انتصارٌ على المال والبروباغندا.. كيف حسم "ممداني" سباق نيويورك بخطة إعلامية ذكية؟

الخميس - 6 نوفمبر 2025

  • حملة ممداني الإعلامية جمعت بين الوضوح في الرسالة والاعتماد على التمويل الصغير
  • الحملة اعتمدت على محتوى رقمي مبتكر ومشاركة ميدانية كثيفة من الشباب المتطوع
  • ممداني قدّم نفسه مسلمًا فخورًا بأصوله ووجّه خطابه للطبقة العاملة والمهمشين
  • مواجهة "الإسلاموفوبيا" والأخبار الزائفة كانت عبر الردود السريعة وكشف الأكاذيب
  • يهود دعموا الحملة رغم معاداتها للصهيونية.. وهجمات ترامب تحولت إلى رصيدٍ شعبي

 

"إنسان للإعلام- فريق التحرير:

كانت الحملة الإعلامية لعمدة نيويورك المسلم الديمقراطي الجديد "زهران ممداني"، وطريقة إدارته لها هو وفريقه من الشباب نموذجًا فريدًا يمكن أن تكون درسًا لأي سياسي مغمور يعاني من حملات إعلامية مضادة تستهدف تشويه صورته وإسقاطه بالمال و"البروباجندا" الكاذبة؟
وساهم في نجاح هذه الحملة حالةُ الوضوح والقوة في إثبات الذات والمبادئ وعدم نفي أصله المسلم أو عاداته في الملبس والمأكل، بل والفخر بذلك وتحدّي من يحاولون أن يعيبوا عليه ذلك أو من يحاولون التنكر لأصولهم وعاداتهم بدعاوى "الفَرْنجة" أو الوجاهة الاجتماعية.
فقد كان واضحًا في الفخر بأنه مسلم، وواضحًا في أنه معادٍ لـ"إسرائيل" لا لليهود، ووصفها بأنها دولة إبادة، ورفض الاعتراف بها "دولة يهودية" وعدم الإمساك بالعصا من المنتصف، وواضحًا وصريحًا في برنامجه المعادي للمليارديرات ودعمه للفقراء والمشردين.

خطاب للطبقة العاملة
وحتى خطاب انتصار "ممداني" بات وكأنه "واحدة من الأدبيات التاريخية"، فهو أول خطاب انتصار انتخابي منذ عقود يكون موضوعه الرئيسي هو "الطبقة العاملة" والفخر بأنه "مهاجر"، وأن نيويورك أصلًا هي بلد المهاجرين لا المليارديرات أنصار ترامب الذين استولوا عليها.
لم يتحدث عن السياسة ولا الوعود الهلامية، بل تحدث عن "الأصابع المحتقنة من حمل الصناديق في ساحات المخازن، وراحات الأيادي المتورمة من القبض على دراجات التوصيل، والمفاصل المجروحة بلسعات المطابخ"، وكيف يحمل همّها ويسعى لتحقيق آمالها.
اقتبس في خطابه كلمات "يوجين دبس"، أبرز زعيم اشتراكي في التاريخ السياسي الأمريكي، وتحدث عن إسقاط السلالة السياسية الحاكمة وتولّي طبقة أخرى، وأضاف أن "نيويورك ستكون النور في هذا الوقت من الظلام السياسي".
وكل هذه الأمور (الحملة الإعلامية – خطابه الواضح الصريح – الاعتداد بأصوله – وضوح أهدافه) ساعدت عمدة نيويورك المنتخب وقادته للفوز رغم شراسة الحملات المضادة، والتجاذب السياسي الداخلي، وحملات التحريض من جانب المليارديرات اليهود خصوصًا.

