حملة أخلاق أم سياسة إلهاء؟.. كواليس استهداف صُنّاع المحتوى في مصر

الاثنين - 11 آغسطس 2025

  • النظام يرفع شعار "التطهير" في مواجهة المحتوى "الخادش للحياء" ويقدم نفسه كحارس للأخلاق!
  • تصاعد حملة المطالبة بإغلاق منصة "تيك توك" رغم تجاوز عدد مستخدميها 41.3 مليون مصري
  • خبراء: استهداف صنّاع المحتوى يهدف للتغطية على الانتقادات الموجهة للنظام وفشله الذريع
  • حقوقيون يحذرون من توسع الحملة الأمنية لتطال منتقدي النظام على المنصات الرقمية
  • مراقبون: الحملة الأمنية تسعى لتهيئة بيئة قانونية تُمكّن الدولة من السيطرة على الفضاء الرقمي

 

"إنسان للإعلام"- تقرير:

في توقيت يثير تساؤلات حادة، ومع تصاعد نفوذ منصات التواصل الاجتماعي وانتشار المحتوى المرئي بوتيرة غير مسبوقة، أطلقت السلطات الأمنية في مصر حملة واسعة استهدفت عدداً من صُنّاع المحتوى الرقمي، متهمة إياهم بـ"الإساءة إلى القيم الأسرية" و"نشر محتوى خادش للحياء".

ورغم الخطاب الرسمي الذي يبرر الحملة بضرورة "حماية المجتمع" من الممارسات السلبية على منصات مثل "تيك توك" و"يوتيوب" و"إنستجرام"، يرى مراقبون أنها تتجاوز الأهداف الأخلاقية المعلنة، لتخدم حسابات سياسية آنية، في ظل تصاعد الانتقادات لموقف القاهرة من أزمة غزة، وإقرار قانون الإيجار القديم المثير للجدل، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة.

في هذا التقرير، نفتح ملف الحملة الأمنية الأخيرة، ونبحث في أبعادها الحقيقية، ما بين المعلن والمخفي، والرسائل التي تسعى السلطة إلى تمريرها في هذا التوقيت الحساس.

حملة أمنية تحت شعار "حماية القيم"

منذ مطلع أغسطس الجاري، شنت وزارة الداخلية حملة أمنية واسعة استهدفت عدداً من صُنّاع المحتوى والمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، وطالت فتيات وشباناً نشطين على "تيك توك" و"فيسبوك" و"يوتيوب"، ممن يقدمون محتوى متنوعاً بين اليوميات والمقاطع الترفيهية.

ووفق بيانات "الداخلية"، جاءت الاعتقالات بعد بلاغات تقدم بها محامون "بإيعاز من جهات أمنية"، متهمين الموقوفين بـ"إفساد الذوق العام وهدم قيم المجتمع".

بيانات الوزارة اتسمت بصياغة متشابهة؛ فاتهمت بعض "التيكتوكرز" بنشر مقاطع تتضمن ألفاظاً خادشة، والاعتداء على القيم الأسرية وحيازة سلاح ناري غير مرخص ومواد مخدرة بغرض التعاطي، بينما أُسند إلى أحدهم نشر مقاطع "تمثل خروجاً سافراً على الآداب"، مع الإشارة إلى ضبط مبالغ مالية محلية وأجنبية، ومشغولات ذهبية، ومواد مخدرة بحوزته.

وترافقت الحملة مع دعوات متصاعدة لإغلاق تطبيق "تيك توك"، في ظل موجة من التعليقات المؤيدة على مواقع التواصل.

مقدمو البلاغات.. أذرع قانونية للحملة

لم تقتصر الحملة الأمنية ضد صُنّاع المحتوى على تحركات وزارة الداخلية، بل وجدت دعماً مباشراً من مجموعة من المحامين الذين بادروا بتقديم بلاغات متتالية، بدعوى التصدي لـ"المحتوى المسيء" على المنصات الرقمية.

