ليبيا بعد اشتباكات طرابلس: هل هناك أفق لحل النزاع السياسي والعسكري؟
الأحد - 28 آغسطس 2022
إنسان للإعلام- خاص
اندلعت يوم 27 أغسطس 2022 أخطر اشتباكات تشهدها ليبيا منذ هجوم الانقلابي خليفة حفتر علي العاصمة أبريل 2019، لكنها هذه المرة ليست ضد خليفة حفتر وإنما بين حلفاء الأمس الذي طردوا حفتر، المدعوم من أنظمة الثورة العربية المضادة، من العاصمة.
سبب الصراع هو دعم برلمان طبرق الموالي لحفتر ودول الثورات المضادة لفتحي باشاغا وزير الداخلية السابق في حكومة فايز السراج، والذي عاصر هجوم حفتر على العاصمة الذي انتهى في 2020.
باشاغا تحول 180 درجة وتم تعيينه من قبل "برلمان طبرق" بقيادة عقيلة صالح، كرئيس للوزراء في حكومة بديلة لم تتمكن حتى الآن من تولي مقاليد الأمور ودخول طرابلس، حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة المعترف بها دوليا والمنقضية مدتها، والمشكلة بناء على مقررات الحوار الليبي في جنيف في 5 فبراير 2021م.
محاولة باشاغا دخول العاصمة لممارسة مهامه قوبلت برفض من الدبيبة وقوي ثورية تري ان باشاغا يستغله حفتر كحصان طروادة لغزو العاصمة بدلا منه بعد احتراق ورقته.
تحرك القوات المتحالفة مع باشاغا وبعضها داخل وخارج طرابلس هذه المرة نحو طرابلس جاء من ثلاثة اتجاهات، في جنزور شمال غرب طرابلس وحي أبو سليم جنوب طرابلس، والطريق الساحلي بـ 300 مركبة عسكرية
لاحظت قوات الحكومة في طرابلس هذه التحركات فسعت مبكرا لاجهاضها فوقعت مواجهات مسلحة بين مجموعات تتبع جهاز "دعم وحفظ الاستقرار" التابع للمجلس الرئاسي ويرأسه غنيوة الككلي، و"اللواء 777" التابع لرئاسة الأركان ويقوده هيثم التاجوري.
حكومة الوحدة الوطنية اتهمت القوات المؤيدة لباشاغا بأنها تقوم بانقلاب واتهمت مجموعة عسكرية تابعة له بإطلاق نار عشوائي وأنها ردت وطردتهم من معسكراتهم إلى خارج طرابلس وانتهي القتال وعاد الهدوء.
قتل في مواجهات السبت 27 أغسطس 23 شخصاً أغلبهم من المدنيين، وأصيب العشرات، وخسر حلفاء الحكومة التي يرأسها فتحي باشاغا مواقعهم السابقة وسط العاصمة وسيطر جهاز الأمن العام التابع للحكومة الرسمية على مقر الـ 92 التابع لمليشيا هيثم التاجوري.
هزيمة القوات المؤيدة لفتحي باشاغا طرح تساؤلا: هل انتهي باشاغا بعد ما سمحت تركيا باستخدام الطيران المسير ضد قواته؟ أم أن باشاغا سيعيد الكرة مرة ثالثة، بعد محاولة دخول سابقة فاشلة؟.
دور القوي الخارجية
هناك تدخلات لقوي اقليمية عربية واخري دولية في الصراع في ليبيا لأسباب تتعلق بموقع ليبيا الجغرافي وأخري تتعلق بالنفط الليبي وثالثة تتعلق بالخشية من تواجد اسلاميين في الحكم وتسعي لإبعادهم كما حدث في كل تجارب الربيع العربي.
مصر والامارات والسعودية تقف مع الانقلابي حفتر ودعمته بالسلاح والمال لغزو طرابلس لكنه فشل بفعل تدخل تركيا وطائرات المسيرة بيرقدار والتي لها مصالح تتعلق بالبحر المتوسط والغاز.
عادت مصر والامارات لدعم باشاغا كبديل لحفتر وتمت دعوته لمصر للقاء السيسي ومدير مخابراته عباس كامل ودعمت مصر والامارات اختيار برلمان طبرق له رئيسا للوزراء بدل الدبيبة.
