لساها ثورة والسيسي ونظامه مذعورمنها (3-3)

الأربعاء - 26 يناير 2022

في الحلقة الثالثة من ملف " لساها ثورة " نتعرض لمحاولات السيسي للاغتيال المتواصل للثورة وأهدافها ومبادئها، واتخاذ الإجراءات والتدابير لتغييبها حتى من ذاكرة المصريين، كما استمر في التنكيل بقياداتها من خلال قضايا ملفقة انتهت بأحكام إعدام ومؤبدات، كما نتعرض لحالة الإعلام المصري الذي وقع فريسة للأجهزة السيادية، فلم يتبقى سوى المنصات الإعلامية التي تتبع بشكل مباشر جهاز المخابرات العامة، كما نرصد التحولات للسياسيين المحسوبين على نظام السيسي وجبهة الإنقاذ، حيث كان يعتقد البعض أن أحداث 30 يونيو 2013 موجة ثانية لثورة يناير، لكن الواقع أثبت أنها كانت ضربة عنيفة للثورة، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.

يعمل السيسي ونظامه منذ ما بعد الانقلاب على الثورة في يونيو/حزيران 2013، لبناء وقائع جديدة تستهدف فعلياً مسح حدث ثورة يناير من ذاكرة المصريين، وربط الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في تكرار هذا الحراك من جديد.

ولم يتوان السيسي مراراً عن التخويف مما حصل في 25 يناير 2011، وكيف أن البلاد "كانت ستضيع"، والتشديد على ضرورة عدم تكرار المسار نفسه مرة ثانية..

تجلّى ذلك في العديد من الترتيبات والإجراءات، التي تبدأ بمحاولة فرض سردية جديدة خاصة بالنظام، وصولاً إلى إجراء تعديلات على الدستور وحذف الديباجة التي تمجّد الثورة، وذلك في سياق خلق "جمهورية جديدة" لطالما تحدّث عنها المسؤولون في النظام الحالي

وترافق كل ذلك مع توسع إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية على ذمّة قضايا سياسية، ليسقط ضحيتها الآلاف، والانتقام من رموز ثورة يناير منهم البلتاجي وصفوت حجازي وماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم كثيرين، مقابل منع كل محاولات لإصلاح وزارة الداخلية، وجهاز الشرطة.

غير أن كل ذلك يصطدم بعوامل وسياسات متعددة تدفع الجميع في مصر، سواء من القوى الثورية والمعارضة، أو من الموالين للنظام والداعمين له، أو حتى من داخل النظام نفسه، للحديث عن أن استمرار الأوضاع بهذا الشكل يعني حتمية الوصول إلى لحظة الانفجار

أحد السياسيين المصريين البارزين قال لـ"العربي الجديد"، متحفظاً على ذكر اسمه، إنه "بعد مرور 11 عاماً على ثورة يناير، تعرضت خلالها إلى أقصى درجات التنكيل والقمع ومحاولات الإجهاض منذ اللحظة الأولى لاندلاعها، إلا أنها لا تزال حية في وجدان الشعب وتحت الركام، وستأتي اللحظة التي ستنهض فيها مرة أخرى وتستعيد عافيتها وتكمل مسيرتها التي لم تنتهِ بعد".

وأضاف السياسي، الذي كان عضواً في "جبهة الإنقاذ": "كنا نعتقد أن ما حدث في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، هو موجة ثانية لثورة يناير، لكن الواقع بعد نحو تسع سنوات، أثبت أنها كانت ضربة عنيفة للثورة، ترتب عليها الارتداد إلى وضع أسوأ مما كان قبل يناير 2011، لكنها لم تقتل الثورة".

وأوضح أن "الأوضاع التي تعيشها البلاد الآن تبشر بموجة جديدة من الثورة، وهذا أمر لا شك فيه، ولكن يبقى السؤال متى يحدث ذلك؟".

وأضاف: "هذا سؤال لا يمكن لأحد الإجابة عنه مهما حاول قراءة المشهد وتحليله، فهي لحظة تاريخية تأتي كضربة برق غير متوقعة، تتشكل قبلها وتتكون في السماء بفعل عوامل متعددة لا يراها الكثيرون ولكنهم يفاجَؤون بها تضرب مرة واحدة من دون سابق إنذار".

