وسائل إعلام دولية كشفت زيف قصة "كلينتون".. هكذا تُصنع الأكاذيب حول "الإخوان"!

الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025

  • مع كل اتهام لنظام السيسي بالتفريط في سيناء.. وسائل إعلام مصرية وعربية تعيد ترويج قصة ملفقة ضد "الإخوان"
  • يروجون على لسان هيلاري كلينتون اتفاقا مزعوما مع الإخوان على إعلان الدولة الإسلامية في سيناء وإعطائها لحماس!
  • "واشنطن بوست" و "فرانس برس" فندتا أكذوبة قصة "كلينتون" منذ عام 2014 لكن إعلام الانقلاب يصر على ترديدها

 

"إنسان للإعلام"- قسم الترجمة:

انتشرت أكذوبة – سبق ترويجها عامي 2014 و 2019- تزعم أن هيلاري كلينتون وزيرة خارجية أميركا السابقة "فجرت مفاجأة" في كتاب عنوانه "كلمة السر 360"،  قالت فيه: "كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان الدولة الإسلامية في سيناء وإعطائها لحماس وجزء لإسرائيل لحمايتها"!!

تلقفت اللجان الإعلامية التابعة للسلطة في مصر ولدول مثل الإمارات والسعودية، هذه الصيغة الكاذبة وروجتها، وزادت عليها أن كتاب هيلاري كلينتون تضمن أنه "تم الاتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5 يوليو 2013 وكنا ننتظر الإعلان لكي نعترف نحن وأوروبا بها فورا"!!

وزعمت اللجان أن "كلينتون" قالت: "إن كل شيء كان معد للاعتراف بهذه الدولة الإسلامية، وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء بالاعتراف بها حال إعلانها فورا لكن كل شيء تحطم حين جاء السيسي بالانقلاب العسكري وأنقذ مصر من الإخوان"!

وتوالت المزاعم المنسوبة لـ"كلينتون"، ومنها على سبيل المثال:

-"عندما تحركنا بعدد من قطع الأسطول الأمريكي ناحية الإسكندرية تم رصدنا من قبل سرب غواصات حديثة جدا يطلق عليها ذئاب البحر 21 وهي مجهزة بأحدث الأسلحة وأدوات الرصد والتتبع، وعندما حاولنا الاقتراب من البحر الأحمر، فوجئنا بسرب طائرات ميج 21 الروسية القديمة" لينتهي الأمر بانسحاب القوات الأميركية كي لا تخسر مصر"!

- "الخطة كانت تقسيم مصر (بمعاونة الإخوان) عبر فكرة الدولة الإسلامية في سيناء ثم التوجه لدول الخليج لتقسيمها وبقية الدول العربية وتصبح السيطرة لنا بالكامل خاصة على منابع النفط والمنافذ البحرية".

"كلينتون" لم تكتب ذلك أصلا!

والحقيقة أنه لا كتاب بعنوان "كلمة السر 360" لهيلاري كلينتون أصلا، فقد فنّدت صحيفة "واشنطن بوست"، في يوليو و أغسطس 2014، هذه الأكاذيب وقالت إن الكتاب المنسوب لهيلاري كلينتون لا وجود له، وبالتالي فإن اتفاقها المزعوم مع الإخوان ليس له أصل، ومع ذلك ظلت لجان السلطة الإلكترونية تستدعي هذه القصص الوهمية وتروجها!.

"واشنطن بوست" نشرت مقالين متتابعين تناولا صناعة الشائعة ونظرية المؤامرة في الميديا العربية، كتبهما آدم تايلور  (Adam Taylor)، وهو صحفي وكاتب في قسم الشؤون الخارجية الدولية بالصحيفة، وجاء في المقال الأول أن الكتاب المذكور لا وجود له على الإطلاق، ولا يوجد أي سجل لكتاب بهذا الاسم في قوائم كتب هيلاري كلينتون أو في سجلات النشر الأمريكية.