أمريكا والدول الاوروبية انقسمت بين من يرغب في دعم الدبيبة للحفاظ على الاستقرار وانتاج النفط بكثافة لتعويض النقص في الوقود الروسي بسبب العقوبات الغربية على روسيا لغزوها اوكرانيا، لكنها ظلت تبحث عن مصالحها مع الفائز في الصراع.
رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة أكد إن "العدوان على طرابلس "مخطط له من الداخل والخارج"، و"نحن نريد الانتخابات، ومن يريد حكم ليبيا عبر الانقلابات والسلاح والنار نقول له إنك تحلم".
وجه الدبيبة رسالة لفتحي باشاغا يقول له فيها: "وفّر عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين، لو كان لديك حرص على حياة الليبيين، فركز جهدك لدخول الانتخابات، ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها".
كما اتهم عضو المجلس الأعلى للدولة في ليبيا وحيد برشان "دولًا إقليمية" لم يسمّها، بالعمل على تأجيج الصراع داخل العاصمة طرابلس.
وقال إن "هذه الدول تريد بقاء ليبيا في مراحل انتقالية لا نهاية لها"، مشيرًا إلى أن "الشرخ سيتعمق وكل المؤشرات تدل على زيادة الصراع".
أشار برشان إلى أن "مجلس الدولة يريد الذهاب إلى الانتخابات التشريعية للوصول إلى شرعية جديدة على أساس دستوري سليم".
"لكن القوى المسيطرة على البرلمان تريد انتخابات بطريقة معينة كي يتمكن حفتر من الوصول إلى الرئاسة التي تضمن له حصانة من الجرائم".
أصدرت محكمة أمريكية، 29 يوليو 2022، حكماً غيابياً ضد الانقلابي الليبي خليفة حفتر، يتهمه بارتكاب جرائم حرب في ليبيا، إثر دعوى تقدمت بها عائلات ليبية ضد الجنرال المتقاعد تتهمه بارتكاب عمليات قتل وتعذيب خارج نطاق القانون.
ما يجري في ليبيا هو جزء من لعبة قوي اقليمية ودولية وحروب بالوكالة لتحقيق مصالح كلل طرف
حكومتان ورأسان للحكم
فرض برلمان طبرق الموالي للواء الانقلابي خليفة حفتر رأسا جديدا للحكومة في 3 مارس 2022 هو وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، بجانب رئيس الوزراء المُعترف به عبد الحميد الدبيبة، فأصبح في ليبيا "حكومتان ورأسان للحكم".
ما هو لافت في الصراع على رئاسة الوزراء هو موقف مصر، الذي تغير من دعم حرب حفتر إلى التعامل مع حكومة طرابلس، ثم السعي لتشكيل تحالف بين مؤيدي القاهرة في شرق ليبيا وغربها وصولا للاستقرار على لاعب شطرنج جديد هو باشاغا.
اللقاءات التي سبق أن عقدتها مصر بين عبد الفتاح السيسي وقبائل ليبية من الشرق في يوليو 2020، واستضافتها باشاغا عدة مرات، يري مراقبون أنها استهدف إقناع حلفائها بإبدال كارت "باشاغا" بـ "حفتر".
يرون أن الهدف من وراء خطة القاهرة هو اختراق طرابلس، ولكن بالمراهنة على حصان طروادة سياسي جديد، بعد تغيير أسلوب تعاملها مع طرابلس بطرق سياسية وتشريعية، بدلا من الحرب التي دعمتها سابقا وفشلت.
وأحد دوافع القاهرة للتحرك في هذا المسار كان القلق من التقارب الحاصل بين تركيا التي تملك نفوذاً واسعاً في غربي ليبيا، بقوي في شرق ليبيا وزيارة سفير تركيا للشرق ولقائه رئيس البرلمان عقليه صالح، لموازنة نفوذها بين الشرق والغرب.
وقيام أعضاء البرلمان الليبي من شرق ليبيا بزيارة تركيا للقاء مسؤولين أتراك، أبرزهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحسب "المونيتور" 28 يناير 2022.