حملات إعلامية مضادة
ولأن برنامج "ممداني" الانتخابي يضرّ بصفة خاصة مليارديرات نيويورك وغالبيتهم من اليهود، سعوا لتقديم دعمٍ سخيٍّ لخصومه وشنّ حملات دعائية ضده لتخويف النيويوركيين من انتخابه عمدةً للمدينة.
فلم يخجل رجال الأعمال اليهود الأثرياء في نيويورك من كشف قيادتهم حملاتٍ إعلاميةً ضده، ونشرت صحيفة "بيزنس إنسايدر" في 27 أكتوبر 2025 قائمةً بالمليارديرات الذين أنفقوا مبالغ طائلة في محاولةٍ أخيرة لمنع زهران ممداني من تولّي منصب عمدة مدينة نيويورك.
تبيّن أن 26 مليارديرًا، معظمهم يهودٌ صهاينة، 16 منهم فقط من نيويورك والباقي من خارجها، ضخوا أكثر من 22 مليون دولار لوقف حملة زهران ممداني على منصب عمدة مدينة نيويورك، ومن أبرزهم: مايكل بلومبرج، بيل أكمان، أليس والتون، ستيف وين، عائلة لودر، وبعضهم أنفق ببذخ في محاولةٍ لمنع "ممداني" من الفوز.
وقد ضخّ هؤلاء المليارديرات الكبار أموالًا أخرى في مجموعات تهدف إلى إيقاف "ممداني"، منها مجموعة Fix the City وهي مجموعة مؤيدة لكومو جمعت 7.3 مليون دولار، ومجموعة Defend NYC، وهي مجموعة مناهضة لممداني جمعت ما يقرب من 2.5 مليون دولار.
أيضًا شنّت صحفٌ مملوكة لليهود مثل "نيويورك بوست" اليمينية المتطرفة المملوكة لرجل الأعمال اليهودي بلومبرج، وصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، حملاتٍ إعلاميةً في صورة شائعاتٍ واستطلاعاتٍ مشبوهة عن هجرة اليهود من المدينة.
زعموا أن "نحو مليونٍ من سكان نيويورك مستعدون للفرار من المدينة إذا أصبح "ممداني" عمدة، مما قد يؤدي إلى أكبر نزوح في التاريخ"، وهو ما من شأنه أن يمهّد الطريق لأكبر هجرة سكانية في تاريخ الولايات المتحدة!

ـمائة ألف متطوع
وقد وصفت صحيفة "الغارديان"، 5 نوفمبر 2025، حملته الإعلامية وصراحته بأنها "جعلت ممداني ظاهرةً عالميةً، وأحيت حماسةً غير مسبوقة لدى العديد من سكان نيويورك، حيث استقطبت ما يقرب من 100 ألف متطوع".
قالت: إن حملة المرشح المسلم التي انتهت بفوزه سيكون لها آثارُها خارج حدود نيويورك، وسوف تُشجّع "تقدميين" آخرين على الترشح في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ويمكنه أن يؤثر على الحزب الديمقراطي قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
ونقلت عن "أسامة أندرابي"، مدير الاتصالات في منظمة "ديمقراطيون من أجل العدالة" (For the People's Democratic Action Committee) التقدمية التي شاركت في حملات دعم "ممداني": "أعتقد أن هذا يمثل بالنسبة لسكان نيويورك ضوءًا صغيرًا سيكون بمثابة منارةٍ للآخرين أيضًا".
وكمثالٍ قال: انضم أكثر من عشرة آلاف متطوع إلى منظمة "ترشحوا لشيءٍ ما" التقدمية خلال الشهرين التاليين لفوز "ممداني" في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي (يوليو 2025)، وكان لكلٍّ منهم اهتمامه بإدارة حملته الانتخابية الخاصة، ومن الطبيعي بعد فوزه في انتخابات العمدة، 5 نوفمبر 2025، أن يزيد عدد المنضمين ممن يرغبون في معرفة كيف فاز في نيويورك.
واستقطبت حملة "ممداني"، التي تتميز بسهولة الوصول إليها وتفاعلها مع وسائل التواصل الاجتماعي، اهتمامَ الشباب والناخبين لأول مرة، ويقول المسؤولون عن حملته: إن المدينة شهدت أكبر إقبالٍ على الإطلاق للناخبين بعد الانتخابات الرئاسية.