أحد أبرز هؤلاء المحامين، أشرف فرحات، الذي كشف في تصريحات صحفية أنه قدم عدة بلاغات ضد نشطاء على "تيك توك"، مبرراً الخطوة بـ"تجاوزات خطيرة" ارتكبها بعضهم مؤخراً، من بينها نشر شائعات وأخبار كاذبة عن جرائم.

وأشار في حديثه لموقع "مدى مصر" إلى أن واقعة "مروة ابنة الرئيس مبارك" – التي اتهمت إحدى الفنانات بتجارة الأعضاء ونشرت أخباراً وصفها بـ"الكاذبة" – أثارت غضب مسؤولين كبار في الدولة، وأسهمت في تسريع وتيرة التحرك ضد صُنّاع المحتوى.

وأضاف: "بالقطع، جزء من التحقيقات أو التساؤلات سيكون متعلقاً بالتهرب الضريبي أو مصدر الأموال أو النشاط التجاري"، مؤكداً أن مجلس النواب بدأ بالفعل في التحرك لضبط المحتوى، وأن هذا التحرك يأتي – حسب تعبيره – "بتوجيه رئاسي".

الدعم البرلماني ظهر بوضوح في تصريحات النائبة إيرين سعد، التي أكدت أن البرلمان تلقى عدداً كبيراً من الشكاوى ضد محتوى "تيك توك"، مشيرة إلى أن مجموعة من المحامين تقدموا ببلاغات تتعلق بـ"تجاوزات في المحتوى".

وأضافت: "المحتوى على تيك توك تجاوز الحدود، وكان لدينا تساؤلات حول الثراء السريع وغير المنطقي للبعض، ونعتبر أن ما يحدث يمسّ قيم المجتمع، وهو أمر قومي".

وأوضحت أن الحديث عن شبهات غسيل أموال لم يعد مقتصراً على البرلمان، بل أصبح حاضراً في الإعلام والشارع، وأن لجنة الاتصالات عقدت أكثر من جلسة لمناقشة سبل ضبط المنصة.

ويرى مراقبون أن هذا التناغم بين المحامين والبرلمان والأجهزة الأمنية يعكس نهجاً رسمياً متصاعداً يربط بين الرقابة على المحتوى والملاحقة القضائية، وهو ما يضيّق المساحات القليلة المتبقية للتعبير الحر عبر منصات التواصل، بعد إغلاق معظم النوافذ الإعلامية التقليدية.

ويحذر خبراء في حرية الإعلام من غياب معايير محددة لتصنيف المحتوى "المسيء" أو "المخالف للقيم الأسرية"، معتبرين أن هذه الصياغات الفضفاضة تفتح الباب أمام التأويل، وتمنح السلطات مساحة واسعة للتعسف، خاصة عندما يكون المستهدفون من الفئات الهشّة أو المهمّشة اجتماعياً.

تصاعد المطالب بحجب "تيك توك"

مع اتساع رقعة الحملة الأمنية ضد صُنّاع المحتوى، ارتفعت في الأوساط البرلمانية والإعلامية أصوات تطالب بحجب تطبيق "تيك توك" في مصر، أو على الأقل فرض رقابة مشددة عليه.

أحمد بدوي، رئيس لجنة الاتصالات في برلمان "السيسي"، كشف مؤخراً أن الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات عقد اجتماعاً مع المدير الإقليمي للمنصة، بحضور أعضاء اللجنة، للمطالبة بتحسين جودة المحتوى بما يتوافق مع الضوابط والمعايير، ووقف ما اعتبرته السلطات مخالفاً لقانون تقنية المعلومات وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية. وبحسب المسؤول البرلماني، طلبت إدارة "تيك توك" مهلة ثلاثة أشهر لمعالجة هذه الملاحظات.

ووفق بيانات منصة داتا بورتال (يناير 2025)، بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر نحو 96.3 مليون شخص، بنسبة انتشار 81.9% من إجمالي السكان، أما مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي فبلغوا 50.7 مليون، أي ما يعادل 43.1% من السكان.

وبالنسبة لـ"تيك توك"، فقد وصل عدد مستخدميه في مصر ممن تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر إلى 41.3 مليون شخص، 64.2% منهم من الذكور و35.8% من الإناث، بزيادة سنوية بلغت 25.4%.

