شعوب "الربيع العربي " تسعى لإنقاذ ثوراتها من عسكر المنطقة
السبت - 25 ديسمبر 2021
يبدو أن شعوب "الربيع العربي " تسعى لإنقاذ ثوراتها من عسكر المنطقة، خاصة في السودان بعدما اجتاحت اليوم السبت المظاهرات كل أنحائها، وذلك مع قطع العسكر للإنترنت وغلق الجسور واستهداف الثوار وقتلهم، وقد تزامن هذا الحراك السوداني، مع حراك آخر بتونس، حيث يواصل ثوار تونس إضرابهم، وفي السياق ذاته يرى الكاتب الكبير ديفيد هيرست في تحليله لأحداث المنطقة العربية ، أن هناك جولة جديدة قادمة من الربيع العربي رغم تمكن المستبدين، وأضاف أن السيسي صدّر "الإنقلابات العسكرية" لدول الثورات، وأن أنهيار اقتصاد مصر سيكون بداية نهايته، ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل .
مع انطلاق مظاهرات الغضب التي تجتاح السودان منذ ساعات صباح اليوم السبت ، اقام عسكر السودان بقطع خدمة الإنترنت في السودان صباح اليوم السبت ، بينما أعلنت جمعية أطباء السودان عن حصيلة جديدة لضحايا الاحتجاجات منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي
ونقلت وكالة الأناضول أن شركات الاتصالات في البلاد قطعت منذ ساعات الصباح الأولى الخدمة عن كافة أنحاء البلاد.
ونقلت رويترز عن شاهد قوله إن خدمات الإنترنت تعطلت على ما يبدو في العاصمة السودانية الخرطوم في ساعة مبكرة من صباح السبت، قبيل احتجاجات مزمعة
وكان تجمع المهنيين السودانيين دعا إلى المشاركة في مظاهرات اليوم السبت، للمطالبة بتأسيس سلطة مدنية كاملة، وأعلنت "تنسيقيات لجان المقاومة" أن مواكب السبت ستحاصر القصر الرئاسي في العاصمة الخرطوم.
كما أعلن عسكر السودان مساء أمس الجمعة إغلاق جسور الخرطوم، محذرة من الاقتراب من المواقع السيادية، وذلك قبيل مظاهرات مرتقبة اليوم السبت للمطالبة بالحكم المدني.
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشهد السودان احتجاجات ردا على اتخاذ إجراءات استثنائية أبرزها فرض حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، عقب اعتقال قيادات حزبية ومسؤولين، وهو ما اعتبرته قوى سياسية ومدنية انقلابا عسكريا مقابل نفي من الجيش.
"لجان المقاومة" بالسودان : مواكب السبت ستحاصر القصر الرئاسي
وقال بيان صحافي لتنسيقيات لجان مقاومة أم درمان الكبرى إن "جميع مواكب أم درمان ستتوجه في مليونية السبت 25 ديسمبر/ كانون الأول لمحاصرة القصر الرئاسي في الخرطوم"، فيما "حددت 4 مسارات للموكب تشمل نقاط حشد، وهي موقف مواصلات جاكسون، ومسجد فاروق، وصينية (دوران) القندول، ومول الواحة (مركز تجاري)".
وأشار البيان إلى أن الموكب سينطلق نحو القصر الرئاسي بالخرطوم عند الساعة الواحدة ظهر السبت بالتوقيت المحلي، داعياً إلى المحافظة على سلمية الموكب والتعاون مع لجان التأمين لحسم التفلتات، وعدم الاحتكاك مع القوات النظامية.
