كاتب عراقي: العامل الإقليمي والدولي كان السبب الأبرز لفشل الثورات العربية

السبت - 28 آغسطس 2021

تساءل الكاتب العراقي مزهر جبر الساعدي، في مقال كتبه بموقع "رأي اليوم"، عن اسباب فشل ثورات الربيع العربي، متوصلا إلى خلاصة هي أن " ان هذه الثورات لم تجيء بالإرهاب، انما من جاء به إليها، وهو العامل الخارجي بخطيه الدولي والاقليمي، بقصد؛ حرفها عن خطوط شروعها وغاياتها؛ وبالتالي عن جادة الصواب نحو الهدف المنشود، مما يجعل من الواقع البائس، محركا قويا، لشحن الذات العربية بالحنين الى انظمة الاستبداد العربي"

وقال إن ما حدث في مصر هو " عملية انقلاب على الشرعية التي انتجتها صناديق الاقتراع"، وما حدث في تونس هو " انقلاب على ما جاءت به الانتخابات الديمقراطية.. لا يمكن ان يقوم إلا بضوء اخضر من الفاعل الدولي والاقليمي".

وفيما يلي مقتطفات من المقال:

لماذا فشل الربيع العربي في احداث نقلة نوعية في اتجاه بناء مؤسسات ديمقراطية، والتي كانت من اهم اهداف ثورات الربيع العربي؟  في اي قراءة للتغير السياسي في الدول العربية، التي اُسقطت ثوراتها الشعبية، انظمة العرب الاستبدادية، في الربيع العربي، حتى حين صار خريفا، حاملا الهزاهز والعواصف، الى ربوع العرب، من جميع اصقاع كوكب الارض. هذه الثورات الشعبية، التي عرفت بالربيع العربي، وهو بحق ربيعا عربيا، من حيث النية الشعبية، ورغبتها في التخلص من الطغيان العربي (الانظمة العربية الطاغية)، ومصادرة الرأي وحرية الكلمة والافتقار الى التنمية الحقيقية التي تحفظ للناس كرامتهم؛ بتوفير فرص العيش الكريم، وتوفير الأمن بشقيه الشخصي والعام؛ ويكون لها صوت في اختيار من يمثلها في التشريع وتنفيذ السياسات في الميادين الاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية والاجتماعية، وفي التنمية الصناعية والزراعية وما إليهما.. ان اي من هذه الاهداف لم يتحقق، ولو بقدر بسيط، بل ان الذي تحقق، هو العكس تماما؛ فقد تم زرع الخراب والدمار والحروب الداخلية بين ابناء الشعب الواحد. السؤال الثاني؛ من هو المسؤول ان هذا الاخفاق او الفشل؟

هل هو الشعب الذي لا يريد سوى العيش الكريم والحرية والكرامة؟ أم ان الشعب لم ينضج بعد؛ نفسيا وعقليا، ليكون في مستوى هذا التحول؟ أم ان هناك عامل اخر؛ عرقل هذا المسار، لغاية ذات ابعاد استراتيجية، ليس لها علاقة بهذا التحول، او ان هذا التحول لا يخدم مشاريعها المستقبلية، اذا ما تم ترجمته على ارض الواقع؛ انفاذا لإرادة الشعب وطموحه في التغيير الحقيقي، المنتج للتحول نحو حياة افضل؟ تلك الاسئلة لم تحظ بإجابات شافية؛ تسلط الاضواء على لب المشكلة وجوهرها، بقراءة عميقة لمجريات الامور على صعيد الواقع، بل ان اغلب القراءات لهذه التحولات، كانت تدين الشعب، وتحمله المسؤولية عن هذا الفشل والاخفاق؛ بإلصاق صفة التبعية والعمالة لثوار الربيع العربي، الى الفاعل الاجنبي مرة، ومرة اخرى؛ بإحالة الفاعلين في هذه الثورات الى الارهاب، وهم براء من الارهاب، الذي هو من اساء لهذه الثورات، بل العكس؛ ان هذه الثورات لم تجيء بالإرهاب، انما من جاء به إليها، وهو العامل الخارجي بخطيه الدولي والاقليمي، بقصد؛ حرفها عن خطوط شروعها وغاياتها؛ وبالتالي عن جادة الصواب نحو الهدف المنشود، مما يجعل من الواقع البائس، محركا قويا، لشحن الذات العربية بالحنين الى انظمة الاستبداد العربي، بسبب ما تعرض ويتعرض الى الآن له، الشعب من قهر وظلم وفقر وجوع واللجوء اضطرارا الى ديار الغربة والاغتراب على ما في ذلك من ذل ومهانة.

