كارينجي : جمهورية الضباط دمرت القطاع الخاص في مصر
الجمعة - 4 مارس 2022
كارينجي : جمهورية الضباط دمرت القطاع الخاص
قال تقرير جديد لمركز كارنيجي للدراسات، أن جمهورية الضباط دمرت القطاع الخاص و يجب إنهاء توغل المتقاعدين العسكريين في بيروقراطية الدولة المصرية كي تتمكّن البلاد من تحقيق أهدافها الاقتصادية، هذا بالتزامن مع مسح جديد لمؤشر مديري المشتريات الذي تصدره "آي.إتش.إس ماركت" العالمية للأبحاث نشرت نتائجه، أمس الخميس، أظهر أن القطاع الخاص يتراجع في مصر للشهر الـ15 على التوالي، مؤكدا تراجع الإنتاج والطلبيات ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.
في تقرير نشره الخليج الجديد أمس الخميس، أكد مركز كارنيجي في دراسة للباحث يزيد صايغ، أن أثر سيطرة الجيش علي الاقتصاد المصري لن تدفع مصر للامام ، وأن القطاع الخاص سيتسمر في التراجع.
وأكد التقرير أن السيسي نااشد مرارًا وتكرارًا القطاع الخاص المصري بالدخول في شراكات مع هيئات الدولة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية والإنمائية الطموحة وتنفيذها. لكن هذه المناشدة تحوّلت مؤخرًا إلى توسّلٍ صريح.
فقد قال السيسي في كلمة ألقاها في 22 كانون الأول/ديسمبر 2021: "أقولها للمرة الخامسة والسادسة، نحتاج إليكم ونريدكم أن تعملوا معنا". يكمن خلف شعوره بإلحاح الوضع إدراكٌ متزايد بأنه يترتب على إدارته تقليل اعتمادها على الاستدانة – الداخلية والخارجية على السواء – لتمويل مشروعاتها الضخمة في مجالَي البنية التحتية والإسكان، رغم التطمينات الرسمية خلافًا لذلك.
وقال التقرير : ويحدث ذلك حتى وهو يواصل سعيه إلى استحصال "شهادات ثقة" من الدائنين التقليديين، أي حلفائه الأقرب في الخليج وتحديدًا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وصندوق النقد الدولي، ما يمهّد الطريق أمامه للحصول على مزيدٍ من القروض الدولية.
حيث تعتبر مجلة ذي إيكونوميست أن "حماسة السيسي المستجدّة تجاه القطاع الخاص هي وليدة الضرورة"، لكنها تتيح فرصةً للساعين وراء الإصلاح. وبغضّ النظر عمّا إذا تعمّد السيسي ذلك أم لا، فهو لم يستثنِ القوات المسلحة من كلامه حين أقرّ في تقييمٍ ينطوي على انتقاد شديد، قائلًا
"نحن بحاجةٍ للقطاع الخاص لأننا أثبتنا خلال الـ40 سنة الفائتة أننا غير أكفّاء في إدارة مشاريعنا"، علمًا بأن المؤسسة العسكرية شكّلت رأس الحربة في الاستراتيجية الاستثمارية التي قادتها الدولة خلال الأعوام الثمانية الماضية.
وأضاف التقرير : لا يدعو ذلك إلى التفاؤل بأن الرئيس قد يتهيأ لتقليص الدور الذي تؤدّيه القوات المسلحة في تأمين جزء كبير من السلع والخدمات العامة وفي إنتاج السلع المدنية، وفقًا للتوصيات التي أوردتُها في دراستي الأخيرة بعنوان "الاحتفاظ بالقدرة أم إعادة الهيكلة أم التجريد؟ خيارات سياساتية للاقتصاد العسكري المصري".
والحال هو أن تبدّل موقفه من القطاع الخاص مردّه إلى الاستياء من الوتيرة والنتائج التي تُحققها بيروقراطية الدولة في تنفيذ السياسات والأهداف الاقتصادية التي حدّدها، لا إلى إدراكه بضرورة مراجعة هذه السياسات والأهداف.
وقال التقرير : لذا، غالب الظن أن البلاد ستواصل تسيير الأمور كالمعتاد. لكن انتقاد السيسي لأداء الدولة الباهت يتيح فرصةً لمناقشة الانتشار الواسع للآلاف من كبار المتقاعدين العسكريين في مؤسسات الدولة الضخمة وتأثيرهم المثبِط على الأداء الاقتصادي، والمثبِط تحديدًا على مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد.
وأكد التقرير أن نموذج "جمهورية الضباط" الذي وصّفتُه بالتفصيل في دراسة سابقة، وُلد في التسعينيات من رحم الصفقة الضمنية التي كافأت كبار الضباط عبر منحهم مناصب في المنظومة البيروقراطية بعد بلوغهم سنّ التقاعد، وإعطائهم في أحيان كثيرة الامتيازات التجارية المربِحة لقاء ولائهم لرئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك.
واستنادًا إلى المراجعة الشاملة التي أجريتُها في تقرير بعنوان "أولياء الجمهورية: تشريح الإقتصاد العسكري المصري"، تتألف الركيزة الأساسية لهذه الشبكات التي تعيد إنتاج نفسها، من مئات ضباط القوات المسلحة المتقاعدين الذين يتبوّأون مناصب رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة ومدراء عامّين في هيئات الدولة التي تدير الأصول الاقتصادية، وفي الشركات العاملة في قطاع الأعمال العام، حيث يتولّون مهام الإنتاج والتجارة، والخدمات، أو منح العقود في هذه المجالات، ويسيطرون على جزء كبير من الإطار السياساتي والتنظيمي الذي يسيّر عمل القطاعَين العام والخاص.
