كشف سرية الحسابات البنكية.. بوابة جديدة للاستيلاء على أموال المصريين
الثلاثاء - 3 يناير 2023
- حكومة السيسي تواصل تشريعاتها المثيرة للغضب الشعبي بقانون لكشف سرية الحسابات البنكية
- تعديل أحكام "الإجراءات الضريبية" يستهدف تسهيل الجباية بعد الاطلاع على الحسابات البنكية
- التعديلات جاءت للوقوف على حقيقة أموال المصريين وأصحاب الثروات لفرض مزيد من الضرائب
- إضافة فقرة إلى نص المادة 78 من القانون تمكن الجهات الحكومية من كل المعلومات البنكية
- التعديلات تأتي استثناء من أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الملزمة بسرية بيانات العملاء
- حكومة السيسي تبرر "التعديل القانوني" بانضمامها لاتفاقية المنتـدى العالمي للشفافية!!
- إقرار برلمان السيسي لمشروع القانون سيتسبب في عزوف المواطنين عن الإيداع وسحب مدخراتهم
- حسام الشاذلي: القانون الجديد يستهدف تجميد بعض الحسابات ومصادرة الأموال والودائع
- مصطفى عبد السلام: القطاع المصرفي بمصر سيتعرض لأكبر كارثة في تاريخه حال تمرير القانون
إنسان للإعلام- خاص:
في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في التاريخ المصري، يتفنن السيسي وحكومته في إصدار القوانين التي تساعده للسطو على أموال المصريين ومدخراتهم.
في هذا الإطار أحال رئيس مجلس نواب الانقلاب حنفي جبالي، مؤخرا، مشروعا مقدما من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020، للجنة مشتركة من لجان الخطة والموازنة والشؤون الاقتصادية والتشريعية في المجلس لمناقشته، وإعداد تقرير بشأنه للعرض على الجلسة العامة في 18 ديسمبر 2022م؛ بهدف كشف سرية حسابات البنوك، كما تتجه الحكومة لفرض ضريبة جديدة على من يتجاوز دخلهم 800 ألف جنيه، تصل نسبتها الي 27.5%. ومن خلال السطور التالية، نفتح هذا الملف و نرصد مخاطر هذه الإجراءات على الاقتصاد المصري والمصريين.
نهب أموال البنوك عبر رفع السرية
وسط أزمات اقتصادية تطحن المصريين وتهدد كافة فئات المجتمع المصري بالإفقار والجوع وفقدان قدراتهم الشرائية مع غلاء كبير في الأسعار، وفجوة تمويلية كبيرة وغير مسبوقة على مستوى الدولة المصرية، إثر نقص للدولار الذي أهدره السيسي وحكومته في خرسانات العاصمة الإدارية بلا جدوى وبلا حساب
ومع تأزم الأوضاع المالية وانهيار الجنيه أمام جميع العملات الأجنبية ، فاقدا أكثر من 56% من قيمته حتى الآن.. وسط هذه الأجواء، بدأ السيسي العاجز عن حلحلة الأزمات الاقتصادية بالبلاد، باحثا عن أموال المصريين والشعب، عبر وسائل عديدة منطلقاتها المكر السلطوي، سواء عبر التوسع في فرض الضرائب والرسوم المتتالية على الشعب بكل الفئات، والفاتورة الإلكترونية، والضرائب والخصومات من الرواتب.
ومع استمرار العجز وتزايده بدأ السيسي يفتش في جيوب المصريين وحساباتهم، سواء باختراع حسومات مالية من دخلهم، وصولا إلى التفتيش في الحسابات البنكية التي يحظر القانون الاطلاع عليها أو الكشف عنها.
وعلى الطريقة اللبنانية التي تحظر على أصحاب الأموال سحبها، وهو ما ألجأ العملاء لاستعمال العنف من أجل الحصول على أموالهم ، بدأ نظام السيسي سعيه الخبيث للكشف عن سرية الحسابات البنكية، تحت مسميات جميلة وبراقة من الشفافية والعمل وفق اتفاقات دولية متعلقة بعضوية مصر في منظمات دولية.
