ماذا وراء تفكيك القاهرة الكبرى وبيعها والتهجير القسري لسكانها؟
الثلاثاء - 31 مايو 2022
على مدار الشهور القليلة الماضية واصلت حكومة السيسي مخططها في تفريغ القاهرة الكبرى من سكانها الأصليين، تحت دعوى تطوير العشوائيات، وتصاعدت حملتها على مدار الأيام الماضية مستمرة في عملية التهجير القسري لكثير من المناطق ومنها منطقة “الأهرامات” حيث يتم إزالة المنازل بها لبناء "كمباوندات" وأبراج سكنية بأموال صهيونية وإماراتية، كما واصلت الحكومة تهجير سكان سور "مجرى العيون" وهدم منازلهم ، وتزامن ذلك مع مواصلة بلدروز الحكومة إزالة منطقة "سن العجوز" بنزلة السمان وسط استغاثات 4800 أسرة، مع مواصلة هدم 4500 وحدة سكنية بالحيين السادس والسابع غرب مدينة نصر بشرق القاهرة رغم الرفض الشعبي، ويتم تنفيذ هذا المخطط الشيطاني بأموال إماراتية تستهدف السيطرة على سوق العقارات من خلال شركة “إعمار” للتنمية، والتي بدأت تجني ثمار ذلك من خلال بيع عمارات “مثلث ماسبيرو” ، كما أن السطو علي قلب العاصمة المصرية تتشارك فيها منظمات دولية ودوائر خارجية على رأسها اليونسكو بالتواطؤ مع شخصيات ومراكز نفوذ داخل السلطة المصرية الحالية، ومن خلال هذا التقرير نفتح هذا الملف ونرصد محاولات النظام ل"الإحلال الطبقي العمراني" في القاهرة الكبرى والذي يدفع ثمنه فقراء القاهرة.
منطقة “الأهرامات”
في إهدار لكل القيم والمواثيق الإنسانية والحقوقية، يمارس نظام السيسي العسكري بلطجة غير مسبوقة في استمراره بإزالات لبيوت ومساكن أهالي منطقة سن العجوز بنزلة السمان بالهرم، وسط استغاثات غير مسموعة للسكان الذين أكدوا مرارا عبر وسائل إعلام النظام أنهم ليسوا ضد التطوير، لكن بحاجة لحوار مجتمعي حول شكل التعويضات والمناطن البديلة ومراعاة الظروف الإنسانية من تعليم وعمل للسكان، إلا أن النظام المعتمد على الدبابة من أول لحظة استيلاء على السلطة لا يسمع لأحد، ولا يستجيب ولا يكترث للشعب
حيث قرر السيسي إزالة منطقة الأهرامات بالجيزة وإخلائها من سكانها من أجل بناء كمباوندات وأبراج سكنية وكافيهات، مقابل طرد سكانها البالغ عددهم 4800 أسرة، إلى مناطق صحراوية في السادس من أكتوبر والواحات في شقق لا يتجاوز مساحتها 59 م ، على الرغم من أن سكان تلك المنطقة مرتبطون بالعمل حول الأهرامات، سواء البازارات أو الجمال والأحصنة وغيرها من وسائل نقل السياح وخدمتهم، وهو ما يعني قطع أرزاقهم بالمرة..
واعتمد مجلس الوزراء أول أمس الأحد، مشروع تطوير منطقة الأهرامات في محافظة الجيزة، المعد بواسطة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان والمرافق، إيذانا ببدء تنفيذ المشروع خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وتضمن المشروع تخصيص نحو 593 فدانا في المنطقة المحيطة بالأهرامات لإقامة فنادق ومشروعات وأبراج سكنية بارتفاعات تصل إلى 12 طابقا، من ضمنها "كمبوند" خاص بضباط القوات المسلحة وآخر لضباط الشرطة على مساحة 56 فدانا و39 فدانا لإنشاء ملعب جولف و26 فدانا للأنشطة الترفيهية و19 فدانا للأنشطة التعليمية و14 فدانا للخدمات العامة و7 أفدنة للأنشطة الإدارية و6 أفدنة للأنشطة التجارية و3 أفدنة للمنشآت الدينية.
