زيارة في "الوقت المستقطع"...ما الذي يحمله بايدن في جعبته للمنطقة؟
الاثنين - 16 مايو 2022
التحضيرات لأول زيارة رئاسية يقوم بها جو بايدن للشرق الأوسط، والمُنتظرة في أواخر يونيو القادم، جارية على قدم وساق... تشمل التحضيرات لقاءات الرئيس وبرنامج عمله، والموعد المحدد لإتمامها، تزامناً مع انعقاد قمتي مجموعة السبع والناتو (ألمانيا 26 يونيو، إسبانيا 28 منه)، قبلهما أم بعدهما، "في الوقت المستقطع" كما يُقال.
وخلف أبواب مغلقة، يجري البحث للنظر في احتمال ترتيب قمة إقليمية، تعقد في إسرائيل، ويشارك فيها عدد من قادة الدول العربية، في إعادة إنتاج، أرفع مستوى، للقاء "النقب" الوزاري السداسي، والذي جمع إلى جانب وزيري خارجية الولايات المتحدة وإسرائيل، وزراء خارجية كل من المغرب والإمارات ومصر والبحرين.
زيارة الرئيس بايدن، تستدعي إلى الأذهان، أول زيارة قام بها سلفه، دونالد ترامب للمنطقة،… ترامب لم ينتظر أكثر من أربعة أشهر على توليه مقاليد البيت الأبيض حتى اختار السعودية وجهةً لأولى زياراته… بايدن انتظر ستة عشر شهراً لفعل ذلك، واختار إسرائيل وجهة أولى له… ترامب تمكن من إتمام ثلاث قمم في قمة واحدة (سعودية – أميركية، خليجية -أميركية، وأميركية – عربية – إسلامية)، بايدن أوفد جاك سوليفان مستشاره للأمن القومي، للنظر في إمكانية استدعاء عدد من قادة "المسار الإبراهيمي" وربما مصر والأردن، لقمة على عجل في إسرائيل، استجابة لرغبة إسرائيلية، وخدمة لمصالح كيان الاحتلال.
ترامب سعى في تشكيل حلف استراتيجي شرق أوسطي، أُعلنت مبادئه في قمة الرياض، وطغى عليها ملفا محاربة الإرهاب و"الملف النووي" الإيراني… في حين يسعى بايدن لـ "شدّ عصب" حلفاء واشنطن، وتأمين احتشادهم خلفها في حربها الكونية مع روسيا، في أوكرانيا وعليها.
تواطؤ قادة عرب
ترامب نجح في انتزاع "صمت" و"تواطؤ" قادة عرب وخليجيين ومسلمين، ليمرر لاحقاً مشروعه الذي عُرِف باسم "صفقة القرن"، نظير ضمانات وحمايات وصفقات تسلح فلكية… بايدن الذي عارض مشروع سلفه لفظياً، أبقى فعلياً، على عناصر جوهرية منه: الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إبقاء السفارة الأميركية فيها، الالتزام بـ"المسار الإبراهيمي" غير المشروط بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية، والاكتفاء بتصور ضبابي حول "رؤية حل الدولتين" والدوران في حلقات "التهدئة" و"إجراءات بناء الثقة" المفرغة.
نبأ زيارة بايدن لإسرائيل، وقع "برداً وسلاماً" على أسماع حكومة بينيت – لبيد وائتلافها الهجين والهش، فالزيارة بحد ذاتها، هي تكريس لاستعادة مناخات الثقة مع إدارة ديمقراطية، بعد أن اهتزت علاقات إسرائيل تحت قيادة نتنياهو بالحزب الديمقراطي في العقد الأخير.
والقمة العربية – الأميركية – الإسرائيلية، إن التأمت، ستكون بمثابة هدية مجانية كبرى، تقدمها إدارة بايدن لحكومة بينيت، التي تسعى لتكريس هيمنة إسرائيل، كدولة قائدة لمحور أمني إقليمي، يسعى في "ملء فراغات" كثيرة في المنطقة، ويعمل وفقاً لأولويات "نظرية الأمن الإسرائيلية"، التي تركز على استئصال المقاومة دون التزام من قبلها بإنهاء الاحتلال، أو حتى تجسيد "رؤية بايدن" الضبابية لحل الدولتين، بل ومن دون استعداد للانخراط في مسار تفاوضي مع الفلسطينيين، حتى وإن كان من النوع الأجوف والمفرغ من أي مضمون، كما كان عليه حال هذه المفاوضات، طوال أزيد من ربع قرن.