وتابع: "هذا ما حدث في يناير 2011، فنحن كقوى سياسية دعونا قبلها الناس للنزول إلى الشارع كما دعوناهم في يناير، وكثير منا لم يكن يتوقع أن تحظى الدعوة بصدى واسع، إذا كانوا يتوقعون بعض العشرات ينظمون مسيرة هنا أو هناك أو يقفون على سلالم نقابة الصحافيين كما كان يحدث في العادة، ثم يذهب كل إلى منزله بعد ذلك".

ورأى المعارض البارز، أن "السيناريو الذي حدث في يناير 2011، يمكن أن يتكرر، في ظل سياسات الإفقار التي يتّبعها النظام، والاقتراض من الخارج والداخل بشراهة ومن دون التحسب لتبعات ذلك على الأجيال المقبلة، والاندفاع في عملية التحرير الاقتصادي، وتعويم العملة، ورفع يد الدولة عن الفقراء، وإلغاء الدعم، وتقليل النفقات الاجتماعية للحدود الدنيا، ووقف التوظيف الحكومي".

من جانبها، برلمانية سابقة موالية لنظام السيسي، "تخشى بشدة من لحظة الانفجار". وقالت في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إن "البلد لا يتحمل ثورة جديدة، ولو حدث ذلك فإنه سيكون نتيجة سياسات الحكومة، التي يجب أن تنظر لأحوال الناس بجدية بعيداً عن المشروعات الوهمية التي لا تعود بفائدة على الشعب".

ورأت أن "القرارات التي اتخذها الرئيس السيسي في 19 يناير الحالي، والخاصة برفع الحد الأدنى للأجور وتوفير فرص عمل وصرف حوافز للموظفين، قبيل ذكرى 25 يناير، دليل على أن الحكومة تعلم جيداً أن الأحوال الاقتصادية للشعب سيئة، ولذلك تحاول رفع معنوياته".

ولفتت البرلمانية المصرية إلى أن حكومة ما قبل يناير 2011 "أعلنت في اليوم نفسه (19 يناير) نفس القرارات التي أعلن عنها  السيسي، أخيراً، إذ أعلنت عن وظائف جديدة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وأنها سوف تحقق في شكاوى المواطنين، في محاولة لتفادي أي غضب شعبي محتمل، وهو ما حدث بالفعل وأطاح النظام كله".

وقالت إنه "منذ عام 2014، وحتى قبل قرار تعويم الجنيه، انخفضت العملة المصرية بنسبة كبيرة أمام العملات الأجنبية، كما أن الحد الأدنى السابق (2400 جنيه) لم يتم تطبيقه في هيئات كثيرة بالدولة، بحجة عدم وجود ميزانية"

وعن القرارات التي أعلن عنها السيسي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 2700 جنيه، وغيرها، أكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أنها "جاءت نتيجة تقارير رفعتها أجهزة أمنية إلى رئاسة الجمهورية، تحذر من تبعات السياسات الحكومية وتأثيرها السلبي على الناس، الأمر الذي يهدد بغضب شعبي".

استماتة لمسح الذاكرة واختراع تاريخ جديد

مع القضاء على كل المنافسين السياسيين، وإحكام السيطرة على أغلب المنصّات الإعلامية، احتكر عبد الفتاح السيسي الحديث والسردية التاريخية الخاصة بثورة 25 يناير/ كانون الأول 2011، في محاولة منه لمسح ذاكرة المصرين بخصوص الحدث، وإنشاء ذاكرة جديدة تربط كلّها الثورة بـ"الخراب والدمار"، حتى لا يفكر أحد في الثورة مجدداً.

 ورأى قيادي حزبي سابق، أن "حديث السيسي الدائم عن الثورة وربطها بالخراب والدمار فقط، هو محاولة مستميتة منه لفرض سردية جديدة خاصة به". وأضاف المصدر أن السيسي "يذكر الناس بالخراب والدمار، بحسب روايته، وفي الوقت نفسه يبيع لهم واقعاً جديداً مبنياً على مشاريع وإنجازات مزعومة، ضمن الجمهورية الجديدة التي يتحدثون عنها هذه الأيام".