ولكن الهدف الأساس هو نهب أموال المصريين وفرض ضرائب وتعقب أموال رجال الأعمال والمستثمرين، ومن ثم ابتزازهم ومساومتهم عليها.
وفي هذا الإطار، تقدمت حكومة السيسي بمشروع قانون للبرلمان، يتيح لها الكشف عن سرية الحسابات البنكية.
وقد أحال رئيس مجلس نواب الانقلاب حنفي جبالي، مؤخرا، مشروعا مقدما من الحكومة بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020، إلى لجنة مشتركة من لجان الخطة والموازنة والشؤون الاقتصادية والتشريعية في المجلس لمناقشته، وإعداد تقرير بشأنه للعرض على الجلسة العامة في 18 ديسمبر 2022.
وأضاف مشروع القانون فقرة ثانية إلى نص المادة 78 من القانون، نصها الآتي: "ولا تخـلو أحكام المادتين رقمي 140 و142 مـن قـانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، بالإفصاح عن معلومات لدى البنوك لأغراض تبادل المعلومات، تنفيذا لأحكام الاتفاقيات الضريبية الدولية النافذة في مصر".
وقالت حكومة الانقلاب، في المذكرة الإيضاحية للمشروع، إن "مصر انضمت في عام 2016 إلى عضوية المنتـدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، الذي تأسس مـن قبـل مجموعة العشرين ومنظمة التعاون الاقتصادي بهدف مكافحة التهرب من الضرائب، وإخفاء المتهربين ثرواتهم وأصولهم المالية، بمـا يهدد إيرادات الدول".
وأضافت أن هذا الانضمام يمثل إطارا قانونيا للسلطات الضريبية للتعاون العابر للحدود، من دون انتهاك لسيادة الدول، أو حقوق دافعي الضرائب.
وأفادت المذكرة بأن العديـد مـن مؤسسات التمويل الدولية المانحة والمقرضة، ومنها بنـك إعادة الإعمار الأوروبي، أصبحت تأخذ في اعتبارهـا التقييـم الصـادر عن المنتـدى كأحد المؤشرات في التعامل مع الدول، ما يؤثر على قدرة الدول على الاقتراض، والحصول على المساعدات الفنية أو المالية، ولذلك أعدت الحكومة المصرية مشروع القانون، حرصا منها على الاستعداد لمراجعة مجموعة القرناء بالمنتدى، واجتياز التقييم، لما يمثله ذلك من أهمية، كونه يدعم ويعزز مكانة الدولة الاقتصادية والسياسية على الساحة الدولية.
ويتضح من المذكرة الحكومية أن السيسي يستهدف الوقوف على حقيقة أموال المصريين ورجال الأعمال وأصحاب الثروات، من أجل استعمال سلطات القمع في التأثير عليهم لحلبهم وتحصيل الجبايات منهم، تحت شعار الشفافية، وهو في نفس الوقت يتبع التعمية والإخفاء عن حقيقة الأوضاع المالية في الدولة ، حيث بح أصوات عدد من النواب مطالبين الحكومة بالكشف عن حقيقة الأوضاع المالية والاقتصادية في الدولة المصرية، دون مجيب.
كما أن تذرع الحكومة بالاتفاقيات الدولية تبدو كخداع للداخل والخارج، إذ أن العالم ومؤسساته المالية والمانحة طالبت السيسي أكثر من مرة إخراج الجيش من المشهد الاقتصادي المصري، وتجلية الأوضاع عن حقيقة أمواله الضخمة التي لا تضاف للميزانية العامة للدولة ، ولا تناقض أو تراجع إلا كرقم واحد في البرلمان، كما تتصادم الشفافية التي يعلنها السيسي وحكومته في القانون الجديد وتعديلات قانون الضرائب مع مبدأ ترسية المناقصات والمشروعات بالأمر المباشر، الذي أفسد الاقتصاد وأضاع أموال الدولة، وهو ما بدا واضحا خلال كلام السيسي مؤخرا بالإسكندرية، على طريقة "شيلني واشيلك" التي تحدث بها مع كامل الوزير.
