سقوط مهني وعداء سافر للنموذج الإسلامي .. هكذا تعاطى الإعلام الغربي والعربي مع الانتخابات التركية

الأحد - 14 مايو 2023

  • "الغرب" يسعى إلى إفقاد تركيا استقلالها ووأد نهضتها و"الديكتاتوريون العرب" يرون فوز أردوغان هزيمة لأنه يذكرهم باستبدادهم
  • قلق في واشنطن وأوروبا من فوز أردوغان خوفا من استكماله بناء دولة إسلامية حديثة تكون هي "الصين الأوروبية" المنافسة لهم

 

إنسان للدراسات الإعلامية- خاص:

بينما كانت 4 شركات استطلاع رأي تركية تؤكد قبل 24 ساعة من بدء انتخابات الرئاسة والبرلمان التركية أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متفوق بنسب 50 إلى 51% على مرشح المعارضة العلمانية كليشدار أوغلو (44 إلى 46%،) كانت وسائل إعلام الإمارات وأنظمة قمعية تتحدث عن تفوق أوغلو واحتمال فوزه بالانتخابات وسقوط أردوغان وتجربته "الإمبراطورية" ذات التوجه الإسلامي.(تويتر)

تعاطي الإعلام العربي، خاصة الخليجي الموالي للثورة المضادة، لم يختلف هذه المرة أيضا عن تعاطيه مع الانقلاب العسكري الفاشل الذي قام به عسكريون أتراك في صيف عام 2016 ضد أردوغان، فحينها ظل يروج للانقلاب ويكذب مدعيا أن أردوغان هرب إلى ألمانيا.

حينئذ ظلت قناة سكاي نيوز الإماراتية وصحف أبو ظبي، تبث أكاذيب حول خروج الاتراك للشارع للترحيب بالانقلاب والجيش وجاء موقف إعلام الخليج (ومصر) حينئذ ليؤكد توجهات أنظمة الثورة المضادة من أردوغان ورغبتهم في اقتلاعه بالقوة.

هذه المرة، في ظل انتخابات 14 مايو 2023 الرئاسية والبرلمانية، ورغم التحسن النسبي في علاقات الخليج وتركيا، استمرت نفس الأكاذيب عبر قنوات وصحف الإمارات خصوصا والترويج لفوز كمال أوغلو، والزعم أن زلزال تركيا حرم أردوغان من مليون صوت، دون أي دليل.(تويتر)

وكان التركيز الأكبر على المواقع العربية لشبكات أجنبية مثل CNN التي تصدر من أبو ظبي وتسيطر على توجهها الإعلامي، والتي لم تخف رغبتها بالإطاحة بأردوغان (تويتر)

أما الإعلام الغربي، فقد سقط مهنيا بتغطيته المنحازة للانتخابات التركية ودعمه المرشح العلماني، وأظهرت توجهات الغرب السياسية، وبينت أن عداءهم ليس لأردوغان فقط، ولكن للإسلام الذي يسعي أردوغان لتغليف سياسة بلاده به بعد عقود من العلمانية.

"الأيدلوجية" لا "الموضوعية"

لا يوجد إعلام محايد في العالم، وطبيعة الإعلام المعبر عن دول وحضارات وأنظمة أنه غالبا ما يكون غير محايد، لكن هذا لا يعني ألا يكون الإعلام "موضوعي" أو "احترافي أو مهني"، بمعني رصد الحقائق لا بث أكاذيب، ولو انحاز بعد ذلك في موقف ضد طرف على حساب طرف آخر.

لكن الإعلام الغربي، ومعه العربي- لو صح أن يقال إن هناك إعلام عربي في ظل هيمنة السلطات الديكتاتورية العربية على بل وشرائها الصحف والفضائيات وتوجيهها بالموبيل (جهاز سامسونج كما ظهر في فضائح موثقة في مصر)، لم يظهر فقط انحيازا أعمي للمعارضة العلمانية في تركيا، ضد أردوغان ولكنه ابتعد عن المهنية والموضوعية لصالح الإيدلوجية والعداء للإسلام وحول صحفه إلي أبواق تطالب بوضوح بإسقاط أردوغان لأنه "يريد بناء إمبراطورية عثمانية إسلامية حديثة"!.