هذا الشعب الذي ثار ضد طغيان هذه الانظمة، وفشلها في تنمية القوة والقدرات الاقتصادية بما يخدم الشعب، ويوفر له حياة حرة وكريمة. من نافلة القول ان نشير هنا الى انه؛ ليس بالضرورة الحاكمة، ان تكون بين البعض من هذه القوى الدولية العظمى( امريكا وغيرها..) وقوى الارهاب في العالم وفي المنطقة العربية حصريا، اتفاق ما، بل العكس هو الصحيح؛ ان اي اتفاق من هذا النوع، يضر بهذه القوى الدولية العظمى؛ الصحيح في ميدان العمل؛ هو فتح الممرات وتهيئة البيئة السياسية، لقوى الارهاب كي تدخل، وتغير المشهد السياسي وقواعد الاشتباك؛ وهي تدرك وتدري على وجه اليقين؛ ان فعل مفاعيلها هذه؛ تقود الى ما سلف ذكره في الذي سبق من هذه السطور.

ففي تونس ما حدث مؤخرا بصرف النظر عن كل شيء؛ انه انقلاب على ما جاءت به الانتخابات الديمقراطية. لا يمكن ان يقوم هذا الانقلاب على الشرعية الديمقراطية، الا بضوء اخضر من الفاعل الدولي والاقليمي. ان هذا يعني ان الفاعل الامبريالي الدولي والفاعل الاقليمي الحامل لنية انتزاع دورا لها في تغييرات المنطقة من الفاعل الدولي. ان الجميع لا يهمهم نجاح الممارسة الديمقراطية بقدر ما يهمهم ضمان مصالحهم. وكي يصل هؤلاء الى هذا الهدف، وبالذات حين لا يروق لهم، او لا ينسجم مع مصالحهم؛ سياسة وبرامج الكتل والاحزاب التي تصل الى السلطة التشريعية والتنفيذية عبر صناديق الاقتراع؛ يقومون بزرع العراقيل وحفر المطبات في طريقها؛ مما يقود الى تشويه صورتها امام شعبها، وبالتالي الغضب منها، الذي يقود الى رفضها من الشارع الذي يكون قد تهيأ نفسيا وعقليا، للتقبل والترحيب بهذا الانقلاب.

وفي مصر نفس العملية ولو بطريقة اكثر موضوعية وعملية، لكنها تظل عملية انقلاب على الشرعية التي انتجتها صناديق الاقتراع. عندما اندلعت الثورة الشعبية في مصر، لم تمض عليها سوى ايام، فما كان من المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع في حكومة حسني مبارك، والذي كان في حينها في زيارة عمل الى الولايات المتحدة الامريكية، الا ان عاد على جناح السرعة الى مصر. بعد ايام من عودته، اصدرت القيادة العامة للقوات المصرية، الذي يحتل المشير طنطاوي، المقعد الاول في رئاستها؛ بيان رقم واحد على طريقة بيانات الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول المنطقة العربية؛ ليتم عزل الرئيس حسني مبارك، ويتم قيادته مع عائلته الى منتج شرم الشيخ. ان هذا يثير الكثير من الشكوك والاسئلة عن دوافع هذا السلوك الأنقلابي على نظام مبارك من قبل مسؤولين كانوا جزءا مهما، من هذا النظام، وهي عملية بدت في الايام او في الاسابيع التالية، وكأنها موقف مساند وداعم، لانتفاضة الشعب، علي غير واقع وهدف هذه الحركة الانقلابية؛ التي، هي في الاساس من اجل احتواء وحرف اتجاه الثورة المصرية.

هذه الشكوك تحولت الى حقائق بعد ما جرى لثورة الشعب العربي في مصر؛ من ترسيخ ذات النظام، بوجوه جديدة من مسؤولي الانقلاب، وبتأطير سياسي جديد على انقاض القديم؛ لكنه كان اخطر من النظام السابق الذي انبثق الجديد من رحمه؛ لناحية تغير المشهد السياسي في مصر، ولتحالفات مصر الدولية والاقليمية.

المصدر           رأي اليوم