كما تضمن إنشاء فنادق خلف المتحف الكبير، ومتحف مفتوح حول معبد الوادي للملك خفرع بهضبة الجيزة، بعد الانتهاء من إزالة منطقة نزلة السمان بالكامل، وساحات رئيسية تحت أسماء "خوفو بلازا" و"سفنكس بلازا" و"مترو بلازا" وربط ذلك كله بتجمعات المطاعم والكافيهات المقرر إنشاؤها ومحاور ومناطق المنطقة السياحية ومداخل المنطقة الأثرية.
وتضمن المشروع إنشاء قرية حرفية تراثية على أنقاض منطقة " سن العجوز" بالنزلة على مساحة تبلغ 29 فدانا.
وتضمن أيضا إنشاء منظومة لخطوط النقل السريع (BRT) وتعزيز وسائل النقل غير الآلي (NMT) في محافظات القاهرة الكبرى، وربطها بالمحطات الجديدة لمترو الأنفاق، وهيئة النقل العام، بهدف خلق شـبكة نقل تتكامل مع المشروع والربط بينه وبين مناطق وسط القاهرة والتجمع الخامس و6 أكتوبر، بمتوسط 50 حافلة في أوقات الذروة.
وتأتي عمليات التهجير والإزالات الأخيرة ضمن مخطط القاهرة 2050، الذي أطلقه رئيس وزراء حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي حين كان رئيسا لهيئة تطوير المجتمعات العمرانية
ومنذ انقلاب 3 يوليو 2013، يواصل الجيش تغلغله في جميع نشاطات المال والأعمال برعاية السيسي؛ ما ضاعف حجم اقتصاد المؤسسة العسكرية – غير الخاضع لأي نوع من الرقابة – بصورة غير مسبوقة، نتيجة الاستحواذ على جميع مشروعات إنشاء الطرق والجسور والتوسع في بيزنس تأجير المطاعم والكافيهات، الذي يتراوح ما بين 30 و150 ألف جنيه شهريا للوحدة باختلاف المساحة والمنطقة.
وتحظى شركات الجيش بإعفاء كامل من الضرائب والرسوم والجمارك، فضلا عن امتلاكها عمالة رخيصة ممثلة في "التجنيد الإلزامي" وإخضاع الأشخاص الذين يؤدون الخدمة العسكرية للعمل في مشروعاتها برواتب هزيلة، لا تتعدى في أفضل الأحوال ألفا وخمسمائة جنيه في الشهر.
وإزلالات سور مجرى العيون مستمرة
وفي سياق تفريغ القاهرة الكبري من سكانها ، مازالت إزالات سور مجرى العيون مستمرة ، حيث تواصل الأجهزة التنفيذية بالمنطقة الجنوبية لمحافظة القاهرة وحي مصرالقديمة أعمال الإزالة الجارية بمناطق السكر والليمون وحوش الغجر والجيارة الملاصقة لسور مجرى العيون والواقعة بنطاق حي مصر القديمة دون توقف خلال شهر رمضان المعظم
وأعلنت جيهان عبدالمنعم، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، أن أعمال الإزالة الجارية قد أسفرت حتى الآن عن الانتهاء من إزالة 5٦ عقارا وهدمهم هدما كليا وإخلاء ٢٨٠ عقارا من إجمالي ٥٢٠ عقارا بإجمالي ٨١٨ أسرة مستحقة، لافتة إلى تعدي نسبة تنفيذ أعمال الإخلاء إلى أكثر من ٥٠%.
جدير بالذكر أن عملية الإزالات تاتي تحت دعوى الخطة الجاري تنفيذها لتطوير منطقة سور مجرى العيون بالإضافة إلى المخطط العام لمشروع حدائق الفسطاط الذي يستهدف إنشاء حديقة مركزية فىغ قلب القاهرة وذلك على مساحة تقترب من الـ ٥٠٠ فدان تحتوي على جميع العناصر الترفيهية والخدمية لقاطني القاهرة الكبرى، وصولاً لتغيير وجه هذه المنطقة بالكامل.
كما تستمر آلة الإزالة في عملها في هدم منطقة الحيين السادس والسابع غرب مدينة نصر بالمنطقة الشرقية في محافظة القاهرة، بهدف بناء أبراج جديدة على أن يتم تعويض الأهالي.