أساس هذه الحملة الداعية لإسقاط أردوغان لا علاقة له بديمقراطية أو ديكتاتورية وإنما يهاجمونه لأنه حول تركيا لدولة مسلمة وأعاد التراث الإسلامي لسياسة تركيا، وجعل جنرالاتها يصلون في المساجد، وفق نقدهم لأردوغان.

لم تخف صحف ومجلات الغرب هذه «الأيدلوجية» المسيحية الغربية المعادية لـ "الإسلامية" في تركيا، ولعبت دورا مؤثرا في طبيعة وشدة الحملات التي شنتها المجلات الغربية.

صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية لم تكتف بالهجوم على أردوغان بل وكتبت تقول 8 مايو 2023: "إذا هُزم أردوغان، يجب على الغرب مساعدة حكام تركيا (العلمانيين) على النجاح".

اعترفت بأن أردوغان بني صناعات عدة في تركيا تهم أوروبا مثل السيارات والأثاث والأسمنت والغداء والأحذية وأجهزة التلفزيون وغيرها حتى أن تركيا يمكن أن يطلق عليها "الصين الأوروبية" ولكنها تحدثت عن كيفية دعم المعارضة التي ستستولي على هذه الإنجازات للرجل وتنسبها لنفسها، ما يشير لحقدهم على أدوغان فساد اتهاماتهم له.

وقبل هذا كتبت هيئة التحرير في "واشنطن بوست"، يوم 4 مايو 2023 ، نصا هجائيا منحازا ضد الرئيس أردوغان تحت عنوان "شبح الاستبداد يخيم بشكل متزايد على انتخابات تركيا" لمجرد أن فرص الرئيس التركي أفضل في الفوز.

قالت إن هناك قلقا في واشنطن وأوروبا من فوز أردوغان بولاية أُخرى بسبب ما تري انه إضراره بمصالح أمريكا وأوروبا وبناءه دولة ذات جذور إسلامية.

زعمت أنه لو خسر أردوغان "فهناك مخاوف من أنه ومؤيديه قد يرفضون النتيجة ولا يعترفون بها" وأن "هذه المخاوف هي مقياس لمدى عمق تخريب الرجل التركي القوي للمعايير، والمخاطر التي يمثلها تمديد حكمه الاستبدادي"، بحسب زعمهم!.

وكانت هذه هي نفس الحجة التي قيلت خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي حين زعم معارضوه اليساريون والليبراليون أنه لن يقبل الهزيمة هو وأنصاره، وحين فاز قالوا إنه سيرفض ترك الحكم، حتى توافرت المبررات للانقلاب ضده وحبسه ومقتله.

مجلة "إيكونوميست" البريطانية كتبت تقول، بالمخالفة للأعراف الصحفية ووقارها المعتاد، يوم 4 مايو 2023: "أردوغان ديكتاتور ولا بد أن يرحل احموا الديمقراطية"!!.

و"أردوغان طاغية يجب أن يرحل ليتخلص الشعب التركي من حكم الرجل المستبد"، زاعمه أن "رحيل أردوغان يحفظ الديمقراطية في تركيا".

مع أن الإيكونوميست اعترفت أن "أردوغان قام ببعض الأشياء الجيدة في سنواته الأولى في منصبه" زعمت أن "التراكم المطرد للسلطة المفرطة طغى على حكمه وحسه الأخلاقي"، وقالت: "أما نحن فنؤيد بحرارة كمال كيليجدار أوغلو كرئيس جديد لتركيا"!!.

