انتفاضة كازاخستان.. ماذا يحدث في أكبر دولة اسلامية؟

الخميس - 13 يناير 2022

  • ثروات هائلة في باطن الأرض وأطول حدود في العالم مع الجارة روسيا
  • امتلاك الشعب الكازاخي لقراره سيجعل الدولة "قنبلة نووية" بوسط آسيا
  • حكم الفرد لأكثر من 30 عاما  دمر الدولة اقتصاديا ورهنها سياسيا لأطراف خارجية
  • سقوط الحكم في كازاخستان سيكون كارثة على دول الجوار.. وخاصة روسيا والصين

 

إنسان للإعلام - خاص

كازاخستان أكبر دولة اسلامية على الإطلاق من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها مليونين و 725 ألف كيلو مار مربع، بما يقارب ١٥ ضعفا من مساحة سوريا (185,180 كلم مربع)K وهي تاسع أكبر دولة في العالم ، من حيث المساحة .

وتمتلك كازاخستان ثروات هائلة في باطن الأرض، كما تمتلك أطول حدود بين روسيا مع أي دولة مجاورة لها بطول ٧٦٤٤ كلم، وحدود طويلة أيضاً مع الصين (١٧٦٥كلم) ، وشواطئ طويلة على بحر قزوين المغلق الذي تطل عليه إيران.

هذه الأمور وغيرها تجعل من كازاخستان قنبلة نووية في وسط آسيا على كل جوارها إن سقطت بأيدي الشعب الغاضب اليوم ..تخيل أنك تعيش في دولة امتدادها بين الشرق والغرب كالمسافة بين دمشق وفرانكفورت في وسط ألمانيا .. نعم إنها كازاخستان عملاق جمهوريات آسيا الوسطى وإحدى جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق.

إنها بلد قاعدة "بايكونور" الشهيرة لإطلاق الصواريخ الفضائية الروسية وغيرها نحو الفضاء والتي تسعى روسيا منذ مدة لإحلال قاعدة بديلة عنها ضمن حدود روسيا الاتحادية ولكن مازالت بايكونور تعمل بشكل أفضل لظروف جغرافية واقتصادية.

إنها بلد التجارب النووية السوفيتية والتي أدت لتشوه مئات الآلاف بالإشعاعات النووية وظهور أناس مشوهين وبأمراض لا تعد ولا تحصى.

إنها بلد القمح واليورانيوم ،الغاز ،النفط ،الشعير ،الحبوب ،الذرة ،القطن ،البطاطا ،الفحم ،الحديد ، المنغنيز،الرصاص ،الزنك ،تيتانيوم ،نحاس ،ذهب ،فضة ،ألمنيوم ، فوسفات ، كروم ... بلد غابات الشوح الرائعة ، بلد الأغنام والخيول والجمال بسنمين، بلد المناظر الرائعة وبحر آرال شبه الجاف . إنها بلد كل شيء بما فيه الرئيس وعائلته الفاسدين.

التركيبة السكانية دينيا وعرقيا

يبلغ عدد سكانها ١٩ مليون فقط على هذه المساحة الشاسعة ..معظمهم مسلمين سنّة بما يمثل ٧١%، بينما يمثل المسيحيون الارثذوكس ٢٦%.

وتشكل عرقية الكازاخ ٦٨% ، يليهم الروس الموجودون في الدولة منذ أيام الإتحاد السوفيتي بنسبة تزيد على ١٩%، وهم يسكنون المدن الكبرى وعلى حدود روسيا وبالتالي سيكون أحد مبررات تدخل روسيا، إذا استمرت الاضطرابات، حماية الأقليات الروسية في كازاخستان .. مع احتمال السعي لتقسيمها.

ويعد من أهم إنجازات الحكم الحالي أنه خفض نسبة الروس في البلاد من ٤٠ بالمائة الي ٢٠ بحسب مصدر قريب من الحالة هناك.

أما باقي السكان فهم من الأوكرانيين، الأوزبك، التتار، وغيرهم من قوميات الإتحاد السوفيتي السابق،  بالاضافة للإيغور المتواجد قسمهم الأكبر في الصين المجاورة. ومعظم السكان يتكلمون الروسية التي تعتبر اللغة الرسمية الثانية بعد اللغة الكازاخية الرسمية للدولة.

الحكم من خلف ستار

بعد تنحي عظيم الأمة وقائدها (كما يسمى في كازاخستان) "نور سلطان نزار باييف" عن السلطة عام ٢٠١٩ (بسبب تطور سرطان البروستات عنده) وتسليمه مقاليد السلطة لأكثر رجل يثق به وهو "قاسم توكاييف" استمر "نور سلطان نزار باييف" يدير الدولة من خلف الستار عن طريق بناته الثلاثة والمقربين منه.