ومع اقتراب الذكرى الـ11 لثورة 25 يناير، صدر كتاب للصحافي ياسر رزق، المقرب من السيسي، بعنوان "سنوات الخماسين... بين يناير الغضب ويونيو الخلاص"، يتناول الفترة الزمنية الواقعة من يناير 2011 حتى يونيو 2013.

وجاء الإهداء في أولى صفحات الكتاب، والذي يقول "إلى شعب عظيم لا يرضخ لظلم، ولا ينحني لعاصفة، ولا يركع إلا لرب العباد"، متسقاً مع سردية السيسي عما حدث في يناير.

وكان السيسي  قد قال في كلمة له على هامش "منتدى شباب العالم": "السفيرة الأميركية في عام 2011 كانت بتقولي مين اللي ها يحكم مصر؟"، ورديت عليها "اللي ها يحكم مصر الإخوان". وقالت لي "طب وبعدين؟". قلت لها "بعدين ها يمشوا لأن الشعب المصري لا يُقاد بالقوة وما يخشش الجامع والكنيسة بالعافية"

وكتب رزق في مقدمة كتابه إن "هذا الكتاب هو جزء أول من ثلاثية عن الجمهورية الثانية"، مضيفاً أنه "ليست محاولة لكتابة تاريخ، إنما محاولة لقراءة حاضر، علّنا نهتدي بها عند مفارق طرق قد تقابلنا في المستقبل".

الإعلام المصري بعد 25 يناير وجرائم مهنية في حق الثورة

والعلاقة ما بين ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، والإعلام، قصة طويلة ومعقدة، إذ إنه مع اندلاع شرارة الثورة الأولى، وامتدادها بعد ذلك، اندلعت شرارات إعلامية موازية كثيرة حاولت مواكبة الحدث واستغلاله في تحقيق الانتشار، وفي الوقت نفسه انطفأت منصات إعلامية أخرى، وتوارت بعيدًا.

قصص صعود وهبوط كثيرة لمنصات إعلامية، ارتبطت بانفجار الثورة الشعبية التي أطاحت حكما ديكتاتوريا استمر لثلاثين عامًا، وجعلتها محط أنظار العالم، بينها قصص لمؤسسات نشأت خصيصًا لمواكبة الحدث ومحاولة التأثير فيه سلبًا أو إيجابًا، انتهى بعضها إلى التلاشي، بينما تم حظر البعض الآخر، وآلت البقية الباقية إلى قبضة النظام الذي أضحى يتحكم في أغلب وسائل الإعلام في مصر.

كانت مجموعة قنوات "دريم" التي أسسها رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، أولى القنوات المصرية الخاصة، والتي كانت تبثّ من خارج مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي الميزة التي لم يتمتع بها الآخرون، ضمن وسائل إعلامية أخرى خاصة، بحسب ما يراه خبراء، سببًا من أسباب اندلاع الثورة على مبارك.

 إذ كانت تقدم برامج ذات نبرة معارضة، وكانت تستضيف كوادر في تيارات سياسية معارضة، لعرض وجهة نظرها من النظام، الأمر الذي ساهم في تشكيل الوعي لدى الجماهير، وذلك من خلال برنامج مثل "العاشرة مساءً" والذي كانت تقدمه الإعلامية منى الشاذلي، وبرامج أخرى.

ولكن مع اندلاع الثورة، اتخذت قناة "دريم" موقفًا محايدًا وأخذت في تخفيف النبرة ضد نظام مبارك، وظهر ذلك حتى في برنامج "العاشرة مساءً" والذي كان يعتبر برنامج الـ"توك شو" الأول في مصر، عندما بكت المذيعة منى الشاذلي بعد "خطاب مبارك" الشهير الذي تعهد فيه بعدم الترشح للرئاسة مرة أخرى، في محاولة لإخماد الثورة.

أخذت "دريم" بعد ذلك في الخفوت تدريجيًا، مع ترك المذيعين الرئيسيين للقناة وانتقالهم لقنوات أخرى، ومع الضغط الذي مارسه نظام السيسي على رجل الأعمال أحمد بهجت قبل وفاته للاستحواذ على القناة، حتى أصبحت الآن قناة ضعيفة دون مشاهدات.

