"ديكلاسيفايد": لا تنخدعوا بسردية الإعلام البريطاني الجديدة حول "إسرائيل"
الثلاثاء - 23 سبتمبر 2025
- تحول الخطاب الغربي نحو انتقاد "إسرائيل" مجرد تغيير تكتيكي وليس صحوة أخلاقية
- الإعلام البريطاني يعكس أجندة الحكومة ويخدم استراتيجياتها رغم تظاهره بالاستقلال
"إنسان للإعلام"- قسم الترجمة:
كشف موقع "ديكلاسيفايد" الاستقصائي البريطاني، في تقرير نشره يوم 8 سبتمبر 2025، أن الدعاية الإعلامية الصهيونية تحاول صياغة "بروباغندا" جديدة لتلميع صورة "إسرائيل"، بعد الانهيار الكبير في مكانتها العالمية.
حذّر التقرير من أن هذه الحملة تستهدف تضليل الرأي العام العالمي وإعادة صياغة السرديات الإعلامية بعد أن باتت "إسرائيل" يُنظر إليها كدولة خارجة عن السيطرة.
وقال التقرير: إن وسائل الإعلام الغربية الكبرى، وخاصة البريطانية، لعبت منذ زمن طويل دوراً محورياً في تمهيد الطريق للإبادة الجماعية في غزة، من خلال تضخيم الرواية "الإسرائيلية"، وتهميش تاريخ الاحتلال، وتبنّي معايير مزدوجة في تقدير قيمة حياة "الإسرائيليين" مقابل الفلسطينيين.
وبذلك، التزمت هذه الوسائل الإعلامية بأجندة السياسة الخارجية البريطانية، التي منحت في البداية أولوية مطلقة لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، قبل أن تتحول مؤخرًا نحو خطاب أكثر انتقاداً لخطط بنيامين نتنياهو المتعلقة بالتطهير العرقي وتصعيد العمليات العسكرية في غزة.
وأشار الموقع إلى أن دفاع كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا عن قرار "إسرائيل" قطع المياه والكهرباء عن غزة مع بداية الحرب كان "سقطة أخلاقية فادحة"، غير أن الضغوط الشعبية العارمة، والتمرد في صفوف نواب حزب العمال، إضافة إلى القلق الحكومي من النظرة العالمية التي ترى "إسرائيل" كدولة منفلتة، دفعت الحكومة البريطانية إلى إدانة خطة الاحتلال الكامل لغزة، بل ومنع المسؤولين "الإسرائيليين" من حضور معرض السلاح الدولي في لندن.
تحوّل بريطاني متأخر
أوضح التقرير أن الحكومة البريطانية ووزارة الخارجية ظلتا صامتتين تقريباً تجاه الفظائع "الإسرائيلية" على مدار عامين كاملين، لكنهما أصدرتا منذ الربيع الماضي رسائل متتالية تدعو إلى وقف إطلاق النار، وإنهاء الحصار الذي تسبب في تسريع المجاعة في غزة، والاعتراف بدولة فلسطينية، وتعليق خطط "إسرائيل" التوسعية.
وقد انعكس هذا التحول مباشرة في أجندة الإعلام البريطاني، حيث أظهر تحليل قاعدة بيانات "نيكسيس" أن عدد القصص المتعلقة بغزة ارتفع بنسبة 50% بين يناير وأغسطس 2025، من 64 ألفاً إلى 94 ألفاً بعد الأول من مايو، وشملت الزيادة تغطية قضايا لم تكن مطروحة سابقاً، من بينها الجرائم ضد الأطفال الجائعين، والإبادة الجماعية.
قفزات بالتغطية الإعلامية
ارتفعت التغطيات التي تتناول "غزة والإبادة الجماعية" بنسبة 138% بعد مايو، بعدما رفضت وسائل الإعلام في البداية الاعتراف بهذه التوصيفات، وكمثال: نشرت "بي بي سي" تقارير تنقل اتهامات منظمات حقوقية "إسرائيلية" بأن إبادة جماعية تُرتكب في غزة، وأوردت تصريحات لمقررة الأمم المتحدة "فرانشيسكا" ألبانيزي عن "اقتصاد إبادة جماعيةإسرائيلي".
وسجّل موقع "بي بي سي وورلد" ارتفاعًا بنسبة 193% في استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، بينما قفزت النسبة على قناة "بي بي سي نيوز" إلى 181%، وتضاعفت في صحيفة "الغارديان".