وتشمل جمهورية الضباط أيضًا آلاف المتقاعدين العسكريين الإضافيين في مجمل دوائر الحكم المحلّي التي تشكّل في حدّ ذاتها هيكلية ضخمة تحدّد النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة على مستوى المحافظات
كشف المسح الذي أجريتُه في معرض إعداد تقرير "أولياء الجمهورية" أن متقاعدي القوات المسلحة كانوا يتولّون في العام 2018 مناصب الرئاسة أو نيابة الرئاسة أو العضوية في مجالس إدارة 56 في المئة من أصل 72 هيئة اقتصادية عامة مسؤولة عن الأصول الاقتصادية والموازنات التشغيلية، والأطر التنظيمية، وقرارات الاستثمار والتطوير، والتنفيذ في القطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية، ومنها قناة السويس، والنفط، والتوريد والتجارة، والتأمين الاجتماعي والصحي، والمرافق العامة
واستحوذوا أيضًا على نسبة مشابهة من المناصب في ما يُسمّى بالهيئات الوطنية المكلّفة الإشراف على الاتصالات، وسكك الحديد، والتأمين، والمعاشات التقاعدية، والخدمات البريدية.
وتولّوا أيضًا مناصب في المجالس والمراكز الوطنية التي تُعنى بالتخطيط أو إعداد السياسات العامة في مجال استخدام الأراضي، وفي الطاقة (بما فيها الطاقة النووية)، وفي الإشراف، والتنظيم، والتدقيق المحاسبي، وفي الإحصاءات. وتولّى متقاعدو القوات المسلحة أيضًا رئاسة مجالس الإدارة - أو شغلوا مقاعد العضوية فيها - في 128 من أصل 374 شركة تابعة للقطاع العام (35 في المئة) خلال العام نفسه.
ويبلغ المجموع الكلّي للمناصب التي يشغلها ضباط سابقون من القوات المسلحة في هيكلية الحكم المحلّي على مستوى البلاد نحو 2000 منصب كحدٍّ أدنى، بحسب التقدير الأولي الوارد في دراسة وضعتُها في العام 2012 بعنوان "فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر"
باختصار، يؤثّر المتقاعدون العسكريون أينما كانوا على أداء الهيئات والمؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، وأيضًا على الإطار السياساتي والتنظيمي الذي يحكم عمل القطاع الخاص.
للشهر الـ15 على التوالي.. استمرار انكماش نشاط القطاع الخاص في مصر
وعلى صعيد متصل، أظهر مسح نشرت نتائجه، أمس الخميس، أن نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكمش للشهر الخامس عشر على التوالي في فبراير/شباط الماضي، وتراجع الإنتاج والطلبيات الجديدة مع انخفاض المعنويات إلى أدنى مستوى منذ قرابة عشر سنوات.
وارتفع مؤشر مديري المشتريات الذي تصدره "آي.إتش.إس ماركت" العالمية للأبحاث، إلى 48.1 من 47.9 في يناير/كانون الثاني ليظل أقل من مستوى 50 الفاصل بين النمو والانكماش.
وقالت "آي.إتش.إس ماركتط، إن الإنتاج والطلبيات الجديدة خلال فبراير شباط واصلا الانكماش المستمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وأضافت أن ثمة أدلة تشير إلى أن ارتفاع الأسعار مؤخرا ساهم في انخفاض الطلب.
وقالت آي.إتش.إس ماركت: "من بين القطاعات الرئيسية الأربعة التي يغطيها المسح كان أشد انخفاض في الإنتاج والأعمال الجديدة في قطاع الإنشاءات".
وانخفض مؤشر طلبيات التصدير الشهر الماضي إلى 48.3 من 51.2 في يناير/كانون الثاني بينما ارتفع مؤشر كمية المشتريات إلى 48.1 من 47.1.
وأضافت "آي.إتش.إس ماركت" أن المخاوف المتعلقة بحالات كوفيد-19 ومعدلات التطعيم والتضخم ساهمت في انخفاض حاد في الثقة في الأعمال.
وهوى المؤشر الفرعي لتوقعات الإنتاج المستقبلية في فبراير/شباط إلى 55.4 من 65.2 في يناير/كانون الثاني وهو أدنى مستوى له منذ إدراجه في المسح في أبريل/نيسان 2012.
وقالت آي.إتش.إس ماركت: "11% فقط من الأعمال تتوقع النمو في الأشهر الاثني عشر المقبلة".
وأضافت "مع ذلك ربما يلوح ضعف ضغوط الأسعار في الأفق إذ أشارت أحدث البيانات إلى تراجع ملحوظ في تضخم تكلفة المدخلات منذ بداية العام. وارتفعت تكاليف الإنتاج عقب ذلك بأقل مستوى منذ يوليو/تموز الماضي.
وفي يناير الماض، أظهر كذلك المسح الشهري أن الأنشطة غير النفطية بالقطاع الخاص المصري انكمشت للشهر الرابع عشر على التوالي، في يناير/كانون الثاني، مع تراجع مستويات الناتج بأقوى وتيرة منذ أكثر من عام ونصف العام وتراجع حجم الأعمال الجديدة