشاء محاكم الأسرة، وتنظم تلك القوانين مسائل: الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين.
ماذا وراء دعوة السيسي لتعديل قانون الأحوال الشخصية؟
وفي عقب قرار السيسي بتشكيل لجنة لاعداد قانون الأحوال الشخصية ، عاد الجدل مجددا في مصر والذي شغل خلال السنوات الماضية حيزا كبيرا من التفاعل عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي
ويعارض نواب ومفكرون وناشطات وحقوقيات تدخل مؤسسة الأزهر في إعداد القانون، وانتقدوا ما أسموه "دينية الدولة"، ويأتي مسسلسل "فاتن أمل حربي" للكاتب المثير للجدل، إبراهيم عيسى، والذي تم عرضه في رمضان نموذجا لمحاولة إبعاد الشريعة عن قانون الأحوال الشخصية بدعوى أنه لا ينصف المرأة ويقهرها.
وردا على تلك الانتقادات، قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في مقال له، في تشرين أول/ أكتوبر عام 2019، إن الأزهر قام بإعداد مشروع القانون انطلاقا من واجبه الشرعي، مشيرا إلى أنه حين يكون الوضع متعلقا بقوانين مصدرها القرآن والسنة والشريعة الإسلامية التي هي المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية لا يصح أبدا ولا يقبل أن يترك الحديث فيها لمن هب ودبّ.
تعديل وتطوير تحت مظلة الأزهر
ويرى وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقا، الشيخ سلامة عبد القوي، أن قانون الأحوال الشخصية يحتاج تعديلا ويجب أن يكون متجددا ومتوافقا مع متغيرات الحياة، لكن لا بد أن نراعي أن هناك ثوابت أوجدتها الشريعة الإسلامية، ولا يمكن التنازل عنها أو تعديلها أو النقاش حولها، والحقوق التي أعطاها الشرع للرجل غير الحقوق التي أعطاها للمرأة، ولا بد لأي تعديل أن ينطلق من منطلق ديني شرعي وليس مدنيا علمانيا".
ورأى الشيخ عبد القوي أن "ضغط الجماعات المدنية والحركات النسوية والحقوقية هو ضغط قديم متجدد من أجل استقلال المرأة بنفسها عن كل شيء، ولا تريد أي دور للأزهر في تعديل ومراجعة القانون، من خلال إثارة بعض القضايا المثيرة للجدل والكثير منها تعرض لها الشرع بشكل كاف وواف فكيف نترك الشرع للمدنية، ولذلك يجب أن تكون الأحوال الشخصية نابعة من الشريعة الإسلامية، ولا بد أن يكون الأزهر الجهة الرسمية والدينية المنوط بها الأمر وإلا سيصبح غير ذلك إفسادا لا إصلاحا".
من جهتها، تقول الكاتبة والصحفية ورئيس الاتحاد العالمي للنساء وممثلة المرأة المصرية، إلهام عبد الله، إن "الإسلام جاء فرفع المرأة وكرمها بعد أن كانت مهانة لا قيمة لها في الجاهلية وفي العالم أجمع، وأعاد لها حقها المهضوم، وجعلها في مكانة خاصة، ونزل القرآن الكريم في مواقع عدة ينص على المرأة ويقر قوانين تصون جسدها وعقلها وروحها، لكن لما جاء القانون البشري ودعاة المدنية حطوا من قيمتها ولبس الشيطان ثوب المدافع عن المرأة تحت مزاعم التحرر والمساواة بين الرجل والمرأة، بل حملتها أكثر من طاقتها حتى باتت الفتيات يكرهن الزواج".
وأرقام صادمة للطلاق في مصر بسبب الازمة الاقتصادية
وفي سياق متصل وفي ظل الازمة الاقتصادية ، شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في معدلات الطلاق بلغت نسبته 49% خلال 10 سنوات، مع انخفاض معدلات الزواج في الوقت نفسه، الأمر الذي استدعى تدخل مشيخة الأزهر والحكومة.
فوفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (رسمي)، ارتفع عدد شهادات الطلاق في مصر خلال عام 2020 إلى 222 ألفا، مقارنة بـ199 ألفا عام 2015، أي بنسبة زيادة بلغت 12%، وبمعدل 26 طلاقا كل ساعة.
وانخفض عدد عقود الزواج عام 2020 إلى 876 ألفا، مقارنة بـ969 ألف عقد عام 2015، أي بنسبة انخفاض بلغت 10%، وبمعدل 101 عقد زواج كل ساعة.
ودفعت هذه الأرقام مشيخة الأزهر قبل سنوات معدودات، إلى تدشين وحدة “لَمِّ الشَّمْل” للصلح بين الأزواج المختلفين حتى لا يصلوا إلى مرحلة الطلاق، وذلك للحد من الظاهرة وتبعاتها الاجتماعية الخطيرة.
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في بيان “الوحدة تهدف لحماية الأسرة من التفكك، ويدور عملها على دراسة الظاهرة نظريًّا، إضافة إلى دور عملي يتمثل في زيارة المراكز والقرى لنشر الوعي ولم شمل الأسرة والصلح بين المتخاصمين”، وخصص المركز رقمًا موحدًا للتواصل مع الوحدة.
وكان المتحدث باسم مجلس الوزراء نادر سعد قد قال إن حوالي 20% من حالات الزواج السنوي في البلاد تنتهي بالطلاق.
وفي مقابلة تلفزيونية قال سعد إنه من بين 980 ألف زواج سنويًّا، يفشل 198 ألفا قبل السنة الثالثة، وهي نسبة كبيرة للطلاق المبكر تتجاوز 20%، وأضاف سعد أن ما بين 38 و40% من حالات الطلاق المذكورة تحدث في السنوات الثلاث الأولى من الزواج، وأن الطلاق ينتشر بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35 سنة.
وفي خطاب ألقاه في يناير/كانون الثاني عام 2017 خلال عيد الشرطة، قال السيسي إن رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أبلغه أن حوالي 40% من الزواجات السنوية في البلاد تنتهي بالطلاق بعد 5 سنوات
وطالب السيسي بإصدار قانون ينص على ألا يتم الطلاق إلا أمام المأذون لكي نعطي فرصة للناس ليراجعوا أنفسهم، داعيًا إلى إبطال الطلاق الشفوي.
وقال مفتي مصر شوقي علام إن ما لا يقل عن 4200 سؤال حول الطلاق يتم إرسالها إلى دار الإفتاء المصرية شهريا.
وتشير البيانات الرسمية أن هناك أكثر من 13 مليون عانس بمصر ، ,أن هناك أكثر من 7 مليون شاب في سن الزواج لم يتزوجوا بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة .