قمة مصرية يونانية قبرصية في أثينا تستهدف تركيا
الثلاثاء - 19 أكتوبر 2021
في حلقة جديدة من حلقات الصراع في شرق المتوسط ، وصل السيسي، صباح اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة اليونانية أثينا للمشاركة في فعاليات القمة الثلاثية بين مصر واليونان وقبرص في جولتها التاسعة، وذلك في إطار آلية التعاون الثلاثي بين الدول الثلاث التي انطلقت عام 2014 ، مما اعتبره بعض المحللين أنه يستهدف تحجيم للدور التركي في المنطقة ، بارغم من التقارب الأخير بين "أنقرة" و"القاهرة" ، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض بالتفاصيل ، لمستهدفات السيسي من زيارته لأثينا ، وأثر اتفاق الربط الكهربائي بين مصر واليونان وقبرص ، على مسار العلاقات مع تركيا .
وتأتي هذه الزيارة بعد أيام معدودة من توقيع اتفاق الربط الكهربائي بين مصر والدولتين الأوروبيتين، وفي ظل حساسيات عدة تعتري الاتصالات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية، في بيان لها، بأنّ قمة أثينا "تهدف إلى البناء على ما تحقق خلال القمم الثماني السابقة، وتقييم التطور في مختلف مجالات التعاون، ومتابعة المشروعات الجاري تنفيذها في إطار الآلية، وذلك في إطار تعزيز العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى دعم وتعميق التشاور السياسي بينهم حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي الشرق الأوسط وشرق المتوسط".
ومن المقرّر أن تشهد الزيارة لقاء السيسي مع رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، للتشاور حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الصعد، وذلك في إطار الروابط الوثيقة التي تجمع بين مصر واليونان، وحرص البلدين على تدعيم التعاون بينهما، ومواصلة التشاور المكثف حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
كما سيعقد السيسي لقاءً مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، للتباحث حول تطوير العلاقات المتميزة بين البلدين، والتي شهدت نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن تناول سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وكذلك التشاور حول القضايا والملفات الإقليمية.
السيسي واللعب علي كل الحبال
ويتعمد السيسي توجيه رسائل طمأنة إلى اليونان من خلال لقائاته من الرئيس اليوناني وكان أخرها في يونيو الماضي ، حيث عاد للحديث عن "تضامن مصر مع اليونان ضد أي انتهاك يجري بحقها في البحر المتوسط"، قاصداً بذلك المناوشات التركية مع اليونان وقبرص على المستويات الميدانية والسياسية والقانونية
وقال السيسي عقب لقائه ميتسوتاكيس، إنه يشجع "تعزيز آلية التعاون الثلاثي القائمة بين مصر وقبرص واليونان لمواصلة التنسيق السياسي والتعاون الفني بين الدول الثلاث، وضرورة العمل على تحقيق الاستفادة القصوى من هذه الآلية تحديداً، بحكم تفرد تلك العلاقة وتلاقي المصالح المشتركة نحو تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة". وشدد السيسي على "أهمية خروج القوات الأجنبية كافة والمرتزقة من الأراضي الليبية من دون مماطلة، وتفكيك المليشيات المسلحة بما يضمن عودة ليبيا لأبنائها، واستعادتها لسيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها".
وفسرت مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، هذه المواقف بأنها في إطار تخطيط وتنسيق داخلي بين مواقف وتصريحات الرئيس المصري ووزير خارجيته سامح شكري تجاه تركيا. فمع اعتراف الجميع في القاهرة بتحقيق تقدم كبير على صعيد التقارب مع أنقرة، يستقر الأمر على ألا تصدر تصريحات إيجابية صريحة من السيسي حول هذا الملف إلا بعد تسوية جميع القضايا العالقة، وبعد اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية البلدين؛ سامح شكري ومولود جاووش أوغلو، المتوقع أن يُعقد هذا الصيف، قبل اتفاق البلدين على تبادل السفراء والتمثيل الدبلوماسي الكامل.
