دراما التليفزيون نموذجا| كيف عملت "الدولة العميقة" على تشويه ثورة يناير؟
الخميس - 8 فبراير 2024
ندوة في "إنسان للإعلام" تناقش دراسة الباحث إمام الليثي حول دراما التليفزيون وثورة يناير
المشاركون في الندوة: لابد من التخطيط الاستراتيجي لإنتاج درامي يقدم الرواية الحقيقية للشعب
لا يمكن تجاهل دور المخابرات المصرية في صناعة الدراما "كقوة ناعمة" منذ انقلاب 1952
الفن في الدول القمعية يقوم على تملق السلطة ونفاقها.. ومن الظلم تشويه كفاح الشعب المصري
كيف يمكن لدولة دينها الإسلام أن تشوه الإسلاميين الذي شاركوا في ثورتها ونالوا ثقة الشعب؟
الدراما تواجَه بالدراما وبالإمكانات المتاحة كما يواجه الفكر بالفكر.. ومثالنا المقاومة الفلسطينية
إنسان للإعلام- خاص:
نظم مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" حلقة نقاشية؛ لمناقشة دراسة (الثورة المضادة وتشويه ثورة يناير.. دراما التليفزيون نموذجاً)، التي أعدها الناقد الفني الأستاذ إمام الليثي، مواكِبَةً لذكرى مرور ثلاث عشرة سنة على أحداث ثورة يناير المجيدة.
هذة الدراسة تمثل الجزء الأول من دراسة أوسع حول الأعمال الفنية التي تناولت ثورة يناير، سواء كانت أعمالا تليفزيونية أو سينمائية أو وثائقية، والتي يعمل مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" على إصدارها تباعا، لكشف الدور الذي لعبته هذه الأعمال في تشكيل الوعي تجاه الثورة، وكيف مهد عدد غير قليل منها للثورة المضادة، وصولا إلى انقلاب الثالث من يوليو 2013.
وقد ألقت الدراسة الضوء، بشكل خاص، على أعمال الدراما التليفزيونية الرمضانية التي تم إنتاجها منذ عام 2011، عام الثورة، وحتى الآن، بالتركيز على نماذج بعينها، حملت رسائل "الدولة العميقة" للجمهور، حتى لو بدا بعضها متماهيا مع الثورة في الظاهر.
بدأت الندوة بترحيب أ.سمية جمال للمشاركين في الندوة وهم د. سليمان صالح، الأستاذ في كلية الإعلام جامعة القاهرة، والفنان والإعلامي أيمن الباجوري والباحث والناقد الفني إمام الليثي.
في مستهل حديثه ثمّن أ. إمام الليثي إسناد المركز له تنفيذ هذه الدراسة، مؤكدا أهمية هذه النوعية من الدراسات وندرتها، حيث تكشف أحد مسارات إجهاض الدولة العميقة والمؤسسات التابعة لها للثورة منذ بدايتها، منوها إلى أنه يتم بث بعض الأفكار في المسلسلات منها: فكرة العدالة الانتقالية بالقانون، وفكرة التطبيع مع البلطجة والبلطجية، وفكرة تغيير الوجوه فقط لا النظام.
أوضح أن الثورة المضادة رأت أنها لابد أن تضرب الكتلة الصلبة (الإخوان) في مقتل فروجت أنهم استولوا على الثورة وأنهم فشلة ونازيين ومخربين للبلد. وروجت أيضا لفكرة التخويف من أي ثورة قادمة عبر تصوير الثورات كمؤامرة تحت مسمى "فوضى خلاقة".
ثم بدأ الليثي بعرض ملخص للدراسة التي تنعقد حولها الندوة النقاشية، فقال: يجب إدراك مفهوم الثورة المضادة، وهي انتقام عناصر النظام القديم الخاسر في الثورات من الشعوب التي حققت حريتها بالثورة؛ ذلك أن إعلان الشعوب الخروج من ظلمات النظام المفسد السابق، ثم ممارسة هذا التحرر، يعني تنظيف المجتمع الجديد من فساد القديم، وصناعة حكومات ودولاً جديدة ونقية من رموز الإفساد ومؤسساته وأفكاره التي مارسها النظام المغلوب، وبناء منظومة أخلاقية واقتصادية وعلاقات دولية مبنية على مصالح شعب حر، وليس على شهوات مجموعة مفسدة قديمة.