ويأتي مشروع القانون استثناء من أحكام قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي المصري، والذي قضى بسرية جميع بيانات العملاء وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، والمعاملات المتعلقة بها، وعدم جواز الاطلاع عليها، أو إعطاء بيانات عنها، بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة.
ومع عدم الإخلال بالاستعلامات الواردة في القانون، يسري الحظر المنصوص عليه في المادة على جميع الأشخاص والجهات، بما في ذلك الجهات التي يخولها القانون سلطة الإطلاع أو الحصول على الأوراق أو البيانات المحظور إفشاء سريتها، ويظل هذا الحظر قائما، حتى لو انتهت العلاقة بين العميل والبنك لأي سبب من الأسباب.
ويتخوف مراقبون من إقرار القانون، الذي قد يدفع المستثمرين وأصحاب الأموال من نقل أموالهم بعيدا عن البنوك أو تخزينها في ذهب أو دولارات، ما يفاقم أزمات البلاد المالية ويعظم الفجوة المالية، بصورة أشد وأكبر، أما من يترك أمواله في البنوك عرضة للاستيلاء عليها أو فرض ضرائب عليها، كما سبق أن مهدت لذلك أذرع النظام الإعلامية، وهو ما يضع مصر على طريق لبنان، ورفض البنوك صرف أموال الناس إلا بكميات محددة أو تأميمها أو حتى مصادرتها.
القانون الجديد يثير غضب المصريين
وقد أثار مشروع قانون اتاحة معرفة الحسابات البنكية للحكومة؛ لغرض ضبط حصيلة الضرائب، غضبا بين أوساط نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وحذر النشطاء من أن إقرار البرلمان المصري لمشروع القانون المقترح من الحكومة قد يتسبب في عزوف المواطنين عن الإيداع في البنوك وسحب مدخراتهم.
وحذر ناشطون من أن إقرار مثل هذا المشروع يعني حلول الخراب بالاقتصاد المصري، لافتين إلى أن سرية الحسابات من المبادئ التي أُقرت لضمان الثقة في البنوك.
واعتبر بعض النشطاء أن مشروع القانون يأتي ضمن "سياسة الجباية" التي تنتهجها السلطات المصرية، محذرين من فرض المزيد من الضرائب على المواطنين في الفترة المقبلة.
وفسر أحد النشطاء طرح الحكومة لهذا المشروع بحدوث انخفاض في عائدات الضرائب في السنوات الماضية ، فيما دعا المحامي والإعلامي المصري "خالد أبو بكر" المحسوب على نظام السيسي مجلس النواب لرفض مشروع القانون المقدم من الحكومة."2"
البنك المركز يحاول طمأنة المصريين
وفى محاولة لطمأنة المصريين، أكد البنك المركزي المصري أن مشروع القانون المشار إليه «لا يمس سرِّية حسابات عملاء البنوك في مصر»، والتي وضع قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي «ضمانات مشددة لحمايتها»، حيث «كفل حماية سرِّية بيانات عملاء القطاع المصرفي وحساباتهم وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك سرِّية المعاملات المتعلقة بها».
كما ينص القانون على أنه «لا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها لأي جهة بطريق مباشر أو غير مباشر إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة أو من أحد ورثته أو من أحد الموصى لهم بكل هذه الأموال أو بعضها، أو من نائبه القانوني أو وكيله، أو بناءً على حكم قضائي أو حكم تحكيم»، حسب البيان.
