لساها ثورة والسيسي ونظامه مذعور منها (3-2)

الأربعاء - 26 يناير 2022

 

في الحقلة الثانية من ملف " لساها ثورة "، نرصد حصاد السنوات العجاف على المصريين بعد 11 عام من ثورة يناير، وما ترتب على ذلك في ظل حكم الثوة المضادة من تصدر مصر في مؤشرات الفقر والبؤس والانتحار وحوادث الطرق، كما نرصد ما قامت به حكومات السيسي المتوالية من إغراق المصريين في التضخم والديون وارتفاع الأسعار الهستيري، كما نرصد اغتيال الحريات العامة والتخلص من كل الأصوات المعارضة والتنكيل بها فبات سمة عصر ما بعد الثورة، وسطور هذا التقرير تحمل التفاصيل ..

"عيش، حرية، عدالة اجتماعية"... كان أبرز شعارات الملايين الغاضبة التي خرجت بهدف إسقاط نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في ثورة 25 يناير 2011.

وبعد مرور 11 سنة ما زال المصريون يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية خانقة ازدادت سوءاً خلال السنوات التي أعقبت الثورة ولا سيما في فترة ما بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

وشهدت الأسواق موجات غلاء متسارعة للسلع والخدمات، كما قفزت نسب الفقر خلال السنوات الأخيرة، كما تعزم الحكومة الحالية إقرار زيادات جديدة في الأسعار

وفي شهر يناير/كانون الثاني الجاري وقبل ذكرى الثورة بأيام أطلق وزراء تصريحات تمهد لزيادة أسعار البنزين والخبز.

وكان وزير التموين والتجارة الداخلية علي المصيلحي أعلن رفع الدعم تدريجياً عن منظومة الخبز بحلول العام المالي 2022-2023، الذي يبدأ في 1 يوليو/تموز المقبل، عن طريق تحويل الدعم العيني الذي يحصل بموجبه المواطن على 5 أرغفة خبز يومياً، بقيمة 5 قروش للرغيف على بطاقات التموين، إلى دعم نقدي مشروط للمستحقين فقط.

بدوره، دعا وزير البترول طارق المُلا المواطنين إلى الإسراع في تحويل سياراتهم للعمل بالغاز الطبيعي، قائلاً: "إعادة تسعير منتجات البنزين كل ثلاثة أشهر ساهم في ترشيد الاستهلاك المحلي.

وشهدت أسعار الوقود قفزة هائلة خلال الـ11 عاما الماضية معظمها بعد انقلاب 3 يوليو 2013. وكان سعر البنزين 95 أوكتان 275، والبنزين 92 أوكتان 185 قرشاً والبنزين 90 أوكتان 175 قرشاً والسولار 105 قروش.

وبعد قيام ثورة 25 يناير 2011، وإطاحة مبارك، وتولي المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي السلطة لمدة عام، لم تشهد تلك الفترة زيادات في أسعار الوقود

وبعد إجراء الانتخابات الرئاسية، وفوز الرئيس الأسبق محمد مرسي بها، استمرت أسعار الوقود كما هي، رغم الأزمات العديدة التي شهدتها البلاد من نقص حاد في البنزين، وظهور الطوابير على محطات الوقود.

وقفزت أسعار البنزين والسولار في عهد السيسي، عما كانت عليه أيام مرسي، بصورة متسارعة وهائلة إذ تصل اليوم إلى 8 جنيهات للتر البنزين 92، و9 جنيهات 95، كما يبلغ سعر السولار 6.75 جنيهات

وقفزت معدلات التضخم إلى أكثر من 30% عقب تعويم الجنيه عام 2016، قبل أن يتراجع حسب بيانات رسمية، إلّا أنّ خبراء أكدوا أنّ نسب التضخم التي تعلنها الحكومة ليست دقيقة

وكانت نسبة الفقر تبلغ 25.2% خلال عام 2010/ 2011، وحسب بيانات رسمية بلغت 29.7% في العام المالي 2019/ 2020، مقارنة بـ32.5% من إجمالي السكان في 2017/ 2018

لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أنّ النسبة الحقيقية للفقر تتجاوز 55% في مصر، بسبب السياسات الاقتصادية للسيسي الذي لم يضع محدودي الدخل ضمن أولوياته، ورضخ إلى تعليمات صندوق النقد بشأن تعويم الجنيه وتقليص الدعم، وتحرير أسعار الوقود والكهرباء نهائياً، علاوة على خفض أعداد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة

وسارعت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة إلى فرض المزيد من الضرائب والرسوم على جميع السلع والخدمات تقريباً، ما فاقم من سوء معيشة المصريين.

الاقتصاد و خلط الأرقام وتخويف الشارع

ويلجأ المسؤولون في النظام المصري إلى تكرار تزييف وتشويه ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2001، بهدف تحطيم الصورة الذهنية الإيجابية التي تشكلت في أذهان غالبية المصريين حولها، وكان من أهم مطالبها العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وفي المقابل، اعتاد نفس المسؤولين على تجميل الأرقام والمؤشرات الاقتصادية للحديث عن إنجازات رقمية في فترة ما بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز عام 2013، لا تعبر بالضرورة عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه غالبية الشعب المصري، وهو ما شكل موروثا متراكما لدى المصريين لا يكترث لهذا النوع من التصريحات والبيانات الرسمية، يعبرون عنه بعبارة "كلام جرايد".