وظهر جلياً أن دعم الصحيفة البريطانية للمعارضة التركية في وجه أردوغان هدفه إظهار كراهية الغرب لأردوغان وبيان أن "انتصار المعارضة سيكون مفيدًا وله قيمة جيوسياسية ضخمة للغرب".

وكان تحليل مجلة ديرشبيجل الألمانية 3 مايو 2023 أكثر فجورا تجاه أردوغان فلم تخفي المجلة أماني الألمان في هزيمة أردوغان وتمنيها أن تكون الانتخابات فرصة للتخلص من أردوغان، وأن المعارضة لديها فرصة لأول مرة منذ 20 عاما "للتخلص من أردوغان ".(تويتر)

ديرشبيجل كتبت على الغلاف: "القيامة أم الفوضى.. ماذا سيحدث إذا خسر أردوغان؟، مصحوباً بصورة قاتمة للرئيس التركي جالساً على كرسي بذراعين مصنوع من ورق الذهب مكسور من أجزاء مختلفة، في حملة غربية للتحريض على إسقاطه.

وزعم تقرير المجلة أنه إذا أعيد انتخاب أردوغان، "ستتحول البلاد إلى ديكتاتورية ولن تكون هناك حياة سلمية ولا انتخابات أخرى" على حد زعمها.

كما ادعت المجلة أنه "ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن أردوغان سوف يعترف بالهزيمة المحتملة ومن الممكن أيضاً تحريض مؤيديه ضد خصمه، كما فعل دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

ومع هذا قال أردوغان، على شاشة التلفزيون، رداً على سؤال حول ما إذا كان سيتشبث بالسلطة أنه وصل للسلطة عبر الديمقراطية ولو لم يختاره شعبه سيذهب أيضا بالديمقراطية.

قال لمعارضيه إنه حين خسر مرشح حزبه بلدية اسطنبول تركها الحزب وسلمها للمعارضة فلماذا يقولون الان أنه لو خسر لن يقبل النتائج؟ في إشارة لأنهم هم من يمهدون لرفض خسارتهم حين يخسرون.(يوتيوب)

سيحتفلون بسقوط أردوغان!

عدم مهنية الإعلام الغربي وتغلب الأيدلوجية عليه ظهر في حديث الكثير من صحف الغرب عن أنهم سيحتفلون بهزيمة أردوغان، صحيفة "التلغراف البريطانية" قالت، 13 مايو 2023: "العالم الحر والعالم الديمقراطي سيحتفلان يوم 14 مايو برحيل أردوغان عن تركيا".

"عزل أردوغان سيُستقبل بأصوات (فتح) فلين الشمبانيا على طول الطريق من برلين إلى واشنطن"، هكذا كتب "ديفيد هيرست" في صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية 21 أبريل 2021 مبينا كيف ينتظر الغرب ببهجة غير عادية سقوط أردوغان.

قال: ما من شك في أن إزاحة أردوغان من منصبه سوف تقابل بترحيب شديد وبالشمبانيا في العواصم الغربية من برلين إلى واشنطن، وهذا أمر واضح ولكن هل سيعود غيابه من الساحة الإقليمية بالخير على تركيا أو حتى على الشرق الأوسط؟

شرح سر رغبة الغرب في سقوط أردوغان في مقال جديد بموقع "ميدل إيست آي" 11 مايو 2023 مؤكدا أن "السبب الحقيقي الذي جعل الغرب يعبّر عن مثل هذا العداء لأردوغان؛ لا علاقة له من قريب أو بعيد بكونه سلطويا، أو لأنه مارس القمع أو اتخذ إجراءات ضد الصحافة الحرة، وإنما السبب هو أنه جعل من تركيا دولة مستقلة لديها قوات مسلّحة قوية، دولة لا تنصاع تلقائيا لما يُوجه لها من إملاءات".

