لماذا لجأت النهضة للتهدئة مع قيس سعيد وسحبت انصارها من الشارع؟

السبت - 31 يوليو 2021

مساء 26 يوليو الجاري، وَجَّه راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية (أكبر كتلة برلمانية)، رئيس البرلمان، دعوة إلى أنصاره لمغادرة موقع اعتصامهم أمام البرلمان، حيث كانوا يحتجون على "تدابير استثنائية" اتخذها الرئيس قيس سعيّد، في اليوم التالي.

قالت تقارير صحفية أن خيار "النهضة" (53 نائباً من 217) مختلفاً عن خيارات حركة الإخوان المسلمين في مصر، عقب الانقلاب علي الرئيس مرسي في 3 يوليو 2013

كما بدا مختلفاً عن خيار الشعب التركي، الذي تصدى لمحاولة انقلابية فاشلة، في 15 يوليو 2016، عبر إلقاء أنفسهم أمام الدبابات والاعتصام في الشوارع، ما حمى الديمقراطية التركية من الانهيار.

بحسب خبراء، توجد دوافع عديدة وراء خيار حركة "النهضة" بالتهدئة حتى الآن، في مواجهة التدابير التي يشدد سعيّد على أنها "ليست انقلاباً" هي:

1- تجنب الاحتكام للشارع حيث قال أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية، مهدي مبروك، للأناضول، إن سلوك "النهضة" بالتهدئة "ناجم عن قراءة سريعة للأحداث وتطوراتها وانعكاساتها"

تجنب التصعيد والاحتكام إلى الشارع يتم، لأن التصعيد سيخرج بالخلاف السياسي إلى مآلات منها توريط الجيش بالتدخل لوقف التحركات"

وتابع: "الاحتكام إلى الشارع قد يولّد قوة اجتماعية جديدة مؤيدة للرئيس، أي إلى شرخ مجتمعي قد يؤدي إلى العنف ورأينا بدايات ذلك أمام البرلمان، رغم أن الأمن كان محايداً، رغم دعوات كثيرة من داخل خصوم النهضة من دوائر محيطة برئيس الجمهورية على أساس المحاسبة الآن، وهنا وخارج مجال دولة القانون"

ووفق مبروك، فإن "النهضة بهذا القرار الحكيم استطاعت أن تسحب البساط من كل دعاوى الضغائن، وأعادت الخلاف إلى المربع السياسي عوض مربع الشارع، وهي بذلك تسحب أي ذريعة للرئيس للذهاب إلى أقصى السيناريوهات الممكنة التي تنسف ليس الدستور فقط، بل تجربة الانتقال الديمقراطي على تعثرها"

2- الأمر الثاني الذي يدفع "النهضة" إلى هذه الاختيارات، بحسب مبروك، هو أن "هذا يجعل الذين يختلفون مع قرارات سعيّد في صف واحد، هو صف الدفاع عن الدستور والانتقال الديمقراطي إذا لم تتصدر النهضة ذلك"

أردف: "رأينا موقف سناء بن عاشور (أستاذة قانون دستوري بالجامعة) ولفيف مهم من أساتذة القانون الدستوري، الذين اعتبروا ما قام به سعيّد خرقاً للدستور أو محاولة للسيطرة على السلطة، وقد استولى الرئيس على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بجعل الأوامر الترتيبية من مهامه، عوض أنها من مهام رئيس الحكومة"

وأكد أن "هذا الأمر لا يجعل النهضة وكأنها هي الناطق الرسمي الوحيد باسم المحافظة على الشرعية، بل هي معركة اجتماعية تخوضها كل النخب"

ورأى أنه "كلما انسحبت النهضة من قيادة هذه الجبهة (المناهضة لقرارات سعيّد) تعزز مخيم المدافعين عن الدستور والرافضين لإجراءات سعيّد الاستثنائية"