إسرائيل أيضاً، "فرحة" بالزيارة، وفقاً لتسريبات اثنين من مسؤوليها، كونها تعيد التزام واشنطن بالإقليم، وهي رسالة تكتسب أهمية إضافية، وفقاً للمصادر، جراء تفشي القناعة لدى حلفاء واشنطن، بأن الأخيرة أدارت ظهرها لهم، ولم تعد تولي إقليمهم الأهمية الاستراتيجية التي طالما احتلها في حسابات الأمن الاستراتيجي – الكوني للولايات المتحدة.
إسرائيل تتحدى بايدن
إسرائيل استبقت زيارة بايدن، كدأبها في مثل هذه المحطات، بإقرار رزمة من المشاريع الاستيطانية في القدس وعمق الضفة الغربية، وزعيم "حمائمها" ووزير خارجيتها، يئير لبيد، أعلن بأن حكومته ليست بحاجة لإذن من أحد، يقصد البيت الأبيض، لممارسة أنشطتها الاستيطانية، فإسرائيل من وجهة نظره، دولة ذات سيادة، وهي تمارس واجبات السيادة على أرضها (يقصد الضفة والقدس المحتلتين)، في تجاهل متعمد واستفزازي، لموقف واشنطن من الاستيطان و"رؤية بايدن"، ولقطع الطريق مسبقاً، على أية محاولة أميركية للضغط باتجاه وقف الاستيطان أو حتى تجميده أو احتواء اندفاعته.
وإسرائيل استبقت زيارة بايدن، بل واستبقت القمة الأميركية – الأردنية (الجمعة الفائت) لتأكيد قطيعتها مع "الرعاية الهاشمية" للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، ضاربة عرض الحائط ليس برغبات واشنطن وتفضيلاتها فحسب، بل وبمعاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية… إسرائيل "السيدة" كما يقول بينيت، لن تسمح لطرف أجنبي" – يقصد الأردن - بالتدخل في شؤون الأقصى، سيادةً وإدارةً ورعايةً… وجاء موقف بينيت الاستفزازي، وغير المسبوق، بعد أيام من قرار حكومته، رفض السماح للأردن بزيادة أعداد حراس الأقصى بخمسين حارساً إضافياً، للاطمئنان إلى سلامته، إثر الارتفاع القياسي في عدد الانتهاكات وعديدها، من قبل جموع المستوطنين والمتطرفين المتدينين في الفترة الماضية.
في ضوء هذه التطورات جميعها، فإن الحكم على نجاح زيارة بايدن أو فشلها في تحقيق مراميها، إنما يتوقف على طبيعة الأهداف المتوخى تحقيقها، فإن كان المقصود بها استنقاذ عملية سلام الشرق الأوسط، التي ترقد في حالة موت سريري منذ سنوات طوال، فإن معيار النجاح لا يتوقف على "رزمة إجراءات بناء الثقة"، أو حتى زيارة رمزية للقدس الشرقية، بل في فتح أفق سياسي لحل نهائي، بجدول زمني مستند إلى المرجعيات الدولية المعروفة، وهذا أمرٌ غير محتمل، وإن كان الهدف، طمأنة الحلفاء المتشككين وإطفاء قلقهم، فإن البوابة التي اختارها بايدن لفعل ذلك، كانت خاطئة تماماً، فإسرائيل هي أقل الحلفاء شكاً وقلقاً، وحلفاء واشنطن العرب هم أولاً وقبل غيرهم، من يحتاج لتلقي مثل هذه الرسائل، دونما حاجة لجلبهم إلى "بيت الطاعة" الإسرائيلي تحت عنوان "النقب 2".
خلاصة القول، أن زيارة بايدن الأولى للمنطقة، لا تحمل معها "وعداً" بتغيير استراتيجي في مسار تطور الأحداث أو في تشكيل وإعادة تشكيل خرائط الأولويات والتحالفات في الإقليم، بل ولا يتوقع كثير من المراقبين، بأن تترك الزيارة، أثراً ذا مغزى، لا على أزمات المنطقة وملفاتها المفتوحة، ولا على "قناعات" قادتها وأولوياتهم، لكأنها زيارة تأتي في "الوقت المستقطع"، على هامش قمتين أكثر أهمية، ومنزوعة من جدول أعمال مزدحم بأولويات أخرى في أقاليم أخرى، والأرجح أنها ستنتهي بـ "المزيد من الشيء ذاته".
نقلا عن موقع "راديو سوا"