من جانبها، نفت وزارة المالية المصرية، في بيان نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء مؤخرا ، الأنباء التي تحدثت عن «تقديم الحكومة مشروع قانون يتيح لمصلحة الضرائب الاطلاع على الحسابات البنكية للمواطنين»، وقال إن «المشروع المقترح لا يمس سرِّية الحسابات البنكية للمصريين، ولا الشركات ولا المؤسسات العاملة في مصر، ويقتصر فقط على مساعدة بعض الدول الأجنبية في التحقق من المعاملات التجارية لرعاياها، للتعامل مع احتمالات التهرب الضريبي، حيث يسمح بالإفصاح عن معلومات لدى البنوك لأغراض تبادل المعلومات تنفيذاً لأحكام الاتفاقيات الدولية الضريبية النافذة في مصر».
وأشارت وزارة المالية إلى أن «مصر انضمت عام 2016 إلى عضوية المنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات للأغراض الضريبية، وفاءً بالتزاماتها الدولية في مكافحة التهرب الضريبي». وقالت إن «التعديل التشريعي المقترح يعدّ التزاماً دولياً على مصر، ويعطيها حق المعاملة بالمثل مع 172 دولة على مستوى العالم، كما أنه إجراء ضروري لاستيفاء المتطلبات التشريعية اللازمة لاجتياز تقييم (منتدى الشفافية وتبادل المعلومات)، لمكافحة التهرب الضريبي على مستوى العالم». بدروه، حذّر النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، مما وصفه بـ«إثارة اللغط حول تعديلات مشروع قانون الإجراءات الضريبية»، مؤكداً أن البنك المركزي المصري «يضع ضوابط حاسمة بشأن حماية سرِّية حسابات عملاء البنوك»."3"
دوافع الحكومة للقانون الجديد
وحول دوافع الحكومة الي إصدار مثل هذه التشريعات ، اكد الخبراء ان الوضع الاقتصادي المنهار التى تعيشه مصر يدفعها للتفتيش عن ادخارات المصريين ، وانتقد المستشار السیاسي والاقتصادي الدولي ورئيس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، حسام الشاذلي، القرار وقال: إن "النظام في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يوظف كل أدوات السياسة والحكم، وحتى منظومة العدالة من أجل محاولة إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه، ومن أجل البحث عن الممكن وغير الممكن؛ من أجل إنقاذ نظام تجره الأزمة الاقتصادية إلى هوة سحيقة، وعلى رأس تلك الأدوات المسيسة، ذلك البرلمان الذي قد بات (ترزي) لقوانين النظام بعيدا عن الشعب، لا يمثله ولا يشعر بنبض معاناته التي بات يعرف عنها الأقصى قبل الأدنى".
وأضاف، في حديثه لـموقع "عربي21": "إن القوانين الاقتصادية للمنظومة البنكية في مصر تنظم التعاملات على حسابات المواطنين وودائعهم بصورة كاملة، مثلها مثل باقي المنظومات البنكية في العالم، حيث تبدأ مع عملية الكونترول والمراقبة على مصادر الأموال من بداية عملية الإيداع، مارة بكل معايير المراقبة على التحويلات والمعاملات البنكية المحلية أو الدولية، وبإشراف مباشر من البنك المركزي".
وتابع: "ولذلك، فأنا أزعم بأن ذلك القانون غير المسبوق الذي يسمح للحكومة بالاطلاع على حسابات المواطنين وودائعهم، يمثل سابقة بنكية غير معروفة، هدفها الرئيسي هو التمهيد لإجراءات قانونية وبنكية مفتعلة؛ لتجميد بعض الحسابات ومصادرة الأموال والودائع لحساب الحكومة وأزمتها الاقتصادية، وهو أمر جلل قد يعجل بعواقب عدم الاستقرار، وسيزيد من وتيرة هروب المستثمرين أجانب ومصريين وبصورة أسرع بكثير، حيث لا يمكن الاستثمار في مناخ لا يضمن الحماية البنكية للمودعين".