مصر وتركيا: أفكار اقتصادية لتعويض الجمود السياسي
وفي وقت تتراكم فيه أسباب متعددة لإضعاف وتيرة التقارب بين مصر وتركيا، على رأسها مشروع الربط الكهربائي للقاهرة مع اليونان وقبرص، وانزعاج القاهرة من صفقات بيع الطائرات المسيرة التركية إلى إثيوبيا، ومطالبة واشنطن وأوروبا بوقف هذه الصفقات بحسب ما نشرت وكالة "رويترز" أخيراً، فضلاً عن عدم الاتفاق على تفاصيل انتقال السلطة في ليبيا، قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن هناك توافقاً تطور بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، على إعطاء المجال الاقتصادي والتجاري أولوية لحل المشاكل العالقة بشأنه خلال الأسابيع المقبلة.
وهذه المشاكل تتنوع وفقاً لرؤية الجانب التركي؛ فهناك ما يتعلق بمشاكل تراخيص الشركات المصدرة للسلع والمنتجات إلى مصر، وتعطل التعامل مع بعض تلك الشركات لعدم استيفاء الشروط المطلوبة للتصدير وفقاً للقواعد المصرية أو لأسباب أمنية وحساسيات سياسية قائمة، أو لتشابه السلع المصدرة مع سلع أخرى تأتي من دول ترغب القاهرة في تدعيم العلاقات معها من خلال وسائل مختلفة منها منح الأفضلية لمستثمريها.
وهناك قسم آخر من المشاكل يرتبط بتعطيل تراخيص عدد من المشروعات التركية التي تم الاتفاق عليها في سنوات سابقة لإقامة مصانع مواد غذائية مختلفة ومنسوجات في بعض المناطق الصناعية بمصر، وذلك أيضاً لأسباب أمنية بحتة، أو لدخول الجيش ممثلاً في شركاته المختلفة أو الشراكات التي عقدها مع بعض رجال الأعمال المحليين، في المجالات الإنتاجية نفسها، ورغبته في تقليل فرص المنافسة في هذه المجالات.
أما القسم الثالث من المشاكل، فيخص قواعد التصدير والاستيراد بين البلدين بشكل عام، والتي أدت إلى تراجع الصادرات المصرية إلى تركيا أيضاً، على الرغم من استمرار نشاط حركة التبادل بين البلدين متجاوزاً 6 مليارات دولار خلال العام الحالي، وعلى الرغم من تصدير بضائع ومنتجات تركية إلى مصر في السنوات السبع الأخيرة بنحو 22 مليار دولار، مقابل صادرات مصرية بنحو 12 مليار دولار، وهو معدل لا يرضي دوائر الاستثمار المختلفة في البلدين، نظراً لما يتمتعان به من إمكانات تسمح بمبادلات أكبر من ذلك
وأوضحت المصادر أنه تم التباحث حول هذه المشاكل في زيارة أجراها فريق من رجال الأعمال الأتراك إلى مصر نهاية الشهر الماضي -لم تعلن عنها القاهرة رسمياً- وتم الاتفاق مع ممثلي وزارة التجارة والصناعة وهيئة الاستثمار، على عقد لقاء آخر خلال الشهر المقبل، فضلاً عن زيارة من اتحاد الغرف التجارية المصرية لأنقرة قبل نهاية العام الحالي، في ما يعتبر إحياءً لقناة الاقتصاد لتحسين العلاقات بين البلدين، بعد تعطل هذا المسار لفترة والتركيز على اللقاءات السياسية والأمنية "الاستكشافية" التي عقدت في القاهرة وأنقرة.