ومازال الغضب يجتاح السكان، وقد أشارت رئيسة حي غرب مدينة نصر مرفت مطر إلى أن المنطقة المقررة إزالتها بمدينة نصر تقع بداية من قسم ثاني مدينة نصر حتى شارع خليفة الظافر وصولاً إلى محور جيهان السادات، مشيرة إلى حصر 4500 وحدة سكنية ومحل تمهيداً لإزالتها لتعارضها مع مشروع التطوير. ولتبرير المخطط، تطرقت إلى رصد المحافظة عدداً كبيراً من العقارات الآيلة للسقوط بالمنطقة، ما استدعى إعادة تخطيط المنطقة بالكامل لتضاهي أعمال التطوير الجارية التي تشهدها العاصمة القاهرة.
وأعلن عدد من السكان عزمهم على اتخاذ خطوات قانونية تتمثّل في رفع شكاوى لدى مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، ورفع دعوى قضائية للطعن في قرار محافظة القاهرة
تفاصيل المخطط الإماراتي الجديد للسيطرة على مصر
ويقف وراء هذا المخطط في إزالات القاهرة الكبري ، السلطات الإماراتية التي تسعى لبسط سيطرتها على مختلف مفاصل مصر، ونجد إنّ مخططاتها تهدف إلى السيطرة على سوق العقارات من خلال شركة “إعمار” للتنمية، التي تتولى تنفيذ العديد من المشروعات في مناطق استراتيجية ومهمة في مصر.
وذكرت أن الشركة الإماراتية هي المسؤولة عن تنفيذ الجزء الأكبر من منطقة “مثلث ماسبيرو” في كورنيش النيل مرتفعة الثمن، بعدما جرى طرد السكان منها.
كما تغوّلت الإمارات -وفق الصحيفة- على قطاع الصحة في مصر، من خلال شراء عدد كبير من المستشفيات والمعامل الخاصة؛ الأمر الذي أثار غضب وشكوى الأطباء المصريين، فضلًا عن شروع أبو ظبي ببناء مدارس وجامعات خاصة تقلّص من مساحة التعليم الحكومي في مصر.
ماذا تفكيك القاهرة وبيعها ؟
وفي ظل هذا المخطط ، يتعرض قلب العاصمة المصرية (القاهرة) لعملية سطو ممنهجة تتشارك فيها منظمات دولية ودوائر خارجية بالتواطؤ مع شخصيات ومراكز نفوذ داخل السلطة المصرية، للسيطرة على كل المنطقة من جبل المقطم إلى نهر النيل وتدويلها لإنشاء منطقة مغلقة يسكنها ويديرها الأجانب، تشبه المنطقة الخضراء ببغداد.
يتم تنفيذ عملية السرقة بمزاعم الحفاظ على القاهرة التاريخية، وإعادة قلب العاصمة إلى ما كانت عليه في القرن التاسع عشر، على النحو الذي ورد في الخريطة التي حددها علماء الحملة الفرنسية في كتاب “وصف مصر ” عام 1807 والخريطة التي رسمها الفرنسي L. Thuillier عام 1888 والخريطة التي رسمها جراند بك مدير التنظيم بالقاهرة عام 1974
الغطاء الذي يتم التحرك من خلاله هو منح المنطقة لليونسكو باعتبارها منطقة تراث عالمي، وما يترتب عليه من تدويل الإدارة، ونزع سلطة الدولة عن المنطقة سواء المناطق الأثرية أو المنطقة المعاصرة التي تم ضمها باعتبارها منطقة حماية فاصلة تخضع لإشراف الخبراء الدوليين.
وظهر دور الجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي أعطاه القانون رقم 119 لسنة 2008 صلاحية ترسيم وتحديد ” المناطق ذات القيمة المتميزة” فقرر تحديد مناطق القاهرة التاريخية والقاهرة الخديوية وجاردن سيتي على أنها مناطق ذات قيمة متميزة، وتوسع في ضم العقارات لقائمة المباني المتميزة، في المنطقة الممتدة من المقطم إلى نهر النيل لتشتمل على المدينة ما قبل المعاصرة والمدينة المعاصرة.
زاد الحماس الأوروبي خصوصا فرنسا، وظهر الاندفاع في مخطط الاستيلاء على قلب القاهرة عام 2009 عندما فكر الرئيس المخلوع حسني مبارك في توريث الحكم لنجله؛ حيث وجدوها فرصة لتمرير مخطط السيطرة على القاهرة من خلال جمال مبارك واستغلال احتياجه إلى الدعم الدولي؛ فبعد عدة مطالبات وإلحاح من قبل لجنة التراث العالمي اتفقت الحكومة المصرية مع اليونسكو على إعداد أنشطة مشتركة تهدف إلى حماية وإحياء التراث العمراني للقاهرة التاريخية في إطار برنامج اليونسكو عنوانه “حماية التراث الثقافي في مصر”.