الصديق الصادق المهدي: الضغط الجماهيري هو طريقنا للتغيير السياسي
وفي سياق متصل ، قال الصديق الصادق المهدي مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني وعضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير”المجلس المركزي” إن مليونية، 25 ديسمبر/كانون الأول الجاري، من شأنها أن تقود السودان نحو سلطة مدنية كاملة من خلال الضغط الجماهيري الذي يعوّل عليه جميع السودانيين لتحقيق التغيير المنشود
وأضاف خلال مشاركته في المسائية على قناة الجزير مباشر، الجمعة، أن البقاء في المربع الدائم أمر مستحيل في ظل تمسك الجيش بالانقلاب على الدستور وتردي الوضع المعيشي
وتابع المهدي “الثورة السودانية مستمرة في العاصمة الخرطوم وجميع المدن والمحافظات السودانية وأي اتفاق جديد يجب أن يحظى بقبول الشارع السوداني بجميع بمكوناته المختلفة”.
وإضراب نشطاء تونس عن الطعام مستمر
وفي سياق متصل ، يواصل المحتجون من مختلف الانتماءات والأحزاب السياسية في تونس، إضرابهم عن الطعام لليوم الثالث على التوالي، في خطوة تصعيدية ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد، وسط تأكيد صمود المحتجين وتمسّكهم بحقوقهم الدستورية.
ويحتضن مقر حزب "حراك تونس الإرادة" في العاصمة تونس هذا الاحتجاج الذي يمثل خطوة تصعيدية بارزة في الصراع السياسي الذي تشهده البلاد.
وشدد القيادي في "حركة النهضة" العجمي الوريمي، وهو أحد المضربين عن الطعام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، على "الصمود في مقاومة الانقلاب"، مشيراً إلى أنّ "الانقلابات لا تسقط بالدعوات، بل بالمقاومة، وقد اختيرَت المقاومة السلمية المدنية"
إلا أنه أشار إلى أنّ "هذه المقاومة السلمية جوبهت بأساليب قمعية ووحشية في أكثر من مناسبة، كان آخرها 18 ديسمبر/ كانون الأول عندما منعت القوى الأمنية بالقوة المحتجين من نصب خيمة في شارع بورقيبة" وسط العاصمة تونس.
وأكد الوريمي أنّ الإضراب عن الطعام "حلقة من حلقات النضال الإنساني من أجل الكرامة"، مشدداً على أنّ "الشعب التونسي لن يفرّط في مكتسبات الثورة"، معتبراً أنّ "هذه الخطوة جزء من حراك واسع ومن جبهة بصدد التشكل"، مشيراً إلى أنّ "هذه الجبهة الوطنية هي من أجل استئناف المسار. القوى الوطنية مقتنعة اليوم بضرورة اللقاء على أرضية مشتركة".
من جانبه، قال الناطق الرسمي باسم الإضراب عزّ الدين الحزقي، أحد المضربين وعضو "مواطنون ضد الانقلاب"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدخول في إضراب عن الطعام ووضع المحتجين أجسادهم في خطر، خطوة رمزية تحمل عدة رسائل؛ فهو خطاب القلوب لا العقول، لأنهم يخاطبون قلوب الإنسانية. إضراب الجوع هو أحدى الخطوات الراقية في النضال".
بدوره، أكد العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الهدف من الحراك "تشكيل جبهة لمقاومة الانقلاب"، مبيناً أنّ الانقلاب يريد القضاء على المؤسسات والدستور"، فيما أكد أنّ الإضراب يعد رسالة للرأي العام في الداخل والخارج حول خطورة الوضع الذي تعيشه تونس
أما عضو "ائتلاف الكرامة"، النائب يسري الدالي، فيرى أنّ "رسالة الإضراب هي رفض المحاكمات العسكرية والسياسية والاعتقالات التي طاولت مدونين ومتظاهرين"، مشدداً على "ضرورة وضع حد لشيطنة الرئيس للخصوم، إذ إنّ شتمه للمعارضين وإطلاق النعوت حولهم يضعهم في خطر"
ديفيد هيرست: جولة جديدة قادمة من الربيع العربي رغم تمكن المستبدين
وفي سياق متصل ، أكد الكاتب المعروف ديفيد هيرست ، أن هذا العام بمثابة الجنازة الرسمية للربيع العربي، حيث شهدت تونس والمغرب الإطاحة بآخر الحكومات والبرلمانات التي إما هيمن عليها أو دعمها الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.