فور اعلان تسلم الرئيس الجديد الحكم أعلن عن تغيير اسم العاصمة "استانا" لإسم جديد وهو"نور سلطان" على اسم الرئيس الأسبق "قائد الأمة" الذي تنازل طوعاً بعد خمسة ولايات رئاسية لم يكن يقبل أن تكون نسبة فوزه فيها أقل من ٩٧%، وبالتالي أدرك الشعب أن الرئيس الجديد تابع للديكتاتور القديم الذي حكم بالحديد والنار .. وأدرك أن الحكم تغير بشكل اسمي، أما الرئيس القديم وعائلته فمازلوا يحكمون من خلف الستار بعد ٣٠ سنة حكما مباشرا .

استمرت إحدى بنات نزار، والتي اعتبرت من أغنى نساء العالم، بالسيطرة على اقتصاد كازاخستان المهول، وكان والدها الرئيس السابق يمتلك قبل سنوات أكثر من ٤٠ مليار دولار ، وقيل إنها تزيد على ١٢٠ مليار دولار مع زوجته وبناته وأحفاده!

اقتصاد قوي وفساد يلتهم كل شئ

 تضم كازاخستان مركز قاعدة "بايكونور" الفضائية التي استأجرتها روسيا، والتي لا تزال أكبر منصة إطلاق في العالم بعد حوالى 60 عاما من انطلاق رائد الفضاء السوفياتي يوري غاغارين منها ليصبح أول رجل في الفضاء.كما تتمتع كازاخستان بأكبر اقتصاد في آسيا الوسطى.

ويشكل النفط 21 % من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد ، بحسب البنك الدولي الذي توقع نمو الاقتصاد بنسبة 3,7% هذا العام. كما تعد أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتتوفر أيضا على كميات كبيرة من المنجنيز والحديد والكروم والفحم.

ومع ذلك هناك فساد كبير يضرب بجذوره بين أفراد النخبة الحاكمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، صادرت الوكالة الوطنية للجريمة في بريطانيا 3 عقارات في لندن عام 2019، تبلغ قيمتها 80 مليون جنيه إسترليني تخص ابنة وحفيد الرئيس الكازاخي السابق نزارباييف، وتم تجميد تلك الممتلكات للاشتباه في أن شراءها تم من عائدات الجريمة. ومع ذلك، أمرت المحكمة العليا البريطانية فيما بعد بإعادة الممتلكات.

كما اشترى تيمور كوليباييف صهر نزارباييف قصرا في أسكوت من عائلة الأمير البريطاني أندرو مقابل حوالي 20 مليون دولار في عام 2007، بزيادة قدرها 4 ملايين دولار عن السعر المطلوب، وقال بعض المراقبين: إن السعر المرتفع ربما كان محاولة لكسب صداقة الأمير أندرو.

كما  أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق "توني بلير" نصح نزارباييف بعد حملة قمع ضد عمال النفط المضربين في 2011 أسفرت عن مقتل 14 شخصا على الأقل، وأظهرت وثائق مسربة أن بلير طلب حوالي 7 ملايين دولار كرسوم لنصيحته.وهذا غيض من فيض عن فساد النخبة الحاكمة فى كازخستان ، وماخفى أعظم.

الغاز أشعل انتفاضة الشعب

قبل بضعة أيام وبعد رأس السنة بيوم، قامت الحكومة برفع سعر الغاز الذي يستخدمه الشعب بكثرة وحتى بوسائل المواصلات والسيارات .. لم يستطع الشعب تقبل رفع أسعار الغاز الذي سيؤدي لرفع كل الأسعار في البلاد، في الوقت الذي تبيع الحكومة الغاز لروسيا بسعر مخفض وأقل من السعر العالمي، والتي تبيعه روسيا بدورها لأوروبا بسعره العالمي الحالي العالي.

انتفض الشعب بقوة غير متوقعة وسيطر على دوائر دولة وأبنية حكومية ومطارات قبل ساعات .. والشعب ينادي بسقوط الفاسدين وشركاتهم وشركائهم في روسيا والصين وغيرها .. وخاصة أن الشعب يعتبر كازاخستان من أغنى دول العالم، ومع ذلك الحد الادنى للأجور حوالي ١٠٠ دولار أمريكي فقط .. وكل ذلك بسبب فساد السلطة الحاكمة واتفاقياتها وشراكاتها مع شركات روسية وصينية.