أما الأخبار التي تجمع بين "غزة" و"جرائم الحرب" فقد ارتفعت بنسبة 88%، بما في ذلك قفزات كبيرة على "BBC1" و"BBC World".
وفي يونيو، نشرت "بي بي سي" تقريراً مطولاً لمحررها الدولي جيريمي بوين، أقر فيه للمرة الأولى بأن "إسرائيل متهمة بارتكاب أفظع جرائم الحرب"، كما ارتفع عدد التقارير التي تتضمن "انتقاد إسرائيل" أربعة أضعاف منذ مايو.
وعلى الرغم من أن "إسرائيل" اغتالت أكثر من 270 صحفياً فلسطينياً حتى 10 يوليو، فإن 90% من التغطية البريطانية لجرائم قتل الصحفيين تركزت بعد هذا التاريخ.
ويرى "ديكلاسيفايد" أن هذه التحولات لا تعني عودة الصحفيين الغربيين إلى رشدهم أو اعترافهم بدورهم في التغطية المتواطئة مع الإبادة، وإنما تعكس التبعية لأجندة الحكومة، فحين اضطرت الأخيرة لتغيير خطابها، فُتح المجال فجأة أمام التغطيات النقدية، لكن هذا لا يعني تغييراً جذرياً، بل مجرد تعديل تكتيكي للخطاب، دون المساس بالسياسات الاستراتيجية الأساسية.
ازدواجية في القرارات
يقول موقع "ديكلاسيفايد": عندما منعت الحكومة البريطانية بعض المسؤولين "الإسرائيليين" من حضور معرض السلاح (DSEI)، فإنها أبقت الباب مفتوحاً أمام شركات السلاح "الإسرائيلية"، وسمحت باستمرار مبيعات أسلحة خلال الإبادة، كما أن وسائل الإعلام واصلت الترويج لخطاب مؤيد لـ"إسرائيل"، من خلال التشكيك في استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية"، أو عبر الإشارة المتكررة إلى "وزارة الصحة التي تديرها حماس"، في حين تتجاهل حقيقة أن "نتنياهو" مطلوب للجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وقد زادت تغطيات "بي بي سي" لهذه العبارة تحديداً منذ مايو، حيث قفزت على "بي بي سي نيوز" من 141 إلى 313 مرة، وعلى "بي بي سي وورلد" من 111 إلى 197 مرة.
وانتقد التقرير صمت الإعلام عن أكثر من 600 رحلة تجسس نفذتها وزارة الدفاع البريطانية فوق غزة انطلاقاً من قاعدة "أكروتيري" في قبرص، وحتى بعد فضح "ديكلاسيفايد" و"ذا ناشيونال" لهذه العمليات، حاول مراسل "بي بي سي" جوناثان بيل السخرية من الموضوع، لكن صحيفة "التايمز" أقرت لاحقاً باستمرار تلك الرحلات.
رغم ذلك، لم يُنشر سوى 75 تقريراً عن "رحلات المراقبة" طوال العام، معظمها بسبب أسئلة برلمانية، وغالباً ما يكرر الصحفيون الخطاب الرسمي لوزارة الدفاع بأن الهدف الوحيد من هذه الطلعات هو البحث عن الرهائن.
أوكرانيا قبل غزة!
لاحظ تقرير "ديكلاسيفايد" أن التغطية الإعلامية لغزة وإسرائيل تظل أقل بكثير مقارنة بالتغطية الخاصة بالحرب في أوكرانيا، إذ أصدرت الحكومة البريطانية بيانات عن روسيا وأوكرانيا أكثر بثلاثة أضعاف مما أصدرته عن غزة، فيما تجاوز عدد القصص الإعلامية حول أوكرانيا 225 ألفاً مقابل 94 ألفاً فقط عن غزة.
خلص "ديكلاسيفايد" إلى أن تزايد الانتقادات لـ"إسرائيل" ليس وليد "صحوة صحفية"، بل نتيجة لتغيّر في الخطاب السياسي الرسمي، فالإعلام البريطاني لا يزال مرتبطاً بأجندات الحكومة، ويعيد إنتاج استراتيجياتها، بدلاً من بناء أجندة مستقلة، ولهذا، فإن كثيرين يرون أن ما يجري يمثل تواطؤاً مفضوحاً، لا عملاً صحفياً حراً.