بعدما احترق دور الانقلابي خليفه حفتر، عقب هزيمته وفشل عدوانه على طرابلس، بدأت القاهرة تبحث عن بديل يرضي عنه الشرق والغرب معا، وبيده بعض أسباب القوة العسكرية والقبلية، فكان اختيار باشاغا.
وزير الداخلية الليبي السابق في حكومة طرابلس المعترف بها دوليا كان أحد أعداء حفتر والقاهرة، وسبق له اتهام مصر بتوفير "الدعم العسكري لحفتر عبر بوابة السلوم الحدودية" 10 نوفمبر 2019 في تصريح للجزيرة.
وحين التقي السيسي بشيوخ قبائل ليبية في القاهرة 17 يوليو 2020 ودعاهم لجيش واحد، حذره باشاغا قائلا: لا نقبل انتقاص السيادة وتجاوز الحكومة الشرعية في ليبيا و"لن تقف مكتوفة الأيدي".
لكن باشاغا الذي يدرك أن الحل في ليبيا يصعب أن يتم بدون موافقة مصر، عاد للتقارب معها بعد دعوتها لحل سياسي إثر فشل العسكري، وسافر للقاء مدير مخابرات السيسي، عباس كامل 22 ديسمبر 2021 فدعمته مصر.
وقبل تعيين برلمان طبرق لباشاغا، سعت القاهرة لتثبيت دور برلمان طبرق باعتباره مؤسسة منتخبة كي يكون له الدور الأكبر في اختيار المسئولين في ليبيا ومنهم رئيس الحكومة.
صراع القوي الداخلية
مشكلة ليبيا بعد الثورة عام 2011 هو تعدد القوي والميليشيات العسكرية التي يبلغ عددها نحو 15 تشكيلا عسكريا وتسعي الحكومة دون أن تنجح حتي الآن في توحيد المؤسسة العسكرية.
تنقسم القوي العسكرية والسياسية الرئيسية في ليبيا بين معسكري الشرق والغرب حيث سعت مصر والامارات وقوي دولية لا ترغب في رؤية الاسلاميين يلعبون دورا في ليبيا لتشكيل منطقة ذات حكم ذاتي يحكمها الانقلابي خليفة حفتر في الشرق.
ويحكم الشرق جيش شكله الانقلابي حفتر بدعم مصري واماراتي وفرنسي وانضم لهم قوات المرتزقة الروس (فاجنر) وميليشيات افريقية من السودان وتشاد اشتراها بن زايد في الامارات لقتال الليبيون.
ومقابل هذا المعسكر الانقلابي هناك المعسكر الشرعي المعترف به دوليا وهو حكومة طرابلس التي تتحكم في السلطة بفعل قوات وميليشيات ثورية متعددة.
وتضم قوات "خليفة حفتر" تشكيلات عسكرية كانت تتبع لجيش "معمر القذافي" أبرزها: اللواء 32، واللواء 12، وكتيبة محمد المقريف، وكتيبة خميس، واللواء 26 مشاة، واللواء 22 ترهونة (اندمج لاحقاً مع اللواء السابع كانيات، وأصبح لواءً كبيراً اسمه اللواء التاسع)، وقوات الصحوات (والتي تضم اللجان الشعبية التي كانت تساند القذافي في معاركه مع المعارضة
كما تضم ايضا كتائب "سلفية مدخلية" على غرار حزب النور السلفي في مصر تدعم الجنرال الانقلابي وتعادي الثوار والاسلاميين.
كما تضم قواته مقاتلون قبليون، انحازت قبائلهم لحفتر ضد حكومة الوفاق الوطني، والفصائل العسكرية التابعة للحكومة والأخرى التي تحالفت معها.
وتأتي قبيلة "الفرجان" التي ينتمي لها "خليفة حفتر" في طليعة القبائل المساندة له، وتنتشر في مناطق سرت وترهونة وأجدابيا، بالإضافة إلى جزء من قبيلة "القذاذفة" التي ينتمي لها "معمر القذافي"، وينتشر هذا القسم في سرت والجفرة.