وأشارت المصادر إلى أن الاتصالات الاقتصادية التي كانت تقريباً الوحيدة النشطة خلال فترة الخصومة التامة بين النظامين الحاكمين بعد انقلاب يوليو/تموز 2013 في مصر، تم اللجوء إليها باتفاق ضمني بين الطرفين على تحسين الأوضاع والبحث عن احتمالات لتقارب أوسع في ظل تعثر التوافق السياسي في هذه الأثناء، بسبب تعثر الاتفاق النهائي على عدد من الملفات، أبرزها ليبيا والمعارضون المصريون في تركيا والمطلوبون من جماعة الإخوان المسلمين. وأوضحت المصادر أيضاً أن إحياء التفاهمات الاقتصادية في التوقيت الحالي له أهداف أخرى بعيدة المدى، وهي رغبة عدد من رجال الأعمال والجهات شبه الحكومية في البلدين، في حجز موطئ قدم لها في الشراكات الثنائية والجماعية الوارد عقدها في مجال الطاقة، بمجرد ترسيم حدود المنطقتين الاقتصاديتين للبلدين، وهو أمر يفتح أيضاً شهية عمالقة التنقيب وتجارة الوقود في المنطقة، الذين يراقبون عن كثب تطورات هذا الملف.
اختبار جديد للهدنة السياسية بين مصر وتركيا
ومؤخرا ، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن مشروع الربط الكهربائي بين مصر واليونان وقبرص سيمثل اختباراً كبيراً لمدى إمكانية استمرار التهدئة السياسية الحالية بين القاهرة وأنقرة، والبناء على التفاهمات التي تمت في الأشهر الماضية خلال الاجتماعات الدبلوماسية التي عقدت في البلدين، وأسفرت عن تحسن محدود في العلاقات الثنائية وتفاهمات حول مسألة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية بينهما.
ووقّع وزير الكهرباء المصري محمد شاكر المرقبي، أول من أمس الأربعاء، اتفاقاً مبدئياً للربط الكهربائي في أثينا. ومن المقرر أن يزور نيقوسيا اليوم الجمعة، لتوقيع اتفاق آخر. ووفقاً للمصادر، فإن المرحلة الأولى من هذا الاتفاق ستتضمن مد خطين كهربائيين عملاقين، سيكونان الأكبرين من نوعهما في حوض البحر المتوسط بين مصر والدولتين الأوروبيتين، وذلك من خلال المناطق الاقتصادية الثلاث المحددة وفقاً للاتفاقات الثلاثية ذات الصلة.
وأضافت المصادر أن المشروع ربما يؤدي إلى عودة الحساسية مع تركيا، في ظل استمرار بعض الخلافات المؤثرة بين البلدين حول وضع قادة جماعة "الإخوان المسلمين" المطلوبين في مصر، وعودة القنوات المعارضة التي تبث من تركيا للهجوم على مصر من دون ظهور الإعلاميين الأكثر شهرة الذين طلبت مصر إبعادهم عن وسائل الإعلام المختلفة.
وذكرت المصادر أن هناك عدداً من المشاكل التي ظهرت خلال التواصل بين البلدين، في أعقاب جولة المباحثات الاستكشافية التي عقدت في أنقرة في سبتمبر/أيلول الماضي، أهمها ذو طبيعة قانونية خاصة ببعض المطلوبين بعينهم. وترى تركيا أنه يكفي للمرحلة الحالية ترحيل عدد محدود من الشبان الذين غادروا مصر بشكل غير شرعي. وأشارت المصادر إلى أن تركيا لم تقدّم مساعدات ملحوظة للأمن المصري، في مجال تتبّع التمويل الوارد من الخارج من أجل تنظيم بعض الأنشطة المعارضة وإعالة ذوي المعتقلين والهاربين، وهو موضوع له أولوية في الرؤية المصرية الآن.
وأوضحت المصادر أن هذه المشاكل أدت إلى إبطاء الاتفاق النهائي على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في القاهرة وأنقرة وتبادل السفراء بشكل اعتيادي، وعقد لقاء بين وزيري خارجية البلدين في القريب العاجل، والذي كان قاب قوسين منذ ما قبل إجراء المباحثات بالفعل، التي جاءت لتؤكد هذا الاتجاه "خصوصاً بعد الاستقبال التركي الرسمي الدافئ للوفد المصري برئاسة نائب وزير الخارجية حمدي سند لوزا الشهر الماضي".