وفي الصيف الماضي، وقعت تونس تحت نفس الظل الاستبدادي الذي حاولت الخروج منه خلال العقد الماضي، حيث عزل الرئيس التونسي "قيس سعيد" رئيس الوزراء وجمد البرلمان وأعلن أنه سيحكم من خلال مراسيم رئاسية في خطوةوصفها مستشاروه بـ"انقلاب دستوري" ، أضاف أن الإسلاميون في تونس وجدوا أنفسهم منبوذين ومعزولين ويعاملون بازدراء خارج أبواب البرلمان المغلقة ، وكان هناك قلة من معارضي "سعيد" العلمانيين مستعدين في البداية للخروج إلى الشوارع من أجلهم.
وبعد أن ظهر أن الرأي العام انقلب ضدهم، اعترف "راشد الغنوشي"، زعيم النهضة وكبير مفكري الربيع العربي، بمسؤولية حركته عن جزء من الفشل في معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وأضاف هيرست : كما تنفس الغرب الصعداء، حيث لم يتوقف عن الخلط بين الإسلام السياسي والراديكاليين العنيفين. وكان الغرب يعتبر أن الربيع العربي تحول إلى شتاء إسلامي.
وقال هيرست أن تونس كانت أخر مشهد في عرض الديمقراطيات التي تمكن هؤلاء الأمراء العرب من تخريبها ، وكان ذلك انتصارًا كبيرا لجيل أصغر من الطغاة وهم الأمراء الذين بدا حكمهم ميكافيليًا جدًا بشكل يفوق آباءهم وأعمامهم بشكل كبير
وأضاف ، ومنذ ذلك الحين، لم ينج سوى نموذج واحد فقط للدولة العربية - حاكم مطلق، عسكري أو ملكي - على رأس كيان يتشكل من الشرطة السرية والقوات الخاصة والصحفيين المأجورين، يحكمون شعوبهم من خلال مزيج تام من السيطرة على العقول والقمع، فهم الذين أصبح الإنترنت في أيديهم أداة للرقابة الجماعية ، وأما المعارضة، فسواء كانت علمانية أو إسلامية، فقد تعفنت في السجن ومات كثير منهم هناك ، وأولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار ينتظرون الإبلاغ عنهم من قبل جيرانهم، حيث أن تغريدة واحدة ستكون كافية لتقرير مصير الواحد منهم ، وأولئك الذين فروا أصبحوا أسرى القلق على مصير عائلاتهم التي تركوها في الواقع كرهائن.
وخلال هذا العام، وفي عهد الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، تواصلت سياسات "عبدالفتاح السيسي"، الديكتاتور المصري المفضل لدى "ترامب".
وأعرب "بايدن" عن "خالص امتنانه" لـ"السيسي" على دوره في الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين خلال حرب غزة الأخيرة في مايو/أيار الماضي.
وبعيدًا عن كونه منبوذًا دوليًا، أصبح الديكتاتور المصري نموذجًا يحتذى به في المنطقة، يلجأ "سعيد" في تونس واللواء "عبدالفتاح البرهان" في السودان إليه لطلب النصيحة
كان أفراد من المخابرات العسكرية المصرية في القصر الرئاسي في قرطاج عندما تولى "سعيد" السلطة.
وكان رئيس المخابرات المصرية اللواء "عباس كامل" في السودان قبل أيام من انقلاب "البرهان" في أكتوبر/تشرين الأول.
وقال هيرست أنه يمكن القول أن "السيسي" يقوم حاليا بتصدير الانقلابات العسكرية بعد نجاحه فيها.
ولا تزال واشنطن تسانده بالرغم أن "بايدن" وعد خلال حملته الانتخابية بعدم إعطائه المزيد من الشيكات على بياض.