قال: لقد قامت قيادة الجيش في كل من تونس ومصر بالالتفاف على الثورة، عبر الإيحاء بأنها من سيحقق مطالب هذه الطبقات، لكنها عملت من خلال سيطرتها على صيرورة المرحلة الانتقالية، على إعادة إنتاج النظام ذاته، بعد إبعاد رموز "العهد القديم" وتوسيع القاعدة السياسية للسلطة، وربما فتح أفق تحالف بين فئات رأسمالية كان يبدو أنها تتطاحن، أو أن جناحا فيها (رجال الأعمال الجدد) كان يعمل على تدمير كل الأجنحة الأخرى (الرأسماليات التجارية والعقارية والبنكية، وحتى المافياوية، رغم أن هذه التي كانت حاكمة هي رأسمالية مافياوية.
وأكد الليثي،أن ما يهمنا هو الوعي بمجموعة الرسائل الإعلامية التي تم تصديرها من كل طرف:
أولا: توصيف الثوار:
- الثورة نجحت
- هناك استحقاقات يجب أن تتم (دستور/ رئيس/ مجالس نيابي/ محاكمات).
- ثورة بيضاء
- عدالة انتقالية
ثانيا: رسائل الثورة المضادة:
- الجيش والشعب إيد واحدة
- ثورة بيضاء ومحاكمات قانونية
- لا وجود لمصطلح عدالة انتقالية
- الجيش يحمي الثورة
- الجيش هو المؤسسة الوحيدة الضامنة للحفاظ على الامن القومي
- رسائل إثارة الفتنة بين الثوار
- الإخوان فزاعة للشعب عبر أكثر من خطوة أولها خطوة الدستور المكمل (19 مارس)
- تشويه الكل كان هدفا
- عمل مصالحات مع فئات ستلجأ إليها الثورة المضادة (البلطجية/ الشرطة نموذجا).
بداية الاستقطاب
واصل الليثي: بدأ الاستقطاب في المجتمع المصري منذ لحظة إعلان التنحي وبداية جدلية البقاء في الميدان، أو الرحيل بغض النظر عن صحة او خطأ القرار ،لأنه منذ تلك اللحظة بدأ استقطاب داخل الصف الثوري وبدأ يزداد مع ازدياد الأحداث سخونة، لنصل إلى ثنائيات استقطابية (مع الثورة /ضد الثورة )،( مع عزل مبارك /ضد عزل مبارك)، ( إخوان /وعسكر)، (علمانيين وليبرالين / إسلامية إسلامية) ،( قول نعم تزيد النعم / غزوة الصناديق )، حتى وصلنا إلى المرحلة الأخطر في اعتصام رابعة والنهضة، ووصل الاستقطاب إلى حدود أبعد (الرضا بقتل الآخر من أجل أن أحيا حياة رفاهية)، والغناء على جثة القتيل (إنتوا شعب واحنا شعب)، ثم استقطاب أشد وطأة (إسلامي في المعتقل لا يهم – ليبرالي علماني في المعتقل ليوم واحد الكل يقف خلفه)، ثم تم تجزئة الإشكالية ( إسلامي ارتكب عنف / مجرد معتقل رأي ولم يرتكب عنف )
وعن علاقة الفن بالسلطة قال الليثي: علاقة السلطة بالفنان في الدول القمعية هي علاقة شرطية قائمة على تملق الفنان ونفاقه للسلطة، مقابل أن يحصل على لقمة العيش ويتكسب من مهنته، وهذا ملحوظ في تقلب الفنانين بين أحضان السلطات وتغييرهم للولاءات من حقبة لأخرى.
و لابد أن نعي أن الأنظمة الديكتاتورية الشمولية تتكون من مجموعات مصالح في شكل أجهزة ومراكز قوى متنافسه فيما بينها ، وكلها تعمل في اتجاه واحد هو التنافس على إرضاء قيادة النظام التي استقرت عليها ودانت بالولاء لها، وعادة ما تكون هذه الأنظمة بلا خطة مستقبلية لبناء الأوطان، فتلجأ لبناء صورة ذهنية وهمية وكاذبة حول إنجازات أو انتصارات زائفة تروج لها لخلق حالة من الشوفينية الشعبوية وترسيخ صورة رأس النظام كزعيم لا يشق له غبار .
هنا يأتي دور الفنان، فهو إما أن يقف على يسار هذه المنظومة فيفقد مورد رزقه ويتم إهماله ويموت جوعا، أو يتحول للاعب في سيرك الدولة القمعية، فالاستبداد لا يتيح الفرصة إلا لنوعين من الفنانيين النوع الأول والمفضل هم المتملقون اللاهثون بحمد السلطة أو الصامتون الذين يغلقون أفواههم ويكتفون بالجلوس في موقع النظارة، وهؤلاء تلقى لهم فتات موائد المستبد.