وبالنسبة إلى ملف الحدود البحرية، فإن الوضع ما زال مجمداً، ولم تعقد اجتماعات هذا الشهر للجنة المشتركة المختصة بالأمر، إذ تم التفاهم فقط على أن النقاط التي سيتم تحديدها تمكن مراجعتها أو إعادة تحديدها، لتصبح نقاطاً ثلاثية تشمل دخول طرف ثالث فيها. وهو الأمر الذي يبدو عنصر طمأنة لكل من قبرص واليونان، اللتين ترفضان بشكل مطلق جميع الحسابات التركية لحدودها البحرية، نتيجة تمسك الأخيرة بنظرية اقتران المناطق الاقتصادية بالجرف القاري، وعدم تمتع الجزر بحدود بحرية مثل المناطق القارية تمنحها إمكانية خلق مناطق اقتصادية خاصة بها. ويخالف هذا الوضع عدداً من الاتفاقات والأحكام الدولية ذات الصلة التي صدرت عن محكمة العدل الدولية وهيئات أخرى، في منازعات سلمية مختلفة لترسيم الحدود.
كما لم يتم إلى الآن حسم التفاوض حول حصول مصر على مساحة إضافية للمنطقة الاقتصادية الخاصة بها، ببدء احتساب حدود تركيا بعد عدة أميال من جرفها القاري، كبرهان على تأكيد حسن النوايا، ولتيسير المناقصات المصرية المقررة في هذه المنطقة، بالتوازي مع مناقصاتها السابقة المعلنة في المنطقتين المرسمتين مع قبرص واليونان. ويتماشى ذلك مع الاتفاق المصري اليوناني، الذي ينص في الفقرة (ه) من المادة الأولى على أن "تخطر كل دولة الأخرى وتتشاور معها، في حال دخولها في مفاوضات لتحديد منطقتها الاقتصادية مع دولة ثالثة تشترك مع الطرفين في مناطق بحرية"، الأمر الذي ينطبق على تركيا وليبيا وحسب. والجدير بالذكر أن الاتفاق المصري اليوناني كان قد تحاشى ضم بعض الجزر الصغيرة التابعة لرودس (الأقرب إلى تركيا من اليونان)، بما فيها جزيرة كاستيلوريزو (ميستي) التي تبعد ميلاً واحداً عن مدينة كاش الساحلية التركية بمحافظة أنطاليا. ومطلع الشهر الحالي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في مداخلة تلفزيونية إن المفاوضات مع قطر تجري بشكل جيد، لكن تركيا عليها اتخاذ خطوات أكثر تأثيرا تلبي مطالب مصر، وإنه يأمل عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها.
مصر والاعتراض على صفقة "بيرقدار" التركية لإثيوبيا
ومؤخرا أثارت أنباء عقد إثيوبيا صفقة سلاح بينها طائرات عسكرية مسيرة مع تركيا مخاوف وقلق مصر، مما قد تمنحه تلك الطائرات لإديس أبابا من تفوق نوعي وسيطرة على نهر النيل.
المخاوف المصرية نقلتها وكالة "رويترز" السبت، عن مصادر أمنية مصرية بقولها إن القاهرة طلبت من أمريكا وبعض دول أوروبا مساعدتها على تجميد الصفقة التركية لإثيوبيا.
الوكالة، أكدت أن أي شحنات من الطائرات المسيرة إلى إثيوبيا تهدد بإذكاء الخلاف في العلاقات المتوترة بين أنقرة والقاهرة، التي تختلف مع أديس أبابا بشأن سد النهضة الذي تبنيه الأخيرة على النيل الأزرق، ويهدد حصة مصر التاريخية من مياه النيل.
وإثر زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لتركيا في آب/ أغسطس الماضي، ولقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كشف موقع "أخبار الصناعات الدفاعية" التركي عن صفقات سلاح تركية كبيرة لإثيوبيا بـ51.7 مليون دولار أمريكي.