وقال المحلل السياسي والاقتصادي، محمد السيد؛ إن "الحالة المزرية التي وصلت إليها مصر في ظل هذا الحكم الفاسد المبدد لثروات الشعب المصري، قد عجز تماما عن إيجاد مخرج لكوارثه المتلاحقة في إدارة البلاد بعدما تفاقم عجز الموازنة، وارتفاع الدين الخارجي بشكل غير مسبوق أدى إلى انهيار تاريخي لقيمة الجنيه أمام الدولار، والخضوع للشروط المجحفة من صندوق النقد الدولي للحصول على المزيد من القروض".
وأضاف : "محاولة النظام تعظيم ايراداته بفرض المزيد من الضرائب لم يعد كافيا، فعاد إلى ما طرح من قبل عام 2018 بالكشف عن الحسابات البنكية، وخرق قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد في المادة 97، التي تنص على أن: تكون جميع حسابات العملاء وودائعهم وأماناتهم وخزائنهم في البنوك، وكذلك المعاملات المتعلقة بها سرية، ولا يجوز الاطلاع عليها أو إعطاء بيانات عنها بطريق مباشر أو غير مباشر، إلا بإذن كتابي من صاحب الحساب أو الوديعة أو الأمانة أو الخزينة، أو من أحد ورثته أو أحد الموصى لهم بكل أو بعض هذه الأموال، أو من النائب القانوني أو الوكيل المفوض في ذلك، أو بناء على حكم قضائي أو حكم محكمين".
واستدرك: "وعندما رفض محافظ البنك المركزي طارق عامر مشروع القانون وقتها، بدعوى أن هذا الإجراء سيكون له عواقب سلبية على المستثمرين ورؤوس الأموال تراجع النظام.. فهذا القانون الذي يسعى الآن النظام لاستصداره، يأتي في نفس سياق الحصول على المزيد من الأموال، لكن على حساب المودعين بدلا من فتح آفاق جديدة للاستثمار لجذب أموال المستثمرين ودعم الصناعة لزيادة الصادرات، لكن هذا القانون يستبيح ودائع البنوك ويلغي سريتها، وأصبح تحت يد الحكومة وقت ما تشاء ."4"
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام: لا أعرف من الذي يسكب المزيد من الزيت الحارق على نيران الأزمة المالية المشتعلة في مصر، ومن الذي يزيد الوضع الاقتصادي تأزما ويصعّب الوضع المعيشي على المواطن؟
ومن الذي يحقق مكاسب أو مصلحة من زيادة التوتر المجتمعي الناتج عن استمرار زيادة التضخم ولهيب غلاء الأسعار وتهاوي العملة الوطنية، ومن الذي يمنح الأسعار وقودا إضافيا لتواصل اشتعالها
وأضاف: ومن المستفيد من رفع منسوب التوتر والقلق داخل المجتمع ونقل القلق من الأسواق وأنشطة الاقتصاد المختلفة إلى أصحاب المدخرات والمتعاملين مع البنوك، وأيضاً للقطاع الخاص ورجال الأعمال الذين كانوا في السابق يئنون في الخفاء ومن وراء ستار وحجب، أما الآن فقد خرج أنينهم وصراخهم إلى العلن وصفحات الجرائد
لا أظن أن "المتآمرين" على مصالح الدولة العليا والذين يستهدفون الإضرار بالاقتصاد، و"أهل الشر" هم الذين أصدروا القرارات المتتالية التى اغضبت المصريين مؤخرا ، بل الحكومة هي التي أصدرتها.
ويضيف عبد السلام: هذه الأسئلة وغيرها تأتي على خلفية قرارات حكومية كثيرة اتُخذت خلال الأيام الماضية على عجل ومن دون دراسة متأنية، أو بحث تأثيراتها الخطرة على مناخ الاستثمار والأنشطة الاقتصادية المختلفة والأسواق والقطاع المصرفي والمالي.