لذلك عندما حدث الانقلاب وجدنا فنان مثل علي الحجار يتحول من ميدان التحرير الذي ظهر فيه معارضا، ومصليا في وسط الجماهير، إلى أحد أعمدة الانقلاب ومؤيدي قتل المعتصمين في رابعة بأغنية (انتوا شعب واحنا شعب) ، وليعود أحمد السقا مرة أخرى الى حظيرة التدجين بعدما حاول الظهور في ميادين ثورة يناير وإن رفضه الثوار وقتها، ويقدم قرابين محاولته دخول الميدان ويكون أول هذه القرابين هو فيلم "الجزيرة" بجزئه الثاني .
فساد المخابرات
أشار الليثي إلى قضية فساد المخابرات واستخدام الفنانات في الأعمال غير الأخلاقية للتجسس على الحكام والأمراء العرب فيما عرف بقضية (السيطرة) أو تجنيد الفنانات، التي طالت صلاح نصر وصفوت الشريف وقتها (الخمسينيات والستينيات أيام حكم عبدالناصر)، متسائلا: لماذا يعتبر النظام المشتغلين بالفن عموما ( كتاب/ مخرجين/ ممثلين / شعراء.. الخ) مجموعة من الموظفين لديه؟
أجاب: ما إن وقع انقلاب يوليو 1952 حتى سارع بعض المنتجين إلى عرض بضاعته على رجال العهد الجديد ، فوصف أنور وجدي فيلم "دهب" الاستعراضي الذي يناقش قضية الأب الفيزيائي والأب بالتبني بقوله (فيلم نظيف في عهد نظيف)، فرغم امتلاء الفيلم بالراقصات إلا إنه خلا من مشاهد القبلات فاعتبره وجدي فيلما نظيفا، بينما أضاف فيلم "الحموات الفاتنات" لنهايته شعار الدولة الجديدة (الاتحاد والنظام والعمل)- والذي كان شعار الإخوان المسلمين بالمناسبة قبل أن يتم سرقته- بالرغم من أن الفيلم كان يدور حول صراع الحموات التقليدي على السيطرة، أما فيلم "اللص الشريف" لإسماعيل يس فكان الأكثر نفاقا، حيث انتهى الفيلم الذي لا علاقة له بأي نوع من أنواع النضال بمونولوج يمجد ضباط يوليو والجيش ومحمد نجيب .
بمجرد أن استقر الأمر لعبد الناصر وأطاح بمحمد نجيب، بدأت مرحلة جديدة في استخدام الفن والدراما والفنانين، والصورة السينمائية، فلم تعد الأعمال الفنية الدرامية والسينمائية مواد للترفيه فقط، بل اصبحت "قوة ناعمة" في يد السلطة الجديدة، واتجهت الدولة لاستخدام هذه القوة الناعمة لتروج لقوتها، وانتصاراتها الزائفة، وتعزيز مفهوم أن ما قامت به هو ثورة على فساد الملك، وبدأت سلاسل أفلام تهيل التراب على العهد البائد كما أطلقوا عليه.
السيطرة على العقول
وفي بداية حديثه، وجه د. سليمان صالح الشكر للأستاذ إمام الليثي على الدراسة ووجه شكره لمركز إنسان على الندوة، وتحدث عن أن الدراما من الأهمية حيث استخدمت الولايات المتحدة تلك القوة (الدراما) في السيطرة على العقول وتوجيه الرأي العام.
وقال: تركيا كمثال استخدمت المسلسلات التركية لتحسين صورتها الذهنية واحتياج الأمة لبطل، فتفاعل العرب على سبيل المثال مع مسلسلي "أرطغرل" و"عثمان" .. وبنت تركيا من خلاله صورة ذهنية رائعة عنها، وبعده تطلع العرب للنموذج التركي في مجال السياسة والاقتصاد وفرحوا بتقدم تركيا في مجالات الصناعة مثلاً.
إذا يجب النظر للدراما كونها مصدر لقوة الدولة، وتلك الدراسة التي نحن بصددها هي دراسة استطلاعية تمهد لعدة دراسات قادمة في بناء صورة مصر عموما، تلك الدراسة مهمة لأن بناء الدراما يستخدم في بناء قوة الدولة.