هذه الأرقام تجعل المنصة إحدى أكثر الوسائل تأثيراً في تشكيل وعي الشباب المصري، وهو ما يفسر حساسية السلطة تجاه المحتوى الذي يبث عبرها، ويدفعها لطرح خيار الحجب أو فرض قيود صارمة كأحد السيناريوهات المطروحة.

من جانبهم، يرى أساتذة علم الاجتماع أن الانتشار الواسع للتطبيق بين الشباب المصري يعود إلى غياب البدائل الثقافية والترفيهية الجاذبة، وإلى ضعف المحتوى الهادف في الإعلام التقليدي.

ويشير هؤلاء إلى أن "تيك توك" أعاد صياغة مفهوم الشهرة والمكانة الاجتماعية، إذ يمنح مستخدميه مكافآت مالية وجماهيرية سريعة، دون اشتراط موهبة أو مسار أكاديمي، ما يدفع كثيرين إلى خوض سباق "الشهرة السهلة".

انتقادات حقوقية: الحملة تتجاوز البعد الأخلاقي

أشعلت الحملة الأخيرة ضد صُنّاع المحتوى موجة من الانتقادات في أوساط النشطاء والمنظمات الحقوقية، التي اعتبرت ما يحدث "استهدافاً منهجياً" يهدف إلى تقييد حرية التعبير، وليس مجرد مواجهة "المحتوى غير القيمي" كما يروج الخطاب الرسمي. وطالبت هذه الجهات بوقف ما سمته "الرقابة على المحتوى"، محذرة من تحول العقوبات إلى أداة للترهيب المجتمعي وقمع الرأي، خاصة في ظل نصوص دستورية تضمن حرية التعبير.

المبادرة المصرية لحقوق الإنسان" أكدت أن الحملة تحمل أهدافاً غير معلنة، مشيرة إلى أن السلطات استخدمت ذريعة "قيم الأسرة المصرية" لتوجيه الاتهامات لأكثر من 151 شخصاً في ما لا يقل عن 109 قضايا.

ولفتت إلى أن نطاق الاستهداف توسع ليشمل أصحاب آراء دينية مخالفة لتفسيرات المؤسسات الرسمية الإسلامية والمسيحية، فضلاً عن رجال تم توقيفهم على خلفية الشك في ميولهم الجنسية، وحتى أطفال.

وأدان بيان "المبادرة" ما وصفه بـ"الملاحقات المتتالية"، وندد بدعوات الأجهزة الأمنية للمواطنين كي يشاركوا في مراقبة المحتوى الرقمي، عبر الإبلاغ عن أي مواد يرونها مخالفة لـ"الأخلاق العامة".

وأشارت إلى أن هذا التوجه تعزز بفضل نشاط محامين جعلوا من تتبع صُنّاع المحتوى وتقديم البلاغات ضدهم عملاً دائماً.

المبادرة صنّفت هذه التحركات ضمن ممارسات تهدف إلى "التطبيع التام مع تجريم حرية الرأي السياسي أولاً، ثم كافة أشكال التعبير الأخرى"، معتبرة أن ما يجري جزء من "خلطة القمع الأمني الطبقي والذعر الأخلاقي"، وأنه يعكس عداءً متنامياً للإنترنت كآخر مساحة متبقية للتعبير الحر، حتى عندما لا يكون المحتوى سياسياً.

وفي سياق متصل، أصدرت مؤسسة "حرية الفكر" ورقة بحثية بعنوان "ممنوع... عن الاستهداف الأمني لصُنّاع المحتوى الإبداعي على مواقع التواصل الاجتماعي"، أوضحت فيها أن الحملة الأمنية على صُنّاع المحتوى بدأت منذ 2023، وشهدت توقيف العشرات رغم خضوعهم للضرائب الرسمية.

وأشارت الورقة إلى أن العقد الأخير شهد انسداداً تاماً في شرايين الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مصر، مع إغلاق كامل للمجال العام، رغم أن دستور 2014 – الذي أقر بعد ثورة يناير – نص على ضمانات واضحة لحماية حرية الإبداع والتعبير.