وأخطرها قرار الكشف عن سرية الحسابات البنكية، الذى أثار قلق أصحاب المدخرات، والوقت غير مناسب لتمريره في ظل الضغوط المتزايدة على القطاع المصرفي ، والسؤال هنا: لمَ هذا القرار في هذا التوقيت الحساس، ولمَ القرار أصلا، هل الحكومة التي تتغنى بتشجيع الاستثمار ليل نهار مدركة أن حصول المواطن على تلك الموافقات لأنشطة تجارية بسيطة قد يأتي بنتائج عكسية، وأن الخطوة لا تسهل ولا تشجع أنشطة التجارة والاستثمار، بل تضع المزيد من التعقيدات على الأنشطة المختلفة، ولماذا تشترط الحكومة هذا الشرط أصلا، ما الهدف منه؟
هذا القرار أربك الأسواق والمواطن فيتعلق بتشريع مررته الحكومة ويسمح لمصلحة الضرائب ووزارة المالية بتبادل المعلومات مع البنوك، وهو ما يعني الاطلاع على حسابات وأرصدة عملاء البنوك والتعدي على السرية المصرفية وانتهاك قانون البنوك.
هذه القرار وغيره صدرت في وقت غير مناسب، وكأن الأسواق في مصر في حاجة إلى "لخبطة وتوتر"، وكأن الأنشطة في حاجة إلى مضايقات ومتاعب جديدة، ففي الوقت الذي تبحث فيه الجهات المسؤولة في الدولة وفي مقدمتها البنك المركزي عن خطوات لاحتواء أسوأ أزمة عملة تمر بها البلاد، نجد أن هناك من يسكب مزيدا من الزيت على نار الأزمات الاقتصادية والمالية."5"
ضرائب على فئات جديدة من الشعب
وفي سياق متصل، تعتزم الحكومة المصرية فرض شريحة ضريبية جديدة، وذلك بحسب مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل، اطلعت عليه "الشرق"، والمرسل من وزارة المالية إلى مجلس الوزراء بتاريخ 21 نوفمبر.
ومن المقرر أن ترفع مصر الضريبة على دخل الأفراد الذي يفوق 800 ألف جنيه سنوياً (32 ألف دولار)، بنسبة 27.5%، في وقت يبلغ الحد الأقصى المطبّق حالياً 25% لمن يزيد دخله السنوي عن 400 ألف جنيه، و22.5% للشركات التي يزيد صافي ربحها عن 200 ألف جنيه سنوياً.
وقال الخبير الاقتصادي هاني توفيق: إن لجوء الحكومة إلى الضريبة التصاعدية يُمثل إحدى الوسائل "لتقليل العجز في الموازنة العامة"، معتبراً أن إضافة شريحة ضريبية جديدة بمعدل 27.5% لأصحاب الدخول الأعلى هو "منتهى العدالة الاجتماعية"، ومشدّداً على أن الدولة ينبغي ألّا تُحرم في الظروف الراهنة من أحد مواردها الرئيسية أي الضرائب"
ولتخفيف عبء برنامج الإصلاح، الذي انتهجته مصر منذ 2016، على محدودي الدخل، اتخذت السلطات عدداً من الإجراءات، شملت زيادة الأجور ورفع حدّ الإعفاء الضريبي وتطبيق علاوات استثنائية على الرواتب.
الوثيقة التي اطلعت عليها "الشرق" كشفت أن مشروع قانون تعديلات ضريبة الدخل يتضمن "التجاوز عمّا لم يسدد من الضريبة على الأرباح الرأسمالية المستحقة على التصرف في الأسهم المقيدة في البورصة المصرية خلال الفترة من يناير 2022 وحتى تاريخ بدء العمل بتعديلات القانون".
وتسعى الحكومة لبدء العمل بتعديلات قانون الضريبة على الدخل بدءاً من يناير 2023. ويستلزم إقرار التعديلات وإدخالها حيّز التنفيذ موافقة مجلس النواب، ثم موافقة رئيس الجمهورية، قبل نشرها بالجريدة الرسمية.
وكانت مصر أجّلت تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة عام 2020 لمدة عامين بسبب جائحة كورونا، وأعادتها إلى حيّز التنفيذ مطلع العام الحالي.
