د. عز الدين الكومى يكتب: تعددت الانقلابات والمجرم واحد

الثلاثاء - 12 أبريل 2022

- د.عز الدين الكومي
( إعلامي حر )

ما أشبه الليلة بالبارحة !.

عندما قررت كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية الانقلاب على رئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق ..
كان هذا الانقلاب مدبراً ومخططا له من قبل عناصر المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية ، فأطلقت المخابرات البريطانية على العملية اسم عملية التمهيد (Operation Boot) ، بينما أطلقت المخابرات الأمريكية على العملية اسم مشروع أياكس/أجاكس (TPAJAX Project) .
وذلك لأن مصدق قرر تدقيق وثائق شركة النفط الأنجلو-إيرانية – وهي شركة بريطانية – والحد من سيطرتها على احتياطي النفط الإيراني.
وعقب رفض الشركة التعاون مع الحكومة الإيرانية .. صوّت البرلمان الإيراني لصالح تأميم قطاع النفط الإيراني وطرد ممثلي الشركات الاجنبية من البلاد.
بعد هذا التصويت قرر كل من رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” والرئيس الأمريكي “أيزنهاور” الإطاحة بحكومة إيران .
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المسؤولة عن التخطيط للانقلاب وتنفيذه ، بما في ذلك رشوة الساسة الإيرانيين وكبار المسؤولين الأمنيين والجيش ، فضلًا عن التحريض الإعلامي المؤيد للانقلاب .
وقد أشارت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لاحقا إلى أن هذا الانقلاب نُفّذ «بتوجيه من وكالة المخابرات المركزية» و «صُمم وجرت الموافقة عليه من أعلى مستويات الحكومة بوصفه فعلًا صادرًا عن السياسة الخارجية الأمريكية .
وعندما سئل الرئيس الأسبق لجمهورية بنما “عمر تريخوس” : هل من بلد في العالَم محصَّن ضد الانقلابات العسكرية؟ فقال : “الولايات المتحدة !! ، ولما سئل لماذا؟ قال : “لأنه ليس فيها سفارة لأمريكا !!”.
وتحت عنوان “تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية” قال البروفيسور الأمريكي المختص بشؤون أمريكا اللاتينية جون هـ . كوتسوورث في مقال له : “إن الجنود الأمريكيين والجواسيس يلعبون دورًا في التدخلات الأمريكية المباشرة،
أما التدخلات غير المباشرة فيكون الدور الرئيس فيها للجهات الفاعلة محليًا في الدول المستهدفة ، وهؤلاء لا يمكنهم التصرف أو النجاح من دون دعم من الحكومات الأمريكية” .
فسجل الولايات المتحدة الأسود في صناعة الانقلابات لتنصيب عملائها في كل بلد لتحقيق أطماعها لا يخفى على كل ذي عينين ، وعندما تقف الحكومات القائمة دون تحقيق هذه الأطماع .. يأتى الانقلاب المدعوم أمريكياً ، حتى لو كانت تلك الحكومات وصلت إلى السلطة بواسطة صندوق الانتخابات الحرة والنزيهة الذي تزعم واشنطن زورًا أنها تدافع عنه! .
وماحدث في مصر عام 2013 ليس عنا ببعيد ، فقد دعمت أمريكا الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي رحمه الله وحرصت على أن يكون دورها غير معلن ؛ لأن اعترافها بالانقلاب يسبب لها مأزقاً مع قانونها الذي يمنع تقديم أي مساعدة لبلد انقلب العسكر فيه على سلطته !!.
ولكن أمريكا لايعنيها إلا مصالحها ، لذلك فهي تغض الطرف عن كل الجرائم بحق الشعوب ، طالما أن الانقلاب سيحقق مصالحها .
ولعل آخر هذه التدخلات الأمريكية هي الإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني “عمران خان” عبر سحب الثقة من حكومته ، لأن عمران خان في نظر أمريكا أيد استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان ورفض طلباً إماراتيا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، ويمّم وجهه شطر روسيا والصين ، وامتنع عن إدانة روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ولقد كان عمران خان يسعى للوصول إلى الحكم الرشيد في باكستان ، ولم يكن تلوّث بالفساد ولم يكن منحدراً من أسرة أرستقراطية سياسية عريقة ، ولكنه جاء إلى سدة الحكم من باب الرياضة ، وسعى جاهداً لمحاربة الفساد المستشري في أوصال الدولة ، فاصطدم بمنظومات فاسدة ولدت مع ولادة الدولة الباكستانية ، وأراد أن يمارس سلطاته كرئيس وزراء منتخب ، فأراد التدخل في تعيينات المؤسسة العسكرية مثل رئيس الأركان وجهاز الاستخبارات العسكرية .
وعلى المستوى الخارجي فقد رفض منطق التبعية وقرر التعامل مع القوى الخارجية من منطلق الندية ، وانتقد الموقف الأمريكي من قضية كشمير.
كم وجه انتقادات لاذعة للمبعوثين الغربيين في إسلام أباد الذين حثّوا باكستان على إدانة تصرفات روسيا في أوكرانيا ، وسألهم عما إذا كانوا يعتقدون أن باكستان هي “عبد” لهم وقال لهم : “أريد أن أسأل سفراء الاتحاد الأوروبي : هل كتبتم مثل هذه الرسالة إلى الهند؟”.
ونجح عمران خان في بناء تحالفات مع كل من الصين وروسيا ، وفتح باب التواصل مع الدول الإسلامية مثل إيران وماليزيا وتركيا.
ومع نشوب الأزمة الروسية الأوكرانية ، حاول عمران خان أن يكون محايداً وهذا ما أغضب الغرب وأمريكا .
لكن في المقابل فقد كان موقف الجيش مغايراً لموقفه ، فقد انتقد قائد الجيش الغزو الروسي لأوكرانيا ، وقال الجنرال “قمر جاويد باجوا” في بيان مهم قبل التصويت بسحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان : “إن الغزو الروسي لأوكرانيا هو “مأساة كبيرة يجب وقفها على الفور”.
وأدان قائد الجيش الباكستاني الحرب الروسية قائلاً : “لقد دعت باكستان باستمرار إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية” .
وبالرغم من أن الجيش الباكستاني كان قد قال أنه لا علاقة له على الإطلاق بالوضع السياسي السائد بعد قيام الرئيس عارف علوي بحل البرلمان بناءً على نصيحة رئيس الوزراء عمران خان .. إلا أنه من الواضح أن الجيش قام – من خلف الكواليس – بصناعة أحداث سياسية لدعم أحزاب المعارضة .
لأن الجيش الباكستاني قَبِلَ بعمران خان للحد من سيطرة الأحزاب التقليدية على السلطة فى البلاد ، كما أنه كان هناك شهر عسل بين عمران والمؤسسة العسكرية انتهى قبل أربعة أشهر تقريباً ، لأن الجيش يريد الحفاظ على العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.
نسأل الله تعالى أن يهيء للأمة الإسلامية أمر رشد، وأن يرزقها بقادة ربانيين يأخذون بيدها لبر الأمان.