ركائز استراتيجية للحملة الإعلامية
استندت حملةُ الدعاية للمرشح المسلم "ممداني" على عدة ركائز هامة منها:
1-كانت رسالة الحملة محوريةً بسيطةً ومترابطة، حيث صاغت رسالةً مركزيةً سهلة الفهم هي "خفض تكلفة المعيشة" أي: (خفض إيجارات، نقل عام مجاني، رعاية أطفال - إلخ.)، مع تقدمه بخطابٍ يطالب بحفظ كرامة الطبقات العاملة والشباب.
وكانت هذه الرسالة -وظلت- طوال الانتخابات ثابتةً عبر الإعلانات والمنشورات والخطابات، فحوّلت قضايا تقنية إلى شعاراتٍ تعبر عن هَمِّ الناخب اليومي، وهذا الثبات جعل من الصعب على الخصوم قلب المسار عبر هجماتٍ شخصية فقط، كما يشير تحليلٌ لحملة زهران ممداني.
2- كانت الركيزة الثانية هي تعبئةً أرضيةً ضخمةً وقيادةً شبابيةً، وقد استفادت الحملة من قوة التطوع، حيث تطوّع آلاف الشباب للقيام بحملات طرق الأبواب وتوعية الناخبين وحثهم على انتخابه، وفعل هو الشيء نفسه بالنزول إلى محطات المترو والمواصلات والتاكسي وغيرها.
وتقول صحيفة "نيويورك بوست"، رغم عدائها له ولحملته: إن "النصوص التي تم توزيعها والمحادثات وجهًا لوجه والتحالفات مع فروع وجماعات طلابية وحركاتٍ عمالية، كان نموذجًا شبّهته بتحريك "جيشٍ تطوعيٍّ" قادرٍ على بلوغ الناخبين غير المنظمين خصوصًا فئة جيل "زد" والناخبين متعددي الخلفيات الدينية والعرقية في الأحياء.
3- وكانت الركيزة الثالثة للحملة الإعلامية هي (استراتيجية رقمية مرنة وذكية)، فقد كتبت الحملةُ قواعدَ متينةً للوسائط الاجتماعية تضمن:
• محتوى قصيرًا وساخرًا وميمات (memes) لنشر الرسالة بسرعة.
• فيديوهات محلية بلغات المهاجرين (إسبانية، عربية، وغيرها) لتعزيز الهوية المشتركة.
• فرقًا للرد السريع على الادعاءات والأخبار الكاذبة.
وكان تحقيقٌ سابق لصحيفة "واشنطن بوست" أكّد عقب فوز "ممداني" التمهيدي في يوليو 2025 أن وجود حملةٍ رقميةٍ مبتكرة كان عاملًا حاسمًا في بناء حركة واسعة تتجاوز الإعلام التقليدي.
4- كان اعتماد حملة "ممداني" على "التمويل الصغير مقابل المال الكبير" سببًا وركيزةً لنجاح حملته الإعلامية.
فرغم ضخِّ ملايين من جهاتٍ معارضةٍ له من اللوبي الصهيوني في نيويورك ومن رجال أعمالٍ يهود ومتبرعين كبار لدعم مرشحين مضادين، حافظت الحملة على الاعتماد بشكل كبير على تلقي "تبرعاتٍ صغيرةٍ ومتكررة".
وقد خلق هذا شعورًا بملكية جماعية للحملة، وقد أوضحت تقاريرُ مالية وإعلامية، منها تقريرٌ لوكالة "بلومبرج"، أن الأموال الكبيرة ذهبت غالبًا إلى حملاتٍ مضادةٍ وإعلاناتٍ هجومية، لكنها فشلت في كسر زخم تعبئة قاعدة دعم المرشح المسلم.

التصدي للهجمات المضادة
لأنه مسلم واشتراكيُّ التوجّه، ليس ليبراليًا ولا محسوبًا على اللوبي الصهيوني ولا رجال الأعمال اليهود، تحسبت حملته الانتخابية للتصدي وإدارة الهجمات مثل: حملات الإسلاموفوبيا، ونشر صورٍ كاذبةٍ له معدّلةٍ بالذكاء الاصطناعي، والتصدي للإعلانات الزائفة.
واتبعت الحملة في هذا الصدد استراتيجية "عدم الاستفزاز + كشف الادعاء"، فعندما ظهرت هجماتٌ تصويرية أو إعلاناتُ ذكاءٍ اصطناعي عنيفة، اعتمدت الحملة مزيجًا من: كشفها وفضحها فنيًا (مقارنة الصورة الأصلية والمحرفة)، مع تحويل الهجوم إلى مناسبةٍ لرفع الوعي عن التمييز.
كما اتبعت أسلوبَ العودةِ فورًا إلى الرسالة الإيجابية (الاقتصاد والأسعار)، وهذه المعادلة قلّصت فائدة الهجوم لدى الناخب العادي، ودفعت من قاموا بهذه الحملات لتشويه المرشح المسلم لحذف ما نشروه لاحقًا، كما كشفت صحيفة "الجارديان".
أيضًا اتّبعت الحملة سياسةَ نشر مقاطع متعددةٍ بلغاتٍ متعددة واستهدفت مجتمعات المهاجرين على اختلاف ألوانهم ولغاتهم.
وكان لافتًا هنا أن "ممداني" ظهر في إعلاناتٍ بلغاتٍ محلية (عربي وإسباني) وهو ما خفّف الهجومَ الثقافي، وبدّل الحملةَ من الدفاع إلى صياغة علاقة مباشرة مع مجتمعات المهاجرين.
وقد وصفت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، 2 نوفمبر 2025، هذه الخطوة الذكية بأنها "تذكّر أن الردود الإعلامية ليست فقط نفيًا بل بناءُ ثقة"، حتى إن "ممداني" تعمّد الظهور في إعلانٍ مدفوع بشبكة "فوكس نيوز" اليمينية المعادية له ليقول للناخبين: "لا تستمعوا لما تقوله هذه القناة عني.. أنا أمامكم أتحدث بلا تحفظ عن كل شيء"!!

