في اليوم العالمي للضحايا: 15 ألف معارض أخفاهم السيسي قسرا منذ الانقلاب

الثلاثاء - 30 آغسطس 2022

  • الإخفاء القسري يشكل 14 % من الانتهاكات الحقوقية التي يرتكبها النظام
  • وفاة 61 من المختفين قسرا عام 2021 رغم توثیق اختفائهم قبل إعلان قتلهم
  • الموت بالتعذيب والتصفية خارج القانون والاعترافات القسرية..نتائج مباشرة للإخفاء
  • إصدار أحكام بالإعدام وتنفيذها حتى إن كان الإخفاء سابق على الاتهامات الملفقة
  • تلفيق تهمة الإرهاب للضحايا ونشر صور جثثهم بعد قتلهم بدعوى تبادل الاشتباكات
  • الإخفاء يتراوح بين عام إلى سبعة أعوام..ومنع الضحايا وعائلاتهم من الحديث

 

إنسان للإعلام- خاص

يتفاعل العالم اليوم، 30 أغسطس 2022، مع "اليوم العالمي لضحايا الإخفاء القسري"، في الوقت الذي أخفى فيه الانقلابيون في مصر، بقيادة عبدالفتاح السيسي، أكثر 15 ألف معارض منذ 3 يوليو 2013م، وفق تقارير حقوقية

ولا يُعرف على وجه التحديد الآن هل المختفين الذين لم يظهروا منذ الانقلاب شهداء أم في أحد جحور الأمن وأقبية السجون.

يؤكد الحقوقي أحمد مفرح، رئيس منظمة كوميتي فورجستس، أن السيسي رفع مصر إلى مصاف الدول المرتبكة لجريمة الإخفاء القسري بشكل ممنهج ودائم لتصل إلى المرتبة الثانية في أفريقيا والرابعة عربيا بعد كل من العراق والجزائر ولبنان، وكلها دول مرة بأزمات وحروب داخلية.

وتقول الدكتورة عايدة سيف الدولة، مديرة ومؤسسة " مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ": نحن أمام أسوأ وضع للحريات في مصر ولا توجد إرادة حقيقية لحل ملف السجناء السياسيين".

آلاف الضحايا في 9 سنوات

في يوم المختفين قسراً يقبع آلاف الضحايا المصريين وراء الأسوار، وخلف كل شخص مفقود قصة وعائلة وأبناء وأصدقاء تغيرت حياتهم وتفاقمت معاناتهم الإنسانية بغيابه، ورغم ذلك تنفي السلطة اعتقالهم.

ومنذ الانقلاب ووصوله إلى السلطة على دبابة وأشلاء آلاف الضحايا عام 2013 أشرف عبد الفتاح السيسي، على حملة قمع واسعة النطاق ضد حقوق الإنسان استهدفت جميع أطياف المعارضة السياسية، خاصة الاسلاميين.

ولا يزال الآلاف محتجزين بشكل تعسفي لممارستهم السلمية لحقوقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، ويشمل ذلك العاملين في منظمات المجتمع المدني المصرية المستقلة، والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق الأقليات، بالإضافة إلى المحامين والصحفيين والأكاديميين والنساء المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي.

الإخفاء القسري شمل أيضا مشاهير عارضوا السيسي مثل المطرب ايمان البحر درويش المعتقل في سجن عسكري وكان يجري نقله لمستشفى أمراض عقلية لقتله على غرار الباحث ايمن هدهود، إلا أن إثارة قضيته دفعتهم لإعادته للسجن الحربي مرة أخري.

ومنذ أغسطس 2021، وإيمان البحر درويش مختفٍ تماماً عن الوسط الإعلامي، وهو نقيب الموسيقيين السابق، وحفيد الفنان الشعبي الشهير سيد درويش.

وقبل اختفائه بنحو 9 أشهر، عكف درويش على انتقاد السلطة المصرية لا سيما فيما يتعلق بقضية سد النهضة، وتصريحه بأن "الحياة في مصر ظالمة"، وأنه يفكر في الهجرة والسفر إلى خارج مصر.

الإخفاء سياسة ممنهجة

ويؤكد خلف بيومي، رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن عدد المختفين قسريا منذ عام 2013 يقرب من 15 ألفا، بينهم 2272 خلال 2021، كما رصد المركز وفاة 61 شخصا من المختفين قسرا.