كان عنوان المقال، المنشور في 8 يوليو 2014 "هيلاري كلينتون لم تعترف بأن الولايات المتحدة أنشأت داعش"، (No, Hillary Clinton did not admit the U.S. created ISIS)، وجاء فيه: "خلال الأسابيع القليلة الماضية، قام عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الناطقة بالعربية بمشاركة لقطات شاشة ومقتطفات من سيرة ذاتية لهيلاري كلينتون تُسمّى "Password 360" كثير منهم صُدم بسبب فقرة معينة، حيث يبدو أن وزيرة الخارجية السابقة تعترف بأن الولايات المتحدة، بمساعدة من جماعة الإخوان المسلمين، ساعدت في هندسة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

هناك مشكلة صغيرة في هذه القصة هي أنه: لا يوجد أي كتاب لهيلاري كلينتون بهذا الاسم، فالكتاب الأخير لكلينتون، الذي صدر الشهر الماضي (يونيو 2014)، يحمل عنوان Hard Choices «خيارات صعبة»، وهو مذكرات تغطي فترة عملها كوزيرة للخارجية، ولا يوجد شيء في هذا الكتاب يشبه الاعتراف المزعوم الذي انتشر على الإنترنت.

بحث سريع في نص الكتاب يُظهر أنه لا يحتوي على أي إشارة إلى التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين، ولا أي شيء يمكن تفسيره على أنه إقرار بأن الولايات المتحدة "خلقت" داعش.

كما أن دار النشر Simon & Schuster، التي نشرت  "خيارات صعبة" لم تنشر أي كتاب لهيلاري كلينتون بعنوان Password 360 كذلك، ولا توجد أي نتائج لأي كتاب بهذا الاسم في مكتبات أو قواعد بيانات معروفة مثل Amazon أو Google Books

ورغم ذلك، فإن هذه المزاعم انتشرت على نطاق واسع في العالم العربي، ويمكن العثور على مقالات على مواقع إلكترونية إخبارية باللغة العربية، إضافة إلى منشورات على فيسبوك وتويتر، كلها تكرر هذه القصة كما لو كانت حقيقية، وبعض مقاطع الفيديو على يوتيوب تزعم أنها تعرض مقتطفات من الكتاب المزعوم!.

هذه القصة تمثل مثالًا واضحًا على الطريقة التي يمكن أن تنتشر بها المعلومات المضللة عبر الإنترنت، وخاصة عندما تتعلق بشخصيات عامة معروفة مثل هيلاري كلينتون، وبقضايا مثيرة مثل الحروب في الشرق الأوسط، وفي بعض الأحيان، عندما تتوافق هذه القصص مع المعتقدات أو التوجهات السياسية للجمهور، فإنها تنتشر بسرعة دون أي تحقق من صحتها.

فتّش عن "نظرية المؤامرة"

وفي المقال الثاني، الذي نشرته "واشنطن بوست" عن هذه القصة المزعومة بتاريخ 12 أغسطس 2014 تحت عنوان "كيف خلقت هيلاري كلينتون الدولة الإسلامية — نظرية مؤامرة جديدة في الشرق الأوسط" (How Hillary Clinton created the Islamic State’ — a new Mideast conspiracy theory) قال آدم تايلور: "قبل أسابيع قليلة، أوضحنا في واشنطن بوست أن هذا الادعاء بوجود كتاب باسم (كلمة السر 360) لهيلاري كلينتون غير صحيح ومع ذلك، يبدو أن نظرية المؤامرة لم تختفِ، بل على العكس، ازدادت انتشارًا.

فخلال الأيام الماضية، تداولت وسائل إعلام عربية مختلفة قصة بعنوان: "كيف خلقت هيلاري كلينتون الدولة الإسلامية"، تم تداولها بشكل واسع على مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، وغالبًا ما تُنسب هذه التصريحات المزعومة إلى مقابلات أو كتب لم تصدر أصلًا.

بعض هذه المنشورات تُظهر حتى صورًا مزيفة لغلاف كتاب  Password 360 المزعوم، في حين تُقدّم أخرى نصوصًا مفبركة تُنسب إلى كلينتون.

من السهل أن نفهم سبب انتشار مثل هذه القصص في الشرق الأوسط، فالكثير من الناس في المنطقة يرون في سياسات الولايات المتحدة السبب الجذري في الفوضى التي اجتاحت الشرق الأوسط خلال العقد الماضي؛ لذا تبدو فكرة أن واشنطن «خلقت» تنظيم الدولة الإسلامية وكأنها تُقدّم تفسيرًا بسيطًا ومُرضيًا لتلك الفوضى، لكن لا يوجد أي دليل يدعم هذا الادعاء.