الدور الحاسم للميدان
وظّفت الحملة بياناتٍ انتخابية دقيقة لاستهداف الناخبين، بمن فيهم المتحوّلون عنها، بالرسائل الصحيحة في الوقت المناسب للرد على القصص الكاذبة، كما استثمرت في تحفيز المشاركة أو التصويت المبكر وسجّلت مستوياتٍ غير مسبوقة في المدينة.
وكانت النتائج المترتّبة على ذلك هي ارتفاع نسبة المشاركة العامة حتى باتت هي الأكبر منذ عقود، ما أفاد المرشح ذا القاعدة الشعبية العالية "ممداني"، وفق شبكة "سي بي إس نيوز" 5 نوفمبر 2025.
واستثمرت الحملة أيضًا في نشر إعلاناتٍ وتقارير في صحفٍ كبرى وحملات، ووظّفت قصصًا إنسانية وفيديوهاتٍ بشكل واعٍ لتوليد قصص قابلةٍ للنشر بدلًا من الاعتماد الكلي على إعلاناتٍ باهظة الثمن للرد على هجمات الإسلاموفوبيا، وهو ما زاد من إبراز شخصية المرشح كمظلومٍ ومؤمنٍ برسالة العدالة، وفق صحيفة "الجارديان".
وركزت سياسات "ممداني" وحملته على زيادة الضرائب على أغنى أغنياء مدينة نيويورك، ورفع ضريبة الشركات، وتجميد أسعار إيجار الشقق المستقرة، وزيادة الإسكان المدعوم من القطاع العام، ما يثير المخاوفَ بين مجتمع التمويل من أن القدرة التنافسية للمدينة سوف تتأثر سلبًا، وفق "فرانس برس".
ويثير تربع مسلمٍ على عرش المدينة، التي طالما كانت رمزًا للرأسمالية، قلقَ وول ستريت والبيت الأبيض، حيث يعد "ممداني" نموذجًا غير تقليدي للسياسي، وهو أقرب إلى الباحث الأكاديمي منه إلى رجل السلطة، وفق "DW".
وتعد أفكاره، وعلى رأسها تجميد الإيجارات، والنقل العام المجاني، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإنشاء بنوك طعامٍ بلدية، "تحديًا صريحًا لبنية الاقتصاد النيوليبرالي الذي يحكم نيويورك منذ عقود."
ويرى أنصاره في رؤيته لمعالجة هذه الأمور "عودةً متأخرةً لعدالةٍ اجتماعيةٍ مفقودة"، في حين يعتبر خصومه ذلك "مشروعًا خطيرًا لتحويل مركز المال الأمريكي إلى مختبرٍ اشتراكيٍّ جامح"، بحسب التلفزيون الألماني.

استثمار هجوم ترامب وحرب غزة
استثمرت الحملة أيضًا تهديداتِ ترامب كوقودٍ للحشد، وحوّلت تصريحاتِه وتهديدَه بقطع التمويل الاتحادي، وتحركاتِه لدعم خصوم "ممداني"، وحتى تلميحَه بقطع الأموال عن نيويورك لو فاز المرشحُ المسلم، إلى هجومٍ عكسيٍّ ضده، مع استثمارها لصالح "ممداني"، بحسب شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
كما استثمرت حربَ غزة 2025 والانقسام حولها داخل الجالية اليهودية في دفع جزءٍ من اليهود للتحالف مع "ممداني".
وقد أدارت الحملة هذه القضية عبر حواراتٍ مباشرة مع قادة الطوائف ومحاولة تقديم ملفٍّ اقتصاديٍّ محلي يهمّ السكان أكثر من السياسة الخارجية، وهو ما نجح إلى حدٍّ كبير في تحويل التركيز إلى قضايا المعيشة اليومية.