العجيب أن الإعلام الحكومي الكازاخي والروسي وصف ما يحدث في كازاخستان بمؤامرة كونية خارجية، وبدأت وسائل الإعلام الكازاخية والروسية والصينية والإيرانية بإتهام أمريكا والغرب والإسلاميين بأعمال الشغب والاضطرابات في كازاخستان الصامدة ضد الهيمنة الرأسمالية الإمبريالية، مع أن كازاخستان تعتبر دولة رأسمالية وتحكمها شركات الرئيس السابق مع بناته واحفاده!

الفقر والظلم واليأس..أساس المشكلة

 هذه الإحتجاجات، التى اندلعت  فى كازاخستان تخفى خلفها حقيقة مؤلمة وأنها لم تكن بسبب ارتفاع أسعار الغازالمسال -وإن كانت هذه الذريعة كافية للاحتجاجات- ولكن الاحتجاجات  تنبئ عن "شعور بالظلم" لدى المواطن الكازخي الذى يعيش فى بلد، غني بالنفط واليورانيوم ومع ذلك يعاني من الفقر.

لأن المواطن الكازاخي لم ير أى تحسن فى أوضاعه المعيشية، وأنه لايستفيد من ثروات بلاده إلا فئة قليلة هى الطبقة الحاكمة ومن يدور فى فلكها، "فأصبح الوضع مؤلم بالنسبة لمواطن يعيش في بلد مستوى الفقر فيه يصل إلى حوالي 13 بالمئة".

لذلك بدأ اليأس يتطرق إلى نفوس المواطنين، من إصلاح الأوضاع التي تزداد سوءً على سوء، في ظل غياب العدالة الاجتماعية.وإذا أضفنا إلى ما سبق ازدياد معدلات الفقر، وتردي الأحوال المعيشية، والقمع السياسي الذي استمر "لفترة طويلة منذ استقلال البلاد في 1991"،عن الاتحاد السوفيتي، وأن الرئيس السابق "نور سلطان نزارباييف" هو الذي قاد البلاد منذ ثلاثة عقود، ولم يحدث تحسن فى الأوضاع الاقتصادية، والحقوق والحريات.

تطور  الاحتجاجات

منذ رحيل نزار باييف ومجئ أوتو كاييف،  لم تشهد  الأوضاع الاقتصادية في البلاد أى تغيير أو تحسن، مع استمرار غياب الإصلاحات الحقيقية ، وتدني مستوى المعيشة، ومحدودية الحرية المدنية.ثم جاء ارتفاع أسعار الغاز المسال، التي كانت في المتناول، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.وكالعادة  سرعان ماتحولت الاحتجاجات ضد رفع أسعار الغاز  إلى احتجاجات ضد فساد النظام الحاكم.

اندلعت الاحتجاجات في منطقة واحدة فى البداية، وبحلول يوم الثلاثاء 4 يناير 2022 كانت أنحاء كازاخستان كلها تعمها  الاحتجاجات. وبالرغم من أن الاحتجاجات بدأت سلمية،  لكن سرعان ما تحوّلت إلى العنف، مع لجوء الشرطة للغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، ضد الآلاف من المحتشدين في ألماتي - أكبر مدن كازاخستان وعاصمتها السابقة.

وبحلول يوم الأربعاء ( 5يناير )، أُعلنت حالة الطوارئ فى البلاد، لكن المحتجين استمروا في النزول إلى الشوارع.وقامت السلطات على إثر ذلك بقطع خدمة الإنترنت في أجزاء عديدة من البلاد.

وقام  المحتجون باجتياح مكتب عمدة  مدينة "ألماتي"، ونهب المحال التجارية، وإضرام النار في السيارات. وخرج المتظاهرون فى البداية إلى الشوارع في جاناوزين، منطقة مانغيستاو في غرب البلاد، للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز النفطي المسال المستخدم في السيارات، ثم سرعان ماوصلت الاحتجاجات إلى مدينة أكتاو، على ضفاف بحر قزوين.

وقد تعامل الأمن مع الاحتجاجات بعنف، إلا أن الاحتجاجات تواصلت ولم تتوقف مما يشى بأن الأمر تجاوز قضية أسعار الغازالمسال، وأنه كما يقول المثل –النار تحت الرماد-، مما اضطر الرئيس الكازخى "قاسم جومارت توكاييف"، إلى توعد المحتجين برد حازم والاستنجاد بـ"منظمة الأمن الجماعي" الإقليمية التي تترأسها روسيا، وبالفعل استجابت روسيا لنداء توكاييف وأرسلت دفعة من القوات، للحفاظ على الاستقرارفى البلد الغنى بالنفط والمجاور لروسيا.