الرقم المرصود من قبل مؤسسة الشهاب يبدو مخيفا لكن لا يقابله أرقام رسمية أو شبه رسمية، فيما وصف بيان صادر عن منظمة "كوميتي فور جستس" خلال العام الماضي أن ظاهرة الاختفاء القسري في مصر باتت سياسة ممنهجة.

وذكرت المنظمة أن نسبة الانتهاكات الخاصة بالاختفاء القسري وصلت 14 في المئة من إجمالي عدد حالات الانتهاكات الحقوقية التي رصدتها المنظمة عام 2020، والبالغ عددها 13 ألف انتهاك.

وهناك تقارير أخري تقدر عددهم بـ 11224 معارضا عاشوا تجارب مرعبة في الاختفاء القسري في أقبية الأجهزة الأمنية، وبعضهم لا يزال مخفيا حتى الآن وسط دعوات (#اوقفوا_الاخفاء_القسري).

ورصدت منظمات حقوقية، محلية ودولية، أعداداً مروعة للمختفين قسرياً في مصر خلال السنوات الماضية. إذ وثقت حملة "أوقفوا الاختفاء القسري"، منذ 30 أغسطس 2015 حتى أغسطس 2020، ما مجموعه 2723 حالة إخفاء قسري، وأضيف إليهم 306 حالات جديدة في عام 2021، أي ما مجموعه 3029 حالة خلال ست سنوات.

ورصد تقرير صدر عن "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، في نهاية عام 2020، أن عدد المختفين قسریاً في مصر خلال سبع سنوات، بلغ 11224 حالة من الأعمار كافة، بينهم 3045 حالة إخفاء قسري في عام 2020 وحده، فضلاً عن مقتل 59 من المختفين قسرياً خارج نطاق القانون من قبل أجهزة أمنية بعد ادعاء تبادل إطلاق النار، رغم توثیق اختفائهم السابق على إعلان قتلهم.

ووثق "مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب" خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، 168 حالة إخفاء قسري، و829 حالة ظهور لمختفين قسرياً منذ فترات متفاوتة.

أوضاع المختفين قسريا

بحسب توثيق لـ "المفوضية المصرية لحقوق الانسان" كان الظهور الأخير قبل القبض على الضحايا ومواجهتهم للاختفاء القسري، كان في الشارع بنسبة 49 في المئة،  والمنزل (21%)، والمقرات الأمنية مثل أقسام الشرطة (7%)، والأكمنة الأمنية على الطرق (6%).

أما سنوات الاختفاء - وفق المفوضية- فتراوحت بين عام إلى سبعة أعوام، وأحد ضحايا الاختفاء ظهر بعد عامين كاملين في سجن العقرب شديد الحراسة على ذمة إحدى القضايا، لكنه منع من الحديث مع عائلته أو محاميه، وهو أمر يتكرر مع عائلات ضحايا الاختفاء القسري عند ظهورهم.

ورصدت المفوضية المصرية لحقوق الإنسان اختفاء 12 طفلا أيضا غير بالغ، في حين تصدر المختفون في مرحلة العشرينات القائمة بنسبة 49 في المئة، مقابل 24 بالمئة في مرحلة الثلاثينات.

بيانات القائمة تشير أيضا إلى ارتفاع نسبة طلاب الجامعات من بين المختفين لتصل إلى 35 في المئة، في حين تصدرت محافظات القاهرة والجيزة وسيناء المناطق التي شهدت حالات الاختفاء القسري، بنسبة (34%، 18%، 8%) على التوالي.

والمعلومات التي تصل أهالي المختفين قسريا بأماكن احتجاز ذويهم تكون شفاهية ويصعب توثيقها، فأحيانا يكون مصدرها العاملون بالجهاز الأمني نفسه بهدف تهدئة أهالي الضحية، أو محتجزين آخرين ينقلون رسائل من المختفين.

سجون شرطة وجيش

وذكر أهالي معتقلين أن الاحتجاز يكون داخل مقرات أمن الدولة خاصة العباسية والشيخ زايد ومدينة نصر، وكذلك معسكرات الأمن المركزي وبخاصة تلك الموجودة بمنطقة الجبل الأحمر، التي كانت أبرز المناطق التي شوهد فيها ضحايا الإخفاء القسري، وحملت رسائل لذويهم بذلك.

وتوصف مقرات الاحتجاز بأنها فردية، ثم جماعية مكتظة، وأن حفلات التعذيب غالبا ما تنتهي بعد فترة استجواب المختفي قسريا، وتتراوح بين أسبوعين إلى شهرين، بحسب أهالي معتقلين.