ومن القبائل الليبية الداعمة لـ حفتر: العبيدات (ينحدر منها عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق الموالي لحفتر)، والحاسة، والبرغاثة، والبراعصة، والعواقير.
وفي غرب ليبيا تعتبر قبيلة "ورشفانة" أبرز القبائل المساندة لحفتر، بالإضافة إلى قسم من قبيلة الزنتان، وفي الجنوب تنحاز له قبيلة "المقارحة" المنتشرة في منطقة براك الشاطئ، وقبيلة "أولاد سليمان" المنتشرة في سبها.
ويتمتع حفتر بتأييد قبائل في منطقة الهلال النفطي شمال البلاد، وأبرزهم "المغاربة" و"الزوية"، بالإضافة إلى قبيلة "الكفرة" في جنوب شرق البلاد.
والكتائب المدخلية التي تساند حفتر هي: كتيبة النداء بقيادة محمود الورفلي (قتل)، وكتيبة التوحيد بقيادة أشرف الميار.
وقد أدّت هاتان الكتيبتان دوراً أساسياً في قتال "مجلس ثوار بنغازي" الذي كان يحاصر جيوب قوات حفتر في منطقة "الرجمة" ببنغازي عام 2014، قبل أن تنقلب الموازين لصالحه عقب تدخل القوات السلفية المدخلية والقبلية واللجان الشعبية الموالية سابقاً لمعمر القذافي، ويسيطر حفتر على المدينة عام 2017.
ومن الكتائب السلفية المدخلية الموالية لحفتر أيضاً، كتيبة سنابل السلام في منطقة الكفرة ويقودها عبد الرحمن الكيلاني، وكتيبة الكانيات بقيادة أسرة الكاني، وتستقر في مدينة ترهونة أهم قاعدة انطلاق للهجوم على طرابلس من المحور الجنوبي الشرقي، والكتيبة 604 مشاة في سرت، وكتيبة طارق بن زياد المتمركزة في قاعدة "الوطية" غرب ليبيا.
أيضا تتلقى قوات حفتر الدعم من عدة مجموعات غير ليبية وهي: قوات الدعم السريع السودانية (الجنجويد) بقيادة الجنرال محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي قاد الانقلاب على عمر البشير وجيش تحرير السودان، جناح عبد الواحد نور، وجيش تحرير السودان جناح مني مناوي، وتجمع قوات تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، بجانب ميليشيا "فاغنر" الروسية، والتي ينتشر المئات من عناصرها في شرق ليبيا.
بالمقابل تقاتل "قوات حماية طرابلس" إلى جانب "حكومة الوفاق الوطني"، وهي قوات تأسست في ديسمبر 2018 بعد محاولة اللواء السابع ترهونة اقتحام طرابلس، وتتألف هذه القوة من فصائل عديدة هي: كتيبة ثوار طرابلس، ولواء النواصي، وقوة الردع والتدخل المشتركة، وكتائب تاجوراء، والكتيبة 92 مشاة، والكتيبة 155 مشاة، وكتيبة يوسف البوني.
وتعتبر "قوات الردع الخاصة" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، والكتيبة 301 التابعة لرئاسة الأركان في الحكومة من التشكيلات الرئيسية التي تصد هجوم حفتر على طرابلس
ويساند حكومة الوفاق الوطني قائد عسكري بارز يدعى "أسامة الجويلي"، ومعه كتيبته المنحدرة من مدينة الزنتان، و"الجويلي" قاد المجلس العسكري في الزنتان في المعارك ضد نظام "معمر القذافي" وتمكنت كتيبته من أسر "سيف الإسلام القذافي" عام 2011، ثم شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية التي جرى تشكيلها بعد سقوط "القذافي"، وقامت حكومة الوفاق الوطني بترقيته إلى رتبة لواء، وتعيينه آمراً للمنطقة العسكرية الغربية في ليبيا، لكنه الآن لا يمانع في عودة باشاغا للعاصمة.
الخبراء يجمعون على أنه لا حل في ليبيا الا بالحوار والتفاوض والعمل السياسي، لأن الحسم العسكري سيزيد الأمور اشتعالا ولن يؤدي الى استقرار في المدى القريب أو البعيد.