أشار صالح إلى أن اليهود سيطروا على ذلك المجال عبر "ديزني، وهوليوود" وفرضوا على العقل الغربي أن "إسرائيل" هي النموذج على الرغم من جرائمها.
قال: للأسف الشديد لا يمكن للجامعات المصرية دراسة تلك القضايا ولا يمكن للطلاب عمل دراسات حولها في مصر بسبب القبضة الأمنية، لذلك لابد من دراسة تلك الموضوعات بكثافة.
وأضاف: تحتاج الدراسة لرؤية تفسيرية.. ودراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي قامت في وقتها تلك الأعمال الفنية، ولا يمكننا تجاهل دور جهاز المخابرات المصري الذي احتكر تلك الصناعة وحدد مساراتها، ووضع أهداف قصيرة المدى ومنها إرغام الناس على تأييد الدولة.
تابع : لقد حرم شعب فلسطين من رواية قصته منذ 1917، ونحن من حقنا أن نعرف في مصر قصتنا، ولا نقبل بحرماننا من رواية قصتنا كما حدث مع فلسطين، ونحن عندما نراجع التاريخ الدرامي نجد أننا كشعب مصري لم نقم بالكفاح ضد المستعمر فقد اختفت تلك القصص من الدراما المصرية، فقد اعتبر نظام الحكم الناصري من كافح أعداء له وحاول محو تلك الفترة من تاريخ الشعب المصري والتعتيم على البطولات من ذاكرة الشعب المصري.
يوجد فيلم واحد وهو "في بيتنا رجل" فقط لكن ليس هناك تصوير لبطولات الشعب المصري لمقاومة الاحتلال الإنجليزي وهذا ظلم .
تشويه الثورة
أما حديثاً فتعرضت ثورة يناير 2011 للتشويه، وهي ثورة نستحق الفخر بها تماماً كثورة 1919 التي هي أيضاً لم تحظ بحقها في التوثيق من خلال الدراما..نكون نحن ثواراً في الميدان ويتم تشويه صورتنا في الدراما، فعلى سبيل المثال في مسلسل "الهروب": قال أ. إمام الليثي إن المسلسل تضمن احتقار الإسلاميين عموما!، فكيف يمكن لدولة دينها الإسلام وشارك الإسلاميون في ثورتها أن تقوم بتشويه الإسلاميين؟ يمكن فهم ذلك إن كان مسلسلا غربيا، لكن في مصر الدولة التي غالبيتها مسلمين وفي انتخاباتها يكتسح الإسلاميون وتقوم بتشويههم أي أنك تقوم بتشويه الشعب كاملا.
واقترح د. سليمان صالح على الأستاذ إمام الليثي دراسة حالة لمسلسل "هجمة مرتدة" فهو يقدم الإسلاميين كعدو بارز.
وقال: إن الدراما في مصر بذلك تقدم أكثر من 70% من شعب مصر كعدو، متسائلا: عدو لمن إذا؟!
وأكد أن صناعة الدراما يجب أن يكون وراءها خبراء في الصورة الذهنية. وقد ارتكب صناع تلك المسلسلات الحالية جريمة بتشويههم ثورة يناير، وهي المهمة جداً في تاريخ الشعب المصري.
يحتفل الفرنسيون كل عام بسقوط "الباسيتيل" وبالثورة الفرنسية، ويفتخر الفرنسي بهذا العمل وذلك لأن الدولة الفرنسية تمجد شعبها وكفاحه من وجه نظرهم وتروجه، على عكس ما تفعل الدولة المصرية التي تخفي عن شعب مصر قصته الحقيقية وقصة كفاحه وتمنعه من الفخر بنفسه.
لذلك يضطر صناع الدراما في مصر الي البحث عن قصص الحب، والتي تمثل أكثر من 90% من الإنتاج الدرامي المصري، لذلك لابد من البدء بعمل دراسات علمية في ذلك المجال لكي نبني مجالا علميا يقدم الصورة الحقيقية للشعب المصري والإسلام وتربط الشعب المصري بكفاحه وتاريخه.
تشتيت فكري
ووجهت مقدمة الندوة سؤالا إلى الفنان أيمن الباجوري وهو: كيف يوظف صناع الدراما الدراما في تشويه ثورة يناير وثواره؟
أجاب أيمن الباجوري: منذ بداية مسلسل "الهروب" وصولاً إلى المسلسل الأخطر "عوالم خفية"، الذي يشتت المشاهد تماماً فكرياً، كانت كل المسلسلات التالية بعد الهروب تؤكد على فكرة أن القانون لا يعطيك الحق، بل أنت عليك البحث عن حقك بنفسك وتفتيت القيم الموجودة داخل المجتمع، مثل مسلسل "كلبش" و"أبو جبل" كمثال. وإنتاج قصة عنهم تصعد قيمة ان عليك الانتقام وجلب حقوقك بيدك (يجب أن تكون بلطجيا أو تعرف بلطجيا).