وأكدت الورقة أن ما جرى بعد 3 يوليو 2013 يمثل أحد أشد أشكال القمع لحرية التعبير، وأن الممارسات الحالية من قبل أجهزة إنفاذ القانون تنتهك الحق في الخصوصية وتفرض قيوداً صارمة على استخدام الإنترنت، فضلاً عن تقييد حرية الإبداع وإرهاب المبدعين في التعبير عن آرائهم بوسائل متنوعة.

الأسباب الخفية وراء الحملة: ما بين الإلهاء والسيطرة

يرى كثير من المراقبين أن الحملة الأمنية ضد صُنّاع المحتوى "الخادش للحياء" ليست مجرد تحرك لحماية "القيم الأسرية"، بل تأتي في سياق سياسي أوسع يهدف إلى تحويل الأنظار عن ملفات ساخنة وضاغطة، داخلية وخارجية، في لحظة حساسة من تاريخ مصر.

في مقدمة أسباب تحرك الأجهزة الأمنية، تصاعد الانتقادات الحادة لموقف النظام المصري من مجاعة سكان غزة، واتهامه بالمشاركة في حصار القطاع عبر إغلاق معبر رفح من الجانب المصري.

كما جاءت الحملة الأمنية في وقت أقر فيه "السيسي" قانون الإيجارات القديمة، ما أثار غضباً شعبياً واسعاً وهدد عشرات الآلاف بالطرد من منازلهم، وهو ملف كان كفيلاً بإشعال نقاشات وجدالات حادة في الشارع.

من الأسباب أيضا تفاقم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتزايد الأعباء المعيشية على المواطنين، وكلها أسباب دفعت النظام للبحث عن قضايا "بديلة" تشغل الرأي العام، بعيداً عن تردي الأوضاع المعيشية.

يضاف إلى ذلك تصاعد الضغوط الحقوقية على خلفية أوضاع السجون، ولا سيما إضراب قيادات جماعة الإخوان المسلمين عن الطعام احتجاجاً على ما وصفوه بـ"التصفية البطيئة" عبر الإهمال الطبي والحرمان من الحقوق القانونية والزيارات، شكّل بدوره عاملاً محفزاً للسلطة لصرف الأنظار نحو "ملف أخلاقي" أكثر قابلية للتعبئة الإعلامية.

ومن أهداف الحملة الأمنية تهيئة بيئة قانونية تتيح المراقبة والتوقيف بناءً على اتهامات واسعة ومرنة مثل "التحريض على الفسق" أو "خدش الحياء"، بما يمثل أداة فعّالة للسيطرة على الفضاء الرقمي، وفرض رقابة شبه كاملة على المحتوى.

ثمة مسعى لإفساح المجال لمؤثرين "مرضيّ عنهم" وإحلال المحتوى العفوي بمحتوى "مراقب وموجه"، في إطار إعادة هندسة المجال الرقمي المصري ليتماهى مع توجهات الدولة.

كما أن الحملة توفر فرصة لفرض ضرائب وتحصيل مستحقات من صُنّاع المحتوى، من خلال دفعهم للتسجيل الضريبي والإداري، وبالتالي تعزيز الرقابة على أنشطتهم.

وفي السياق، تعمد السلطة إلى استثمار الخطاب الأخلاقي لكسب دعم الأوساط المحافظة، وتقديم نفسها كحارس للقيم المجتمعية، وهو خطاب سهل التسويق إعلامياً ويوفر غطاءً شعبياً للإجراءات القمعية.

وبحسب محللين، فإن السلطة عملت على صناعة "عدو وهمي" متمثل في صُنّاع المحتوى، وتضخيم "الخطر الأخلاقي" المرتبط بهم، باعتباره أداة فعالة لتعبئة الرأي العام.

وأشاروا إلى أنه رغم وجود محتوى مبتذل بالفعل على بعض المنصات، إلا أن الحملة تتجاوز هذا البعد لتطال عمق التحولات في السيطرة على الإعلام، ومحاولات إعادة تشكيل المجال الرقمي، بما يخدم أجندات سياسية واقتصادية وإعلامية في آن واحد.