أسباب نجاح الخطة الإعلامية
ويمكن تلخيص أسباب نجاح الخطة الإعلامية لحملة "ممداني" فيما يلي:

  1. رسالةٌ واقعية وممكنة التطبيق: الناس فهموا ماذا يعني كل وعدٍ يوميًا (أجرة، إيجار، مواصلات).
  2. تناغمٌ بين الرقمي والميداني: محتوى فيسبوك/تويتر/إنستجرام داعمٌ للعمل الميداني، لا بديل عنه.
  3. تجنّب التصادم الثقيل: الحملة لم تنجرّ إلى ردودٍ عنيفة؛ بل وظّفت الجرعات المناسبة من الردّ القانوني والإعلامي وتحويل الحديث إلى قضايا أساسية.
  4. قاعدةُ دعمٍ مالي صغيرةٍ قوية: جعلت الحملة أقلَّ عرضةً لابتزاز المال الكبير.
  5. تحويل هجمات ترامب والسياسيين المعادين إلى أدوات تعبئة: بدلًا من أن تُضعِف الحملة، أعادت الموقف إلى نقطة قوة.

يهود يصوّتون للمرشح المسلم
وبعكس أعضاء الجالية اليهودية الذين رفعوا سلاحَ معاداة السامية ضده، ساند اليهودُ التقدميون/اليساريون ومنظماتٌ يهوديةٌ تقدمية مثل:  (Bend the  Arc)  و"يهود من أجل العدالة العنصرية والاقتصادية"  (Jews For Racial & Economic Justice)، ممداني.
وركّز هؤلاء على حشد الناخبين الشباب اليهود التقدميين لصالحه، معتبرين أن القضايا المحلية (الإسكان، النقل، العدالة الاقتصادية)، وسياساته العدلية والاجتماعية ومواجهة العنصرية والفقر، أهم من صراعات الشرق الأوسط.
وجاء دعمُ هذه المنظمات اليهودية للمرشح المسلم من زاوية دعمهم لسياساته التي تخدم سكان نيويورك، واعتبروا أن انتقاداتِ حاخاماتٍ محافظين له مجرد "محاولةٍ سياسيةٍ لحرمانه من الفوز بأغلبية أصوات التقدميين اليهود".
وتُعدّ مدينةُ نيويورك موطنًا لأكبر جاليةٍ يهوديةٍ خارج "إسرائيل"، وهي أيضًا موطنٌ لأكبر عددٍ من المسلمين في أميركا، ونسبةٌ من المؤيدين منهم للمرشح المسلم يُركّزون على الخدمات ومكافحة فساد وسيطرة المليارديرات على المدينة.
وخلال العدوان "الإسرائيلي" على غزة ظهرت منظمتان يهوديتان ضد "إسرائيل" شاركتا في حملة دعم "ممداني" لاحقًا:
الأولى: "منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام" Jewish Voice for Peace المتضامنة مع غزة، وقامت بسلسلة مظاهراتٍ واحتلّت مبنى في الكونغرس للتنديد بجرائم "إسرائيل"، وهؤلاء كانوا يتظاهرون ضد سياسات الإدارة الأمريكية الداعمة للاحتلال "الإسرائيلي"، تحت شعار "لا يجب أن تقتل إسرائيل باسمنا"، أو "ليس باسمنا" (أي يهود أميركا)، و"لن يحدث ذلك (أي المجازر في غزة) مرة أخرى أبدًا".
والثانية: هي "IfNotNow"، أو "مؤسسة السلام في الشرق الأوسط"، أو "مقاتلون من أجل السلام"، وفق تعريفاتٍ مختلفة في الإعلام الأمريكي والصهيوني، وهدفهم كيهود أمريكيين هو "إنهاء الدعم الأمريكي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والمطالبة بالمساواة والعدالة والمستقبل المزدهر للجميع".
ولأن هذه المجموعات تتشارك مع "ممداني" في رفض العدوان على غزة، فقد دعموه في الانتخابات التمهيدية التي فاز فيها، يونيو 2025، واستمروا في دعمه في انتخابات نوفمبر، رغم معاداته "إسرائيل".
وقد أكدت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أن 40 بالمئة من اليهود و"الإسرائيليين" في نيويورك سوف يصوّتون لممداني بسبب هذه الحملات الإعلامية الداعمة له التي يشارك فيها (الشباب اليهودي) عكس الحاخامات وطلاب المدارس الدينية.
ذكرت أنهم يقولون عنه: "إنه ليس معاديًا للسامية وليس عدوًا"، كما تزعم مجموعاتٌ يهوديةٌ أخرى.
ووفقًا لاستطلاع رأيٍ أجراه "مركز بيو للأبحاث"، كان يؤيد حوالي 7 من كل 10 يهودٍ أمريكيين من الحزب الديمقراطي المرشحَ المسلم.
ووعد "ممداني" بمحاسبة "نتنياهو"، واعتقاله لو دخل نيويورك بموجب قرار المحكمة الجنائية الدولية، وسحب استثمارات المدينة من السندات والشركات "الإسرائيلية"، وحل المجلس الاقتصادي النيويوركي "الإسرائيلي".
كما تعهّد بإعادة تعريف معاداة السامية بحيث يستثني منها معاداة الصهيونية، وتخفيف الإجراءات ضد المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين، ومع هذا دعمه الشبابُ التقدمي اليهودي لأن برنامجه الأساسي هو خدماتٌ اقتصادية واجتماعية لنيويورك.
وكان تقريرٌ لموقع "فورورد" The Forward اليهودي ذكر أنه من المرجّح أن يصبح زهران ممداني أول عمدةٍ مسلمٍ لمدينة نيويورك "بفضل فريقٍ متماسكٍ من الشباب اليهود المحترفين الذين ساعدوه في هزيمة خصومه العريقين".
وأكد أنه، بخلاف حصوله على دعمٍ داخل الجالية اليهودية، يضم فريقُه الانتخابي خبراءَ يهودًا عملوا على حشد الدعم له داخل الجالية اليهودية، غالبيتهم من الشباب صغير السن، بعضهم شغل مناصب سابقة في حملات دعم مرشحين.
وكان "ممداني" يجتمع مع زعماء يهود طوال حملته، ووعد بمعالجة تصاعد معاداة السامية في نيويورك.