ومؤخرا، قال السيسي إن الخسائر المباشرة التي تكبدتها مصر جراء ثورة يناير بلغت نحو 400 مليار دولار، زاعما أن "مصر كادت أن تتعرض وقتها إلى الدمار نتيجة توصيف غير حقيقي للواقع".

حسب الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، فإنه من الصعوبة بمكان معرفة حقيقة الخسائر الاقتصادية التي لحقت بمصر إبان ثورة يناير، نظرا لوجود خلط كبير في الأرقام التي تحدثت عن خسائر الاقتصاد المصري

وأضاف عبد المطلب، لـ"العربي الجديد، أنه من المؤكد في عام 2011 فقط فقدت مصر نحو 24 مليار دولار من احتياطيها النقدي، كما فقدت حوالي 7 مليارات دولار من الاستثمارات المباشرة فيها، وفق تقديرات تقرير الاستثمار العالمي عن حجم الأموال التي خرجت من مصر عام 2011

كما ارتفع العجز في الميزان التجاري ليصل إلى نحو 20 مليار دولار، علما أن هذا العجز كان دائما موجودا، ولا علاقة له بثورة 25 يناير، حيث تحسنت الصادرات لتجاوز 21 مليار دولار، وفق تعبير الخبير الاقتصاد

وحسب أرقام وزارة التجارة والصناعة المصرية، فقد بلغت قيمة الصادرات المصرية 130.7 مليار جنيه (21.6 مليار دولار) في 2011، مقارنة بنحو 110.2 مليارات جنيه (18.3 مليار دولار) في 2010.

وأشار عبد المطلب إلى أنه "لا يعرف إن كانت هناك تقديرات محدّدة نتيجة توقف آلاف المصانع عن العمل، وتعطيل العمل في الحكومة والوزارات، وإغلاق البورصة المصرية، وعمليات تهريب الذهب والأموال وغيرها".

بدوره، قال الخبير الاقتصادي ونقيب الصحافيين الأسبق، ممدوح الولي، إنه بحسب بيانات البنك الدولي، فقد بلغ الناتج المحلى الإجمالي لمصر عام 2010 نحو 218.912 مليار دولار، وهو ما يعبر عن حجم الاقتصاد قبل الثورة، ومن المفترض أن تكون الخسائر الناجمة عن الثورة نسبة من حجم الاقتصاد.

وأوضح الولي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الناتج المحلى الإجمالي خلال عام 2011، حسب بيانات البنك الدولي، بلغ 236 مليار دولار، أي أن حجم الاقتصاد ارتفع خلال عام الثورة بنحو 17 مليار دولار عن العام السابق، كما ارتفع نصيب الفرد من الناتج بسعر الصرف إلى 2792 دولاراً مقابل 2340 دولاراً عام 2010.

وأوضح الولي أن ثورة يناير لم تكن ذات تأثير سلبي في العديد من القطاعات الاقتصادية، حيث زادت قيمة الصادرات السلعية خلال عام الثورة بنحو 2.9 مليار دولار عن عام 2010، كما زادت التحويلات الخاصة للعاملين المصريين بالخارج

وأردف: كما زادت المعونات بنحو 998 مليون دولار، وارتفعت إيرادات قناة السويس بنحو 466 مليون دولار، فضلا عن القطاع المصرفي الذي شهد نموا في غالب مؤشراته خلال عام الثورة عن العام السابق له، حيث زادت أصول البنوك بنسبة 2 في المائة، وارتفعت الودائع بنسبة 3.9 في المائة

من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي أن الحديث عن خسائر بنحو 400 مليار دولار جراء ثورة يناير غير صحيح ويحتاج إلى دليل

وأشار الصاوي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن البيان المالي لوزارة المالية لعام 2015 لشهر ديسمبر/ كانون الأول، كشف عن أن الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 لم يتأثر سلبا، بل حقق معدل نمو، ولكن كان أقل من معدلات النمو للسنوات السابقة للثورة

ولفت إلى أن المشاريع التي تم تعطيلها فقط خلال فترة 18 يوماً المتعلقة بالثورة هي مشروعات صغيرة، كبعض المتاجر الصغيرة وشركات السياحة، مشيرا إلى أن قطاع السياحة حقق معدلات إيجابية بعد الثورة وانتخابات البرلمان والرئاسة، والتي بلغت حصيلتها 9.5 مليارات دولار في 2012/2013، أي بفارق مليار دولار فقط عن معدلات ما قبل الثورة.