التعامل الدموي مع الاحتجاجات

بعد اندلاع الاحتجاجات قال الرئيس الكازخي، في خطاب متلفز الجمعة 2 يناير: "لقد أصدرت أوامر لقوات الأمن وللجيش بفتح النار، بشكل مباشر بدون تحذير" رافضاً دعوات دولية للحوار، متسائلا: "يا له من غباء! أي نوع من المفاوضات، يمكن أن تكون مع مجرمين وقتلة؟". وزعم توكاييف، أن إجمالي 20 ألف من "قطاع الطرق" هاجموا مدينة "الما اتا"، وأن "الإرهابيين" كان يتم توجيههم من الخارج.

مطالب المتظاهرين سياسية وليست اقتصادية

حاولت السلطات احتواء الموقف، وتهدئة المحتجين فقامت بحل الحكومة وإعادة أسعار الوقود إلى ما كانت عليه، إلا أن المحتجين رفضوا مغادرة الشوارع.

وهكذا فهم المحتجون بأن تغيير الحكومة، لن يأتي بتغيير الأوضاع أو تحسينها ، ومن خلال مطالب المحتجين الخمسة التي نادوا بها، ندرك بأن دوافع المظاهرات لم تكن الاعتراض على رفع أسعار الغاز بل كانت مطالب سياسية بحتة.

وقد حدد المحتجون خمسة مطالب أساسية تتمثل فى الآتى:

  1. تغيير حقيقي للحكومة
  2. - انتخابات مباشرة لحكام المقاطعات – يتم تعينهم من قبل  رئيس البلاد -.
  3. عودة دستور 1993 الذي حدّد فترات الرئاسة وسلطات الرئيس
  4. عدم اضطهاد الناشطين المدنيين
  5.  السماح بشغل مناصب لشخصيات لا تربط بينها وبين النظام الحالي علاقة

صراع روسي  أمريكي مكبوت

عندما طلب الرئيس الكازاخي المساعدة من منظمة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا لم تتأخر موسكو في تلبية الطلب الكازاخي وسارعت بتوفير الدعم الأمني لقواته، لاحتواء الأزمة، وأرسلت عددا من القوات الروسية للسيطرة على الأوضاع.

كما أن روسيا لم تخف انزعاجها من محاولات القوى الإقليمية والدولية الدخول إلى مناطق وسط أسيا، التي لاتزال تعتبرها روسيا، من بقايا مستعمرات الاتحاد السوفيتي السابق، وأنها هي الوريثة الشرعية للاتحاد السوفيتي فوجود أي قوى إقليمية أو دولية تعتبرها روسيا تهديدا لمصالحها فى هذه المناطق وتعدي على نفوذها.

 لذلك لم تتوان روسيا فى اتهام الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها هي المحرك لهذه الاحتجاجات، وقد ردت أمريكا بالنفي ثم قالت لاحقاً على لسان وزير خارجيتها  أنتوني بلينكين : "أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث هو أنه بمجرد وجود الروس في منزلك، يصعب أحيانًا دفعهم للمغادرة".

وجاء الرد الروسي على تصريحات بليكن، بوصف تلك التصريحات بأنها مسيئة، قائلة: "عندما يكون الأمريكيون في منزلك، قد يكون من الصعب البقاء على قيد الحياة وعدم التعرض للسرقة أو الاغتصاب".

وصراع القوى الدولية والإقليمية، أمر طبيعي لأن كازخستان غنية بموارد بالنفط واليورانيوم مما يجعلها محط أنظار القوى الكبرى المتصارعة على مناطق النفوذ والثروة.

لأن الرئيس الكازاخي السابق "نور سلطان نزار باييف" فتح الباب واسعاً أمام الشركات الأمريكية لتستثمر في مجال الطاقة. كما وقعت الولايات المتحدة الأمريكية معاهدة عسكرية مع كازاخستان.

 وكذلك وقعت اتفاقات اقتصادية مشابهة مع كل من الصين وتركيا والدول الأوربية.لأن كازخستان كانت تقصد من من وراء  هذه الخطوات،  تخفيف الهيمنة الروسية  التي تمارسها روسيا فى وسط أسيا ومنها كازخستان بالطبع وهو ما أغضب روسيا و جعلها تشعر بالانزعاج من التمدد الأمريكى والغربى والتركي فى كازخستان .

الخروج من العباءة الروسية

دخول كازاخستان في شراكات مع الولايات المتحدة وتركيا ساعد كازخستان على التحلل قليلاً من التبعية الروسية.