"أون تي في"

بينما كانت قناة "دريم" تتراجع تدريجيًا بعد ثورة يناير، أخذت قناة "أون تي في" المملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس، في الصعود، لا سيما مع انضمام شخصيات محسوبة على الثورة مثل المذيعين يسري فودة، وريم ماجد وغيرهما، ما أعطى زخمًا للقناة في مواكبة أحداث الثورة، وتبني موقف القوى الليبرالية في مواجهة المجلس العسكري الحاكم آنذاك، لكن الأمر لم يستمر كثيرًا، حيث خففت القناة من حدة النقد، وغادرها نجومها من المذيعين بالتدريج. وكان من بين أشهر مذيعي القناة أماني الخياط، وجابر القرموطي، ويوسف الحسيني، وإبراهيم عيسى.

"التحرير" و"25"

مشهد الملايين في ميدان التحرير شجع عاملين بمجال الصحافة والإعلام على الاستثمار في الحدث، وإنشاء مؤسسات إعلامية تتحدث بلسان الثورة. وكان من بين هذه المشروعات قناة "التحرير الفضائية" وهي قناة تلفزيونية أسسها الصحافي والمذيع إبراهيم عيسى، بمشاركة بعض رجال الأعمال والصحافيين، ولكن سرعان ما باعها عيسى، وانتهت الآن إلى أن تكون قناة "تن" المملوكة لرجل الأعمال والقيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان.

"سي بي سي" و"النهار"

تم تأسيس القناتين بعد الثورة مباشرة، الأولى على يد رجل الأعمال، المحبوس حاليًا بتهمة الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على قاصرات، محمد الأمين، والثانية على يد رجل الأعمال علاء الكحكي. وكانت المؤسستان بمثابة ذراع المجلس العسكري لاختراق الثورة.

نجحت "سي بي سي" في إنتاج برامج زادت شعبيتها مثل البرنامج الساخر الذي كان يقدمه باسم يوسف، وبرنامج "أبلة فاهيتا"، وبرنامج أحمد أمين، وهو ما حقق لها شعبية كبيرة، لكنها كشفت عن وجهها الحقيقي قبل وأثناء الانقلاب، وما بعده، وانتهت أخيرًا إلى قبضة المخابرات بعدما أجبرت الأمين على بيع حصته فيها.

"الفراعين"

كانت القناة الرسمية الموحدة داخل جميع وحدات القوات المسلحة المصرية، بعد اندلاع الثورة، بشهادة الكثير من المجندين الذين خدموا بالجيش خلال تلك الفترة. وكان يديرها المذيع السابق بالتلفزيون المصري، توفيق عكاشة الذي شكل بحد ذاته معولًا لضرب أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس للجمهورية، عام 2012، إذ كان يستغل أسلوبه الشعبي في التقديم للتأثير على الطبقات الشعبية، والهجوم على حكومة الرئيس محمد مرسي.

البقاء لمشروعات المخابرات

في النهاية لم يتبق تقريبًا على الساحة الإعلامية في مصر، بعد مرور 11 عامًا على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، سوى المنصات الإعلامية التي تتبع بشكل مباشر جهاز المخابرات العامة وتمتلكها المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة للجهاز، إضافة إلى بعض المنصات المملوكة لجهاز الشرطة.

فعظم المشروعات الإعلامية القديمة قد انهارت سواء بالإغلاق أو التصفية أو الاندماج مع مشروعات أخرى، مثل قناة "التحرير" وجريدة "التحرير"، وقناة "دريم" التي تحولت إلى كيان ضعيف يبيع مساحات وساعات على الهواء بالإيجار. ولم يتبقَّ سوى المنصات الإعلامية التي أسستها الأجهزة الأمنية منذ اللحظة الأولى، ومنها "الراديو 9090" وموقع "مبتدا" اللذان تأسسا قبيل انقلاب الثلاثين من يونيو 2013، لدعم الانقلاب، من قبل الاستخبارات الحربية التي كان يديرها اللواء عبد الفتاح السيسي قبل أن يعين وزيرًا للدفاع، ثم بعد نجاح الانقلاب، توسعت الأجهزة الاستخباراتية في مشروعاتها وأسست قناة "دي أم سي"، لتصبح هي القناة الرسمية الأولى الآن لنظام السيسي.