إلّا أن الحكومة أعلنت في مارس الماضي حزمة من القرارات لتحفيز التداولات بالبورصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، تضمّنت إعفاء أرباح صناديق الاستثمار في أدوات الدين، وصناديق الاستثمار في الأسهم المقيّدة بالبورصة، وصناديق وشركات رأس مال المخاطر.
ويشمل مشروع القانون الجديد خصم 50% من الأرباح الرأسمالية المحققة للأفراد من الطروحات الأولية، وذلك لمدة عامين من تاريخ بدء العمل بتعديلات قانون الضريبة على الدخل.
وتستهدف الحكومة المصرية زيادة حصيلتها الضريبية خلال السنة المالية الحالية 2022-2023 بنحو 18.8% إلى 1.1 تريليون جنيه، كما تسعى لزيادة إيراداتها من الضريبة على الرواتب بنسبة 18.6% لتصل إلى 107.3 مليار جنيه للسنة عينها. "6"
يذكر ان مصر تعيش أزمة اقتصادية ، وشح في الدولار ، غير مسبوق في تاريخها ، وزادها مؤخرا ، تراجع تحويلات المصريين من الخارج ، حيث أظهرت بيانات البنك المركزي المصري، مؤخرا، انخفاض تحويلات العاملين بالخارج في الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي بنسبة 2.3 بالمئة إلى 20.9 مليار دولار، من 21.4 مليار دولار على أساس سنوي.
وقال المركزي المصري، إن تحويلات العاملين بالخارج سجلت 2.2 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي، بانخفاض 8.3 بالمئة عن 2.4 مليار دولار عن نفس الشهر من العام السابق.
وتعد تحويلات العاملين بالخارج إحدى أدوات الحكومة المصرية لتوفير السيولة الأجنبية لتلبية احتياجات السوق، وسط تأثر قطاع السياحة منذ جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية ، وتعد مصر إحدى أبرز الدول المستقبلة لتحويلات العمالة العالمية، حسب بيانات البنك الدولي."7"
ومما عمق الأزمة الاقتصادي سحب المستثمرين الاجانب استثماراتهم من مصر حيث أكد رئيس وزراء السيسي خلال فعاليات اليوم الثالث للمؤتمر الاقتصادي في اكتوبر الماضي ، إن حكومته لم تنجح في الحيلولة دون خروج الدولار بعد نزوح تدفقات بأكثر من 25 مليار دولار خلال أقل من شهر ."8"
المصادر:
- "على الطريقة اللبنانية.. السيسي يسعى لنهب أموال البنوك عبر رفع السرية عن الحسابات" ، بوابة الحرية والعدالة، 8 ديسمبر، 2022، https://cutt.us/G0njc
- "مشروع قانون ينتهك سرية الحسابات البنكية يثير غضبا في مصر" ، الخليج الجديد ، 10 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/NslKX
- "مشروع قانون جديد للضرائب يثير مخاوف المصريين بشأن بياناتهم البنكية" الشرق الأوسط ، 8 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/S4sqB
- محمد علي الدين ، "قانون رفع السرية عن الحسابات البنكية يثير جدلا بمصر.. ما دوافعه؟" ، عربي21- 9ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/ILPD1
- مصطفى عبد السلام، "من يسكب الزيت الحارق على أزمات مصر المشتعلة؟" ، العربي الجديد ، 13 ديسمبر 2022، https://cutt.us/Q9HVZ
- إيهاب فاروق، "مصر تدرس رفع الضرائب على هذه الفئة من المداخيل"،موقع الشرق ،14 ديسمبر 2022 ، https://cutt.us/ulQ5x
- أحمد حاتم ، "تراجع تحويلات المصريين بالخارج لـ 20.9 مليار دولار في 8 أشهر" ، الأناضول، 17 نوفمبر 2022، https://cutt.us/4Bakj
- "رئيس وزراء مصر: نزوح 25 مليار دولار للخارج بأقل من شهر" ، عربي21، 25 اكتوبر 2022، https://cutt.us/zOpXc