"العراف" كمثال هو مسلسل لتشويه الإسلاميين، وتم عرضه في فترة حكم د. محمد مرسي لتشويهه شخصياً، وقد كانت حرية الاعلام مكفولة تماماً في عهده، وهو شيء يحسب له.
لم يترك المسلسل سؤالا يخطر على ذهن المشاهد إلا وجاوب عليه إجابة (تنصف النظام الذي قامت عليه الثورة وتشوه الإسلاميين).
بعد الثورة اتجهت المسلسلات الى تصوير ضابط أمن الدولة الإنسان وتحبيبه للمشاهد وقد عرض ذلك الضابط في مسلسل "العراف" بشكل كوميدي إنساني لتحبيبه للمشاهد.
كما تم ترويج نموذج البلطجة الأكبر "محمد رمضان" كإنسان غاية في التحضر والانضباط في مسلسل "نسر الصعيد".. حاولت الدراما المصرية غرس صورة ذهنية، الشرطة التي تم الانقلاب عليها في يناير شيء وبعده شيء مختلف تماماً.
مسلسل "بين السرايات"، كمثال، كان اجتماعيا لكنه يتناول الثورة بشكل خطير، حيث تناول المشاركين في الثورة أنهم منافقين ورموزها بالأساس هم فشله ومدلسون.
أضاف الباجوري: تؤثر الدراما في الصورة الذهنية للناس بشكل قوي، فعند ذكر جمال عبد الناصر يخطر في بالنا صورة أحمد زكي في المسلسل، وعند ذكر أم كلثوم يخطر في ذهننا الممثلة صابرين، فبالتالي تؤثر الدراما بقوة وللأسف تفتت القيم تماماً.
الدراما تواجه بالدراما
وهنا أقول إن الدراما تواجه بالدراما، كما يواجه الفكر بالفكر. والشعب تواق لأن يرى أشياء صادقة إيجابية.. لذلك الدراسات مهمة جداً، لكن علينا أن نركز أيضاً في إنتاج الدراما.
سألت المقدمة: متى بدأت الدولة استخدام الدراما؟ وأجاب إمام الليثي: النظام الديكتاتوري يستخدم الفن لفكرة تثبيت النظام، أما في الأنظمة الديمقراطية يستخدم لتثبيت الأمن القومي، فنرى النظام الأمريكي يستخدم الفن لتثبيت صورة البطل الأمريكي الذي لا يقهر أمام العالم، وهو من يمنح العالم الاستقرار ويخدم القيمة العليا وهو الإنسان، أما لدينا في العالم العربي فالقيمة العليا هو الكرسي ومن يجلس عليه والفن يخدمه.
أضاف الليثي أن بداية الإنتاج الفني في مصر كان في عام 1907، وفي عام 1909 تم منع أي عمل فني يعرض عن عرابي أو عن حادثة دنشواي.. وفي عام 1929 تدخلت الدولة في الفن.
وبعد انقلاب 1952، بدأت الدولة تنتبه إلى أن الدراما ومنظومتها الفكرية أخطر من الجرائد، فدخلت شركات خاصة في الدراما تحت رعاية الكنيسة وجزء آخر تحت رعاية الدولة، وظهر في السبعينيات من القرن الماضي إنتاج خال من القيم تماما، فبالتالي كان التدخل مبكراً جداً واستمر وصولاً لما نحن عليه، ثم جاءت فكرة تأميم الفن المستمرة إلى الآن.
مثلاً: فيلم "البريء" يلعب في المساحة المسموحة كإدانة جهاز الشرطة بعيداً عن الدولة..لأن
دور العرض تملكها الدولة أو شركات تابعة لها، فلا يمكن لشخص عمل فيلم قوي وجيد أن يجد مكانا يعرض به لان المؤسسات ودور العرض ترفض ما ينتج ضد التيار، ومن ذلك مسلسل "الطريق إلى القدس" الذي هو غير موجود تماما إلا في شرائط.
استطرد الليثي: الدولة مسيطرة تماماً على هذا المجال، وسيتم معاقبة نجل عادل إمام بسبب كلمة قالها عن فلسطين عند تكريمه.