فالذهاب باتجاه الولايات المتحدة، وباتجاه تركيا التي تعتبر كازخستان من ضمن من العالم التركي و الناطق بالتركية، وجدت فيه كازاخستان ملاذا للخروج من العباءة الروسية، فقد عقدت عدة صفقات لشراء أسلحة من تركيا تمثلت فى صفقة شراء طائرات بدون طيار وشراء مدرعات ومعدات عسكرية أخرى.

وبهذه الخطوة نجحت كازاخستان في تحقيق التوازن في علاقاتها مع اللاعبين الجيواستراتيجيين... فعلى الرغم من تحالفها الوطيد مع موسكو، ظلت علاقاتها مميزة مع الصين  وتستضيف استثمارات غربية أمريكية وأوروبية كبيرة جدا.

روسيا تستثمر في الأزمة

عندما حل الرئيس الحكومة واستلم السلطة التنفيذية بشكل مباشر (وكأنه لم يكن بالسلطة)، طلب المؤازرة من روسيا ، وهو ما يعتبر دليلا على ضخامة الاضطرابات وخاصة بعد قطع الانترنت وشبكات الموبايل عن معظم المناطق في البلاد .. والسبب كبر الدولة ومساحتها الشاسعة .. فالدولة لم تكن قادرة، كما هو واضح، على السيطرة على كل المناطق بسبب ضخامة مساحتها.

من هنا فإن روسيا لا يمكن أن تفرط فى الحليف الكازاخي، وإن سمحت على مضض، أوغضت الطرف عن بعض الاتفاقيات التي وقعتها كازخستان مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والصين وتركيا، لأنها تعتبر كارخستان بالنسبة لها حديقة خلفية مهمة.

وإذا أضفنا لذلك بعداً آخر، وهو ارتباط كازخستان بحدود مع روسيا، فتوقيع  اتفاقيات مع الولايات المتحدة خاصة العسكرية، يعني بأن القوات الأمريكية صارت على مرمى حجر من الحدود الروسية، وهو ما يقلق روسيا بالإضافة إلى وجود موقع "بايكمور" الذي تطلق منه موسكو الصواريخ ثم لكونها موردا اقتصاديا".

البعض يرى ان روسيا تستثمر في الازمة لاستعادة نفوذها الذي تضرر بفعل تراجع نفوذ الالية الروسية وتعاظم نفوذ الكازاخ، حيث ادي نقل العاصمة من الماتا الي أستانا ثم تطوير العاصمة وتعزيرها بالكازاخ الي قلق روسي.

وكان لاستثمارات بريطانيا الكبيرة في اسيا الوسطى وتنامي نفوذ تركيا هناك دور في دفع حكام هذه الدول للتقارب مع روسيا، وهو هاجس ساعد روسيا من قبل في طاجيكستان وقرغيزستان خصوصا بعد تحرير أفغانستان.

لكل هذه الأسباب مجتمعة لايمكن لروسيا أن تفرط فى العلاقة مع كازخستان، كما أنها لاتسمح بانهيار النظام الحاكم فيها وتظل حريصة على إعادة كازاخستان لبيت الطاعة الروسي.

ماذا عن المستقبل القريب؟

الله أعلم بأفق الاضطرابات في كازاخستان،  ولكن بكل تأكيد ستكون كارثة على دول الجوار إن توسعت أكثر وخاصة أن تلك المنطقة لها حدود مع مناطق المسلمين الإيغور في الصين المقموعين، وكذلك هي تحد أهم جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والتي يحكمها زعماء مسلمين بالاسم ولكنهم يسرقون بلادهم كأوزبكستان وقرغيستان وتركمنستان بالإضافة لطاجكستان.

هذه الدول هي ضمن المجال الداخلي لروسيا والصين حسب خبراء الجغرافيا السياسية، وبالتالي أي اضطرابات واسعة في تلك الدول وسيطرة حكومات غير متعاونة معها ستكون كارثة على روسيا بالدرجة الأولى وعلى الصين بالدرجة الثانية، وبالتالي فإن روسيا لن تسمح بسقوط الحكم الحالي في كازاخستان حتى لو أرسلت مئات آلاف المقاتلين، وكذلك الصين، ولا ننسى العلاقات الاقتصادية الواسعة والكبيرة بين أركان الحكم وشركاتهم في تلك الدول مع بعضهم .. لانه لو كشف الفساد لكانت فضائح بالجملة حتى خارج حدود كازاخستان ..ننتظر ونرى ما سيحدث في هذه الدولة.