الإعلام المصري والترويج للحملة الأمنية

بالتوازي مع حملة وزارة الداخلية على صُنّاع المحتوى، كشفت مصادر مطلعة عن صدور توجيهات من الجهات السيادية للصحف والقنوات الفضائية بتبنّي خطاب موحّد يروج لموقف الحكومة والداخلية، ويُشيد بدورهما في مواجهة ما يوصف بـ"المحتوى المخالف للقيم المجتمعية".

جاءت التغطيات الصحفية في أغلبها متطابقة في الزاوية واللغة، حيث كتبت "الأهرام" تحت عنوان «تيك توك والخطوات الحاسمة»[1]، فيما أبرزت "اليوم السابع" اتهامات بـ"حيازة مواد مخدرة"[2] ضد التيك توكر شاكر محظور، وواصلت في خبر آخر الحديث عن "تجديد حبسه بتهمة التعاطي والفيديوهات المسيئة"[3].

بدورها نشرت "المصري اليوم" تقريراً عن "فحص هواتف سبعة من مشاهير تيك توك بعد القبض عليهم"[4]، بينما وصفت مصراوي الإجراءات بأنها "حملة تطهير تيك توك"[5] في سياق تناول قضية سوزي الأردنية.

أما "الوطن" فجمعت بين المخدرات والأموال المشبوهة والفيديوهات الخادشة في عنوان واحد[6]، في حين نقلت "الشروق" عن لجنة الاتصالات في البرلمان أن "الحملة الأمنية أدت لاختفاء 75% من ناشري المحتوى المسيء"[7]، وربطت "صدى البلد "الظاهرة بـ"وباء اجتماعي" يستدعي التدخل[8]، فيما طالبت "البوابة نيوز" بإغلاق المنصة نهائياً[9]، واعتبرت "أوان مصر " أن "ضبط محتوى تيك توك المنفلت ضرورة لحماية القيم وإنقاذ الجيل"[10]

هذا الخط التحريري الموحّد امتد إلى برامج "التوك شو" التي تحولت إلى ساحات تعبئة ضد صُنّاع المحتوى، حيث ظهر الإعلامي المقرّب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى، في برنامجه "على مسئوليتي" على قناة صدى البلد، ليؤكد أن السيسي وحكومته يخوضان "حرب تطهير" ضد كل من يمس قيم الدين والمجتمع، مشيراً بفخر إلى أن القبض على "ليلى الشبح" جاء ضمن حملة إلكترونية واسعة، وأن "تيك توك" حذف 2.9 مليون فيديو بعد تدخل الدولة[11].

وفي برنامج "مساء جديد" على قناة المحور، هاجم يوسف الحسيني ما وصفه بـ"ناشري المحتوى الخادش"، متسائلاً باستهجان عن حصول أحدهم على 14 مليون جنيه من بثوث مباشرة على المنصة[12]، بينما أعرب تامر أمين في برنامج "آخر النهار" عبر قناة النهار عن سعادته بالحملة، واصفاً إياها بأنها "حالة انتباه" من السلطات تستحق الإشادة، مؤكداً أن العقاب واجب على كل من "يعتدي على الحق والعدل والخير"[13].

هذا التناغم بين الإعلام الرسمي والخاص يعكس، وفق مراقبين، حجم التوجيهات "السيادية" التي تحرك هذا الملف بقوة، لتوظيفه في إلهاء المصريين عن أزمات أعمق وأكثر خطورة. وعلى مدى 12 عاماً، اعتاد النظام المصري على استثمار المنصات الإعلامية في صناعة قضايا جانبية، تشغل الرأي العام عن الملفات السياسية والاقتصادية الحقيقية، في إطار أجندة خفية تفرضها الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام لضمان تحقيق أهداف السلطة.

وخلاصة القول أن الحملة الأمنية الأخيرة ضد صُنّاع المحتوى في مصر، تكشف بكل ما صاحبها من تعبئة إعلامية وتبريرات أخلاقية، عن معركة أعمق تتجاوز حدود "حماية القيم" إلى إعادة تشكيل فضاء التعبير العام تحت سيطرة الدولة.