سجن العزولي الحربي في مدينة الإسماعيلية، واحد من السجون التي يرجح إخفاء ضحايا الاختفاء القسري به لمدد طويلة، الأمر الذي أيده بيان سابق يرجع لعام 2014 حمل توقيع كلٍّ من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف، وأخر بتوقيع منظمة العفو الدولية.

أشار البيان إلى أن محامين وناشطين أخبروا منظمة العفو الدولية بأن عدد حالات الاختفاء القسري يشهد ارتفاعا في مصر منذ نوفمبر 2013.

ويرتبط السجن الحربي فى وعي المصريين بعبارة "هخفيك وراء الشمس"، التي يرددونها كثيرا للتحذير من مصير معارضة النظام، وتنسب لأحد مديري السجون الحربية خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، والذي عرف بقسوته البالغة في استجواب المحتجزين.

وينكر "القومي لحقوق الإنسان" الحكومي وجود الاختفاء القسري" ويبرئ الداخلية والجيش من إخفاء معارضين وهو أمر طبيعي في ظل تعيين السيسي لهم.

القانون لا يعرف الإخفاء القسري!!

رغم غياب تعريف محدد للإخفاء القسري في القانون المصري، إلا أن المادة (54) من دستور 2014 تشدد على أن "يبلغ فورا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته"

كما ينظم قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950، والمعدل بتاريخ 5 أيلول/ سبتمبر 2020 في مادتيه (40) و(41)، عدم جواز احتجاز المتهم إلا في الأماكن المخصصة لذلك، فيما تتيح المادتان (42) و(43) لأعضاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء المحاكم الابتدائية والاستئنافية زيارة السجون العامة والمركزية، والتأكد من عدم وجود محتجزين بصفة غير قانونية.

ويحق لضحايا الاختفاء القسري رفع دعوى قضائية عند ظهورهم ضد الجهة الأمنية التي احتجزتهم، لكن فعالية ذلك يرجع لمزاج ورغبة النيابة العامة في مراقبة أداء أجهزة الأمن، وهو "أمر مستبعد نظرا لغياب الدور الرقابي في كثير من القضايا" كما يقول محامون.

لكن على المستوى الدولي يمكن التقاضي بشأن الاختفاء القسري في الدول التي تعترف بالاختصاص العالمي -الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري-، لكن لا توجد قضية مثارة بهذا الشأن على المستوى المحلي أو الدولي.

الموت والتصفية خارج القانون

ومنذ 9 سنوات والإخفاء القسري صار أداه اساسية يعتمدها النظام المصري الحالي مع المعارضين

وأحيانا يكون مصير الضحية الموت تحت التعذيب أو التصفية خارج نطاق القانون، أو تلفيق اتهامات للضحايا ونشر صور جثث الضحايا بعد قتلهم لإظهار مشهد أنه كان هناك تبادل للاشتباكات وتلفيق قضايا ارهاب، أو ظهور ضحايا الاختفاء القسري بعد ارغامهم على اعترافات بقضايا ملفقة وتنفيذ أحكام ظالمة قاسية عليهم، قد تصل هذه الأحكام الملفقة إلى الإعدام وتنفيذ الأحكام عليهم حتى وإن كان تاريخ اختفائهم قسريا قبل تاريخ الجرائم الملفقة لهم.

ضحايا الإخفاء القسري هم أشخاص اختفوا فعلياً بعيداً عن أحبائهم ومجتمعهم. ويختفون عندما يقبض عليهم مسؤولو الدولة (أو أي شخص يعمل بموافقة الدولة) من الشارع أو من منازلهم ثم ينكرون ذلك الأمر، أو يرفضون الكشف عن مكان وجودهم.

ولا يتم إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص مطلقًا، ويبقى مصيرهم مجهولًا وغالباً ما يتعرض الضحايا للتعذيب، أو يقتل العديد منهم، أو يعيشون في خوف دائم من التعرض للقتل.

ويعلمون أن عائلاتهم ليس لديها أي فكرة عن مكان وجودهم، ولا يوجد فرصة لأي شخص أن يأتي لمساعدتهم، وحتى إذا نجوا من الموت، وأطلق سراحهم في نهاية المطاف، تبقى الجراح البدنية والنفسية تعيش معهم...فمن يحاسب هذا النظام الإجرامي؟.