هل انتهت اللعبة؟
وقال هير ست ، إذن، هل انتهت بالفعل لعبة الثورة التي اجتاحت العالم العربي عام 2011؟ هل كل تلك الآمال والأحلام المفعمة بالحرية والكرامة تبخرت في الهواء؟ هل كانت مغامرة شجاعة لكنها محكوم عليها بالفشل في النهاية؟
ارتكب كلا الطرفين في ميدان التحرير، العلمانيين والإسلاميين، أخطاء فادحة، وكلاهما وضعا ثقتهما في جيش خدعهما الواحد تلو الآخر. ، ولنأخذ الخطأ الأخير، دعم حزب النهضة ترشيح "سعيد" ، وكان بإمكانهم أن يتعمقوا قليلاً في تاريخه. فكل المعلومات موجودة هناك ، وفي مصر استمرت التجربة لمدة عام ، وبالرغم من كون "محمد مرسي" أول رئيس مدني منتخب، فإنه لم يكن في السلطة أبدًا.
وقال هيرست استمرت تجربة تونس عبر حل وسط تلو الآخر لمدة 10 سنوات، لكن في معظم ذلك الوقت، لم يكن حزب "النهضة" في المنصب ولا في السلطة ، ومع ذلك، تم لومه على الأخطاء التي ارتكبتها الحكومات الأخرى.
مصر الأضعف
وأكد هيرست ، في 2010، تجاوز النمو في الناتج المحلي الإجمالي 5% بينما بلغ 3.6% في 2020 ، وشكلت الديون الخارجية 15.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 بينما شكلت 34.1% في 2020 ، وشكل الدين العام المحلي 76.2%من الناتج المحلي الإجمالي في 2010 بينما ارتفع هذا الرقم إلى 81.5% في 2020 ، كما قفز الدين الخارجي من 33.7 مليار دولار في 2010 إلى 123.5 مليار دولار في 2020 ، واتسع عجز الحساب الجاري من 11.2 مليار دولار إلى 18.4 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو/ حزيران 2021 بعد انخفاض السياحة وتزايد العجز التجاري من 36.47 مليار دولار إلى 42.06 مليار دولار.
وقال هيرست وسيكون لانهيار الاقتصاد المصري تداعيات حقيقية، فلا أحد يثق بالبيانات الرسمية حول معدلات الفقر، والتي ارتفعت بحسب الأرقام الرسمية إلى 32.5% ثم تراجعت قليلاً إلى 29.7 % في الفترة من 2019 إلى 2020 ، وأن "السيسي" أفقر 9 ملايين مصري على الأقل ، ولا عجب إذن أن تنشأ في محافظات الصعيد، التي يتفشى فيها الفقر، مافيا قوارب التهريب التي تنظم رحلات الهجرة الخطرة إلى ليبيا ومن هناك إلى إيطاليا.
وقال هيرست ، وبينما ينفق "السيسي" الأموال على مشاريع بنية تحتية مشكوك في جدواها الاقتصادية، مثل توسيع قناة السويس أو جسر روض الفرج المعلق (يتم الترويج لها محليا من خلال الزعم أن العالم يتحدث عنها) فإن فقراء شعبه يهاجرون ، كل هذا بعد أن تم ضخ عشرات المليارات من الدولارات في خزائن مصر وجيوب الجيش من قبل السعودية والإمارات والكويت.
وأكد هيرست أن وهذه التفاوتات الفاحشة بين الطبقات في المنطقة العربية في مستوي الدخل ، هي الأشياء التي تصنع منها الثورات ، وانه بعد مرور 10 سنوات، أصبح الحطب الذي أشعل ثورات 2011 أكثر جفافًا لكن جمرها لا يزال يحترق في قلوب وذكريات الملايين ، وما حدث قبل 10 سنوات ليس سوى الفصل الأول من صراع هائل وطويل ، وأن وهناك فصل آخر قادم بالتأكيد.