فبينما يرى مؤيدو الحملة أنها ضرورة لحماية المجتمع من الانفلات الرقمي، يحذر منتقدوها من أنها تمثل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التضييق على الحريات، وإحكام القبضة على آخر المساحات التي يملكها المصريون للتعبير عن آرائهم خارج رقابة الإعلام التقليدي.

ومع استمرار تداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والحقوقية في هذه القضية، يبقى السؤال الأهم: هل ستتوقف الحملة عند حدود المحتوى المبتذل، أم أن "الخطر الأخلاقي" سيتحول إلى مبرر دائم لتكميم الأفواه وضبط السردية العامة بما يخدم السلطة؟

والأهم من ذلك، هل يستطيع الفضاء الرقمي في مصر الصمود أمام هذه الموجة من المراقبة والتقييد، أم أن الإنترنت سيلحق بالمجال العام المغلق منذ سنوات؟

المصادر:

[1]  " فاطمة شعراوي تكتب«تيك توك» والخطوات الحاسمة" ، الأهرام ، 5 أغسطس 2025 ،  https://goo.su/aLK0x1

[2]  ""حيازة مواد مخدرة".. تهمة جديدة تقود التيك توكر "شاكر محظور" لخلف القضبان" ، اليوم السابع  ، 03 أغسطس 2025  ، https://goo.su/94EWXBW

[3]  "تجديد حبس التيك توكر "شاكر محظور" 15 يوما بتهمة التعاطى والفيديوهات المسيئة" ، اليوم السابع ، 05 أغسطس 2025 ، https://goo.su/kLbEjmz

[4]   "فحص هواتف 7 من مشاهير التيك توك بعد القبض عليهم.. ومصدر أمني يكشف مفاجآت" ، المصري اليوم  ، 3 أغسطس 2025 ،https://goo.su/pFEr

[5]   "اتصالات النواب: الحملة الأمنية أدت لاختفاء 75% من ناشري المحتوى المسيء على تيك توك" ، الشروق ، 3 أغسطس 2025  ،  https://short-link.me/1a5hU

[6]  " تيك توك تحت المراقبة| صراع بين حرية المحتوى وحماية القيم.. وطبيب: ما يحدث وباء اجتماعي" صدى البلد ،  03 أغسطس 2025 ، https://www.elbalad.news/6 ، 654606

[7]   "خليها تنضف" .. مطالبات مجتمعية بغلق "تيك توك".. قانونيون: منفذ لنشر محتوى ضار..  علماء الاجتماع: مواجهته عبر تعاون المؤسسات التعليمية والدينية والإعلامية " ،  البوابة ، 2أغسطس 2025 ، https://www.albawabhnews.com/5241339

[8]   "ضبط محتوى “تيك توك” المنفلت ضرورة لحماية القيم وإنقاذ الجيل" ، أوان مصر ،  3 أغسطس 2025 ، https://goo.su/qgisrtL

[9]   "حملة تطهير "تيك توك".. قرار قضائي جديد بشأن سوزي الأردنية" ، مصراوي، 05 أغسطس 2025 ، https://short-link.me/1a5g

[10]  "القبض على مشاهير التيك توك.. مخدرات وأموال مشبوهة وفيديوهات خادشة" ، الوطن ، 03 أغسطس 2025 ، https://short-link.me/1a5hy

[11]   "أحمد موسى: القبض على ليلى الشبح ضمن حملة تطهير إلكتروني واسعة.. وتيك توك يحذف 2.9 مليون فيديو بعد تدخل الدولة" ، صدى البلد،  4 أغسطس 2025 ، https://www.elbalad.news/6656416

[12]  "يوسف الحسيني: «يعني إيه واد مالوش تلاتة لازمة يدخل في حسابه 14 مليون في لايف التيك توك»" ، المصري اليوم  ، 4 أغسطس 2025 ،  https://short-link.me/1a5fm

[13]  "نامر أمين بعد القبض على عدد من «التيك توكرز»: أنا فرحان.. شبابنا كان هيتلحس!" ، الشروق ، 3 أغسطس 2025 ، https://short-link.me/1a5g1