أشار إلي سعى الغرب إلى إفقاد تركيا استقلالها، ووأد نهضتها، لهذا "تصلي أوروبا من أجل سقوط أردوغان، وهي إذ تفعل ذلك إنما تمنح الأتراك أكبر سبب يجعلهم يقرّرون بأنفسهم ما الذي يرغبون فيه، هذا إذا أرادوا الحفاظ على استقلالهم الذي ناضلت في سبيله بلادهم زمنا طويلا".

ومع هذا توقعت الميديا الغربية، مثل مجلة "فورين أفيرز" التي أكدت فوز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان برئاسة تركيا مجددا في انتخابات 14 مايو 2023 لأنه حقق إنجازات كبيرة لبلاده.

وما الموقف من الديكتاتوريات العربية؟

من مفارقات الموقف الإعلامي الغربي، الذي عبر عن سياسات أمريكا وأوروبا بوضوح، أنه بينما احتشدوا ضد أردوغان، ووصفوه بـ "الديكتاتور"، أنهم نسوا أن الديكتاتوريات لا تجري الانتخابات كما أنه في الديكتاتوريات النتيجة معروفة سلفاً!.

أيضا من مفارقات الموقف الغربي أن الغرب هو الراعي الرسمي لديكتاتوريات المنطقة العربية والعالم، ومع هذا يتحدثون عن الديمقراطية في تركيا، في حين أنه لا يحل لمن يدعمون الانقلابات العسكرية ومجازر العسكر، كما فعلوا في مصر ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي، أن يعطوا دروسا في الديمقراطية.

دفع هذا الصحفي المصري جمال سلطان للتساؤل: "لماذا يفزع الغرب كل هذا الفزع الأسطوري من نجاح اردوغان واحتمالية بقائه واستمراره في الحكم، ولا يفزع لبقاء واستمرار طغاة العرب جميعا ؟!".(تويتر)

قراءة توجهات الإعلام الغربي، من انتخابات تركيا، ومن ثم طبيعة السياسات الغربية يمكن فهمها بصورة أوضح لو رجعنا إلى بدايات فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي التوجه في تركيا وتولي رجب طيب أردوغان رئاسة الوزراء في عام 2002، حيث أشادت به حكومة الغرب حينئذ وكانت واشنطن وأوروبا يدعوان الدول العربية للاستفادة من تجربة تركيا كـ "إسلام معتدل".

لكن، لأن "الإسلام المعتدل" في المفهوم الغربي هو المسلم الذي يمارس شعائر الدين دون جوهره أو شريعته، أي يصلي ويصوم، لكن يقبل بالعيش وفق أفكار الغرب حول العلاقات الجنسية بدون زواج والشذوذ وغيره، بينما تركيا أردوغان اتجهت، عكس التصور الغربي الشكلي للإسلام، فقد أزعجهم ذلك.

خشيتهم من سعي أردوغان لبناء دولة إسلامية عثمانية عصرية تأخذ بأسباب العصر والقوة، وتنافس الغرب، بعدما ظلوا لسنوات يهيمنون عليها حين كانت تُسمي "رجل أوروبا المريض"، جعلهم يهاجمونه الآن بأسلوب فج غير موضوعي بعدما كانوا يشيدون به.

أما الإعلام العربي فقط انقسم هذه المرة، حيث سيطرت مصر والسعودية على إعلامها ومنعته من تكرار شماته في الانقلاب العسكري الفاشل على اردوغان عام 2016 بعدما تحسنت العلاقات بين انقره وكلا من القاهرة والرياض.

لكن ظل إعلام ونظام أبو ظبي على مواقفه المنحازة المعادية لأردوغان رغم تحسن العلاقات، ربما أملا في خسارة أردوغان في صندوق الانتخابات بعد فشل الانقلاب العسكري، في مؤشر واضح على تخبط الإمارات وكراهيتها أيضا لأي توجه إسلامي وخشيتها أن يؤثر وجود نظام ديمقراطي تركي بزعامة أردوغان على استمرار المعارضين العرب وخاصة التيار الإسلامي في تركيا والعمل من هناك ضد نظامها.