من المؤكد أن الولايات المتحدة شاركت في سياسات وأحداث ساعدت على خلق الظروف التي استغلها التنظيم، إلا أن القول بأن واشنطن أو كلينتون «أنشأتا داعش» هو أمر بعيد تمامًا عن الحقيقة.

مثل هذه القصص ليست جديدة، فخلال السنوات الماضية، انتشرت عبر الإنترنت العديد من «نظريات المؤامرة» التي تزعم أن الولايات المتحدة أو وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أو حتى شركات غربية تقف وراء نشوء الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، لكن هذه المرة، يبدو أن المزاعم أخذت شكلاً أكثر احترافية، مع استخدام صور وتصميمات تشبه منشورات الكتب الحقيقية.

ربما تكون هذه القصة مجرد انعكاس لمستوى انعدام الثقة العميق في السياسات الأمريكية داخل المنطقة، حيث يجد الناس في مثل هذه النظريات تفسيرًا ينسجم مع تجربتهم التاريخية مع التدخلات الأجنبية، لكنها أيضًا تذكير مهم بخطورة المعلومات المضللة، خاصة عندما تبدو واقعية بما يكفي لتُصدَّق".

هكذا نُسج الخبر الكاذب

في سياق آخر، وعندما هبت عاصفة الأكاذيب مرة أخرى، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تفنيدا لتلك المزاعم تحت عنوان "كلينتون لم تتحدّث في مذكّراتها عن مخطط بالتعاون مع الإخوان المسلمين لإقامة دولة إسلامية في سيناء"، يوم 23 يوليو 2019، قالت فيه: "يحظى خبر ينسب إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون قولها في مذكراتها إنّ بلادها تعاونت مع الإخوان المسلمين على إعلان إنشاء دولة إسلامية في سيناء وتقسيم المنطقة، بانتشار واسع النطاق على مواقع التواصل وعبر مؤسسات إعلامية في العالم العربي منذ العام 2014، مثيراً سيلاً من التعليقات والتحليلات.. لكن هذا الخبر لا أساس له من الصحّة.

تداول عشرات آلاف المستخدمين والصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية خبراً جاء فيه "هيلاري كلينتون تفجّر مفاجأة في كتاب مذكراتها كلمة السرّ 360 المطروح مؤخراً بأميركا"، وأنها قالت في كتابها "كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان الدولة الإسلامية فى سيناء وإعطائها لحماس"،... لكن "تحطّم كلّ شيء" حين قامت "ثورة 30/6 و3/7 في مصر"، أي حين أطاح الجيش المصري بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في تموز/يوليو 2013.

حظي هذا الخبر بالصيغة نفسها بانتشار كبير جداً لم يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، من فيسبوك وتويتر إلى يوتيوب، بل تعداه إلى مؤسسات إعلامية مختلفة في عدد من بلدان المنطقة، مثل صحيفة الشروق المصرية،  وقناة الإخبارية السورية ، وصحيفة النهار اللبنانية، وقناة العالم الإيرانية، والعديد غيرها.

جرى تداول الخبر أيضاً على تطبيق واتساب على نطاق واسع، وصار مادّة للاستخدام في التحليل السياسي عبر المنابر الإعلامية، لكن هذا الخبر يحمل عدداً من العناصر المثيرة للشكّ، منها:

1- من المعلوم أن هيلاري كلينتون تركت منصب وزيرة الخارجية في شباط/فبراير من العام 2013، ... وبالتالي، لم تكن في منصبها حين أطاح الجيش المصري بمحمد مرسي، ومن غير الوارد أن تكون جالت آنذاك على دول العالم لنقل موقف بلدها أو تحدثت بصفة  رسمية كما ورد في المنشور.

2- لم تصدر هيلاري كلينتون أي كتاب بعنوان "كلمة السرّ 360". أما كتاب المذكّرات الوحيد الذي نشرته، فيحمل عنوان "Hard Choices" (خيارات صعبة)، وصدر في العام 2014.

لم يعثر صحافيو خدمة تقصّي صحّة الأخبار في وكالة "فرانس برس" على أي أثر في كتاب كلينتون لما نُقل في هذه المنشورات والأخبار على مواقع التواصل والمؤسسات الإعلامية التي تداولتها.