ومنذ عام 2010 بدأ مشروع “الإحياء العمراني للقاهرة التاريخية” التابع لليونسكو يمارس عمله.
إذن فنحن أمام جريمة دولية للسطو على قلب القاهرة ومحاولة ماكرة لاختطاف عاصمة أكبر دولة عربية بمخططات ملتوية ظاهرها حماية التراث، وباطنها سرقة الأرض وتهجير السكان المقيمين بها واستبدالهم بآخرين من غير المصريين، وتفكيك الحكومة وأجهزتها وطردها إلى الصحراء، وإخلاء الأسواق التي تمثل عصب الاقتصاد في مصر، من أجل تأسيس مستوطنة سيحكمها ويديرها طبقة السكان الجدد، الذين يمثلون المستثمرين ورجال الأعمال الذين اشتروا معظم اسهم الشركات في البورصة، وستنتقل إليهم ملكية أصول الدولة المعروضة للبيع.
تغيير ديموغرافي خطير
تسير السلطات المصرية قدماً نحو إحداث تغيير سكاني ضخم يطال محافظات القاهرة الكبرى، عنوانه "القضاء على العشوائيات"، ويهدف إلى نقل سكان المناطق العشوائية من أحيائهم، وتسكينهم في أحياء نائية، وهدم أحياء قديمة وإقامة مشروعات سياحية واستثمارية مكانها.
في الوقت نفسه، يسير مشروع العاصمة الإدارية الجديدة على قدم وساق، ومن المنتظر أن تُنقل إليها كافة الإدارات والمصالح الحكومية والسفارات والشركات الكبرى. فما الذي تريده السلطة من السكان؟ وهل تسعى إلى إفراغ القاهرة الكبرى من فقرائها؟
"القضاء" على المناطق العشوائية التي تضم 50% من سكان القاهرة الكبرى، والبالغ عددهم 22 مليون ونصف المليون نسمة، هو أحد أكبر المشاريع التي تعمل عليها السلطة. رملة بولاق، مثلث ماسبيرو، الحطابة، الدويقة، منشأة ناصر، جزيرة الوراق... هي عدد من المناطق التي تقع ضمن خطة "التطوير"، وتعرّض عدد من سكانها للتهجير بالفعل، فيما ينتظر آخرون مصيرهم.
يقدّم المسؤولون تبريرات تنطلق من الرغبة في تنمية بعض المناطق وحماية السكان الآيلة منازلهم إلى الانهيار. ولكن يبدو أن البعد الأمني للمسألة هو أمر أساسي. ففي كلمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء افتتاح مشروع "بشائر الخير"، أحد مشاريع القضاء على العشوائيات، قال: "إلي أنا بتكلم فيه بالمناسبة دا أمن قومي. لو سبت الناس البساط بضعفهم وغلبهم بالطريقة دي، والله والله تلات أربع سنين والبلد دي هيتم هدها".
تختلف ظروف كل منطقة من المناطق التي تقع ضمن مخططات "التطوير" عن الأخرى من حيث الموقع وملكية السكان لمنازلهم وتاريخ الحديث عن مشاريع تطالها.\
أغلب السكان الذين يتم نقلهم من المناطق المسماة بـ"العشوائيات" يتم إسكانهم في مدن جديدة على حدود القاهرة، مثل حي الأسمرات. وهو مشروع افتتح السيسي مرحلته الأولى عام 2016، ومخطط له أن يستوعب 100 ألف نسمة. وحالياً يسكنه مئات المنتقلين من أحياء عشوائية، ويبلغ إيجار الوحدة السكنية فيه 300 جنيه.
في نفس السياق، ترى أمنية خليل، الباحثة في أنثروبولوجيا العمران، وأحد مؤسسي مركز 10 طوبة، أن هذه المشاريع تستهدف "الإحلال الطبقي العمراني"
تقول أمنية لـ"رصيف22" إن "الدولة تسخر أجهزتها المختلفة وفقاً لحالة كل منطقة للتعامل مع سكانها، مع عدم وجود شفافية، إضافة إلى انتزاع الأراضي بالقوة من المواطنين". وتدلل على ذلك بإفراغ منطقة مثلث ماسبيرو المطلة على النيل من سكانها لصالح مشاريع أخرى.