"لذلك رأينا موقف حزب العمال (أقصى اليسار) وأطراف عديدة بقطع النظر عن اختلافهم الجذري مع النهضة، فهم يريدون إعادة ترتيب الأمور للدفاع عن الجمهورية الديمقراطية خارج النزعات الشعبوية والنزعات الاستبدادية والدفاع عن مدنية الدولة، وهذا لا يكون بتصدر النهضة، بل بالظهور أنها فاعل من الفاعلين فقط"

ورأى مبروك أن "تصدر النهضة واستحواذها الرمزي على هذه الجبهة سيفرغ الجبهة تماماً، وهذه الجبهة ستتوسع كلما ذهب الرئيس في إجراءات استثنائية جديدة"

3- معركة دستورية: في الاتجاه ذاته، ذهب بولبابة سالم، محلل سياسي، بقوله للأناضول، إن "الرغبة موجودة (لدى النهضة) في تشريك الجميع في الدفاع عن الديمقراطية"

وأضاف: "مؤكد أن هناك أحزاباً يسارية، مثل حزب العمال والتكتل والجمهوري وائتلاف الكرامة، ومنظمات وطنية، ترفض العودة إلى مربع الاستبداد، ويريدون التمسك بالدستور والشرعية"

ورأى أن "النهضة لا تريد أن تظهر أن المعركة بين الغنوشي وسعيّد أو النهضة وسعيّد تريد أن تكون المعركة دستورية يشارك فيها كل من يدافع عن الدستور"

4- مآزق الرئيس مع حلفائه: اعتبر مبروك أن "الرئيس يواجه مآزق عديدة دستورية وقانونية واقتصادية اجتماعية حتى مع حلفائه"

وتساءل: "كيف يمكن لحكومة الرئيس أن تذهب للتفاوض مع صندوق النقد الدولي وهي مجبرة على اتخاذ قرارات يبدو أنها إجراءات ستعيد الخلاف الحاد بين الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية) والرئاسة"

ورأى سالم أنه "تمّ كبح جماح أي مسعى تسلطي بضغط خارجي قوي وبضغط داخلي أيضاً"

وأوضح أنه "لم يكن هناك ترحيب من شخصيات وطنية معروفة بدفاعها ضد الاستبداد منذ عهد (الرئيسين الحبيب) بورقيبة (1957-1987) و(زين العابدين) بن علي (1987-2011)، ولا يمكن أن نقول إن هؤلاء يدافعون عن النهضة، بل هم يدافعون عن الديمقراطية"

وتابع: "كذلك هناك ضغط خارجي، وخاصة بيان الاتحاد الأوروبي، وبالخصوص الولايات المتحدة الحريصة على دعم المسار الديمقراطي في تونس"

وزاد بأنه "لأول مرّة أمريكا تصدر بلاغين (بيانين) حول بلد صغير مثل تونس، ووزير خارجيتها يهاتف الرئيس (سعيّد)، وهذا لا يتم مع الدول الصغرى"

ورأى أن "هناك حرصاً من القوى الخارجية المؤثرة، لذلك الأمور تتجه نحو الانفراج على عكس ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي"

5- مزاج الشارع ضد النهضة: وفق سالم، فإن "ميل النهضة إلى التهدئة إلى حد الآن لا يُفسر فقط بالرغبة في تجنب التصعيد وتشريك كل القوى في الدفاع عن الدستور ومسار الانتقال الديمقراطي المهدد بالقرارات الرئاسية الأخيرة"

واستطرد: "النهضة تعرف أن قسماً كبيراً من الشارع ليس معها والدفع بأنصارها إلى الشارع لن يجد أي استجابة، خاصة أمام تنامي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأزمة الصحية"

وأردف: "هناك أصوات داخل النهضة تعرف أن مزاج الشارع التونسي ليس معها"

وزاد بأن "المزاج الشعبي ليس في صالحها، والقرارات الأخيرة للحكومة (في المجال الصحي) جعلت النهضة تتحمل أوزار الحكم وهي لا تحكم، لكن عليها تحمل المسؤولية في النهاية، بالإضافة إلى البروباغندا (الدعاية) الإعلامية التي تعمل ضدها"

المصدر    الأناضول