وفي الجزء الذي تحدّثت فيه كلينتون عن مصر في كتابها ورد في الصفحة 347:"اتهمنا مؤيدو الإخوان المسلمين بدعم نظام (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك واشتبهوا في أننا نتواطأ مع الجيش لإبعادهم من السلطة. في حين كان معارضو الإخوان يخشون احتمال حكم إسلامي، زاعمين أن الولايات المتحدة تآمرت مع الإخوان لإخراج مبارك".

وعن العلاقة مع الإخوان بعد وصولهم إلى الحكم كتبت كلينتون في الصفحة 349: ""واجهت الولايات المتحدة الأميركيّة مرّة جديدة المعضلة نفسها: هل نتعامل مع قائد نختلف معه حول أمور كثيرة لأجل الحفاظ على مصالح أمنيّة جوهريّة؟"

وذكرت كلينتون في مقدّمة الكتاب أنّها زارت 112 بلداً خلال مهامها  كوزيرة للخارجيّة، لكنها لم تأت على ذكر إقناع دول بالاعتراف "بالدولة الإسلاميّة في سيناء" كما جاء في المنشور الكاذب.

وحاول إعلاميون وكتّاب التوضيح للرأي العام العربي أن ما نُقل في مواقع التواصل وبعض المؤسسات الإعلامية لم يرد بتاتاً في كتاب كلينتون، ومن بينهم الكاتب المصري بلال فضل والكاتبة المصرية مي سمير، لكن الكثير من المستخدمين رفضوا تصديق ذلك، وأصرّوا في تعليقاتهم على يوتيوب على تبنّي ما تداولته وسائل التواصل، بل وصل بعضهم إلى حدّ التجريح بالمشكّكين بالخبر الكاذب.

كذلك حاولت مواقع عربية التصدّي لانتشار هذا الخبر على مواقع التواصل منذ العام 2014، مثل موقع "حبر" الأردني وموقع "ده بجدّ" المتخصص بالردّ على الأخبار الكاذبة، لكن ذلك لم يحل دون استمرار انتشار هذا الخبر حتى تاريخ إعداد هذا التقرير على أنه حقيقة.

وبحسب ما عثر عليه فريق تقصّي صحّة الأخبار باللغة العربية، بدأ تداول هذا الخبر الكاذب على موقع "فيسبوك" في السادس والعشرين من حزيران/يونيو 2014، أي بعد ستّة عشر يوماً على صدور كتاب كلينتون باللغة الإنكليزية.

وأول مصدر للشائعة تمكّن فريق فرانس برس من العثور عليه هو صفحة "أحمد مجدي" على فيسبوك، ثم انتقلت إلى حسابات أخرى، ... لكن الخبر انتشر أولاً على أن هيلاري كلينتون قالت هذا الكلام في اجتماع للكونغرس، ثم انتقل إلى "تويتر" في 27 حزيران/يونيو 2014، وظلّ منتشراً بهذه الصيغة حوالى عشرة أيام.

وفي الرابع من تموز/يوليو 2014، طرأ بعض التحوّل على الخبر الكاذب، وأصبح مصدره كتاب مذكّرات كلينتون وليس محاضر الكونغرس، وهنا أيضاً ظهر اسم "كلمة السرّ 360" على أنه اسم الكتاب.

وفي السادس عشر من تموز/يوليو 2014 انتقل إلى مواقع إخبارية ومؤسسات إعلامية باللغة العربية، وبعد ثلاثة أشهر من التداول الواسع، هنأت صفحة "أحمد مجدي" نفسها على انتشار الخبر منها إلى صفحات فيسبوك ومواقع الأخبار، وهو ما يعزّز فرضيّة أن تكون هي فعلا المصدر الأول لهذه الشائعة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

  • آدم تايلور، كيف أنشأت هيلاري كلينتون تنظيم الدولة الإسلامية؟ - نظرية مؤامرة جديدة في الشرق الأوسط،"واشنطن بوست"، 12 أغسطس 2014،   https://2h.ae/ixLMQ
  • في ميزان فرانس برس،كلينتون لم تتحدّث في مذكّراتها عن مخطط بالتعاون مع الإخوان المسلمين لإقامة دولة إسلامية في سيناء، وكالة الصحافة الفرنسية،  23 يوليو 2019، https://2h.ae/KkwxE