مصر تتصدر مؤشرات البؤس العالمي  في ظل حكم اثورة المضادة

وفي ظل حكم الثورة المضادة نجد أن مصر تعيش أسوء مراحل تاريخها، حيث تصدرت مصر كأكثر دول العالم في البؤس، في مؤشر البؤس العالمي، وهذا مؤشر بسيط يكشف ما آل إليه المصريون في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية طوال 9سنوات من حكم العسكر، وقبل انطلاق ذكرى ثورة يناير المجيدة

وتقول الورقة البحثية، التي أصدرها معهد فريزر عن ترتيب 35 دولة في مؤشر البؤس، وهو مقياس اقتصادي يعتمد على معدلات التضخم والبطالة في العامين الماضيين إن "عوامل مثل البطالة والفساد ونقص الحرية الاقتصادية والتضخم الجامح والاستقرار السياسي، يمكن أن تسهم جميعها في جعل الحياة أكثر بؤسا لمواطني الأمة، على الرغم من أنه لا يوجد إنكار أن الذاتية تؤثر على أولئك الذين يستمدون هذه المقاييس النوعية ، إلا أن الأهمية التي تكتسبها في جميع أنحاء العالم مهمة للغاية".

وحول مصر، قال المعهد إن "دولة الانقلاب تقترب من قمة قائمة أكثر الدول بؤسا في العالم، لا تزال هذه الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تعاني من الأزمة التي مرت بها في أوائل عام 2010 ، والتي بدأت بالثورة المصرية في عام 2011، ومنذ ذلك الحين ، شهدت البلاد رئيسا للإطاحة بها ، وشهدت انقلابا ، تلتها انهيارا في الاقتصاد وتردي للأوضاع المعيشية للمصريين، وارتفاع نسب الفقر".

و هناك صورة أخرى أكثر قتامة، يوثقها الواقع والأرقام الصادرة عن الجهات المالية المحلية، تتصدرها الطفرة الهائلة في حجم الدين الخارجي، الذي زاد بنسبة 193% خلال سنوات السيسي

وتستحوذ مصر على 34% من إجمالي ديون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2019 حسب تقرير البنك الدولي.

لا حرية بعد في ذكرى الثورة

بالرغم من أن الحرية كانت المقصد الرئيسي للثورة، لكن بعد مرور 11 عام نجد أنفسنا أمام صورة فريدة من الاستبداد والقمع للحريات، والتنكيل المستمر بالمعارضين .

وتشير التقديرات إلى أن 800 شخص قد لقوا حتفهم بسبب أحكام الإعدام منذ عام 2013، وقد اتُهمت الحكومة  الحالية  بحكومة الانقلاب، بإغلاق المنظمات غير الحكومية وحظر حرية التعبير، ليس من غير المألوف أن يتم حظر بعض المواقع في البلاد، في الوقت الحالي ، تعد معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر المذهلة من المشكلات الرئيسية في المجتمع المصري

ولعل ما كشفه مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة "ذا جارديان" البريطانية من تعذيب معتقلين داخل أحد أقسام الشرطة المصرية في القاهرةمؤخرا خير دليل علي الواقع السياسي في مصر وتصاعد الانتهاكات .

ويظهر الفيديو، الذي التقطه سرّا أحد المعتقلين عبر شق في باب الزنزنة، محتجزين اثنين معلقين في وضعيات مجهدة، نصف عاريين، وأيديهما مغلولة بواسطة مشبك معدني مثبّت خلف ظهريهما.

وقال أحد السجناء في الفيديو: "انظر كيف يعذبوننا وزملاءنا، أخبرونا أن الدور علينا بعد ذلك". ومضى مخاطبًا الرئيس عبد الفتاح السيسي: "سيدي الرئيس، نسأل لماذا الشرطة في قسم شرطة السلام الأول تفعل هذا بنا؟".

ومقطع الفيديو هذا هو واحد من اثنين تم تسجيلهما في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي داخل مركز الشرطة الواقع في حي السلام شمالي القاهرة.

انتهاكات غير مسبوقة

ومن هذه الانتهاكات التي تشهدها مصر منذ تولت الثورة المضادة بقيادة السيسي حكم مصر الأتي :-

  • اعتقال أكثر من 70 ألف  مصري بالسجون المصرية من قوى المعارضة المختلفة
  • تعرض أكثر من 12 ألف سياسي معارض للإخفاء القسري
  • مقتل أكثر من 1022 معتقل بالإهمال الطبي بالسجون
  • مقتل أكثر من 3500 آلاف شخص خارج إطار القانون
  • استمرار حبس أكثر من 37 ألف معتقل حبسا احتياطيا
  • صدور أحكام بالإعدام على أكثر من 2590 معارض سياسي
  • قتل أكثر من 190 شخص بالتعذيب في مقرات الاحتجاز المختلفة
  • اعتقال أكثر من 2050 معارضة منذ 2013 واستمرار حبس أكثر من 200  معارضة في السجون حتى الآن
  • مقتل 213 معارضة مصرية واغتصاب 50 أخريات 
  • فصل أكثر من 500 طالب وطالبة من الجامعات بسبب التظاهر
  • فصل أكثر من 5 آلاف معارض مصري من أعمال بسبب رفضهم للانقلاب العسكري
  • صدور مئات القوانين المقيدة للحريات العامة والحق في التظاهر والتقنين لاستمرار حالة الطوارئ بصورة دائمة