سألت المقدمة أيمن الباجوري: ما هي الأعمال التي شوهت الإسلاميين والتي عملت إسقاطات مباشرة أو غير مباشرة على ثورة يناير؟
أجاب: العراف 2013 - صاحب السعادة 2014 - أستاذ ورئيس قسم 2015 ، وتضمنت تشويها غير عادي لثورة يناير واتهمت الإسلاميين بأنهم كبوا الثورة!
"عوالم خفية" لم يذع على mbc حتى ينتشر على كل القنوات لما يحمله من رسائل مبطنة.
وأيضاً تشويه الحجاب وتمثيله بمصيبة في أغلب المسلسلات، وكون من تلتزم بالحجاب تخاف من العقاب الذي أخبرهم به الشيوخ.
"اللي ملوش كبير" يصور البطل البلطجي هو من يجلب للناس حقوقهم، ومسلسل محمد رمضان "جعفر العمدة" هو مرابي وتم تمريره وعرضه في رمضان وتصويره كالبلطجي ورئيس الحي، وهو ما تريد الدولة للشعب أن يكون عليه "شعب متصارع فيما بينه دون تدخل الشرطة".
وجهت مقدمة الندوة سؤالا للدكتور سليمان صالح: ماذا بعد الدراسات؟، وأجاب: العلم هو الذي يبني المستقبل، ويحول الواقع لواقع أفضل ويغيره.. وأحد أسباب ضعف الدولة المصرية هو غياب الحرية الأكاديمية التي تخرج تلك الدراسات.
وقال: نريد بالدراسات بناء الوعي العام وتشكيله وإخراج الحقيقة، لكي يأتي الأدباء والفنانون ليخرجوا تلك الدراسات إلى صورة دراما جديدة حقيقية تخاطب الواقع.
وأشار إلى أن الأدباء الحاليين المنتجين هم المرضي عنهم من أجهزة الدولة، ولم يظهر آخرون موهوبون جداً، بسبب عدم رضا أمن الدولة عنهم وإغلاق طريق النشر في وجههم، موضحا أن معظم المواهب الأدبية في مصر ماتت لأن وزارة الثقافة أصبح يسيطر عليها "شلة" تتبع للدولة. أما آلاف الموهوبين من المصريين لا يجدون فرصة للأسف.. كمثلي أنا لم أستطع أن أنشر رواياتي إلا خارج مصر في تركيا، نشرت 3 روايات يمكن أن تكون مقدمة لعمل فني.
أضاف: مواصفات وشروط الفنانين الموجودة حالياً لابد أن تتغير، ويحظى الموهوبون بفرصهم، ويجب تشكيل صناعة جديدة تعبر عن كفاحات الأمة وصراعاتها.
وقال: لابد أن نفكر في المستقبل إعلامياً وفنياً وفكرياً، وننتج قصصا تكون مصدر قوة لنا وننتج فنانين ليسوا تحت المواصفات التي تضعها المخابرات المصرية، فالممثلين الذين يصعدون في المسلسلات لا يمثلون الشعب المصري، لا في الشكل ولا المضمون، ولكي نفكر في مستقبلنا لابد من نهضة أدبية وعلماء تاريخ وفنانين موهوبين.
وضرب د. صالح مثالا بمسلسل "أرطغرل" وقال: هذا المسلسل عمل لتركيا قوة ناعمة أفضل من كل المسلسلات المصرية الحالية، واستخدم اليهود والأمريكان نفس فكرة تركيا في استخدامها كقوة ناعمة موجهة للداخل والخارج.
وعقّب إمام الليثي بأنه لابد أن يكون هناك رأس مال يخدم الأعمال الفنية، و يجب إقناع رجال الأعمال بأهمية إنتاج وتدريب ما ينتج في النهاية عملا فنيا قيما يخدم قيمنا.
وحول أهمية الإنتاج الفني، قال الفنان الباجوري: عملت اليابان على مجموعة قيم لفئة سنية محددة وهي الشباب، وقاموا بالترويج لها بشكل مكثف، وقامت المؤسسات والشركات الخاصة بالعمل معهم بشكل متوازي أدى في النهاية الى نهضة اليابان في الواقع بشكل كبير.
وأكد أن معوقات الإنتاج ليست شيئا إذا كانت لدينا إرادة.. ولنا في المقاومة الفلسطينية مثال فقد أثر إنتاجهم الفني في العالم أجمع.