انتصار على المال والكراهية
وخاض "ممداني" حملته الانتخابية على أساس وعودٍ بجعل المدينة أكثر قدرةً على تحمّل التكاليف من خلال تقديم خطوطِ حافلاتٍ مجانية، ورعايةِ أطفالٍ شاملة، وتجميد الرقابة على الإيجارات، بجانب برنامجٍ تجريبيٍّ لمتاجر البقالة التي تديرها المدينة، في حين يسعى إلى زيادة الضرائب على السكان الأكثر ثراءً.
وتشير تقديراتٌ إعلاميةٌ وسياسيةٌ أمريكية إلى أن فوزَ زُهران ممداني في انتخابات نيويورك 2025 لم يكن صدفة، وإنما نتيجة خطةٍ إعلاميةٍ متكاملة جمعت بين سردٍ سياسيٍّ واضح، تعبئةٍ شعبيةٍ أرضية، إدارةِ أزمةٍ محترفة، واستثمارٍ ذكيٍّ في الإعلام الرقمي.
كما شكّل سلوكُ خصومه — وخصوصًا تهجماتُ ترامب وتصريحاتٌ حول غزة — جزءًا من المشهد، ساعده على حشد قاعدته ما أوصله إلى الفوز، حسبما تقول صحيفة "الجارديان" البريطانية، 5 نوفمبر 2025.

دروس لصانعي حملات أخرى
ومن أهم الدروس التي قدّمتها الحملةُ الدعائية لـ"ممداني" لكل من ينوي الترشح مستقبلًا:
• لا تستخفَّ بقوة التطوع الميداني: التطوعُ الموجّه فعّالٌ جدًّا.
• اجعل رسالتك قابلةً للشرح في 8 كلماتٍ أو أقل.
• استثمر في مقاطع فيديو قصيرة، ونشر دعايتك بلغاتٍ محلية، ونشر ميمات.
• حملاتُ ردٍّ سريعة على الأكاذيب والصور المزيفة وتوضيح الكذب ضد مرشحك.
• لا تسمحْ للمال الكبير أن يغيّر الواقع البشري: استهدف الناخبين بمقاطع وقصصٍ إنسانية وحقائق، ولا تَستند فقط إلى الإنفاق الإعلاني.